الصراع الدستورى: هل تمر تعديلات حكومة المشيشي في ظل أزمته مع الرئيس؟
د. أبو الفضل الإسناوي
يبقى أمام هشام المشيشي رئيس الحكومة أيام قليلة لعرض تعديلاته الوزارية على البرلمان بعد فشله في تمريرها دون موافقة الرئيس قيس سعيد واتخاذه الطريق الدستوري في نيل ثقة مجلس نواب الشعب (برلمان تونس)، وإذا لم يمنح أعضاء البرلمان الثقة للتعديلات الجديدة، سيكون لرئيس الجمهورية التدخل، والذي قد يصاحبه حالة من التصلب السياسي في أوردة العلاقة بين رئيس الحكومة والرئيس.
تقارب عدد أعضاء الكتل النيابية الثلاثة (حركة النهضة والكتلة الديمقراطية وقلب تونس)، بالإضافة إلى عدم انتماء المشيشي لأي من الأحزاب الممثلة في برلمان 2019، وباعتبار أن مساندة البرلمان لتعديلات المشيشي ستؤدى إلى وقوع الرئيس في شبة البرلمان والحكومة، خاصة وأن حركة النهضة وقلب تونس يسعيان إلى هذا المسار-يطرح عدة تساؤلات، وهي: هل تنل التعديلات الحكومة لهشام المشيشي ثقة مجلس نواب الشعب، وهل تتجاوز تونس أزمة تشكيل الحكومة؟. وهل تصطدم حكومة المشيشي إذا كسبت ثقة البرلمان بالكتل النيابية الداعمة للرئيس، وبالتالي يتأثر أداء الحكومة ويقع الرئيس “قيس” في حرج مع شعبه، خاصة وأنه اختار المشيشي من خارج الكتل الحزبية، وباعتباره مستقل؟.
واقع دستوري:
انطلاقا من المنحى الذي يفرضه الدستور التونسي على الأحزاب التونسية الممثلة في مجلس نواب الشعب، والكتل النيابية المتكونة، يبقى مسار استمرار البرلمان، وعدم صدامه مع الرئيس، هو الضمان الوحيد لاستقرار الدولة التونسية والخروج المربح من مأزق الحكومة والرئيس، خاصة وأن رئيس الحكومة هشام المشيشي جاء من خارج الكتل النيابية الثمانية المعتمدة، وفقا للائحة الداخلية لمجلس نواب الشعب التونسي، إضافة إلى أنه مستقل ولا يحمل الصفة الحزبية.
تركيبة مجلس نواب الشعب ذات الكتل النيابية الثمانية، بالإضافة إلى غير المنتمين للكتل، تطمئن المشيشي، خاصة وأن اثنين من هذه الكتل ( النهضة وقلب تونس)، كانتا عامل رئيسي في كسب ثقة المشيشي في نفسه، وتحركاته المتسارعة ضد الرئيس قيس سعيد ودون موافقته، بل إن إعلان الرئيس قيس سعيد عدم تشاور رئيس الحكومة معه في اختياراته الوزارية، وإخراجه بعض الوزراء المقربين من الرئيس، وعلى رأسهم وزير الداخلية التشاور، قد يتسبب في خسارتهما معاً أمام الشعب الذي بدأ يحمل مسئولية سوء الوضع الاقتصادي إلى الرئيس ورئيس حكومته باعتباره أحد اختياراته. كما أن الخط الذي تبناه هشام المشيشي في اختيار أعضاء حكومته، من ملامحه غياب المرأة، تضارب مصالح-حسب ما أكده الرئيس قيس سعيد في اجتماعه الأخير مع مجلس الأمن القومي التونسي.
إصرار الرئيس:
رفض الرئيس قيس سعيد التعديلات الوزارية من منطلق غير دستوريتها، وقيام هشام المشيشي بالتشاور مع حركة النهضة وحزب قلب تونس وآخرين عرض تعديلاته الحكومية على البرلمان لتمريرها وصبغها الصفة الدستورية قد يضع الرئيس قيس سعيد في مربع صعب أمام شعبه، خاصة وأنه أكد على عدم سماحة لبعض الوزراء بأداء اليمين الدستوري أمامه، رغم تأكيد بعض الخبراء الدستوريين التونسيين بأن ” الفصل 92 من الدستور التونسي قيد من حرية الرئيس، وعليه أن يقبل التعديلات الوزارية التي يقرها البرلمان، باعتبار أن النظام السياسي التونسي هو نظام برلمانيا وليس رئاسيا.
وكما يبدوا فإن المشيشي قد يكسب ثقة أربعة كتل رئيسية، تضمن تمرير تعديلاته الوزارية، بعضها نتيجة صداقة قديمة جديدة معه وأخرى نكاية في الرئيس قيس سعيد وعلى رأسهم حركة النهضة، حيث كان المشيشي خلال الثلاثة شهور الأخيرة دائم التواصل مع حركة النهضة، كما أن مساندة قلب تونس له قد تكون مشروط بخروج رئيس الحزب من أزمته القضائية، والتي بما استطاعت حركة النهضة بالاتفاق معه حلحلة هذه الأزمة مع رئيس الحزب صاحب الكتلة المؤثرة في ترجيح كفة المشيشي على قيس سعيد. كما أنه من المحتمل أن يتغير موقف حزبي الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي، المكون الرئيسي للكتلة الديمقراطية، التي تتموقع في الترتيب الثاني في المجلس بعدد 41 مقعدا، وتأخذ موقف الرئيس ضد حركة النهضة وقلب تونس من منطلق أنها تثق في اختياراته.
سيناريو مؤكد:
وإذا خلصنا إلى أن تعديلات حكومة المشيشي ستكسب ثقة عدة كتل نيابية تضمن تمريرها منها كتلة تحيا تونس ذات الـ 14 مقعدا، التي يعتبر رئيسها (يوسف الشاهد) باعتباره مبتكر هذا السيناريو أثناء أزمته مع الرئيس السابق “السبسي” ، وكتلة ائتلاف الكرامة التي تتحرك أوتوماتيكيا خلف النهضة، بالإضافة إلى كتلتي الإصلاح الوطني والمستقبل اللتين جمعنا بين أحزاب ومستقلين تتحرك من منطلق اضطراري للمحافظة على مكتسبات قد لا تتكرر-فإن خروج تعديلات حكومة المشيشي عن شرط التمثيل السياسي لأعضائها والانفتاح على جميع الأحزاب قد يتسبب في خسارة البعض، وبالتالي قد تمرر حكومة المشيشي دستورياً، وهو ما يشكل تهديدا لمستقبل الدولة التونسية، وقد ينشأ خلاف شديد الرئيس والحكومة، خاصة وأن تلك التعديلات الحكومية تأتي في توقيت صعب ودون رضاء الرئيس التي وصفها بالمشبوهة.
هذه الفرضيات، وإن كان مضمونها يشكل تهديدا لتمرير تعديلات حكومة المشيشي، فإنها في الوقت نفسه لا تمثل حجر عثر أمام عبور الحكومة ومنحها ثقة البرلمان، حتى أن حزب قلب تونس الذي يقع في المرتبة الثالثة بين الكتل النيابية والثاني بين الأحزاب، والذي أبدى عدم ارتياحه للطريقة التي اعتمدها الرئيس قيس سعيد في اختيار رئيس الحكومة، لم يقفل الباب تماما مع حكومة المشيشي، حيث أكد الحزب في عدة تصريحات على عدم وجود تحفظات ميدانية أو شخصية من اختيار رئيس الحكومة، وذلك من منطلق حسابات ومصالح مؤجلة تنفيذيا ومعلن عنها بين أطراف الصفقة التي تديرها حركة النهضة.
في كل الحالات على عكس ما كان يحدث قبل 2011، وما أقره دستور 2014 التونسي، تبقى مسئولية الحكومة أمام البرلمان فقط وليس الرئيس، خاصة وأن الفصل 92 من الدستور التونسي مقيد لرئيس الجمهورية في مواجهة البرلمان ورئيس الحكومة. وبالتالي، يمكن القول إن شكل العلاقة بين رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي والكتل النيابية الوازنة في البرلمان، سيكون العامل الرئيسي في تمرير تعديلاته. لكن أن هذا التمرير في ظل رفض الرئيس قيس سعيد له سيعرض لأزمة كبيرة وستفشل في تجاوز أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.