إلى أين يتجه مشهد الانتخابات الرئاسية السنغالية 2024؟

في الـ 15 من فبراير 2024، قضت المحكمة الدستورية العليا في السنغال بإبطال قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية، حيث أكدت المحكمة عدم دستورية القانون الذي أقره البرلمان السنغالي يوم 5 فبراير الجاري، والذي يقضي بتأجيل الانتخابات الرئاسية -التي كان من المفترض أن تجري في 25 من فبراير الجاري- إلى 15 ديسمبر القادم، كما أعلن المجلس الدستوري في السنغال إبطال مرسوم الرئيس “ماكي سال” الذي وقعه في 3 فبراير، وذلك بموجب حكم وافق عليه سبعة من أعضاء المحكمة.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتطرق التحليل إلى أبعاد السجال حول مسار الانتخابات الرئاسية.

دوافع التأجيل:

ترجع الدوافع وراء تأجيل الانتخابات إلى النزاع الذي نشب في يناير الماضي بين المجلس الدستوري والجمعية الوطنية، وذلك بعد التصديق النهائي من قبل المحكمة على 20 مرشحًا وإلغاء عشرات المرشحين الآخرين، فضلًا عن استبعاد اثنين من زعماء المعارضة وهما، عثمان سونكو المسجون في يوليو 2023،  و”كريم  عبدالله واد” نجل الرئيس السابق “عبدالله واد”، ومن جانب آخر صادق المجلس الدستوري على ترشيح “باسيرو ديوماي فاي” المناهض للنظام الحاكم رغم أنه مسجونًا منذ عام 2023.

وقد قرر الرئيس السنغالي إعلان قرار التأجيل بطلب من المرشح المستبعد “كريم عبدالله واد”، نظرًا لاتهامه اثنين من قضاة المحكمة العليا بالفساد، إضافة إلى معارضته استبعاد عدد كبير من الراغبين بالترشح للانتخابات الرئاسية للبلاد، ومن أبرزهم كريم واد نفسه، والمعارض المسجون “عثمان سونكو”، وفي المقابل وافقت الجمعية علي تشكيل لجنة تحقيق في شروط المصادقة على الترشيحات الرئاسية. كما برر الرئيس قرار تأجيله للانتخابات بسبب تكرار حدوث الخلافات التي أثارتها العملية السابقة للانتخابات، وخوفًا من أن “يؤدي رفض نتائج الاقتراع إلى اندلاع أعمال عنف جديدة”.

وعليه، كان يرغب الحزب الديمقراطي السنغالي الذي يترأسه “كريم واد” من خلال بيان أصدره الحزب، في أن ينجح مشروع القانون الصادر في معالجة الأضرار التي لحقت بـأكثر من 40 مرشحًا تم استبعادهم من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.

دواعي الإبطال:

يأتي إبطال المحكمة الدستورية في السنغال لقرار تأجيل الانتخابات الرئاسية؛ نظرًا لعدم دستورية قرار البرلمان، إضافة إلى أن القرار تسبب في موجة من الاحتجاجات، والاضطرابات السياسية في البلاد، التي تُعتبر من أكثر الدول استقرارًا في غرب إفريقيا، وذلك خوفًا من أن يتسبب التأجيل في هدم ما بنته السنغال خلال العقود الست الماضية من تحقيق تقدم اقتصادي وتكوين علاقات دبلوماسية مع الدول الكبري، لذلك انتفض الشعب السنغالي غاضبًا من خلال تنظيم المظاهرات وتوحيد الجهود لصالح الطعن في قرار التأجيل، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

(*) انتفاضة الشعب السنغالي: شهد الداخل السنغالي ردًا على تأجيل الانتخابات الرئاسية، خروج المواطنين بمظاهرات قوية، حيث امتلئت المدن السنغالية بالغضب الشعبي تجاه السلطة للمطالبة بعقد الانتخابات في موعدها، لا سيما في مدن “دكار و”تيس” و”سان لويس” وغيرها من المدن السنغالية، حيث شهدت هذه المدن اشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين تجمعوا تلبية لدعوة المعارضة للاحتجاج على قرار الرئيس بالتأجيل، وفي المقابل تمكنت الشرطة من وقف المتظاهرين عن طريق إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، حسب المعارضة، مما تسبب في تصاعد عمليات العنف وزعزعة الاستقرار في البلاد.

وتفاقمت الأزمة السياسية، بعد مقتل ثلاثة أشخاص أثناء المظاهرات المنددة بالرئيس “ماكي سال” من ضمنهم طالب يبلغ 16 عامًا، واعتقل عشرات المتظاهرين، وبالرغم من ذلك لم يمنع العنف قوى المعارضة من الدعوة للاستمرار في المظاهرات الحاشدة لزيادة الضغوط على “سال” وحكومته لإجراء الانتخابات، فضلًا عن مواصلة الاشتباكات بين مجموعات من الشباب وقوات الأمن، إضافة إلى امتداد الاحتجاجات إلى خارج البلاد، حيث شهدت كل من باريس وبرلين خروج آلاف السنغاليين للتظاهر لإجراء الانتخابات، فضلًا عن دعوات جديدة للمعارضة للتظاهر السلمي والتي تنظمها مجموعة من منظمات المجتمع المدني يوم السبت 17 فبراير الجاري.

وعليه، عبرت كل من فرنسا والولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية ومجموعة “الإيكواس”، عن قلقهم بشأن التأجيل، مطالبين بإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، مؤكدين على ضمان الحريات والحقوق الأساسية للشعب السنغالي.

(*) توحيد الجهود لصالح الطعن في قرار التأجيل: حاولت قوى المعارضة توحيد جهودهم للطعن في قرار التأجيل، حيث دعا رئيس حزب “باستيف” المعارض المستبعد من الانتخابات “عثمان سونكو” الشعب السنغالي إلى التصدي لـ”الانقلاب الدستوري” حسب وصفه، وقد اتخذ الأئمة والدعاة السنغاليين نفس الموقف، فضلًا عن اتفاق 12 من مرشحي المعارضة توحيد جهودهم بعيدًا عن خلافاتهم السياسية؛ للتمكن من الطعن في قرار البرلمان السنغالي بالتأجيل، وذلك خوفًا من أن يؤدي تأجيل الانتخابات إلى الدخول في أزمة سياسية، قد تؤثر على الاستقرار في الداخل السنغالي.

ووفقًا لما نقلته رويترز عن وثيقة للمجلس الدستوري، قدم 39 نائبًا برلمانيًا من ائتلاف “يوي أسكاي وي” المعارض في السنغال، طعنًا قانونيًا مشتركًا في قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية.

انعكاسات إيجابية:

جاء قرار المحكمة الدستورية انعكاسًا لانتفاضة الشعب وحفاظًا على ديمقراطية البلاد واستقرارها في ظل حدوث العديد من الانقلابات في البلدان المجاورة لها في الساحل الإفريقي، فضلًا عن قمع أي اضطرابات سياسية قد تؤدي  إلى تكرار سيناريو تأجيل الانتخابات الرئاسية لأول مرة عام 1963، لذلك لا يرغب السنغاليون في أن يتسبب التأجيل في هدم ما بنته السنغال في الست عقود الماضية، ويمكن توضيح تلك الانعكاسات كالتالي:

(&) نجاح المعارضة والمجتمع المدني في إبطال قرار البرلمان: قد ساعد قرار توحيد جهود المعارضة في إبطال قرار البرلمان، من خلال دعوتهم للشعب السنغالي للتظاهر والتصدي لما وصفوه بـ “الانقلاب الدستوري”، فضلاً عن تقديم عدد من  المرشحين الرئاسيين والمشرعين من المعارضة عددًا من الطعون الدستورية على قرار البرلمان، وذلك لقمع أي اضطرابات سياسية قد تؤثر على استقرار البلاد، وبالتالي يمكن القول إن مرشحي المعارضة والمجتمع المدني تمكنوا من لعب دور هام في إصدار قرار المحكمة الذي تضمن تحديد موعد للاقتراع في أقرب وقت ممكن.

(&) إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن: بعد قرار المحكمة الدستورية بإبطال قرار تأجيل الانتخابات، فمن المرجح أن تُجري الانتخابات الرئاسية خلال الأسابيع القادمة، مع صعوبة إجرائها في موعدها المحدد في 25 من فبراير الجاري وفقًا لقرارات المحكمة، ونظرًا لعدم قيام معظم المرشحين بحملاتهم الانتخابية بعد المرسوم الذي وقعه الرئيس السنغالي.

(&) إمكانية الإفراج عن المرشح البارز “عثمان سونكو”: بعد قرار الرئيس السنغالي الإفراج عن عدد من المعارضين الذي تزامن مع قرار المحكمة، قد يتم الإفراج عن زعيم حزب “باستيف” المعارض “عثمان سونكو” المرشح البارز المستبعد من الترشح للانتخابات الرئاسية 2024، حيث تم الإفراج عن “أليو ساني” منسق حركة المواطنين المعارضة و”جميل ساني” عمدة أحد أحياء دكار، إضافة إلى العديد من أعضاء الحزب الذي يرأسه، فضلاً عن تأكيد عضو تجمع عائلات السجناء السياسيين “سليمان دجيم” الاستمرار في عمليات الإفراج عن المعارضين.

وختامًا، يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية السنغالية لعام 2024، من المرجح أن  تجرى خلال الأسابيع القادمة، خاصة بعد تعهد الرئيس المنتهية ولايته “ماكي سال” بإجراء مشاورات من أجل تنظيم الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، حيث تنتهي الولاية الحالية الرسمية لـ “سال” في 2 أبريل القادم، في حين يبطل قرار المحكمة الدستورية، بقاء “سال” في منصبه بعد إنتهاء فترة ولايته إلى حين تنصيب الرئيس الجديد خلفًا له.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى