كيف ينظر حزب “أردوغان” لدور المرأة في السياسة؟

خلال السباق الانتخابي الأخير في تركيا، توقع البعض أن يعمل أردوغان على تمكين المرأة بشكل أكبر في الحياة السياسية، بعدما مثلت أصوات الأخيرة هاجسا له ولحزبه قد يعوقه عن الفوز في الانتخابات، ولكن على ما يبدو أن العدالة والتنمية سيواصل نهجه القائم على تهميش دور المرأة في عملية صنع القرار، السياسي بالتحديد.
في هذا الإطار، يناقش هذا التحليل رؤية العدالة والتنمية لدور المرأة في الحياة السياسية، وما أسفرت عنه هذه الرؤية من دور متواضع للمرأة التركية في عملية صنع القرار السياسي.
طابع ذكوري:
بالنظر إلي الهيكل الذي يتكون منه حزب العدالة والتنمية على مدار عقدين من الزمن، نجد أنه شهد سيطرة كبيرة لنوابه الرجال مقابل حضور باهت من حيث العدد والدور للسيدات. فخلال انتخابات مايو الماضي، وضع على قوائمه 50 سيدة نائبة من أصل 267 نائبا، وحتى هذه النسبة تعتبر الأكبر للعدالة والتنمية منذ توليه السلطة، وعلى ما يبدو أن البرلمان التركي هو الوسيلة التي يتظاهر بها العدالة والتنمية أنه يعمل على تعزيز دور المرأة في صنع القرار.
وعليه، فإن الهيكل الذكوري الذي يتكون منه العدالة والتنمية لا يسمح للمرأة بالمشاركة في اتخاذ القرارات بشكل موسع رغم الانتقادات الموجهة للحزب في هذا الخصوص، وبشأن ملفات أخري تخص التعامل مع المرأة، والتي خلقت صدى كبير خلال الحملات الانتخابية، جعلت أصوات النساء محل استقطاب المرشحين، نتيجة اعتراض قطاع كبير من السيدات على سياسات العدالة والتنمية، والتي كان أبرزها الانسحاب من اتفاقية إسطنبول في 20 مارس 2021.
حتى أن متخصصين انتقدوا الجزئية الثقافية المتعلقة حتى بدعم المرأة داخل البيت التركي، وما إذا كان لها وعي بحقوقها أم لا، وذلك على خلاف ما تصوره المسلسلات والإعلام. كما تقتصر رؤية حزب العدالة والتنمية المحافظ على دعم حقوق المرأة فيما يتعلق بالحجاب والعمل، وهي ثقافة نجح أردوغان في ترسيخها في معظم البيوت التركية، وتحديدا المحافظة والريفية، إلا أنها لم تمتد إلي توليها المناصب القيادية أو المشاركة في صنع القرار.
وبالتالي، فإن هيمنة الطابع الذكوري داخل هيكل العدالة والتنمية أفضي إلي تهميش دور المرأة فيما يتعلق بصنع السياسات، حتى تمثيلها في البرلمان قد لا يكون بنفس مستوى الفاعلية المطلوب، وإنما لإقناع الشارع بأن الحزب يحترم تواجد المرأة في الحياة السياسية. ووفقا لمحللين، حتى موجود تشريعات داخلية تحث على تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية، فإنها لن تجد الممارسة الكافية على أرض الواقع.
على خلاف المعارضة التركية، التي تبدو أكثر مرونة في هذا الشأن، فنجد ميرال أكشينار على رأس حزبها ” الجيد “، أحد أكبر الأحزاب المعارضة، والتي تلقب في الداخل التركي بالمرأة الحديدية، وكان لها دور ومواقف بارزة خلال الانتخابات الأخيرة.
جدير بالذكر أن المرأة التركية حصلت على حقها في المشاركة السياسية بشكل رسمي عام 1934، في عهد مصطفى كمال أتاتورك ضمن سلسلة التغييرات التي قام بها في فترة حكمه. وفي عام 1935، دخلت 17 نائبة للمرة الأولى إلى البرلمان، وتم انتخاب مفيدة الهان من مدينة مرسين كأول رئيسة بلدية في تركيا عام 1950.
دلالات واضحة:

وقد تتضح النزعة الذكورية لدى العدالة والتنمية وعمله على تقزيم دور المرأة في عملية صنع واتخاذ القرار من خلال عدة مؤشرات، لعل أبرزها:
(*) نسبة التمثيل في البرلمان: حاول حزب العدالة والتنمية نفي الاتهامات التي تلاحقه بأنه حزب ذو صبغة ذكورية، لا ينطوي على نسبة تمثيل مقنعة للسيدات داخل أروقته، وهو ما أظهرته التركيبة البرلمانية طيلة السنوات الفائتة، وذلك بعدما روج الإعلام الأردوغاني لنسبة التمثيل العالية للسيدات مقارنة بالسنوات السابقة في البرلمان التركي، والتي ارتفعت من 104 نائبات إلي 121 نائبة، وفقا لوسائل إعلام تركية، وكان للعدالة والتنمية نصيب الأسد منها ب 50 نائبة. حتى إذا افترضنا أنه تم خصم أصوات الـ 50 سيدة من إجمالي أصوات العدالة والتنمية، ستظل له الأغلبية أيضا، وبالتالي فإن عدد السيدات غير مؤثر، وإنما يحسن من الصورة الخارجية للحزب فقط.
ومع ذلك، فإن عدد نائبات العدالة والتنمية الجدد شهد تراجعا عن 2018، حيث بلغ عددهن 53 نائبة، وفقا لتصريحات سابقة للرئيس التركي. وكان عدد نائبات العدالة والتنمية في 2014 أقل من ذلك أيضا ( 43 نائبة ).
(*) الحقائب الوزارية: بعد البروباجندا الإعلامية التي روجت لنسبة تمثيل المرأة في البرلمان، عاد أردوغان ليناقض نفسه مرة أخري، حيث لم تتضمن التشكيلة الوزارية الجديدة سوى سيدة واحدة، بعدما اختار أردوغان ماهينور أوزدمير وزيرة للأسرة والخدمات الاجتماعية، بما يرسخ من الصبغة الذكورية للعدالة والتنمية.
والأمر لم يختلف كثيرا عن التشكيلات الحكومية السابقة، ففي حكومة 2018، لم يكن من نصيب السيدات سوى حقيبتين وزاريتين، حيت تولت زهراء سلجوق وزارة الأسرة، وكانت وزارة التجارة من نصيب روهصار بكجان. حتى في حكومة 2014، كانت فقط وزارة الأسرة من نصيب الكادر النسائي.أضف إلى ذلك، أنه لم يتم إسناد أي من الوزارات السيادية للسيدات، واقتصر الأمر فقط على وزارة الأسرة، وكأنها الحقيبة الوحيدة التي تتناسب مع السيدات في تركيا.
(*) رئاسة البلديات: حتى رئاسة البلديات لم يتم ترشيح سيدات لها أيضا من قبل العدالة والتنمية، باستثناء فاطمة شاهين التي تولت رئاسة بلدية غازي عنتاب في الانتخابات المحلية لعام 2014 من أصل 49 ولاية، وهي نفسها مستمرة في رئاسة الولاية بعد الانتخابات الأخيرة في 2019. بما يشير إلى عدم وجود قناعة لدى العدالة والتنمية بأن تكون سيدة على واجهة البلديات حتى.
(*) المناصب السيادية في الدولة:الأمر لم يقتصر فقط على البرلمان والحكومة، بل وحتى المناصب السيادية في الدولة يتم إسنادها للرجال،حيث لم تعتد الساحة التركية تولي سيدة منصب سيادي او مركز حساس بالنسبة للدولة، حتى تواجد حفيظة أركان على رأس البنك المركزي مؤخرا، وهي شخصية لها ثقلها الاقتصادي على المستوى الأوروبي والعالمي، ويريد الاستفادة منه للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، إلا أنه قد لا يعكس بشكل كافي تغير في رؤية العدالة والتنمية حول دور المرأة القيادي. وعلى سبيل المثال، فرئاسة المحكمة الدستورية في تركيا لم تتولاها سيدة سوى مرة واحدة في 2005، وهي تولاي طوغجو، وهكذا غيرها من المناصب القضائية.
في الختام، يمكن القول إن عدد النساء الأكاديميات في تركيا بلغ 81 ألفا و661 امرأة في عام 2020، وارتفع إلى 83 ألفا و860 امرأة في عام 2021، لتصل النسبة إلى 46% ، حتى تجاوزت 51% في 2022 وفقا لبيانات مجلس التعليم العالي التركي، كما بلغت نسبة مشاركة النساء في سوق العمل 34% منذ 2002 وفقا لتصريحات سابقة لأردوغان العام الماضي.
ولكن المعضلة تكمن في حجم مشاركتها في عملية صنع القرار أو إسناد المناصب القيادية لها، على الصعيد السياسي بالتحديد، وهي إشكالية واضحة منذ تولي العدالة والتنمية لمقاليد الحكم في تركيا.