الطموح المتزايد: لماذا تتغير فلسفة تسليح الجيش الإثيوبيي؟
تلاحظ في الفترة الأخيرة، سعى سريع للدولة الإثيوبية في تحديث سلاح الجو، أحد أفرع قواتها المسلحة، حيث أعلنت في يناير الماضي، بعض صفحات التواصل الاجتماعي، التي تتابع أخبار الدولة الإثيوبية، عن حصول أديس أبابا علي مقاتلات الجيل الخامس روسية الصنع من طراز “سو-30″، ووفقا لهذه الصفحات فقد دخلت هذه الطائرات الخدمة خلال حفل أقيم في النصف الثاني من ذات الشهر، هذا فضلاً عن حصول إثيوبيا علي طائرة قتالية بدون طيار تركية الصنع من طراز بايكار أكينجي، أدخلتها الخدمة في نوفمبر 2023.
تأسيسًا علي ما سبق، يحاول هذا التحليل تفسير الدوافع الإثيوبية المتسارعة في تطوير أسلحة الجيش، وأهم أنواع السلاح المستقطبة وقدراته ومصادره، مع رصد ملامح خريطة التعاون العسكري الأثيوبي مع الأطراف الدولية، كذلك الاتفاقات العسكرية الإثيوبية.
يذكر، أن الجيش الإثيوبي، يحتل رقم 15 في ترتيب الدول التي تحصل علي المقاتلات الروسية، فضلاً عن وقوع الجيش الإثيوبي في المرتبة الـ 49 من 145 من أقوي الجيوش في العالم في عام 2024، ورقم 5 بين أقوي جيوش القارة الأفريقية بعد كل من مصر والجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا، بالمقارنة بعام 2022، فكان يصنف الجيش في المرتبة رقم 65 بين أقوي 142 جيشًا في العالم، والمرتبة الـ 6 بين أقوي الجيوش الأفريقية، وتعد إثيوبيا في المرتبة الـ 92 عالميًا من حيث حجم الإنفاق العسكري علي جيشها، حيث تقدر ميزانية الدفاع الإثيوبية بـ 888 مليون دولار في عام 2024، ويمثل أفراد الجيش حوالي 162 ألف فرد من بينهم 5000 فرد داخل القوات الجوية وحدها.
ظاهرة تتسع:
في العامين الأخيرين يؤكد المراقبون أن الدولة الإثيوبية حصلت علي عدد غير قليل من الطائرات بدون طيار من طراز بايكار أكينجي Akinci (UAVS) برقم الذيلS40 من تركيا وطائرتين مقاتلتين من روسيا من طراز “سو-30″Sukhoi، تحملان أرقام الذيل 2401 و2402، إضافة إلي توقيع أديس أبابا اتفاقية جديدة قيد التنفيذ للحصول علي طائرات أخري، ويمكن توضيح ما سبق، على النحو التالي:
(*) تحديث القوات الجوية الإثيوبية: وفقا لما رصدته صفحات التواصل الاجتماعي الإثيوبية، تلاحظ استعراض أديس أبابا حصولها علي المقاتلات الروسية الثقيلة من طراز “سو-30” في حفل أقيم لتسليم هذه المقاتلات بشكل علني، وبعد هذه الصفقة، يرى بعض المراقبين أن التطور الحادث في سلاح الجو الإثيوبي، جعل القوات الجوية الإثيوبية إحدى الأسلحة الرئيسية للجيش الإثيوبي التي تلق اتهام واسع من قبل إدارة رئاسة الوزراء الإثيوبية، خاصة وأنها أصبحت تحتل المرتبة الـ 72 بين أضخم القوات الجوية في العالم، والمرتبة الـ 11 في أفريقيا.
المسح الشمل لقدرات القوات الجوية لأديس أبابا في عام 2024، ووفقًا لموقع جلوبال فاير بور الأمريكي، يشير إلى أنها تتكون من 91 طائرة حربية منها، 23 مقاتلة حربية، و10 طائرات نقل عسكري، و 27 طائرة تدريب، و31 مروحية بينها 6 مروحيات هجومية، وتشكل المروحيات 32% من حجم القوة الجوية الإثيوبية، تليها طائرات التدريب بنحو 28%، ومن ثم المقاتلات بنحو 24%.
(*) طائرات “سو-30” الروسية: تعتبر أديس أبابا، هي الدولة الإفريقية الرابعة التي تحصل علي المقاتلات الروسية بعد الجزائر وأنجولا وأوغندا، فقد إثيوبيا حصلت على 6 طائرات من إجمالي 18 طائرة من ماركة “سو-30” الروسية، وهذه الصفقة تعد جزء من دفعة طائرات عائدة لروسيا في عام 2007، تم استبدالها بطائرات أكثر حداثة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض المراقبين أرجعوا حصول أديس أبابا على هذه الطائرة، كان بهدف تعزيز قدراتها في القتال الجوي والهجوم الأرضي، وتأمين المجال الجوي وردع أي اعتداءات محتملة.
يذكر أن سو-30، هي طائرة مقاتلة ذات محركين، تم تقديمها لأول مرة في روسيا عام 1992 كمقاتلة تفوق جوي ومقاتلة هجومية، ولديها قدرة علي الحظر الجوي في جميع الأحوال الجوية، فضلاً عن عمليات الضرب بعيدة المدى باستخدام صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ سطحية يصل وزنها إلي 8000 كجم (17600 رطل). ووفقًا لموقع “روس أوبورون إكسبورت” الروسي، تصنف “سو -30” بأنها مقاتلة ثقيلة يصل وزنها الكامل بالحمولة من الوقود والأسلحة والطاقم إلي 34 طنًا، وسرعتها تصل إلي 2120 كم في الساعة، وقدرتها علي التحليق من ارتفاعات تصل إلي 16100 مترًا، ومداها يصل إلي 3000 كم مع إمكانية تزويدها بخزانات وقود إضافية.
(*) الطائرة التركية بدون طيار: تشير بعض التقارير إلى أن الجيش الإثيوبي مزود بعدد من الطائرات بدون طيار إيرانية الصنع وتركية الصنع وصينية الصنع، لكن العدد الأكبر من الطائرات بدون طيار المزود بها الجيش الإثيوبي من الصناعة التركية من طراز أكينجي، ويؤكد بعض المراقبين أنه في 2023 التقى رئيس شركة بايكار التركية برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد وناقشا موصفات الصفقة. كما نشرت في ذات العام مجلة سكرامبل المتخصصة في أخبار الطيران، لقطات لطائرة بدون طيار من طراز أكينجي بتركيا وهي تحمل العلم الإثيوبي.
يذكر أن الطائرة بدون طيار “أكينجي” تعد أحدث الطائرات التركية بدون طيار وهي مجهزة برادار ذو مصفوفة مسح إلكتروني نشط (AESA) بجانب منظومات الاستطلاع والرصد الكهروبصري والحرب الإلكترونية، ومزودة بـ 8 نقاط تعليق يمكن تسليحها بحزمة ذخائر من صواريخ جو جو، صواريخ كروز، صواريخ مضادة للدبابات موجهة بالليزر، صواريخ مطلقة جوا مضادة للسفن، قنابل. كما تمتلك الطائرة مدي يصل إلي 7000 كم وبقائية تصل إلي 25 ساعة. كما تتميز “أكينجي”، بقدرتها علي التحمل من ارتفاعات عالية، حيث يمكنها حمل 1500 كجم (33000 رطل) من الحمولة بسرعة تصل إلي 195 كجم، كما يمكنها التنقل والتوجيه والإقلاع والهبوط تلقائيًا،
(*) تطور قدرات القوات البرية الإثيوبية: وفقًا لموقع سبوتنيك عربي، تمتلك القوات البرية لأديس أبابا في عام 2024، ما يقدر بـ 468 دبابة، و6240 مدرعة، و100 مدفع ذاتي الحركة، و319 مدفعًا مقطورًا، إضافة إلي 183 راجمة صواريخ، بالمقارنة بعام 2022، حيث كان يمتلك الجيش الإثيوبي قدرات أقل تتمثل في 340 دبابة، و 110 مدرعة، و67 مدفعًا ذاتي الحركة، و470 مدفعًا ميدانيًا، و183 راجمة صواريخ.
(*) توقيع اتفاقية قيد التنفيذ: توقع إثيوبيا اتفاقية جديدة لشراء 11 طائرة إضافية من طراز “إيرباص” A350-900 من معرض دبي للطيران، والتي تتميز بالتحليق من مسافات قصيرة إلي مسافات طويلة جدًا، وذلك بعد أيام من توقيع اتفاقية لشراء 67 طائرة من طراز “بوينج جيت” في نوفمبر الماضي، ووفقًا للاتفاقية ستشتري شركة الطيران 11 طائرة “بوينج 787 دريملاينر”، و20 طائرة ” بوينج 737 ماكس 8″، فضلاً عن خيار شراء 15 طائرة “بوينج 787 دريملاينر”، و21 طائرة “بوينج 737 ماكس”، وبذلك تعتبر هذه الصفقة الأكبر في تاريخ الطيران في أفريقيا، وتم الاتفاق بين “مسفين تاسيو” الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية الإثيوبية، والنائب الأول لرئيس شركة بوينغ براد مكمولين. كما وقعت أديس أبابا اتفاقية مع شركة بوينج للخدمات العالمية ( Boeing Global Services)، لتحديث المقطورات في طائراتها الحالية من طراز 787.
وأكد تاسيو أن عمليات تسليم الطائرات الجديدة ستبدأ في عام 2023 حتي عام 2023، مشيرًا إلي أن إثيوبيا سوف تسعي لسد متطلباتها من الطائرات لحين تسليم الطائرات بأخرى مستأجرة بعقود إيجار لطائرات 787 وماكس، نظرًا لأن الشركات المصنعة محجوزة بالكامل، مؤكدًا أن هناك 25 طائرة تحت الطلب منها 21 طائرة من بوينج وأربع طائرات من إيرباص، وسوف يتم تسليمها خلال العامين المقبلين.
تعاون عسكري مشترك:
تُقدم إثيوبيا من حين لآخر علي عقد اتفاقيات من أجل التعاون في المجالات العسكرية مع الدول الكبرى لا سيما روسيا وتركيا، وذلك لتعزيز وحماية أمنها القومي، ويتم توضيح ذلك علي النحو التالي:
(&) التعاون الروسي-الإثيوبي: في أكتوبر 2023، عرضت إثيوبيا أسلحتها وأنظمتها الدفاعية الحديثة خلال عرض عسكري لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، وقد كشفت عن إضافة جديدة إلي ترسانتها وهو نظام الحرب الإلكترونية Krasukha-4 (EW) من أصل روسي، ويعد هذا النظام هو نظام حرب إلكتروني متطور يتمتع بالقدرة علي تعطيل إلكترونيات العدو وأنظمة الرادار بشكل كبير، الأمر الذي يؤكد علي إمكانية أديس أبابا علي تعزيز أمنها القومي من خلال الاستفادة من قدرات الحرب الإلكترونية المتقدمة.
وجدير بالذكر، أن اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين روسيا وإثيوبيا في 2021، تمت في إطار منتدى التعاون العسكري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتضمنت الاتفاقية تزويد قوات الدفاع الوطني الإثيوبية بعدد من المعدات الروسية.
(&) التعاون العسكري الإثيوبي-التركي: في 8 يوليو 2022، وصل وفد برئاسة أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية المشير “برهانو جولا” إلي تركيا للمشاركة في التمرين العسكري EFES2022 الذي نظمته الحكومة التركية، ويعد هذا التدريب أحد أكبر التدريبات العسكرية التي تجريها القوات المسلحة التركية، وفي 19 مارس من نفس العام، وافق مجلس الوزراء علي مشروع قانون بشأن اتفاقيات التعاون العسكري مع أنقرة، ويتضمن ذلك اتفاقيات التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون في مجال مكافحة القرصنة.
وقد وقعت تركيا وإثيوبيا في 18 أغسطس2021، اتفاقية الإطار العسكري، وتعد هذه الاتفاقية واحده من الثلاث اتفاقيات الموقعة بين البلدين، والتي تمكن الضباط الإثيوبيون من تلقي التدريب في المدارس العسكرية التركية، وقام الضباط الأتراك بتدريب نظرائهم الإثيوبيين في مواقعهم العسكرية، إضافة إلي تمكن البلدين من إجراء مناورات عسكرية مشتركة، وتضمنت الاتفاقيات بجانب التدريبات العسكرية المشتركة، بناء الصناعات الدفاعية ومنع الهجمات السيبرانية، وحفظ السلام، والتعاون المالي العسكري، وحملات مكافحة القرصنة.
وفي ذات الوقت، وعدت تركيا خلال زيارة آبي أحمد لتوقيع الاتفاقية، بتقديم مساعدات مالية لإثيوبيا، فضلاً عن التعاون المالي في المجال العسكري الذي يُمكن إثيوبيا من شراء أسلحة من تركيا، ووفقًا للمادة 4 (6) من الاتفاقية يتمكن الطرفان من تبادل المعلومات الاستخبارتية العسكرية، فضلاً عن تقديم الدعم اللوجستي المتبادل بين الأطراف، إضافة إلي تبادل الذخائر والمواد والخدمات سواء في شكل منح أو بمقابل مادي، وقد ظهر هذا التعاون من خلال حصول إثيوبيا علي طائرة قتالية استراتيجية بدون طيار من أنقرة في نوفمبر 2023.
(-) عودة التعاون بين إثيوبيا والاتحاد الأوروبي: في أكتوبر 2023، التقي مفوض الاتحاد الأوروبي بمسئولين من الحكومة الإثيوبية، وتعهد بتقديم دعم بقيمة 680 مليون دولار من الاتحاد، وتتجه هذه الخطوة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، وأكدت مفوضة الاتحاد “جوتا اوربيلاينن”خلال مشاركتها في الاجتماع الوزاري لمبادرة القرن الأفريقي في أديس أبابا، على أن إثيوبيا شريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى اتخاذ خطوات مهمة نحو توقيع البرنامج الإرشادي متعدد السنوات لتعاونهم الثنائي، حيث يركز هذا البرنامج علي ثلاث قضايا وهي: الأجندة الخضراء، والتنمية البشرية، وبناء السلام. وجدير بالذكر تعليق الاتحاد الأوروبي كل دعمه لميزانية إثيوبيا قبل ثلاث سنوات في أعقاب الصراع في منطقة تيجراي في البلاد، وتعد عودة العلاقات بين أديس أبابا والاتحاد الأوروبي خطوة مهمة بالنسبة لإثيوبيا في وقت تسعي فيه لتزويد جيشها بالطائرات والأسلحة الحديثة، فضلاً عن عقد الاتفاقيات مع الدول الكبرى.
دوافع التسليح:
الاتجاه المتسارع في تنفيذ عملية تسليح الجيش الإثيوبي، يشير إلى مجموعة من الدوافع، لعل أهمها:
(-) تأمين الداخل الإثيوبي، ومحاولة صد أي اضطرابات داخلية محتملة، وهذا يفسر السعي الإثيوبي نحو شراء الطائرات بدون طيار وتنوع مصادرها، خاصة بعد استخدامها في القتال ضد القوات المتمردة، مثلما فعلت في عام 2021 عندما قامت أديس أبابا باستخدام طائرات بدون طيار من طراز بايراكتار ، ضد قوات تحرير شعب تيجراي،
(-) الطموح الإثيوبي والرغبة في تعزيز المكانة الإقليمية، فمن الواضح أن مشروع أبي أحمد الاقتصادي، ورغبة في تعزيز المكانة الإقليمية للدولة الإثيوبية، يشكل قوة ضاغطة على الحكومة الإثيوبية، التي تدرك أن تحركاتها غير المحسوبة سواء اتفاقها مع أرض الصومال، كذلك إصرارها على التحرك الفردي فيما يتعلق بسد النهضة، تظل محاطة بمهددات دول الجوار أو الدول المتضررة.
(-) التشبيك الدولي، من الواضح أن العلاقات الاستراتيجية التي ينفذها رئيس الوزراء الإثيوبي مع قوى العالم الكبرى، والدولة ذات المصلحة ستنعكس على مشروعة العسكري، وبالتالي فإن أبي أحمد يدرك الاضطرابات في الشرق الأوسط ستنعكس عليه إيجابيا، وهو يؤكد حرصه على تنوع مصادر تسليح جيشه خلال النصف الثاني من عام 2023.
ختامًا، يمكن القول إن ظاهرة تحديث معدات الجيش الإثيوبي التي تشهدها أفرعه الرئيسية، قد تتسع خلال الفترة المقبلة من منطلق الطموح المتزايد لأبي أحمد، وإدراكه بوجود مهددات لأمنه القومي سواء من داخل الدولة الإثيوبية أو من دول جوار إثيوبيا من أطراف دولية أخرى.