قراءة في كلمات دول المغرب العربي بـ “القمة العربية الإسلامية”

في الـ 11 من نوفمبر 2023، استضافت المملكة العربية السعودية بالعاصمة الرياض “القمة العربية الإسلامية” الاستثنائية المشتركة، لبحث سبل مواجهة العدوان الإسرائيلي علي غزة، وإعلان التضامن العربي الإسلامي مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بحضور قادة وزعماء العالم العربي والإسلامي، مقابل غياب كل من رؤساء تونس والجزائر عن حضور القمة، ويعتبر هذا ثاني غياب لهم بعد “قمة السلام” بالقاهرة.

تأسيسًا علي ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة مواقف دول المغرب العربي بـ ” القمة العربية الإسلامية” بشأن ما تشهده غزة والأراضي الفلسطينية من انتهاكات خطيرة وغير مسبوقة، مع تحليل أسباب غياب كل من رؤساء تونس والجزائر عن حضور القمة.

مواقف ثابتة:

كان هناك حضور واضح من جانب كل من ليبيا والمغرب وموريتانيا، وفي المقابل كان هناك غياب من قبل رؤساء كل من تونس والجزائر عن حضور القمة، بالرغم من موقفهم الداعم وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني منذ بداية الحرب في الـ 7 من أكتوبر الماضي، وفيما يلي مواقف تلك الدول:

(*)  الموقف الليبي: يأتي حضور ليبيا في “القمة العربية الإسلامية” من خلال دعمها الدائم للشعب الفلسطيني وتضامنها مع ما تتعرض له من انتهاكات للإنسانية، حيث أكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي “محمد المنفي” خلال القمة في كلمته علي عدم السماح للاحتلال الإسرائيلي بالتمادي في ارتكاب جرائمه الغير مسبوقة، مع تشديده علي ضرورة ترجمة الإرادة والالتزام بتنفيذ القرارات التي يتم اتخاذها وليس الاكتفاء بالدعوة والمناشدة، في إشارة منه لعدم تكرار ما حدث في “قمة السلام”.

كما أدان مصداقية النظام العالمي ومؤسساته في الحفاظ علي شرعية الشعب الفلسطيني وتجريده من ممارسة حقوقه الشرعية، في استنكار من المنفي بتأييد المجتمع الغربي للعدوان علي غزة. يضاف إلي ذلك، تأكيد المنفي علي إقرار “خطة عمل” فورية، تشمل:

1-تشكيل لجنة مشتركة من القمتين العربية والإسلامية تتوجه في أقرب وقت إلي عواصم القرار في الدول الغربية لإيصال الموقف الجماعي لها.

2-العمل علي تقديم قرار عربي إسلامي إلي مجلس الأمن يمثل الدول العربية والإسلامية من خلال تكليف المجموعة العربية في نيويورك بإعداد مشروع قرار بوقف فوري للعدوان علي غزة.

3-ممارسة كل أنواع الضغط لوقف العدوان وإدخال المساعدات والفرق الطبية بشكل فوري.

(*) الموقف المغربي: لم يتغير الموقف المغربي الداعم للقضية الفلسطينية منذ بداية “طوفان الأقصى”، ففي أثناء القمة أكد وزير خارجيتها “ناصر بوريطة” علي أدانه بلاده للعدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، وحث الحضور علي التحرك الجماعي من أجل خفض التصعيد ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، بما يقتضي وقف إطلاق النار بشكل دائم وقابل للمراقبة.

كما أكد علي حماية المدنيين وعدم استهدافهم وفقاً للقانون الدولي، إضافة إلي تأكيده علي السماح بإيصال المساعدات الإنسانية وبكميات كافية لسكان غزة. ويضاف إلي ما سبق، ضمان الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة في إطار حل الدولتين، مع وضع آليات تقوم علي احترام القانون الدولي والمرجعيات الدولية المتعارف عليها.

(*) الموقف الموريتاني: كان موقف موريتانيا الدعم لسكان غزة واضحًا، حيث أدان الرئيس الموريتاني “محمد ولد الغزواني” ما يحدث في غزة ووصفة “بالإبادة الجماعية”، أمام أعين المجتمع الدولي الذي يتعمد عن وقف إطلاق النار ودخول المساعدات.

كما أكد أن السبب في تصاعد القصف، هو تراخي المجتمع الدولي في بذل الجهد اللازم للوقوف وراء هذه الجرائم، والمساعدة في تعطيل إدخال المساعدات الإنسانية الضرورية بالكم المطلوب، في تأكيد من الغزواني علي أن المجتمع الدولي سوف يفقد مصداقيته ومبادئه وسوف يصبح شريكاً في هذه الجرائم.

في إشارة من الغزواني علي أن يتم تحميل المجتمع الدولي مسؤولية الضغط علي إسرائيل وإلزامها بالوقف الفوري لإطلاق النار وفك الحصار.

ومما سبق، يتضح أن هناك تضامن واضح من قبل دول المغرب العربي، حيث أجمعت علي حق الشعب الفلسطيني في الحصول علي حقوقه الشرعية، إضافة إلي حث المجتمع الدولي علي إلزام إسرائيل بالوقف الفوري لإطلاق النار، والسماح بإدخال المساعدات بكميات كافية إلي قطاع غزة.

غياب مؤثر:

تجدر الإشارة إلى أنه رغم تخفيض مستوى تمثيل الحضور في القمة من قبل دولتي الجزائر وتونس في القمة، إلا أن هذا لا يتنافي مع موقف الدولتين الداعم والمتضامن مع ما يحدث في قطاع غزة منذ بداية الحرب، وظهر ذلك في البيان المشترك بين برلماني تونس والجزائر خلال زيارة وفد عن البرلمان التونسي إلي الجزائر خلال الفترة من 24 -27 أكتوبر 2023، حيث أدان البيان “ما تقترفه إسرائيل من جرائم إبادة ضد الشعب الفلسطيني ترقي إلي جرائم حرب”. كما أكدت الدولتان علي دعمهم للنضال الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، إضافة إلي أدانتهم التجاهل الدولي لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة طبقاً لقرارات الأمم المتحدة، مع التأكيد علي الوقف الفوري لإطلاق النار، وحث الجميع علي التكاتف من خلال إيجاد حل عاجل وعادل للقضية الفلسطينية. يرى بعض المراقبين أن عدم حضور رؤساء الدولتين في القمة العربية الإسلامية، يرجع إلى الأسباب الآتية:

(&) رفض الجزائر حضور “القمة العربية الإسلامية”: بالرغم مطالبة الجزائر بموقف عربي قوى تجاه ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلي أنه يمكن تبرير عدم حضور الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون”، لعدم شمول البيان الختامي للقمة على بعض المقترحات الجزائرية، منها:

1-عدم المساواة بين الضحية والجلاد، مع استنكاره لعدم تحديد من هم المدنيين المعنيون بالتقتيل، إذا تأكد هذه الفقرة علي ارتكاب الجرائم من كلا الطرفين.

2-المطالبة بإغفال الفقرة الحادية عشر، التي تنوه بدور لجنة القدس في إشارة لرئيس القدس محمد السادس، حيث يري “تبون” أن التحديات الراهنة والظرف الحالي لا يسمح بالإشادة بأي لجان أو مؤسسات اثبتت غيابها عن المشهد الحالي.

3-تحفظ الوفد الجزائري علي إدراج الفقرة الـ 21 ضمن نص القرار، انطلاقاً من كون المهام المنوطة باللجنة الوزارية المسخرة في هذه الفقرة لا تتوقف مع التكليف المنصوص عليه من جهة، كما لم تقم اللجنة الوزارية بأي نشاط يذكر منذ استحداثها قبل ثمان سنوات.

يضاف إلي ما سبق، رفض الجزائر بشكل قاطع التصريحات التي تشير إلي حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس، حيث يعود الحق إلي الشعب الفلسطيني المعتقل منذ أكثر من 75 عاماً.

وعلي الرغم من عدم مشاركة “تبون” في القمة إلي أن الجزائر تقدمت بعدد من المقترحات للضغط علي قوات الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان علي قطاع غزة، أبرزها:

(-) الضغط العربي: دعت الجزائر إلي منع استخدام القواعد العسكرية الأمريكية وغيرها الموجودة في الدول العربية لتزويد إسرائيل بالسلاح والذخائر.

(-) قطع العلاقات مع إسرائيل: من خلال تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية العربية مع إسرائيل في إشارة مباشرة لدول التطبيع.

(-) استخدام النقط كوسيلة للضغط: قد يتسبب استخدام النفط والمقدرات الاقتصادية العربية في الضغط علي إسرائيل لوقف العدوان علي قطاع غزة.

(-) تشكيل لجنة عربية بمستوي وزاري: تشكيل لجنة تسافر إلي نيويورك بواشنطن وبروكسيل وجنيف ولندن وباريس من أجل نقل طلب القمة العربية بوقف العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، فالعواصم الأوروبية والأمريكية هي الداعم الأول للكيان الصهيوني.

(&) تغيب قيس سعيد عن حضور “القمة العربية الإسلامية”: حيث أكتفت تونس، بأن يمثل وزير خارجيتها “نبيل عمار” أعمال القمتين العربية والإسلامية، علي رأس وفد رسمي دبلوماسي.  وترجع أسباب عدم حضور قيس إلي بعض التحفظات في القضية الفلسطينية، حيث تعتبر تونس القضية الفلسطينية ليست مدّع ومّدع عليه، بل هي “حق الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن أن يسقط بالتقادم أو يسقطه الاحتلال الصهيوني بالقتل والتشريد”، وفرص الحصار، والانتهاكات اللاإنسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة.

يؤكد ما سبق، علي أن الجزائر وتونس دائماً ما تدعم القضية الفلسطينية وتدعو إلي إيجاد حلول لتسوية القضية، لمنع تدهور الأوضاع والانتهاكات غير المسبوقة التي نشهدها اليوم نتيجة تغيب إيجاد حل سياسي للقضية.

وختاماً، يمكن القول إنه علي الرغم من عدم  مشاركة كل من رؤساء تونس والجزائر” القمة العربية الإسلامية” نظراً لموقفهم المنحاز والمتشدد تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن مواقفهم جاءت مماثلة مع دول المغرب العربي الأخرى لا سيما ليبيا، والمغرب وموريتانيا، حيث أجمعت  جميعها علي حق الشعب الفلسطيني في الحصول علي حقوقه الشرعية، إضافة إلي حث المجتمع الدولي علي إلزام إسرائيل بالوقف الفوري لإطلاق النار، والسماح بإدخال المساعدات بكميات كافية إلي قطاع غزة، ويتطلب ذلك تكاتف المجتمع العربي والإسلامي لضمان حقوق الشعب الفلسطيني وحمايتهم من الانتهاكات اللاإنسانية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية بالمركز، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى