بعد 106 يوم .. ما موقف الجزائر من حرب غزة؟
تعتبر القضية الفلسطينية منذ سنوات عديدة من القضايا المركزية المهمة بالنسبة للجزائر، وأصبحت أكثر أهمية بعد عملية “طوفان الأقصى” في الـ 7 من أكتوبر 2023، نظرًا لخطط الاحتلال الإسرائيلي التي تتضمن تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما تظهره حرب “الإبادة الجماعية” الوحشية التي يتعرض لها المدنيون في قطاع غزة، حيث استشهد 24927 وإصابة أكثر من 62388 من المدنيين الأبرياء، معظمهم من النساء والأطفال، ويعد ذلك انتهاكًا واضحًا لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم في ظل تعتيم الإعلام الغربي عن رؤية كل هذه الانتهاكات غير القانونية، وهو ما يوضح ازدواجية المعايير الغربية التي انتقدها الشعب الجزائري في مسيراته الداعمة للشعب الفلسطيني.
وتأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة الموقف الجزائري الرسمي وغير الرسمي من الحرب على غزة بعد 106 يوم.
الموقف الرسمي
للجزائر موقف رسمي واضح وثابت تجاه القضية الفلسطينية منذ سنوات عديدة، وأصبح أكثر تشديدًا في دعم الشعب الفلسطيني بعد عملية “طوفان الأقصى”، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:
(*) موقف الجزائر الثابت تجاه الفلسطينيين: بعد عملية “طوفان الأقصى” وما نتج عنها من شن اعتداءات وانتهاكات عنيفة على المدنيين في قطاع غزة، بدأ موقف الجزائر واضحًا تجاه الشعب الفلسطيني، حيث أجرى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مكالمة هاتفية مع نظيره الفلسطيني محمود عباس لمناقشة الوضع في قطاع غزة، وأعقب هذا الاتصال إصدار وزارة الخارجية الجزائرية بيانًا رسميًا تدين فيه ما تقوم به قوات الاحتلال من ممارسات وسياسات عنيفة تجاه الفلسطينيين في القطاع، مطالبة بتدخل المجتمع الدولي لـ “تحمل مسؤوليته” لحماية الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تشديد الجزائر في بيانها على إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة كاملة وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الأوضاع في الشرق الأوسط يوم 25 أكتوبر 2023، والدورة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية يوم 27 من نفس الشهر، حثت الجزائر الدول الأعضاء على توحيد الأصوات لوقف العدوان على قطاع غزة، وإنهاء الحصار المفروض، ورفض تهجير السكان وإغاثتهم دون قيود أو شروط، فضلًا عن دعوتها لحصول فلسطين على حقوقها المشروعة كاملة.
وفي الـ 25 من ديسمبر 2023، أكد الرئيس عبدالحميد تبون في خطابه للأمة أمام غرفتي البرلمان، وقوف بلاده دعمها لفلسطين “ظالمة أو مظلومة” في إشارة منه إلى عدم تخلي الجزائر عن فلسطين، معتبرًا أن ما تشهده غزة وصمة عار على البشرية وليس فقط العرب، فضلاً عن وصفه ما يحدث في غزة بـ “جرائم الحرب الكاملة الأركان”.
جدير بالذكر، أن العلاقة بين الجزائر وفلسطين علاقة تاريخية، حيث تعد الجزائر من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، وافتتح أول مكتب للمنظمة بها عام 1965، كما احتضنت الجزائر إعلان قيام دولة فلسطين برئاسة ياسر عرفات في 15 نوفمبر 1988 وكانت أول من اعترف بها، وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة في 18 ديسمبر من نفس العام، ومنذ ذلك التاريخ والجزائر تحافظ على دعمها السياسي والدبلوماسي القوي للفلسطينيين، داعية إلى استعادة حقوقها المشروعة كاملة.
كما وقفت الجزائر بجانب الشعب الفلسطيني خلال الحرب على قطاع غزة في 2008 إلى 2009، ومجزرة أسطول الحرية عام 2010، والحرب على غزة عام 2012، و2014 حيث طالبت المجتمع الدولي آنذاك بتحمل المسؤولية لوقف الحرب، وفي 29 نوفمبر2012 صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي نص على منح فلسطين صفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة.
(*) تقديم المساعدات الإنسانية: تعزز الموقف الجزائري أكثر بعد الهجوم الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على مستشفى المعمداني في قطاع غزة، والذي أسفر عنه استشهاد أكثر من 500 شخصًا من المدنيين الأبرياء، لذلك قامت السلطات الجزائرية بأمر من الرئيس عبدالمجيد تبون، بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة عبر مطار العريش، وقد بلغ مجموع ما أرسلته الجزائر 104 طنًا من المساعدات الإنسانية كالمواد الغذائية والمستلزمات الطبية والألبسة والخيام، الأمر الذي يعبر عن تضامن الجزائر قيادة وشعبًا مع الشعب الفلسطيني.
(*) إلغاء احتفالات القنصليات: تضامنًا مع ما يمر به الشعب الفلسطيني، طالبت وزارة الخارجية من جميع السفارات والبعثات والقنصليات الجزائرية بالخارج إلغاء كل التحضيرات المتعلقة باحتفالات الذكري 69 لثورة التحرير الجزائرية مطلع نوفمبر، وقد جاء هذا القرار من الرئيس عبدالمجيد تبون، تعبيرًا عن تضامن الجزائر قيادة وشعبًا مع المدنيين في قطاع غزة.
(*) مقترحات الجزائر للضغط على الاحتلال الإسرائيلي: على الرغم من عدم مشاركة الرئيس الجزائري في “القمة العربية الإسلامية” إلا أن الجزائر تقدمت بعدد من المقترحات للضغط على قوات الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان على قطاع غزة، أبرزها: الضغط العربي من خلال منع استخدام القواعد العسكرية الأمريكية وغيرها الموجودة في الدول العربية، وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني عن طريق تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن استخدام النفط كوسيلة للضغط لوقف العدوان على قطاع غزة.
(*) رفض مشروع التهجير القسري للفلسطينيين: يضاف إلى مواقف الجزائر الرسمية الداعية لحماية الشعب الفلسطيني من مخططات الاحتلال الإسرائيلي بالتهجير القسري، موقفها السياسي والدبلوماسي الدولي في مجلس الأمن، حيث دعت الجزائر بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن ممثلة عن القارة الإفريقية، أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى رفض مشروع التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم في قطاع غزة، لأنه مخالف لأحكام القانون الدولي وفقًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، وقد نجحت الجزائر في إقناع الأعضاء بالإجماع، وهو ما يعكس مدى ثقل وأهمية دولة الجزائر على المستوي الدولي.
الموقف غير الرسمي
لم يتوقف التضامن مع الشعب الفلسطيني على المستوى الرسمي فقط بل على المستوى الشعبي أيضًا، كالتالي:
(&) تظاهرات داعمة: لم يتوقف الشعب الجزائري عن دعم ومساندة الشعب الفلسطيني، حيث خرج الجزائريون في أكثر من خمسين ولاية في مسيرة وصفت “بالمليونية”، وذلك للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين في قطاع غزة، نظرًا لاستمرار الضربات الجوية الإسرائيلية ضد القطاع وإجبار المدنيين على الرحيل.
وقد رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية ولافتات تندد بالقصف الإسرائيلي على المستشفيات والمنازل والمدارس، كدعم للشعب الفلسطيني، فضلًا عن مشاركة عدد كبير من الأطفال والنساء في المظاهرة وهم يرتدون “الكوفيات” الفلسطينية ويطالبون بوقف قتل الأطفال في غزة، الأمر الذي يؤكد أن الشعب الجزائري سيظل داعمًا للفلسطينيين في الحصول على حقوقهم الكاملة ووقف الانتهاكات الوحشية التي يتعرضون لها.
ومن جانب آخر، دعت عدة أحزاب سياسية ومنظمات نداء لنصرة فلسطين، ودعم المقاومة والدفاع عن المقدسات ورفض حرب الإبادة كما وصفتها.
وجدير بالذكر، نظم الاتحاد العام للعمال الجزائريين يوم 2 أكتوبر 2023 تجمعًا لدعم صمود فلسطين ورفع الحصار عن قطاع غزة، وذلك في مقر التنظيم النقابي بساحة أول مايو وسط العاصمة الجزائرية، وذلك قبل عملية “طوفان الأقصى”، الأمر الذي يؤكد على دعم الجزائر الدائم للشعب الفلسطيني في قضيته.
(&) دعم الصحف الجزائرية: يستمر الدعم من خلال الصحف الجزائرية، حيث حددت أكثر من 30 صحيفة صفحتها الأولي لعدد يوم 22 أكتوبر 2023، تحت عنوان “غزة.. إعلام يغتال الحقيقة”، وتعد تلك الخطوة الأولى من نوعها في تاريخ الصحافة الجزائرية، وكان الهدف منها هو التعبير عن موقفهم الإنساني والمهني لدعم فلسطين والتضامن مع الصحفيين في فلسطين، فضلاً عن إدانة انحياز الإعلام الغربي، وفقًا لأصحاب المبادرة.
(&) تضامن لاعبي منتخب الجزائر: في أكتوبر 2023، دخل لاعبو منتخب الجزائر إلى أرض ملعب “الشهيد حملاوي” بمدينة قسنطينة شرقي البلاد، وهم يرتدون الكوفية الفلسطينية وسط هتافات داعمة لقطاع غزة من الجماهير الحاضرة في المدرجات، وكان قد قرر الاتحاد الجزائري من نفس الشهر تعليق الدوري المحلي تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، وخاصة بعد الهجوم على مستشفى المعمداني.
ومما سبق، يتضح دعم الجزائر للقضية الفلسطينية من مختلف النواحي، سواء السياسية أو الدبلوماسية أو الإنسانية أو الاقتصادية، حيث تمثل الدعم السياسي للجزائر في رفضها أي تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وإصرارها على حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة كاملة، أما من ناحية الدعم الدبلوماسي، فتحاول جاهدة توحيد الجهود العربية والمنظمات الأممية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان على قطاع غزة، وإقامة الدولة الفلسطينية.
وختامًا، يمكن القول إن الموقف الجزائري تجاه القضية الفلسطينية ثابت منذ سنوات عديدة، نظرًا لمعاناة الشعب الجزائري من الانتهاكات وانتزاع الحرية عندما تعرض للاستعمار الفرنسي، لذلك تعي الجزائر جيدًا أهمية الحربة، وتستمر في دعم الشعب الفلسطيني للحصول على كامل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة، وتحاول جاهدة في كل منابر الأمم المتحدة المطالبة بوقف العدوان على قطاع غزة، فضلاً عن مطالبتها المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته لحماية سكان غزة، ومؤخرًا نجحت الجزائر بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن في إقناع أعضائه برفض التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم بإجماع دولي.