تسكين الواقع: هل تنجح خطة “بايدن” الاقتصادية في حلحلة تأثيرات كورونا؟
اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية على مشاهدة ظاهرة متكررة بين الحين والآخر، وهى انتهاء الفترة الرئاسية لبعض الرؤساء بأزمات اقتصادية وبدء فترات رئاسية جديدة تواجه تداعيات هذه الأزمات، وتضع خططًا وحلولا لمواجهتها أو تكمل خطط الرؤساء السابقين، فعلى سبيل المثال بدأ الرئيس الأسبق “باراك أوباما” ولايته عام 2009، في خضم أزمة الائتمان العالمية التي كانت قد بدأت في عهد الرئيس الذى يسبقه مباشرة “جورج بوش”، ليواصل “أوباما” برامج التيسير الكمى وتحفيز الاقتصاد.
وفى الوقت الذى بدأت فيه ولاية الرئيس الأمريكى الديمقراطي ” جو بايدن” في العشرين من يناير 2021، يواجه الاقتصاد الأمريكى أسوء أزمة اقتصادية في تاريخه، تختلف أيضًا عن الأزمات التي سبقتها، حيث نشأت جراء انتشار جائحة عالمية ظهرت تداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي ككل، وأثرت تأثير بالغ على الاقتصاد الأكبر في العالم، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا أعلن الرئيس “بايدن” خلال حملته الانتخابية برنامجه الاقتصادي لتعافى الاقتصاد الأمريكى، ومنذ تنصيبه في العشرين من يناير 2021، أعلن عن عددا من القرارات في سبيل تنفيذ هذه الخطة.
ومن هنا نستعرض واقع الأزمة الاقتصادية الحالية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، وخطة الرئيس الديمقراطي “جو بايدن” للتعامل معها، والتحديات التي تواجه تنفيذهذه الخطة ونجاحها.
واقع مضطرب:
تظهر المؤشرات التالية واقع الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكى منذ ظهور جائحة كورونا، وتفشيها السريع داخل الولايات الأمريكية، حتى أصبحت أمريكا في مقدمة دول العالم فيما يخص إجمالى الإصابات بالفيروس المتجاوزة 25 مليون حالة، وعلى الرغم من التأثير الكبير لهذه الجائحة على الاقتصاد الأمريكى وتراجع مؤشرات الاقتصاد بشكل كبير في الربع الأول والثانى من العام السابق 2020، إلا أن بعضها قد بدأ يشهد تعافيا بسيطا منذ الربع الثالث مع استمرار الجهود لإعادة فتح الأعمال واستئناف الأنشطة التي تم تأجيلها أو تقييدها بسبب جائحة كورونا.
– النمو الاقتصادي:
عانى الاقتصاد الأمريكي من انكماش حاد في الربع الثانى من العام السابق 2020، حيث انخفض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 31.4%، والذى كان يسبقه انكماشا بنحو 5% في الربع الأول، متأثرا بقرارات غلق الاقتصاد ومخاوف المستثمرين، ليعود إلى الارتفاع مرة أخرى في بمعدل 33.4% فى الربع الثالث من فنس العام، مع استمرار الجهود لإعادة فتح الأعمال واستئناف الأنشطة التي تم تأجيلها أو تقييدها بسبب جائحة كورونا.
٠المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات مكتب التعداد الأمريكيU.S Census Bureau
– معدل البطالة:
تأثرت العديد من الوظائف داخل الولايات المتحدة الأمريكية بالجائحة وإجراءات غلق الاقتصاد التي كانت متبعة، حيث انخفضت العمالة بشكل حاد في جميع قطاعات الصناعة الرئيسية مع فقدان الكثير من الوظائف في مجال الترفيه والضيافة، ففى أبريل 2020 ارتفع معدل البطالة بمقدار 10.3 نقطة مئوية مقارنة بشهر مارس لنفس العام، ليصل إلى 14.7%، ويسجل بذلك أعلى معدل زيادة شهرية منذ توافر بيانات عن معدل البطالة داخل واشنطن عام 1948، ثم انخفض معدل البطالة مرة أخرى إلى 6.9% منذ نوفمبر 2020، مع عدد عاطلين عن العمل عند 10.7 مليون، مقارنة بـ 18.0 مليون عاطل في أبريل و 2.3 مليون عن فبراير.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات مكتب التعداد الأمريكيU.S Census Bureau
– عجز الموازنة:
تشيرتقديرات الموازنة في عام 2020، إلى وصول عجز الموازنة في الولايات المتحدة لتسجل مستوى غير مسبوق عند 3.1 تريليون دولار، وهو أكثر من 3 أمثال العجز في 2019، والعجز الأكبر منذ عام 1945، بسبب الإنفاق الفيدرالى الضخم استجابة لجائحة “كورونا”.
– الدين العام:
نتيجة الارتفاع الكبير المتوقع في عجز الموازنة الفيدرالية عام 2020، فمن المتوقع أن يرتفع الدين الفيدرالي إلى 98% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، مقارنة بـ 79% في نهاية عام 2019 و 35% في عام 2007، قبل بداية الركود السابق، وسوف يتجاوز 100% في عام 2021، وهو أعلى معدل في تاريخ البلاد.
خطة “بايدن” عاجلة:
أطلق الرئيس “بادين” ضمن خطته لإنعاش الاقتصاد الأمريكى، والتي أعلن عنها خلال برنامجه الانتخابى في 17 نوفمبر 2020، جملة من التعهدات والوعود تشمل حوافز مالية لتنشيط الاقتصاد، وإصلاحات ضريبية، وتوفير ملايين الوظائف، وتحسين أوضاع الطبقة الوسطى، وفى خطابه يوم الجمعة 14 يناير 2020أعلن عن خطة دعم الاقتصاد بقيمة 1.9 تريليون دولار وأسس حزمة المساعدات الاقتصادية المقبلة التي من شأنها السماح للولايات المتحدة بالخروج من أسوأ أزمة عرفتها منذ ثلاثينات القرن الماضي، وعلى رأس هذا فتح الآلاف من مراكز التطعيم لتسريع حملة التلقيح ضد وباء كورونا في الولايات المتحدة، انطلاقا من فكرة ان الإنعاش الاقتصادي لن يحدث إلا بعد تسريع الحد من تفشى الوباء.
ويعتبر الاقتصاد الأمريكى في أمس الحاجة إلى خطة كهذه، تعمل على إنعاشه وسرعة خروجه من الأزمة التي يواجهها، حيث تضم هذه الخطة الاقتصادية عددا من النقاط الرئيسية، تقف عند نقاط الضعف الحالية بالاقتصاد الأمريكى، وهذه النقاط كالتالي:
– تشجيع الإنتاج المحلى:
أعلن “بايدن” أنه سيوسع من حملة “اشتروا ما هو أمريكي” لدعم الإنتاج المحلي ومن ثم إيجاد ملايين فرص العمل الجديدة، بينها مليون فرصة في قطاع صناعة السيارات.
وقد بدأ “بايدن” في تنفيذ خطته هذه بالتوقيع يوم الاثنين 25 يناير 2021، على وقع الرئيس بايدن يوم الاثنين على أمر تنفيذي يهدف إلى إجبار الحكومة الفيدرالية على شراء المزيد من السلع المنتجة في الولايات المتحدة.
– زيادة الإيرادات الضريبية:
تضمن البرنامج الانتخابى للرئيس “بايدن” خطة لزيادة الإيرادات الحكومية من خلال زيادة معدل ضريبة الشركات، وذلك من خلال فرض ضريبة 10% على الشركات التي تنقل مواطن العمل إلى الخارج وذلك بهدف زيادة الإنتاج المحلى الأمريكى، بالإضافة إلى رفع الضرائب على الدخل ومكاسب رأس المال، وتوزيعات الأرباح والعقارات، والرواتب على الأفراد ذوي الدخل المرتفع والشركات الصغيرة، كما حدد البرنامج بعد احتساب ضرائب الدخل على مستوى الولاية، معدل ضريبة هامشياً مرتفعاً، يصل إلى حوالي 65 % لدافعي الضرائب من ذوى الدخل المرتفع في ولايتي كالفورنيا ونيويورك، وهى المرة الأولى التي ترفع فيها ضرائب مرتفعة على نسبة كبيرة من السكان هكذا.
– الإنفاق التحفيزى الضخم المرتبط بجائحة كورونا:
تتضمن خطة بايدن” اتباع سياسة التيسير الكمى، من خلال إنفاق المزيد من تريليونات الدولارات، لتخفيف تداعيات جائحة كورونا، ومكافحة التغير المناخى، وتوفير التأمين الصحى الحكومى، وتعزيز إعانات البطالة، وفى 22 يناير 2021، أعلن “بايدن” على توقيع أمران تنفيذيان بهدف توفير إغاثة مالية لملايين الأسر، وهما: توسيع المساعدة الغذائية وتقديم شيكات تحفيزية للأمريكيين ذوي الدخل المنخفض للغاية، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارًا للقوى العاملة الحكومية.
– زيادة الحد الأدنى للأجور:
يخطط “بايدن” إلى زيادة الحد الأدنى الفيدرالي للأجور ليصل إلى 15 دولار، ليصبح بذلك ضعف مستواه الحالي البالغ 7.25 دولار.
تحديات قائمة:
على الرغم من واقعية خطة الرئيس الأمريكى “بايدن” والحاجة الماسة للاقتصاد الأمريكى إليها، إلا أنها تواجه عددا من التحديات، التي قد تجعل من الصعب تنفيذها بشكل كامل، أو تحمل أثارا سلبية على الدين العام وعجز الموازنة، وتتمثل هذه التحديات فيما يلى:
– تمثل خطة “بايدن” ضغطا كبيرا على المالية العامة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ستعمل على رفع العجز بالموازنة الفيدرالية إلى مستوى قياسى جديد.
– تعمل خطة الإنفاق التحفيزى الضخم على زيادة الدين الفيدرالى، والذى بات في أعلى مستوياته منذ خمسينيات القرن الماضي.
– يعتبر إقرار الإجراءات التي يسعى إليها “بايدن”مرهونا بموافقة الكونجرس الأمريكي، حيث سيتمتع الديمقراطيون بغالبية صغيرة لاسيما في مجلس الشيوخ.
– لاتزال جائحة كورونا تحدد مسارالاقتصادالأمريكي،وسط حالة عدم اليقين بشأن نهاية الجائحة، ومدى فاعلية اللقاحات في القضاء على الحائجة والحد السريع منها، بالإضافة إلى ما تواجهه عددا من الدول في الوقت الحالى من عدم توافر الكميات الكافية من اللقاحات لشعوبها.
– تتضمن خطة “بايدن” رفع الحد الأدنى للأجور وهو ما قد يثبط من معدلات التوظيف، نظرا لان ارتفاع تكاليف العمالة سيضرب أرباحالشركات، وهو ما يتناقض مع هدف الخطة بخفض معدلات البطالة وزيادة مستويات التشغيل.
إجمالاً، يعد إنعاش الاقتصاد الأمريكى مرهونا بالقضاء على التحدى الأكبر وهو جائحة كورونا، والإقناع الأمريكى بالخطة التي يسعى “بايدن” إلى تنفيذها، مع القضاء على الانقسام السياسى الذى باتت تشهده واشنطن بعد نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة وهزيمة “ترامب”، لاسيما وأن الأزمة الاقتصادية الحالية تختلف عما سبقها من أزمات.