إلى أين وصل وضع التعليم في اليمن؟
حذرت منظمتي «يونسكو» و«يونيسيف» التابعتين للأمم المتحدة من تفاقم نسب الأمية في اليمن، وأعداد الأطفال المحرومين من حقوق التعليم؛ مؤكدة أن البلاد أمام مهدد شديد الخطورة للمستقبل، يضرب عقول الأجيال القادمة، ويعيق التنمية لعقود أكثر، ومن منطلق أن قطاع التعليم كان في قلب القطاعات التي طالتها الآثار المدمرة للحرب الأهلية في اليمن خصوصاً في مراحله الأساسية، يحاول هذا التحليل الإجابة على السؤال الأهم، ما مصير العملية التعليمية في اليمن؟
مؤشرات خطيرة:
تشير التقارير التقارير الأممية عن وضع التعليم في اليمن خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، إلى أن مؤشر التعليم أخذ اتجاهه التنازلي منذ العام 2014 كنتيجة حتمية للحروب الأهلية المستمرة حتى وصل إلى مستوى مقلق، فالقطاع الأكبر تضررًا في البلاد خلف نسبًا عالية من الأمية، بلغت في الأرياف نحو 70 %، مقابل40 % في المدن الحضرية، وأدى إلى بلوغ عدد الطلاب المتسربين من المدارس بالمراحل التعليمية المختلفة نحو المليوني طالب، إضافة إلى 4 ملايين متضررين من الحرب، ليصبح العدد الإجمالي 6 ملايين طالب مابين متسربين ومتضررين، وبات التعليم حلمًا صعب المنال داخل الأسر اليمنية، مع الحرب التي أدت إلى إغلاق المعامل وندرة الكتب والأدوات المدرسية، وإغلاق دور التعليم، وأجبرت آلاف المعلمين على الانصراف عن التعليم والبحث عن مصادر أخرى للعيش.
وتفاقمت الأمور على نحو أسوأ، إثر الانقسام في إدارة العملية التربوية، بين الحكومة الشرعية والجماعة الحوثية، حتى أغلقت بعض المدارس الحكومية في مناطق أبوابها في وجه الطلاب بسبب النقص الشديد مؤخرًا في الكادر التعليمي، فيما أقدمت مدارس في مناطق أخرى على إغلاق الأقسام الثانوية، والاكتفاء بالمرحلتين الأساسية والابتدائية، للسبب ذاته، ومع كل فصل يغلق تزداد احتمالات تسرُّب الأطفال من المدارس، وانضمامهم إلى الجبهات، أو سوق العمل في أحسن الأحوال.
مهددات مستمرة:
تواجه العملية التعليمية في اليمن أزمات مستمرة منذ اندلاع النزاع الداخلي في البلاد، وكثير من الصعوبات والتحديات المتفرعة والمتفرقة، والتي أصبحت ملازمة لأماني الحكومة اليمنية جراء تداعيات الحرب الأهلية المستمرة في البلاد، والتي تنذر بكارثة مستقبلية تهدد مسار التعليم في اليمن، ونرصد منها ما يأتي:
ـ ندرة الكتب الدراسية، بسبب نقص التمويل، إضافة إلى تعليق منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» لفترة طويلة دعمها طباعة الكتب المدرسية بألف طن من الورق سنويًا، عقب اتهامها بدعم عملية تغيير المناهج التي قامت بها وزارة التربية والتعليم بصنعاء، حيث باتت المدارس توزع على الطلاب كتبًا متهالكة من السنوات السابقة، وقد يحصل كلُّ طالبين على كتاب واحد يتبادلونه بينهما.
ويعد من الأسباب التي أدت أيضًا إلى ندرة الكتب المدرسية، توقف أموال المانحين والتي كانت تقدر بملايين الدولارات التي تنفق على طباعة هذه الكتب حتى العام 2015، لكن النزاع المسلح في البلاد أدى في النهاية إلى الاعتماد في الطباعة على الموازنة الضئيلة التي ترصدها الحكومة اليمنية بنسب محددة لا تغطّي كل مدارس المحافظات، والتي استمرت في التلاشي حتى تفاقمت الأوضاع في العام 2020 وحتى وقتنا الحالي، حتى أن بعض المدارس باتت تشترط على الطلبة تسليم كتبهم السابقة لاستلام شهادات النجاح .
ـ تناقص الكادر التعليمي، وهي نتيجة لعدة أسباب، أبرزها: إيقاف عملية التوظيف الرسمي للمعلمين في كافة المحافظات اليمنية منذ العام 2011، وأيضًا بسبب تداعيات الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2014، والتي أدت بدورها إلى تسرب الكثير من المعلمين، وبحثهم عن أعمال أخرى بسبب عدم كفاية ما يتلقونه من رواتب، حيث اتجه معظمهم إلى الانخراط في تشكيلات عسكرية وأمنية، فيما اتجه قاطنوا المدن الساحلية إلى امتهان الصيد بالشواطئ لتأمين قوت يومهم.
وقد أضحى التمسك بمهنة التدريس بمثابة تضحية كبرى، في ظل الظروف الاستثنائية التي باتت تعيشها البلاد، وفي الوقت التي جففت فيه منابع التوظيف مع استمرار قانون التقاعد الذي شكل أحد المعضلات الخطيرة والتحديات التي تهدد استمرارية العملية التعليمية في البلاد.
ـ الإضرابات والوقفات الاحتجاجية، كانت أحد أبرز المؤثرات التي عرقلت العملية التعليمية، ففي عدد من المحافظات اليمنية أبرزها أبين ولحج والضالع وعدن، باتت مظاهر الإضرابات والوقفات الاحتجاجات من جانب الكادر التعليمي لا تكاد تغيب عن المشهد في كل عام دراسي، والتي دائمًا ما تتمثل مطالبها في زيادة الرواتب، في ظل تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
نقص المباني المدرسية، فمع استمرار الحرب الأهلية لم يشهد اليمن تطورات في عملية تشييد دور العلم، بل لم تتمكن الحكومة من إقامة المباني التي تحطمت جراء الحرب، فوفقًا للبيانات الدولية فإن اليمن لم تبن أي مدرسة جديدة منذ العام 2011، ولعل ذلك مرجعه إلى ما تخصصه الدولة من موازنة ضعيفية لقطاع التعليم والتي لا تغطي الاحتياجات اللازمة لتشييد المدارس بما يتناسب مع طلبات الالتحاق بالتعليم المتزايدة كل عام بشكل مستمر .
ـ ضعف خدمات الانترنت، والذي يمثل في وقتنا الحالي أحد أهم مصادر التعليم، لكن معظم سكان اليمن يعانون بشكل مستمر من انقطاع هذه الخدمة وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وهو ما أزم الوضع في المجال التعليمي بمراحله المختلفة، فبالنظر إلى حال التعليم في أغلب الدول نجد أنه لم تعد هناك جامعة أو مدرسة أو أي مؤسسة تعليمية إلا وباتت تعتمد على خدمات الانترنت إلى جانب الكتب المدرسية، لدوره المهم في عملية التعلم واعتماد الطالب على نفسه.
مطالب يمنية:
وبعد مناقشات ضمت العديد من خبراء التعليم في اليمن، تلخصت مطالبهم، في الآتي:
1ـ صرف منح للكادر التعليمي وفقًا لإجراءات استثنائية نظرًا لظروف الحرب، حتى لا يضطر إلى التوجه إلى المهن الأخرى لكسب رزقه، للحفاظ على استمرارية التعليم.
2ـ تجميد العمل بقانون التقاعد (إلى أجل مسمى) للمعلمين خاصة في المناطق ذات الفجوة الكبيرة في الكادر التعليمي، حفاظا على استمرارية العملية التعليمية في هذه المناطق.
3ـ التعاقد مع المؤهلين للتدريس من حاملي شهادات الثانوية العامة، والدبلوم، إلى جانب الشهادات الجامعة، لتغطية نقص الكادر التعليمي وفقًا للاحتياج كلما لزم الأمر.
4ـ تشجييع رجال الأعمال العاملين في مجال التعليم الخاص على الاستثمار في بناء المدارس الخاصة، مع تخفيض رسوم الالتحاق بتلك المدارس، وتوسع المنح المجانية لغير القادرين من الطلاب.
5ـ تشجيع خريجي طلبة الجامعات على التطوع بالتدريس لطلاب المراحل التعليمية الأولى، لسد العجز في الكادر التعليمي.
تحركات أممية:
ونظرًا لتفاقم الأزمة وخطورتها وعدم مقدرة الحكومة الشرعية أو جماعة الحوثي على حلها، تحركت المنظمات الدولية لإنهاء الأزمة، وعقدت في أكتوبر الماضي بالقاهرة مؤتمرًا جامعًا تناول الأزمة، ووضع لها مقترحات بالحلول، وشارك فيه: منظمة الشراكة العالمية للتعليم والبنك الدولي، واليونسكو، ومنظمات اليونيسف، ورعاية الأطفال، والوكالة الأميركية للتنمية، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، ومعهد اليونسكو الدولي للتخطيط التربوي في باريس، والصندوق الاجتماعي للتنمية، وممثلين عن الائتلاف اليمني للتعليم للجميع، إضافة إلى نائب وزير التربية في الحكومة اليمنية علي العباب.
واتفق الأطراف على إعداد خطة لتطوير التعليم في اليمن خلال الفترة من (2024-2030)، وتنفيذ مسح تربوي شامل للفترة من (2024-2025)، كما التزمت اليونسكو بالمضي قدما في إطلاق خطة 2025 في اليمن ضمن المجموعة الخامسة، ودعم وزارة التربية والتعليم اليمنية في عملية إعداد ميثاق الشراكة لدعم نظام التعليم في اليمن.
وكانت المنظمات الدولية قد أكدت في وقت سابق أن تعليق دفع الرواتب وتعرض المدارس للهجوم باستمرار؛ اضطر كثير من المعلمين إلى إيجاد مصادر بديلة للدخل لإعالة أسرهم، حيث دعت المنظمات اليمن إلى استئناف دفع رواتب ما يقرب من نصف المعلمين اليمنيين والموظفين في المدارس، الذين يقدّر عددهم بأكثر من 16 ألف معلم لم يتقاضوا رواتبهم بشكل منتظم منذ العام 2016.
وحذرت المنظمات من أن انهيار العملية التعليمة في اليمن سيؤدي إلى تسرب ملايين الأطفال من التعليم، خصوصاً الفئات الأكثر تهميشاً، وكذلك الفتيات. وأضافت أن ترك الأطفال خارج العملية التعليمة يمكن أن يعرضهم إلى الاستغلال في عمالة الأطفال، والتجنيد في الجماعات المتطرفة، وزواج القاصرات، والاتجار بالبشر، وغيرها من أشكال الاستغلال والإساءة.
ختامًا، يمكن القول أن خطة المجتمع الدولي ومنظماته لن يكتب لها النجاح بشكل كامل إلا إذا توقفت الحرب الأهلية في البلاد، حيث لا تستطيع تلك المنظمات العمل تحت حراب النزاع الأهلي، خاصة وأن ما تقوم بتشييده الحكومة الشرعية والمنظمات الدولية من مدارس يتم تدميره في النزاع بشكل يومي، بحجة أن هذه المدارس يحتمي بها مسلحون.