“أردوغان” أم “أوغلو”.. من يحسم  الجولة الثانية؟

اتجهت تركيا للمرة الأولى في تاريخها منذ مائة عام إلى جولة ثانية لحسم الانتخابات الرئاسية في ٢٨ مايو الجاري، وهي المرة الأولى التي يحتكم فيها أردوغان لجولة إعادة أيضا، بعدما لم يستطع هو ومنافسيه كليتشدار أوغلو وسنان أوغان تحقيق الأغلبية المطلقة خلال الجولة الأولى التي عقدت في ١٤ مايو. مما قد يقود في الأخير إلى تسابق المرشحَين لتحويل أصوات أوغان لصالحهما.

تأسيسا على ما تقدم، يتناول هذا التحليل قراءة لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات، وتوضيح أهم العوامل التي من الممكن أن تسهم في حسم الجولة الثانية لأحد المرشحين.

دلالات هامة

أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات التركية عن حصول أردوغان على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى بنحو ٤٩,٥ ٪، مقابل ٤٤,٨ ٪ لصالح مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، في حين حصل مرشح تحالف ” أتا ” سنان أوغان على ٥,١ ٪ من أصوات الناخبين.

وعلى الجانب الآخر، انتهت الانتخابات البرلمانية بفوز تحالف الجمهور بأغلبية مقاعد البرلمان ( ٣٢١ )، بعدما حصل على ٤٩,٣ ٪، يليه التحالف المعارض بنسبة ٣٥,١ ٪، وحصل بموجبها على ٢١٣ مقعدا، ثم تحالف العمل والحرية الذي حصل على ١٠,٥ ٪ بـ ٦٦ مقعدا.

وبالنظر إلى نتيجة الانتخابات التركية، فإنها أسفرت عن مجموعة من الدلالات، أهمها:

  1. خسارة أردوغان في المدن الكبرى، على رأسها إسطنبول وأنقرة، مما يعكس عدم الرضا الشعبي عن أداء الحكومة في الملف الاقتصادي، وهي تعد إحدى المفاجآت القليلة في نتيجة الانتخابات.
  2. بينما استحوذ على أغلبية الأصوات في المناطق الفقيرة ذات الغالبية المحافظة، وهي الشريحة التي لا يزال أردوغان يحتفظ بتأييدها.
  3. كذلك المناطق التي تضررت من الزلزال، مثل كهرمان مرعش، مما يؤشر إلى أن كارثة الزلزال لم تؤثر كثيرا على شعبية أردوغان في تلك المناطق، كما تعكس أيضا رضا سكانها عن تعامل الحكومة مع تداعيات الزلزال. فقد فاز تحالف الجمهور في عشر ولايات من أصل 11 من الولايات التي تضررت على إثر كارثة الزلزال، باستثناء ولاية ديار بكر ذات الغالبية الكردية.
  4. لم يختلف الأمر كثيرا عن الانتخابات السابقة، حيث صوت أغلب أتراك الخارج لصالح أردوغان وحزبه، بنحو ٧٧٣ ألف صوت، مما يؤشر إلى أن أردوغان لا زال يحتفظ برصيده لدى الأتراك المغتربين، الذين لا يعبؤون كثيرا بالأوضاع الاقتصادية في الداخل، بل بمكانة وسمعة الدولة خارجيا.
  5. بهذه الأغلبية التي حصل عليها تحالف الجمهور في البرلمان التركي انهارت أهم وعود كمال كليتشدار أوغلو الانتخابية وتحالف الطاولة السداسية بوجه عام، بالعودة إلى النظام البرلماني، حيث لا يتوقع قبول حزب العدالة والتنمية وحلفائه بذلك. وبناءا على ذلك، توقع محللون تعرض المعارضة إلى هزات إضافية، واعتبروا أن استقالة مساعد زعيم حزب الشعب الجمهوري خطوة أولى في هذا الصدد.
  6. كما أن فوز تحالف أردوغان بأغلبية البرلمان، وفوزه هو بأكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى قد يكون عاملا محبطا لناخبي المعارضة، وقد يؤثر أيضا في اتجاهات التصويت في الجولة الثانية. لأنه من الممكن أن يكون عامل الاستقرار والتوافق بين مؤسستي الرئاسة والبرلمان هو المحرك الأقوى لسلوك الناخبين، الأمر الذي قد يقلب الطاولة لصالح أردوغان، ويجعل من فوزه مسألة وقت لا أكثر، أو يدفع بعض أنصار المعارضة إلى العزوف عن الجولة الثانية. على خلاف معنويات أنصار أردوغان بعد تقدمه بخمس نقاط، وفوز تحالفه بأغلبية البرلمان قد تكون مرتفعة نسبيا، وبالتالي قد ينتابهم الحماس للذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى.
  7. شكك حصول أردوغان على عدد أصوات أكبر في مدى مصداقية البروباجاندا الإعلامية للمعارضة، وشركات استطلاع الرأي التي رجحت تقدم المعارضة بفارق عدد من النقاط. كما أعادت للواجهة التحفظات التي جاءت على ترشح كليتشدار أوغلو تحديدا للانتخابات، حتى أن البعض نسب فوزه في إسطنبول وأنقرة لوجود أكرم إمام أوغلو كرئيس لولاية إسطنبول ومنصور ياواش رئيس الولاية أنقرة.

نسبة حاسمة: 

حصول المرشح القومي سنان أوغان على 5,١% من أصوات الناخبين، قد يدفع أردوغان وكليتشدار أوغلو إلى التعاون معه من أجل حسم الجولة الأولى، فأردوغان يحتاج فقط إلى نحو ٦, ٪ إضافية لتحقيق الأغلبية المطلوبة، بينما يحتاج كليتشدار أوغلو إلى جميع أصوات أوغان تقريبا، ولهذا سارع بإرسال رئيسي ولايتي إسطنبول وأنقرة لسنان أوغان من أجل التعاون معه.

إلا أن أوغان أفصح عن خمسة شروط قبل دعمه لأي طرف، مثل عدم تغيير المواد الأربعة الأولى من الدستور(الجمهورية، الأتاتوركية، والعلمانية، اللغة التركية الرسمية). وعدم تغيير المادة 66 من الدستور، والتي تؤكد على حقوق الجنسية التركية. إلى جانب إعادة 13 مليون لاجئ إلى بلده. وأيضا التراجععنسياسة خفض الفائدة. والابتعاد عن الأحزاب والجماعات المقربة من التنظيمات الإرهابية. وفقا لصحيفة حرييت التركية.

كما اشترط لدعم كليتشدار أوغلو إنهاء تعاونه مع حزب اليسار الأخضر ( الشعوب الديمقراطي سابقا ). وهذا سيتيح لكليتشدار أوغلو الفوز بنسبة تقارب 50.6%، وهي كافية لحسب النتيجة رقميا، وفقا لرؤية المعارضة.

إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأن كليتشدار أوغلو لا يستطيع التخلي عن دعم الأكراد الذين يملكون كتلة تصويتية بنحو 10% من الأصوات، هي من أعانت كليتشدار أوغلو في الأساس على الوصول لنسبة 44.8%  في سباق الرئاسة، حيث سبق وحصل مرشح المعارضة محرم إنجه خلال الانتخابات السابقة على نسبة تقارب ال30% فقط.

ومن هنا يتضح تأثير الأصوات الكردية، بالذات إذا ما قارنا النسبة التي حصل عليها كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى  من الانتخابات الرئاسية، بالنسبة التي حصل عليها التحالف المعارض على المستوى البرلماني بنحو 35.١%، وهذا لأن الأصوات الكردية صوتوا لتحالف العمل والحرية الذي يقوده حزب اليسار الأخضر الكردي، فاتضحت الفجوة بين الأصوات التي حققتها المعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وعليه، فمن الصعب أن يتخلى كليتشدار أوغلو عن دعم الأكراد، بالذات وأنه لا يضمن حصوله من الأساس على جميع أصوات ناخبي سنان أوغان القوميين، في ظل تواجد حزب الحركة القومية بصورة قوية خلال المشهد الانتخابي الأخير، وهو الحليف الرئيس لأردوغان.

وعلى الجانب الآخر، فإن احتمالية دعم سنان أوغان لأردوغان مطروحة أيضا على الطاولة، في ظل تقارب الأفكار لناخبي أوغان وناخبي حزب الحركة القومية برئاسة دولة بهتشلي، بعدما نجح الأخير في تحقيق رقم لافت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ففي حالة نظر أوغان إلى أن فرص أردوغان هي الأقوى لحسم السباق الانتخابي، خاصة بعد فوز حزبه بالأغلبية البرلمانية وحصول هو نفسه على أكبر عدد من الأصوات خلال الجولة الأولى من الانتخابات، وإذا ما تلقى وعودا بمناصب في حكومة أردوغان حال نجاحه، فقد لا يتوان دوغان عن دعم أردوغان. الذي سيحاول أيضا إقناع أوغان بدعمه، تخوفا من أية مفاجآت قد تحملها الجولة الثانية، بالذات حال قلت نسبة التصويت.

خاصة وأن أردوغان يعمل أيضا على الإعادة الطوعية لملايين السوريين الموجودين في تركيا، عبر التوصل إلى اتفاق مع حكومة الأسد طيلة الفترة الماضية. ولهذا فُسر موقف أوغان بأنه انحياز ضمني لأردوغان.

ماذا عن أصوات إنجه؟:

وثمة احتمال آخر بأن يقدم محرم إنجه على دعم أردوغان في الانتخابات، حتى ولو بصورة غير مباشرة، بالنظر إلى تصريحاته الإعلامية مؤخرا. وذلك بعدما أعلن إنجه عن تعرضه للابتزاز من قبل المعارضة كسلوك عقابي الأخيرة، لأنه رغم انسحابه حصل على 0.44٪، وهي نسبة يفضل أردوغان إضافتها إليه لتحسين النتيجة، حيث تعادل 239 ألف صوت. ووفقا لحسابات أجرتها وسائل إعلام، فقد كان أردوغان بحاجة إلى 274 ألف صوت فقط لحسم الانتخابات من الجولة الأولى.

في النهاية، يمكن القول إن أصوات أوغان وإنجه ليست هي الحل الوحيد لحسم الانتخابات، فهناك نحو 3 مليون مواطنا لم يصوتوا، سيكونون هدفا بالتأكيد لكلا المرشحين المتنافسين لإقناعهم بالذهاب إلى صناديق الانتخابات، إلى جانب الأصوات الباطلة التي تجاوزت المليون صوت، وهي كفيلة أيضا بتغيير مسار النتيجة كليا خلال الجولة الثانية.

وخلال أسبوعين المقبلين، سيعمل أردوغان و كليتشدار أوغلو على إبقاء الحماس داخل المواطنين، فمن المعروف أن الجولة الثانية تشهد نسبة إقبال أقل، حتى لا تؤثر نسبة الإقبال على حظوظ أيا منهما.

وردة عبد الرازق

رئيس برنامج الدراسات الأوروبية و الأمريكية ، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى