من يفوز بالانتخابات الرئاسية التركية؟

غدًا تفتح مرة أخرى صناديق الاقتراع في عموم تركيا لجولة ثانية لاختيار الرئيس القادم، بعد جولة أولي شهدت تنافس شديد بين المرشحين، واستقطاب سياسي غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية.

ومع تزايد المؤشرات حول احتمالية انتهاء الجولة الثانية لصالح أردوغان ، في ظل احتفاظه بنقاط تمنحه أفضلية في مواجهة خصمه كليتشدار أوغلو، يناقش هذا التحليل نقاط القوة والضعف التي يمتلكها كل مرشح، وأي المرشحين يمتلك حظوظا أقوى لحسم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لصالحه وفقا لنقاط قوته.

ترجيح محتمل:

استطاع أردوغان خلال فترة ما بين الجولتين مراكمة المزيد من نقاط القوة التي تضاف إلى سجله طوال حملته الانتخابية، أهمها:

  1. أن أردوغان يخوض الجولة الثانية وفي جعبته أغلبية مقاعد البرلمان التي حصل عليها تحالف الجمهور، بعد حصول التحالف على 321 مقعدا، مقابل 213 مقعدا لصالح التحالف المعارض، بما قد يدفع الناخبين إلى التصويت لأردوغان من أجل ضمان الاستقرار والانسجام بين مؤسستي الرئاسة والبرلمان.
  2. إعلان المرشح الرئاسة سنان أوغان دعمه للرئيس أردوغان في وقت سابق، بعدما حصل خلال الجولة الأولى على نحو 5% من الأصوات، يحتاج أردوغان لأقل من نصفها لكي يحسم الولاية الجديدة والأخيرة له، إلا أنه عامل على كسب أوغان شخصيا لصالحه تفاديا لأية مفاجآت قد تشهدها الجولة الثانية. كما خرج إنجه بعد إعلان نتيجة الجولة الأولى موجها الانتقادات للمعارضة على إثر انسحابه، وهو ما اعتبره محللون توجيها ضمنيا لناخبيه للتصويت إلى أردوغان بالنظر إلى توقيته.
  3. مناخ الإحباط الذي ساد أوساط المعارضة من ساسة وناخبين وإعلام منذ ظهور نتيجة انتخابات الجولة الأولى، الأمر الذي قد يؤدي  إلى إحباط وتخاذل أنصار المعارضة عن الذهاب إلى الصناديق مرة أخرى، بالذات أن الجولة الثانية عادة ما تشهد إقبال ضعيف مقارنة بالجولة الأولى. على خلاف حماس ناخبي أردوغان للعودة للتصويت مرة أخرى بسبب المؤشرات الإيجابية التي أفرزتها نتائج الجولة الأولى بالنسبة لمرشحيهم في البرلمان والرئاسة.
  4. بدأت تظهر نتيجة الجولة الأولى بعض الشروخ في صفوف المعارضة التركية، في ظل موجة الاستقالات المتتالية من قبل أعضائها، والاتهامات الموجهة لحزب الجيد بعدم تقديمها الدعم اللازم لكليتشدار أوغلو. خلافا للانسجام والتماسك الذي يبدو عليه تحالف الجمهور الذي يدعم رجل واحد لسنوات.
  5. انتهاء عملية تصويت الأتراك المغتربين في 24 مايو الجاري، بعد مشاركة قياسية وصلت لأكثر من مليون و٨٠٠ ألف صوتا، تجاوزت أيضا نسبة التصويت خلال الجولة الأولى، ومن المتوقع أن يكون لأردوغان نصيب الأسد من أصوات أتراك الخارج.
  6. عدم انتقاد الولايات التي لم تصوت له، على خلاف ما فعلته المعارضة مع قاطني الولايات المتضررة جراء الزلزال، بعدما أظهرت بعض مقاطع الفيديو تهديد بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة لمتضرري الزلزال بطردهم في الولايات التي تسيطر عليها المعارضة، بعدما صوتت ١٠ ولايات تقريبا من أصل ١١ ولاية متضررة من الزلزال لصالح أردوغان. الأمر الذي من شأنه تشويه صورة المعارضة حتى بين صفوف مؤيديها.

ومع ذلك، فإن أردوغان لا يضمن ذهاب جميع أصوات ناخبي سنان أوغان إليه، خاصة وأن أوغان لا يملك قاعدة تصويتية ثابتة، فجزء من الأصوات التي ذهبت إلى أوغان منهم من صوتوا له اعتراضا على المرشحين الآخرين، ومنهم من كان ينوي التصويت لمحرم إنجه قبل انسحابه.

ناهيك عن الدعم الثابت والقوي الذي يقدمه تحالف العمل والحرية، الذي يتزعمه حزب اليسار الأخضر ( الشعوب الديمقراطي سابقا ) إلى مرشح المعارضة كليتشدار أوغلو، بالذات وأنه يملك قاعدة شعبية قد تتخطي ال ١٠ ٪.

حظوظ قائمة:

هناك من يري أن فرص المعارضة لا تزال قائمة، استنادا لنقاط الضعف لدى أردوغان، والتي لا تزال تلعب عليها المعارضة بشكل كبير، بل وتلقي سرديتها قبولا لدى قطاع لا يستهان به من الناخبين، وأهم هذه النقاط:

  1. يملك التحالف المعارض قاعدة شعبية متنوعة، نظرا لأنه يضم أحزابا من خلفيات مختلفة، ووجودها على طاولة واحدة رفع من نسبة التصويت للمرشح المنافس لأردوغان مقارنة بالأرقام التي تحصلت عليها المعارضة التركية خلال الاستحقاقات السابقة.
  2. دعم حزب اليسار الأخضر إلى مرشح المعارضة، حتى مع إعلان أوميت أوزداغ دعمه إلى كليتشدار أوغلو، باعتباره ينتمي إلى تيار قومييكن بعض الحساسيات لكل ما يتعلق بالأكراد.وحتى مع تبنيه أيضا خطاب قومي متشدد خلال الأيام الفائتة، استجابة للصوت القومي الذي فرض نفسه بقوة وفقا لنتائج الجولة الأولى.
  3. لعبه على نقاط ضعف الحكومة التركية، بالذات فيما يخص ملف في الاقتصاد واللاجئين، وتحفيز الشباب ممن يفضلون التغيير، وهو ما بني عليه تحالف المعارضة حملته الانتخابية تقريبا لجولة الإعادة، خاصة وأنهم يصورون اللاجئين كأهم أسباب المشكلات الاقتصادية الموجودة في تركيا.
  4. حصول كليتشدار أوغلو على أغلبية الأصوات في المدن الكبرى، مثل أنقرة وإسطنبول، الأمر الذي يراه البعض العامل الأكثر قوة في إبقاء حظوظ كليتشدار أوغلو قائمة حتى الآن، وهو أكثر ما يقلق أردوغان وأنصاره.

ولكن أهم ما يضعف كفة كليتشدار أوغلو، فشل الرهانات التي بني عليها حملتها الانتخابية، وأهمها العودة إلى النظام البرلماني، الذي قد يسهم في إطفاء شعلة حماس بعض الناخبين ممن لم يفضلوا نظام الحكم الفرد الواحد، وذلك عقب خسارة التحالف المعارض للأغلبية البرلمانية.

وأيضا ارتدادات التحالفات الجديدة التي أبرمها كليتشدار أوغلو في الساعات الماضية، بعد أن استطاع إبرام صفقة مع حزب النصر القومي المتشدد لاستقطاب الأصوات القومية،ورغم أن حزب النصر لديه قاعدة شعبية تمثل 2.4%، وهو ما حصل عليه فعلا في الانتخابات البرلمانية، وهي نسبة مرشح المعارضة في أمس الحاجة إليها، إلا أن هناك تخوف من إحجام بعض الأصوات الكردية عن التصويت.

مؤشرات واضحة:

من خلال قياس مدى تأثير عناصر قوة وضعف كل مرشح على حظوظه في الانتخابات، يمكن القول إنه:

  1. بعد إعلان سنان أوغان دعمه لأردوغان، باتت مسألة فوز أردوغان رقميا واقعية إلى حد كبير، لأنه يملك قاعدة شعبية حقيقية تقارب ال2%، وهي نسبة كافية بالنسبة لأردوغان لحسم النتيجة نهائيا.
  2. في حال تأكد نجاح أردوغان في الجولة الثانية، يمكن التأكد من أن مؤشرات الاقتصادي السلبية والخلل في توزيع الثروة وشعارات وبروباغاندا المعارضة اللاواقعية ضللت مراكز الاستطلاعات والشارع عموما، وأعطت المعارضة أكثر مما تستحقه. فأردوغان خسر فقط ٣ نقاط عن الانتخابات الماضية، وخسر حزب الشعوب الديمقراطي نحو ٣ نقاط نادرة أيضا، بينما لم يحرز تحالف المعارضة أي نقاط إضافية، وهذا يمكن تفسيره بأن عقيدة أغلبية الشارع التركي لا تزال تفضل شخصية ” الرجل القوي ” على رأس الدولة، بغض النظر عن أية سلبيات أخرى. ويبدو أن أردوغان أدرك ذلك، وعمل وإعلامه على التأكيد على ذلك في إطار حملته الانتخابية. بل وتظهر أيضا أن قوة أردوغان لا تزال تحتفظ برونقها.
  3. لو كان هناك شخص آخر غير كمال كليتشدار أوغلو من ترشح للرئاسة، في ظل التحفظات الداخلية على أداء أردوغان وحكومته، لربما اختلف الأمر كثيرا.
  4. سيتضح مدى قصور الهندسة غير الدقيقة للتحالفات من قبل المعارضة، بالذات وأن كليتشدار أوغلو لم يوازن المعادلة الرقمية بين حصوله على دعم حزب الشعوب الديمقراطي وبين حدود تأثير ذلك على الأصوات القومية.
  5. تجلي الاهتمام الغربي بالانتخابات التركية في صورة هجوم كاسح على الرئيس التركي وتحالفه من قبل وسائل الإعلام الغربية وبعض المسئولين الغربيين، نتيجة للسياسات المستقلة التي كانت تنتهجها تركيا نوعا ما في المجال الخارجي، انعكس سلبا عن نتيجة الجولة الأولى، حتى أن الكتابات الغربية عكست حالة الإحباط التي انتابتها بعد نتيجة الجولة الأولى. وهذا بدوره يؤشر إلى احتفاظ قطاع كبير من الشارع التركي بموقفه ذاته تجاه الغرب.

وبالتالي؛ إذا تحولت المؤشرات السابقة إلى عميلة حسابية يتضح أن كفة تحالف الجمهور لا تزال هي الأقوى حتى اللحظة، ما لم تحدث أية مفاجآت.

وعلي أي حال، فإن الانتخابات التركية لم تحسم بعد، فمن الممكن أن تحظي المفاجأة التي تطوي صفحة حكم أردوغان نهائيا، إلا أن فوز أردوغان هو الاحتمال الأقرب إلى المنطق في ظل المعطيات الراهنة،نتيجة لجملة من التحديات الداخلية والخارجية التي تصعب من فكرة المغامرة بخوض تجربة سياسة جديدة. وحتى يتم حسم الأمر رسميا مساء الأحد لا يسعنا سوى انتظار إعلان النتائج.

وردة عبد الرازق

رئيس برنامج الدراسات الأوروبية و الأمريكية ، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى