هل يسيطر “داعش” على الشريط الحدودي بين مالي والنيجر؟
ارتفع معدل خطورة الوضع الأمني علي الحدود بين مالي والنيجر منذ ستة أشهر، حيث كثفت “داعش” من هجماتها الإرهابية علي المنطقة الحدودية منذ مارس الماضي في محاولة من التنظيم للسيطرة علي هذه المنطقة الحدودية، نتيجة لتلك الهجمات قتل المئات من المدنيين خلال عام 2022، وفر نحو نصف مليون من أبناء النيجر.
علي الرغم من أن الحكومات في الدولة المالية والنيجرية، بالإضافة إلى القوات الفرنسية تقوم بضربات جوية تستهدف تنظيم الدولة والفصائل التابعة له- إلا أن هذه الضربات عجزت عن تقويض التنظيم أو حماية السكان المحليين، مما يثير التساؤل؛ وهو: هل تحول الشريط الحدودي بين مالي والنيجر إلي بؤرة آمنة لـ “داعش”؟، وهل ينجح التنظيم في السيطرة علي تلك المنطقة بشكل كامل؟، وما العوامل التي ساهمت في جعل تلك المنطقة قاعدة للتنظيمات الإرهابية؟
مستهدف حدودي:
ارتفع معدل عمليات داعش في النيجر منذ عام ٢٠٢١ عن معدل عمليات جماعة بوكو حرام المعروفة بسيطرتها على مسرح العمليات في النيجر، باعتبارها جماعة ذات نشاط محلي في نيجيريا ويمتد نشاطها إلي النيجر، حيث جاء تنظيم الدولة علي رأس الجماعات الإرهابية من حيث عدد الهجمات التي قام بها في النيجر٢٠٢١، التي وصلت إلى ٣٢ هجوماً، وتخطت هذا العدد منذ مطلع ٢٠٢٢ إلي تاريخه، مما جعل تنظيم الدولة مسئول عن قتل ما يقرب من ٦٠٪ من الضحايا المدنيين في النيجر خلال 2021.
قرار الدولة الفرنسية بالانسحاب العسكري من مالي في يونيو ٢٠٢٢، وبقاءها في النيجر نظرا لما رأته من مخاطر حدودية في ذلك التوقيت، أدى إلى انتعاش واضح في تنظيم الدولة “داعش”. وعلى الرغم من اعتماد فرنسا سياسة اصطياد الرؤوس في تلك المناطق المرتبكة، إلا أن الإعلان عن الانسحاب العسكري منذ إعلانه أعطي الجماعات الإرهابية، فرصة للتمركز والسيطرة في المناطق الخالية من قوات عسكرية، فلم يمنع تنظيم الدولة من تكثيف هجماته استهداف الجيش الفرنسي في ديسمبر ٢٠٢١ للقيادي بـ “داعش” بالنيجر “سومانا بورا”، فضلا عن استهداف القوات الفرنسية زعيم “داعش” في الصحراء الكبرى “عدنان أبو الوليد الصحراوي” في نفس الفترة ما جعل البعض يتوقع تراجع نشاط التنظيم.
ترتيبا علي ما تقدم؛ لم تنجح محاولات القوات الفرنسية والمحلية في تقويض نشاط “داعش” بتلك المنطقة، وذلك علي العكس من توقعات المحللين في كل مرة عقب استهداف أحد قيادات التنظيم. لقد استطاع تنظيم داعش منذ مارس الماضي 2022، الحفاظ علي تمركزه في المنطقة بين مالي والنيجر، خاصة بعد قيام الجيش المالي بملاحقة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مطلع العام الحالي، مما أجبرها علي التحرك باتجاه الحدود مع موريتانيا، فيما فشلت القوات المالية في السيطرة علي “داعش” في نفس المنطقة، حيث شن التنظيم في تلك الفترة هجوما استباقياً بـ ٣٠٠ دراجة نارية، يقودها إرهابيين، هو ما تسبب في مذبحة في صفوف المدنيين، بل أدى هذا إلي احتجاجات زادت الوضع تعقيدا.
بؤرة خطرة:
عوامل عديدة أسهمت في ثبات ثم تزايد نشاط “داعش” في الشريط الحدودي بين مالي والنيجر، بل أدت تلك العوامل إلى رفع قدرات التنظيم، وتزايد احتمالات تمكنه من السيطرة على بعض المناطق، وتنقسم هذه العوامل الي عوامل جيوسياسية وتقنية، يعد من أهمها:
(*) العوامل الجيوسياسية، تتمثل فيما يلي:
(&) تأمين عملية التمويل: صراع كل الأطراف في تلك المنطقة على الثروات الطبيعية والمعادن، فيما نجحت الجماعات المتطرفة في السيطرة على جزء كبير من تلك الثروات، مما أسهم في تأمين التمويل اللازم لتلك الجماعات.
(&) توسيع مساحات الفراغ: أسهم سحب فرنسا لجزء من قوتها في مالي إلي زيادة نشاط داعش، واستغلت روسيا الأمر بعقد اتفاق مع حكومة مالي لنشر ١٠٠٠ من قوات “فاغنر” ليس لمجابهة التنظيمات الإرهابية، ولكن لنشر خبراء جيولوجيين للتنقيب عن المعادن.
(&) خلق بؤر جديدة للتموضع: سيطر “داعش” على مناطق حدودية، وسهل تهريب المعادن من خلالها، وتهجير المدنيين والدخول في صراع مع قوات “فاغنر” حول تلك الثروات، مما أسهم في تجريف هذه المناطق الحدودية لصالح تموضع بؤر داعش.
(&) استغلال ضعف قدرات المستهدفين: استغل التنظيم انشغال العالم بحرب أوكرانيا، فضاعف ارتكاب جرائم القتل والتهجير، مستغلا افتقار الجيش المالي والنيجري لقدرات الرصد الاستخباراتي والجوي التي كانت تقوم بها القوات الفرنسية.
(&) استغلال التقارب القبلي في بعض المناطق: وجود مصالح قبلية لزعماء القبائل في المناطق الحدودية للتعاون مع داعش، حيث يمتلك داعش موارد من تجارة المواشي من التعاون مع قبائل بعض المناطق. وعليه، سعت هذه القبائل لإخلاء سكان بعض المناطق الحدودية من أرضهم عن طريق إبلاغ قادة “داعش” بأن سكانها يرفضون التعاون مع التنظيم، مما جعل مفتي داعش “يوسف بن شعيب” يصدر فتوى بكفر أهل تلك المناطق ووجوب قتلهم.
(&) خلل في التقدير وطرح فكرة الحوار مع الجماعات: خوف الرئيس النيجري من انسحاب القوات الفرنسية من النيجر، كما انسحبت من مالي دفعه إلي عقد مفاوضات مع الفصائل المسلحة لتشكيل قوة مهام مشتركة لحماية الحدود، بالإضافة إلي تصريح النيجر بالاستعداد للحوار مع الجماعات المتطرفة أعطي تلك الجماعات دفعة ثقة كبيرة لقدراتها على السيطرة الحدودية.
(*) أما العوامل التقنية، فتتمثل فيما يلي:
لقد تم تطوير آليات التجنيد والتدريب والرصد والاستهداف عن طريق استخدام أحدث التقنيات الالكترونية الحديثة من قبل تنظيم الدولة، وذلك للوصول لأفضل النتائج المستهدفة كالتالي؛
(-) استخدام البديل التقني: يستخدم التنظيم أفضل التقنيات في الترويج لنشاطه وأفكاره عبر الانترنت، مما أسهم في زيادة معدلات التجنيد، لتعويض الفاقد من عناصر التنظيم نتيجة الاستهداف من الأنظمة المحلية والدولية.
(-) الضخ المالي لترويج أفكاره: يرصد التنظيم مبالغ مالية كبيرة لقنواته ومحطاته الرقمية عبر الانترنت، فزادت وسائل ترويج أفكار التنظيم بعد أن بدأت بمجلة دابق، لقد أصبحت قنوات واستوديوهات التنظيم وفقا للمتابعين، مجهزة بأحدث التقنيات كأستوديو أجناد وقنوات الفرقان والاعتصام والحياة، وأصدر التنظيم نشرات إخبارية دورية للترويج للخدمات التي يقدمها للسكان المحليين في المناطق المتمركز فيها.
(-) التأمين الدقيق لعناصره: يمتلك التنظيم قدرات تقنية عالية في تامين مراسلاته ومحدثاته عبر وسائل التواصل، مما يصعب الأمر على الحكومات في رصد التنظيم واتخاذ التدابير الاستباقية لتقويض مخططاته وعملياته.
(-) الدقة الرصدية والدقة في تحديد الأهداف: نجح التنظيم في امتلاك وسائل رصد وتتبع حديثة لمراقبة وتحديد الأهداف سواء مواقع أو أشخاص والحفاظ على السرية، مما مكنه من إصابة أهدافه بدقة ونجاح في مناطق تمركزه في إفريقيا.
(-) استراتيجية تحسين الصورة: تستخدم داعش أحدث التقنيات لترجمة المحتوي الإعلامي الذي تقدمة، بغرض الإعلان عن جرائمها او التنظير الشرعي لها بجودة عالية لم تسبق لأي جماعة إرهابية أخرى الوصول إليها، فزاد استقطاب الشباب من دول مختلفة للجهاد في إفريقيا.
مستقبل غامض:
يعتمد مستقبل المنطقة الحدودية بين النيجر ومالي، ومدي قدرة التنظيم بالسيطرة عليها على تفعيل المنظومة الدولية، فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة على الأرض أو على وسائل التواصل الاجتماعي بمعزل عن الاعتبارات السياسية ومصالح الأطراف الدولية المعنية في المنطقة- عن طريق محاسبة الأطراف التي تسهل وتدعم نشاط جماعات الجريمة المنظمة والأطراف الدولية الداعمة لبقاء الجماعات المتطرفة في المنطقة للاستفادة من عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة.
ويتم تفعيل استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، التي تمثل أولي ركائزها في معالجة الظروف المؤدية إلي انتشار الإرهاب، من خلال مساعدة الدول غير المستقرة سياسيا علي الاستقرار من خلال حكومات توافقية، تسعي للنهوض بالأوضاع المتردية وتنمية المناطق النائية، وضمان تواجد قوات دولية لحفظ السلم والأمن في تلك المناطق.
أخيرا؛ بقراءة الواقع السياسي والدولي، فإن احتمالية تمكن “داعش” من السيطرة الكاملة على المنطقة الحدودية بين النيجر ومالي، أصبحت كبيرة في ظل انسحاب القوات الفرنسية، وتردي الوضع الأمني والاجتماعي والسياسي داخل كلا من النيجر ومالي وضعف قدرة جيش الدولتين للقضاء علي التنظيم الذي تزداد قوته في المناطق الهشة يوم بعد يوم.