ما هي فرص نجاح تحالف البحر الأحمر الجديد؟

في ١٨ ديسمبر الجاري، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن من البحرين عن تشكيل التحالف الدولي للبحر الأحمر الذي يحمل اسم ” حامي الازدهار “، ويستهدف هذا التحالف وفقًا لمؤسسيه حماية السفن المارة في البحر الأحمر من الهجمات الحوثية، التي تستخدم صواريخ ومسيرات لمهاجمة السفن الإسرائيلية أو السفن التي تديرها شركات مملوكة لدولة الاحتلال، هذا بالإضافة إلى ارتفاع أقساط التأمين التي تدفعها شركات الشحن العالمية، حسب تصريحات ملاكها، كذلك حدوث زيادة في أسعار الطاقة، بسبب استبدال بعض السفن البحر الأحمر بطريق رأس الرجاء الصالح. استنادًا لما تقدم، يناقش هذا التحليل أهداف التحالف، وفرص نجاحه وحدود تأثيره؟.
تحالف جديد:
بعد تزايد معدل تهديد جماعة الحوثي للسفن الإسرائيلية المارة في البحر الأحمر، وانعكاساتها السلبية على اقتصاد دولة الاحتلال، أعلنت الولايات المتحدة عزمها تشكيل تحالف بحري جديد بقيادتها. ووفقا للبنتاجون، يتمثل هدف تشكيل هذه القوة البحرية في التصدي المشترك لتهديدات الحوثي التي قد تهدد سلاسل التوريد وحرية الملاحة، ومن ثم تعزيز الأمن الإقليمي بتنسيق من القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153.
وقد تمثل هجمات الحوثي فرصة جديدة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لتكثيف تواجدهم في منطقة البحر الأحمر لخدمة أهداف استراتيجية بعيدة المدى، نتيجة لزيادة أهمية البحار، وبالتالي فأنها قد تحمل هدفا أكبر من الهدف المعلن، وهو التصدي لهجمات الحوثيين.
وفقا للمتحدث باسم البنتاجون، تم تأكيد مشاركة ٢٠ دولة في التحالف، أُعلن عن بعضها. ففي الأول أعلنت المملكة المتحدة مشاركتها في التحالف إلى جانب واشنطن، ثم انضمت فرنسا، ومن بعدها إيطاليا وبولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا والبحرين وكندا وهولندا واليونان وأستراليا. بينما غابت فواعل إقليمية بارزة مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن، ناهيك عن أنها لم تبد أي إدانة لهجمات الحوثي، حتى أن القاهرة نفت على لسان رئيس هيئة قناة السويس حدوث أضرار كبيرة بالقناة عقب تلك الهجمات، وقد يرجع موقف هذه الدول إلى:
(1)-، عدم رغبتها في التورط في تحالفات غربية ضد الحوثيين، وذلك تجنبا لأي تصعيد محتمل قد يعرقل السلام الحالي بين الحوثيين والسعودية والإمارات تحديدا، حتى لا يعرضهم لضربات حوثية جديدة في الداخل. ففي سبتمبر الماضي، كانت أول زيارة علنية لوفد حوثي منذ اندلاع الحرب في اليمن في 2015 إلى السعودية، واستمرت لخمسة أيام. والأمر نفسه بالنسبة لمصر الذي ترغب في استقرار عملية الملاحة في قناة السويس.
(2)-، إدراك بعض القوى العربية لعدم ثبات الولايات المتحدة الأمريكية وبعض أصدقائها في مواقفهم من الفاعلين من غير الدول الجدد، وعلى رأسهم الحوثيين، فقد سبق وأن طالبت السعودية على سبيل المثال المجتمع الدولي بالمشاركة في حرب اليمن ومساندة الحكومة الشرعية، وتشكيل تحالف دولي رادع للحوثيين ومحاولات تهريب إيران للسلاح، ولكن جاء رد واشنطن بأنها أزالت جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب.
(3)-، الانعكاسات السلبية المحتملة على المعادلة الجيوسياسية قيد التشكيل في المنطقة بعد تزايد الأعمال الوحشية لجيش الاحتلال في مواجهة سكان غزة، وهنا يمكن القول إن انضمام بعض القوى العربية في خضم حرب غزة إلى مثل هذا التحالف، قد يعني تأييد هذه الدول للحرب الإسرائيلية على غزة وداعميها، الأمر الذي من شأنه أن يحدث خلخلة في المعادلة الجيوسياسية الآخذة في التشكل مؤخرا، حتى أنه قد يؤلب الرأي العام الداخلي.
(4)-، الرغبة في تنوع الشركاء، وهنا تجدر الإشارة أن هناك بعض الدول العربية، تدرك أن استعجالها في الدخول في تحالف “حامي الازدهار”، قد يؤثر على تقاربها الأخير مع إيران، فهي تحرص على تجنب أي تصعيد جديد مع طهران بعد تحركاتها التصالحية مؤخرا، وكان آخرها التطبيع السعودي الإيراني. خاصة مع وجود مؤشرات عن تنسيق مصري سعودي تركي إيراني بعيدا عن الحليف الأمريكي، في ظل رغبة مشتركة في تنويع الشركاء.
(5)-، القراءة الدقيقة لمخاطر الملاحة في البحر الأحمر وتقديرات موقف تأثير هجمات الحوثيين، كل المؤشرات تشير إلى أن هجمات الحوثيين حتى الآن انتقائية، ولا يبدو عليها أنها موجهة تجاه مصر أو دول الخليج، فهي حتى الآن موجهة للسفن القادمة من وإلى إسرائيل فقط، وبالتالي لا يوجد دافع قوي أو تهديد حقيقي يدفعهم للانضمام للتحالف الجديد.
حدود التأثير:
حتى الآن تبدو ملامح التحالف الجديد غير واضحة بعد، ويعتبر امتداد للوحدات المشتركة الموجودة في الأصل بين البحر الأحمر والخليج العربي منذ حوالي 20 عاما. فمعظم الدول التي أعلنت مشاركتها في التحالف الجديد مرتبطة بالفعل بوحدات عمل مشتركة أخرى سابقة، مثل إسبانيا وفرنسا التي لديها سفن بالفعل في المنطقة. فالاحتمال الأقرب، أن يكون هذا التحالف وقتيا لردع الحوثي ومنع أي صدام مباشر مع إسرائيل، بالإضافة إلى حماية استقرار أسعار الطاقة بعدما ارتفعت في الأيام الماضية.
فواقعيا، من المستبعد أن يتسبب التحالف الأمريكي الجديد في فتح جبهة صراع جديدة مع اليمن أو إيران، فليس من مصلحة أحد حاليا افتعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، وتحديدا في منطقة حيوية كهذه، لذا فإن تشكيل الولايات المتحدة لهذه القوات ما هو إلا محاولة احتواء تقليدية لتجنب التصعيد.
حتى أن إيران نفسها قد لا تجازف بحرب أو تصعيد منفرد ضد هذا التحالف، وقد يؤشر إلى ذلك أن طهران لم تبد اعتراضها على تحالف البحر الأحمر كعمل مضاد للهجمات الحوثية، لكونها نفت في وقت سابق توجيهها للحوثيين، وانصب انتقادها حول أن من يشارك في التحالف يعتبر” متواطئا ” في حرب غزة. وفي هذا الإطار، جاءت تدوينه مستشار المرشد الأعلى الإيراني على شمخاني، التي تفيد بأن أي دولة تنضم إلى التحالف الأمريكي، تُعد مشارك مباشر في قتل النظام الصهيوني للأطفال.
ومع الأهداف والمبررات الفضفاضة، تبقي فاعلية هذا التحالف محدودة، استنادا إلى عدة عوامل أخرى، يأتي بعضها على النحو التالي:
(-) دعم محدود: بعض الدول المشاركة بالفعل في التحالف تأتي مشاركتها في إطار حماية سفنها وليس جزء من عملية حارس الازدهار أو حماية لأمن إسرائيل، فقد سبق وصرحت وزارة الدفاع الإيطالية، أنها سترسل الفرقاطة فيرجينو فاسان إلى البحر الأحمر استجابة لمطالب السفن الإيطالية. كذلك فرنسا، أعلنت أن سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية، حتى أن وزارة الدفاع الإسبانية قالت إنها لن تشارك إلا في مهام يقودها حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي ولن تشارك من جانب واحد في عملية البحر الأحمر. هذا إلى جانب المشاركات المحدودة من بعض الأعضاء مثل هولندا التي سترسل ضابطين والنرويج التي سترسل عشرة ضباط بحرية إلى البحرين، باعتبارها تستضيف مقر قيادة القوات البحرية المشتركة. باستثناء بريطانيا التي أعلنت أن سفنها ستعمل في ضوء عملية حارس الازدهار. مما قد يعكس عدم التوافق أو الالتفاف الغربي حول الموقف الأمريكي، وأن انضمام بعض الدول جاء إما بناء على ضغوط أمريكية أو لحماية مصالحها أو لمجرد البقاء في الصورة وحجز مقعد في الحسابات الدولية.
هذا إلى جانب عدم انضمام قوى إقليمية مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن باعتبارهم متضررين مفترضين، بما قد يحد أيضا من فاعلية التحالف، لأن هذه الدول قد لا تسمح باستخدام التحالف لأراضيها أو أجوائها. واستمراريته أيضا في المنطقة، لأن هذه الدول أيضا قد لا تقبل بتواجد عسكري إضافي وغير مبرر في البحر الأحمر.
حتى أن عدد الدول المشاركة في التحالف المعلن عنها حتى الآن قد يؤشر إلى فشل الولايات المتحدة في الحشد على اعتبار أن الهدف المباشر حاليا هو حماية أمن إسرائيل، الأمر الذي من الممكن أن يسبب حرج دولي وشعبي لبعض الدول المشاركة أو غير المشاركة. إذا قورن عدد الأعضاء بأعضاء التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي يصم نحو ٨٦ دولة، أو حتى القوات البحرية المشتركة التي تضم أكثر من ٢٠ دولة.
(-) التحالفات القائمة: وجود تحالفات بحرية قائمة في المنطقة لحماية ممرات الشحن وحماية السفن من أعمال القرصنة البحرية، مثل مهام أتلانتا وأجينور وغيرها، خاصة وأنها تحالفات قديمة وذات ثقل وتضم عدد أكبر من الأعضاء مقارنة بـ ” حارس الازدهار “، كما تضم قوى إقليمية بارزة، كمصر والسعودية وتركيا. خاصة وأن بعض الدول أعلنت استعدادها للمشاركة في حماية حركة التجارة في البحر الأحمر في إطار الاتفاقيات البحرية القائمة وليست جديدة تقودها الولايات المتحدة.
(-) التهديد المباشر: فالهجمات الحوثية على السفن لازالت انتقائية موجهة للسفن المرتبطة بإسرائيل فقط، وبالتالي لم يحدث حتى الآن ما يهدد الملاحة البحرية الدولية ولا سفن دول بعينها بشكل مؤثر ومكلف، فقد يكون كل ما في الأمر منع احتكاك مباشر بين الحوثيين وإسرائيل في ظل انشغال الأخيرة بحرب غزة. حتى أن الحوثيون لن يستطيعوا غلق البحر الأحمر في ظل عدم امتلاكهم لسفن بحرية، ومع وجود دوريات دولية مستمرة تؤمن المنطقة.
(-) الحل الجذري للأزمة: فالحل الجذري للأزمة هو مهاجمة الولايات المتحدة لمواقع الحوثي بشكل مباشر، وهو أمر مستبعد وفق المعطيات الراهنة، فواشنطن لن تستهدف القضاء على جماعة الحوثي، ولا زعزعة استقرار المنطقة بأي شكل كان، حتى لا يؤثر على التوازنات الموجودة، أو استقرار أسواق الطاقة. ومن منظور أبعد، واشنطن من مصلحتها بقاء الحوثيين لإبقاء دول المنطقة في حاجة إلى مظلتها الأمنية، وتحديدا دول الخليج، باعتبار أن هذه المظلة تخدم هدف استراتيجي آخر يتمثل في انتعاش صناعة السلاح الأمريكي.
لذا من المرجح أن يظل غرض التحالف دفاعيا تماما وفق التطورات الحالية، مما قد يقلل من تهديدات الحوثي ولكن لن يقضي عليها تماما كإجراء استباقي، وطالما بقي الهدف دفاعيا، فقد لا يكون ذلك رادعا للحوثيين لوقف هجماتهم، بل فقط التقليل من إمكانية نجاحها في الإضرار بالسفن.
(-) تحالفات مضادة: هذا التحالف إذا تجاوزت أهدافه التوقعات قد يفتح المجال لتحالفات موازية أخرى، قد تنضم إليها إيران وتركيا والسعودية ومصر، خاصة إذا أدى ” حامي الازدهار ” لاستفزاز قوى دولية أخرى كالصين وروسيا، في ظل تواجدهم البارز في القرن الأفريقي، وهو خيار قد لا تفضله واشنطن.
(-) عامل التكلفة: من المرجح أن تقتصر مهام التحالف على الجانب الدفاعي، الذي يتمثل في اعتراض صواريخ الحوثيين، ولكن مع المخزونات الضخمة التي يمتلكها الحوثيون من صواريخ وطائرات مسيرة ستجعل من مهمة إسقاطها ذات تكلفة عالية، إلى جانب الوقت الذي ستستغرقه الفرقاطات للعودة إلى قواعدها لتحميل مضادات جديدة.
(-) موقف شركات الشحن: عدم وضوح تفاصيل وأهداف التحالف بطريقة مطمئنة لشركات الشحن جعلتها لازالت متشككة في جدوى التحالف، وفقا لدويتش فيله. خاصة مع تعهد الحوثيين بمواصلة الهجمات على السفن الإسرائيلية، فشركات الشحن تواصل تغيير مسارها نحو رأس الرجاء الصالح رغم الوقت والتكلفة الإضافية، فعلى سبيل المثال، قال المتحدث باسم شركة هاباغ الألمانية أنهم سيواصلون تغيير المسار حتى 31 ديسمبر في انتظار إعادة تقييم الموقف. حتى أن بعض السفن ألغت عقود تأجيرها عبر البحر الأحمر بحجة الملاحة غير المجهزة بالإضافة إلى تكاليف التأمين التي تضاعفت. ووفقا للبنتاجون، نقلت شركات الشحن بضائع بأكثر من ٨٠ مليار دولار بعيدا عن البحر الأحمر خلال الفترة الماضية. وبالتالي قد تكون شركات الشحن الآن في انتظار رد الحوثي.
وبناء على ما تقدم، من المرجح يبقي تأثير التحالف من الناحية العسكرية محدودا، فهو أقرب ما يكون لمقدمة أو تمهيد لبدء محادثات سياسية مع الحوثيين، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه وضمان عدم التصعيد من جانب الحوثي أو بقية الأذرع الإيرانية تجاه قواعدها. وقد تقتصر مهام التحالف على تسيير دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مع الاكتفاء بالعمليات الدفاعية لهجمات الحوثي، إلا أن من المستبعد أن يصل الأمر لمهاجمة مواقع الحوثي بشكل مباشر.
إلا أن ذلك لا ينفي أيضا احتمالية قيام واشنطن بأعمال هجومية ضد الحوثيين، إذا توسعت هجمات الحوثيين وطالت السفن أو القواعد الأمريكية، أو حتى نجحت في التحايل على الوضعية الدفاعية لقوات الحالف. كما من الممكن أن تقوم واشنطن بضربة محدودة للحوثي في الداخل اليمني وليس في البحر الأحمر بحيث لا تتهدد حركة الملاحة.
الخلاصة، يتوقف نجاح مهمة تحالف ” حامي الازدهار ” على طريقة التعامل مع تهديدات الحوثي وكيفية إيقافها، وماهية الرد الحوثي بعد تشكيل التحالف، وبالتالي فإن الفترة المقبلة ستكون أكثر حسما في تحديد مدى نجاح التحالف في تحقيق أهدافه.