التنافس الجيوسياسي علي الرقائق.. في “كيف يفكر العالم الآن؟ عندما تتوقف الرقائق عن العمل”.. (عرض كتاب)

نسرين صلاح- باحثة مساعدة في مركز رع
ابتكر الكاتبان كوتاستاني ومانجي أسلوبا تحليليا ممتاز لفهم ماضي وحاضر ومستقبل التنافس الجيوسياسي علي أشباه المواصلات بين القوي الكبرى والقوي الصاعدة. لقد تحدث براناي وابيرام وهما مهندسان الرقائق ومتخصصان في السياسة الدولية والعامة عن أن قضية أشباه الموصلات التي تلوح في الأفق ليست الأولي من نوعها، إذ اعتادت القوي الكبرى منذ الحرب الباردة التنافس علي امتلاك التكنولوجيا واستخدامها كمورد من موارد القوة، بل واتجاه القوي المختلفة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والهند وأوروبا للهيمنة علي سوق أشباه الموصلات، كما يتطرق الكاتبان إلى الاستراتيجيات المختلفة التي تتبعها تلك القوي لتحقيق أفضل فرصة في هذه السوق المتنامية في المستقبل القريب.
يذكر أن كتاب كيف يفكر العالم الآن؟ عندما تتوقف الرقائق عن العمل من تأليف براناي كوتاستاني وأبيرام ومانجي وترجمة د رامز ابراهيم، وناشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
الرقائق الإلكترونية بؤرة توتر جيوسياسي؛
أصبحت الرقائق الإلكترونية موضوعا محوريا في المواجهة بين كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أطلقت الولايات المتحدة الرشقة الأولي في ميدان واحد، هو أشباه الموصلات وقبل هذه الحرب التقنية كانت صناعة أشباه الموصلات تحتل مكانة متأخرة لدي الحكومات والشعوب بشكل عام ، ولكن فرضت إدارة الرئيس ترامب قيودا علي الصادرات لكي تحد من وصول الشركات الصينية إلى معدات وبرمجيات الحاسوب والملكية الفكرية الضرورية، وسار بايدن علي نفس المنوال وقام بتقنين تلك القيود ووسع نطاقها لتحقيق هدف واحد، وهو منع الصين من الحصول علي رقائق الحوسبة المتقدمة أو تطوير أجهزة الحاسب ذات القدرات الفائقة وصيانتها أو تصنيع أشباه الموصلات المتطورة.
في نفس الوقت تدهورت العلاقات بين الصين وتايوان التي تحتل مكانة متميزة في هذا المجال ما يجعلها محل اهتمام عالمي سياسيا واقتصاديا. أما الآن تتصدر أمريكا قائمة عمالقة التصميم، ويعد وادي السليكون المركز الرئيسي لتلك الصناعة، لقد كان ومازال الهدف الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف تدفق الدماء في شرايين صناعة أشباه الموصلات في الصين ما جعل الشركات الصينية تتأخر عقود طويلة.
مواجهة التحديات والالتحاق بركب التكنلوجيا:
خلال عقد الخمسينات كان الجيش الأمريكي العميل الأوحد لمختبرات بيل، حيث جري توقيع عقد خدمات مشتركة وتجديده في عقد الخمسينات، وتم الاتفاق مع مختبرات بيل علي توفير مبتكرات متنوعة بداء من تلك المستخدمة في الصواريخ حتي نظم تتبع وتحديد المواقع بغض النظر عن فائدة العقد.
لقد انزعج الجيش من استحواذ شركة واحدة علي كل تلك القوة التكنولوجية، وخلال هذا التاريخ سوف يتخذ الجيش قرارات مهمة سوف تغير المشهد للأبد.
لقد واجهة أوربا جراء فيروس كورونا مشاكل عديدة في تصنيع السيارات، وكان أبرزها إغلاق منشأة التصنيع، وتعد هذه الصناعة العمود الفقري للقارة وذلك بسبب عجز الشركات الالمانية والإنجليزية بالتحديد في الحصول علي الرقائق الإلكترونية.
أما الوضع بالنسبة روسيا مختلف تماما، حيث شكلت العقوبات التقنية التي فرضتها أمريكا ودول الاتحاد الأوربي علي روسيا عائق حقيقي علي أسلحتها التي تفوق سرعتها سرعة الصوت علي النفاذ بسبب عدم توفر الرقائق الإلكترونية، مما يدفع روسيا إلى تشييد نسق كامل لأشباه الموصلات بعيدا تماما عن الغرب خصوصا عن الولايات المتحدة الأمريكية.
معجزة شرق آسيا وتطور الصين:
كانت اليابان أولي دول شرق آسيا التي تباشر العمل في أشباه الموصلات، ونجحت في تحقيق التكافؤ مع انتاج الدول الأوربية في بداية السبعينات. أما كوريا الجنوبية وتايوان بدأتا متأخرتين قليلا في عقد الثمانيات، ولكن استطاع تجاوز أوربا في بداية التسعينات. أما الوضع بالنسبة للدول الأخرى في شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية فكان الهدف الالتحاق بجارتها اليابان وتبنت استراتيجية النمو القائم علي التصدير بعد أن شاهد نجاح هذه الاستراتجية في اليابان. أما جزيرة تايوان شهدت جهودا للتنمية والتصنيع ولكن بمجرد خسارة اليابان الحرب العالمية الثانية قامت الصين باحتلال الجزيرة مرة أخرى ومنذ الحرب العالمية الثانية كان الوضع السياسي لتايوان محل نزاع علي الدوام بين الصين واليابان. أما الوضع بالنسبة إلى سنغافورة وماليزيا فإنهما تمتلكان ما يزيد علي ثلاثين مركز لتصميم الدوائر التكاملية وعشرين منشأة لتصنيع الرقائق وأكثر من عشرة مواقع للتجميع والاختبار، وهناك حضور قوي لسنغافورة في مجالات تصنيع الرقائق الإلكترونية من الناحية الفنية.
أما الوضع بالنسبة إلى جمهورية الصين الشعبية، نجد أن الولايات المتحدة من بين كل قطاعات التكنولوجيا اختارت مواجهة الصين في قطاع أشباه الموصلات، وذلك لأن الصين تمتلك ذخيرة من الكفاءات متاحة لتحقيق النمو في تلك القطاعات .