احتمالات التصعيد الإسرائيلي- الإيراني بعد عودة نتنياهو

بينما تستمر الاحتجاجات والتظاهرات داخل إيران رغم القمع والقتل المتعمد للمتظاهرين، وتظل أيضاً الإيرانيات يتظاهرن ليس ضد إلزامية الحجاب بقدر احتجاجهن على منظومة سياسية ودينية واجتماعية بأكملها، نجد في المقابل تباين الترجيحات والتكهنات المتشائمة في الداخل الإسرائيلي من خلال تشكيل حكومة جديدة يمينية متطرفة، حيث أفرزت نتائج الانتخابات الإسرائيلية لبنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، الفرصة لتشكيل حكومة مستقرة قد تمتد لـ 4 سنوات، وستكون وفقًا لهذه النتائج حكومة يمين صهيوني عنصري متطرف مدعومة من كتلة برلمانية مكونة من 64 عضوًا، وتستند في بقائها واستقرارها إلى حزب “الصهيونية الدينية” الفاشي بقيادة المتطرفيْن “بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير”، الأمر الذي يعيد التأكيد على استمرار التطرف في المجتمع الصهيوني نحو اليمين وتبني التطرف الديني والعنصرية، وتلاشي قوى اليسار الصهيوني وضعف تأثيرها السياسي، إلى حد جعل تشكيل الحكومات في إسرائيل قائمًا على التحالف بين اليمين واليمين المتطرف، بل بين اليمين المتطرف والأحزاب الفاشية كما في الحكومة الجديدة.

وفي ظل سنوات انخرط كلا الجانبين (إيران- إسرائيل) في عمليات سرية ضد بعضهما البعض، وتعتبر إسرائيل إيران أكبر تهديد لها، حيث ترى في إسرائيل عدوًا يقف إلى جانب الولايات المتحدة سداً منيعاً ضد نموها كقوة إقليمية، فهل يعني ذلك أنه من الممكن مع عودة نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف لسدة الحكم في إسرائيل..  أن يجر المنطقة إلى تصعيد عسكري مع إيران؟

“مجابهة إيران”:

في إطار التصعيد بين الدولتين على مدار سنوات طويلة، الأمر الذي جعل الدولتين تنخرطان في عدة عمليات سرية ضد بعضهما البعض لعدة لسنوات، ويبدو الآن احتمال خروج حرب الظل بين إسرائيل وإيران إلى العلن، مع تشكيل الحكومة اليمينة المتطرفة الجديدة، فعلى المستوى الإقليمي ستضع هذه الحكومة الإسرائيلية الملف الإيراني على رأس أولوياتها، ونتنياهو يعد معركته الأساسية معها، وبالتالي سيزداد الدور الإسرائيلي في الضغط على إيران والعبث بجبهتها الداخلية، وكذلك العمل على تخريب أية توافقات أو تسويات إقليمية، خاصة بين إيران والدول العربية، لا سيما الخليجية منها، وقد تسهم في خروج المنطقة من دوامة الحروب البينية والاقتتال الداخلي والطائفي.

تأثيرات الملف النووى:

حول نتنياهو الخطوات الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني إلى برنامج عمل لحكومته عندما تحدث عن ذلك في كلمته لدى تسلمه خطاب التكليف بتشكيل الحكومة اليمينة الجديدة، وبذلك يمكن أن تتحول الحرب السرية الباردة بين الطرفين وهي حرب الاستخبارات والتجسس، والتي تكشف دائماً مدى تغلغل الطرفين المتصارعين في الدوائر السرية المغلقة لكل منهما، فمن المعروف أن التهديدات بين الطرفين رافقتها موجة اغتيالات طاولت عدداً من القادة في “الحرس الثوري” الإيراني، واتهمت طهران تل أبيب بالضلوع بتلك الاغتيالات، إضافة إلى حوادث وتفجيرات واختراقات سيبرانية هزت مواقع نووية متعددة، وخلال الـ 12 عاماً الأخيرة فقدت إيران عدداً كبيراً من كبار العلماء والقادة والسياسيين في عمليات اغتيال، وفي كل مرة كانت طهران تشير بأصابع الاتهام إلى أجهزة استخبارات دولية على رأسها “الموساد” الإسرائيلي.

ومع تطور التكتيكات الإسرائيلية في حرب الظل من خلال شن عمليات في العمق الإيراني وضد أهداف غير مرتبطة بالضرورة بالبرنامج النووي يعد تصعيدا كبيرا، كما يعكس تطورا في النظرة الإسرائيلية للتهديدات الإيرانية المتصورة، بحيث لم تعد تنحصر تقليديا على البرنامج النووي، بل توسعت لتشمل تركيزًا مماثلاً على دور طهران الإقليمي، فإذا كانت القواعد السابقة التي أدارت حرب الظل بين الطرفين أبقتها ضمن حدود معينة وحالت دون تطورها إلى حرب مباشرة فإن تغيير هذه القواعد يزيد مخاطر الصدام المباشر ويمنحه بعدًا إقليمياً أوسع من خلال انخراط مزيد من الفاعلين الإقليميين في الصراع.

وإثر تداول خبر اقتراب إيران من حصولها على القنبلة النووية العام الماضي، فقد هددت إسرائيل في أكثر من مناسبة وبوضوح باستهداف طهران وتسديد ضربات لها للتصدي لما سمته “التهديد النووي الإيراني”، إذ صرح رئيس الأركان أفيف كوخافي بالقول إن “تل أبيب تعمل على وضع مخططات وسيناريوهات للتعامل مع المحاولات الإيرانية لتطوير قنبلة نووية”، وكان يصف المسئولون الإسرائيليون صراحة “استراتيجية دفاعية جديدة”، كما أطلق عليها، تستهدف “رأس الأخطبوط” في إيران.

لكن الآن، في الوقت الحالي الذي يوجد فيه تخوف إيراني من أن يستغل أعداؤها الاضطرابات في الشوارع والاحتجاجات الداخلية لغرض تقويض النظام، ومع عودة نتانياهو المتطرف الآن بوصفه رئيساً للوزراء، في وضع يسمح له بتحقيق التحول في السياسة الذي تبناه صناع القرار الإسرائيليون الرئيسيون الآخرون، لذلك تسعى طهران إلى التغيير المفاجئ في قيادة جهاز استخبارات الحرس الثوري إلى معالجة الخرق الاستخباراتي الإسرائيلي الكبير للمنظومة الأمنية المحيطة بالمسئولين البارزين في الحرس وإعادة ضبط قواعد حرب الظل مع إسرائيل.

 سيناريوهات محتملة:

(*) السيناريو الأول: سيناريو المواجهة والتصعيد العسكري: إن ما يزيد مخاطر التصعيد المتزايد بين إسرائيل وإيران هو مستقبل الأمن الإقليمي، حيث أصبح رهينة حسابات صناع القرار في طهران وتل أبيب بدرجة رئيسية، خاصةً مع تقليص الولايات المتحدة دورها في المنطقة والتي عملت على مدى عقود على منع انفجار الصراع الإيراني الإسرائيلي بعد تقليص انخراطها في المنطقة والتركيز حالياً على الصراع الجيوسياسي الكبير مع روسيا والصين، لذلك من المتوقع أن مع عودة نتنياهو المتطرف سيسعى إلى هجوم مستقل على مواقع النووي في إيران، وتحتدم أجواء التصعيد بين تل أبيب وطهران، وتندلع الحرب والتهديد الوجودي الذي تحاول تل أبيب الترويج له.

وعليه، فإن حكومة نتنياهو- في عجلة من أمرها لتنفيذ الخيار العسكري ضد إيران، وذلك بسبب عدم وجود القدرات الكافية، وفقط في الحالة غير المحتملة التي تحاول فيها طهران تسريع إنتاج قنبلة نووية، ستكون إسرائيل مجبرة على تنفيذ خيار عسكري واسع النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية.

ولكن في واقع الأمر هناك صعوبة لتنفيذ هذا السيناريو، لعدم جاهزية الجيش الإسرائيلي لتنفيذ هجمات عسكرية على أهداف ومواقع إيرانية، وأن تل أبيب ليس بمقدورها الآن أن تشن حرباً على المنشآت النووية الإيرانية من دون شراكة ودعم من الولايات المتحدة الأميركية، وفقاً لهذا السيناريو فإن اندلاع الحرب يكبد الجبهة الداخلية الإسرائيلية خسائر فادحة، بآلاف الصواريخ يوميًا من قبل حزب الله أو حتى من إيران، وهو ما سيوقع الدمار الشامل في قلب المدن الإسرائيلية والمواقع والمنشآت الاستراتيجية والحيوية ومشاريع البني التحتية.

(*) السيناريو الثاني: سيناريو زيادة العمليات الاستخباراتية: يمكن من خلال هذا السيناريو توقع زيادة كبيرة في التدخل من جانب إسرائيل بالداخل الإيراني من خلال العمليات الاستخباراتية، السرية أو العلنية، وهو ما يشير إلى حملة متكاملة متعددة الأبعاد: اغتيالات وإحباطات وحرب إلكترونية، بهدف تعطيل البرنامج النووي الإيراني بجميع مكوناته، حيث تسابق إسرائيل الزمن لمنع إيران أن تتحول إلى دولة نووية، من خلال العمليات والهجمات المختلفة، والتي تستهدف المنشآت النووية الإيرانية والعلماء الذين يشرفون على المشروع النووي.

وهو ما أطلق عليه “مبدأ الأخطبوط” الذي يتضمن تكثيف العمليات السرية ضد برامج إيران النووية والصاروخية والطائرات بدون طيار على الأراضي الإيرانية، بدلًا من استهداف وكلائها الإقليميين في دول ثالثة،من خلال معادلة جديدة تركز على التعامل مع إيران مباشرةً.

لذلك من الممكن أن تكتفي تل أبيب في هذا السيناريو بتوجيه ضربات محددة دون أن يؤدي ذلك إلى إشعال حرب شاملة مع إيران وحلفائها في المنطقة وخاصة حزب الله، ولكن هذا يتطلب فعالية الهجوم الإسرائيلي على البرنامج النووي حتى لو تم تعطيل وتشويش البرنامج النووي، وهو السيناريو هو الأرجح، إلاأن الواقع يؤكد أنهذه الحملةوحدها لن تمنع إيران من الوصول إلى حالة دولة عتبة نووية.

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في وحدة دراسات الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراة في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى