من منظور أدبياتها.. كيف تري جماعة “الإخوان” أزمتها في 2022؟
مرت جماعة الإخوان الإرهابية، بمراحل من الأزمات عبر تاريخها، كادت أن تعصف بها، تطلق الجماعة على هذه الأزمات فترات المحن، أقوى هذه المحن كانت فترة الصدام مع الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عام 54 ، 65،عقب محاولة الجماعة الإرهابية اغتياله، ومحاولة هدم وتدمير مؤسسات الدولة، على إثره صدر ضد كثيرين من عناصر التنظيم وقياداته، أحكام بالسجن وإعدامات كنتيجة لذلك،كما حظرت أنشطة الجماعة بشكل كامل، ومنذ ذلك التاريخ مرت الجماعة بأزمات، أسفرت عن انشقاقات في صفوف التنظيم، لم تكن بقوة أزمة مرحلة عبد الناصر.
وصولا إلى مرحلة الأزمة الكبرى التي لحقت الجماعة، عقب عزلهم من حكم مصر، وما لحقها من أعمال عنف وإرهاب ارتكبت من قبل الجماعة، حظرت الجماعة على آثرها مرة أخرى، وسجن وحكم بالإعدام على بعض من القيادات والعناصر التابعة للتنظيم، ممن قاموا أو حرضوا على العنف.
ترتيبا على ما سبق؛ توقف نشاط الجماعة في الوقت الراهن بشكل كامل داخل مصر، نتيجة للملاحقة الأمنية ومحاصرة وتقويض شبه الكامل لمصادر تمويل الجماعة، مما يدعونا إلى إلي طرح سؤال رئيسي هل سيكون للجماعة في المستقبل القريب أو البعيد داخل مصر؟، وأسئلة فرعية؛ كيف ترى العقلية الإخوانية مستقبل الجماعة؟، ما هو تأصيل فقه المحنة في أدبيات التنظيم؟، ماذا تريد الجماعة في المرحلة الراهنة والمستقبل؟.
ضبابية المشهد:
يعيش بعض عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي، حالة من اليأس والإحباط، – بعد مرور 8 سنوات على الإطاحة بالجماعة من حكم مصر-، دون تحقق أي تقدم ولو طفيف في علاقة الجماعة مع الدولة، فوضع عناصر التنظيم الراهن ينحصر في؛ البعض في السجون ينفذون أحكام، والبعض هاربين خارج البلاد، وعليهم أحكام داخل مصر، ويحاربون الدولة من الخارج، والبعض الآخر في حالة سكون وانكماش،منتظرين ما ستسفره عنه الفترة القادمة، وهم مرصودين من الأجهزة الأمنية.
عليه؛ فالوضع لا يسمح لهم بممارسة أي أنشطة لصالح التنظيم، من اجتماعات الأسر الإخوانية أو معسكرات أو غيره، إلا بعض محاولات رعاية أسر مسجونين، شدا من آزر البعض، خاصة داخل الأسر الإخوانية بالكامل، والتي تتمركز بشكل كبير في بعض المناطق، أهمها ضواحي الجيزة والفيوم .
على الرغم من حدوث انشقاقات بالجملة، داخل صفوف التنظيم في الفترة الأخيرة، لكن هذه الانشقاقات لا تعني أن التنظيم أصبح مهلهل، أو أوشك على الاندثار، فكل المؤشرات تؤكد أن الضامن الوحيد على انحصار نشاط الجماعة الحالي، يتمثل في قوة القبضة الأمنية، وسياسات النظام الحالي، وموقفه من الجماعة، ففي حال خفت القبضة الأمنية سيعود نشاط الجماعة، وربما تستطيع العودة إلى ممارسة بعض الأنشطة السياسية.
فبتتبع ورصد حسابات ومواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ، أن الفكر الإخواني مسيطر بشكل ملحوظ، ويدعمه بعض القواعد الشعبية من السلفيين، إلى الحد الذي يجعلنا لا نثق من قدرة وعى البعض على مجابهته، فلازال أعداد المتأثرين والمتعاطفين، مع الفكر والرواية الإخوانية أعداد لا يستهان بها، فقد استطاعت الجماعة استقطاب البعض من خارجها، مستغلة غياب الوعي لدى شريحة معينة، من خلال بعض البرامج على اليوتيوب، تحصد ملايين المشاهدات على رأسهم برنامج جو شو،وبرنامج عبد الله الشريف، اللذان يستهدفان هدم المؤسسات والرموز المؤثرة لدي الوعي الجمعي، من خلال محتوي ساخر. وتهيئة الوجدان لتقبل أي فكرة ترسخ لكراهية مؤسسات الدولة، على رأسها الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، فضلا عن المحتوى الضخم للأناشيد والأغاني الإخوانية، التي روجت لروايات الجماعة التي تدعي المظلومية، وتروج للفكر المتطرف، الذي يعتبر الجهاد ركن سادس في الإسلام، وفقا لنص أناشيدهم، فبرصد التعليقات نلحظ عدد المتأثرين بها من الشباب لا يستهان به.
إعادة تدوير فقه المحنة:
برصد وقراءة وتحليل عشرات المواقع والبرامج والمقالات الإخوانية، نجد أن إعادة تدوير فقه التعامل مع المحنة في أدبيات الجماعة يتصدر بكثافة، الذي أصل له سيد قطب منذ أكثر من 60 عام، ومن قبله مؤسس الجماعة حسن البنا، فاستدعاء رسائل البنا وكتابات قطب، مادة أساسية في كل صفحات ومواقع ومراكز الدراسات، التابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للتنظيم، فالجماعة أجادت عبر تاريخها إدارة عناصرها كقطيع واحد، من خلال وضع أطر ومبادئ عامة للتعامل مع المحن، وأعدت عناصرها مقدما لتلك المحن كالتالي:
(*) استدعت الجماعة رسائل حسن البنا، وتوجيهاته فيما يتعلق بفقه المحنة، لمحاولة احتواء حالة الإحباط والشك، التي يعانيها بعض عناصر التنظيم، حيث يقول البنا في أحد رسائله مخاطبا الإخوان، ” إن دعوتكم مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها، ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرا من العقبات والمشقات، وفى هذا الوقت وحده، تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، وسيقف جهل الناس بحقيقة الإسلام، عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين، من يستغرب فهمكم للإسلام، وسيحقد عليكم حكماء وزعماء وذوو سلطان وجاه ، وستقف في وجهكم كل الحكومات ، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم…..وستدخلون في دور التجربة، والامتحان فستسجنون، وتقتلون، وتشردون، وتصادرا مصالحكم، وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان، (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصر المجاهدين، ومثوبة العاملين المحسنين” .
هكذا وضع البنا لأعضاء الجماعة، أولى لبنات التعامل مع المحن، وتوارثتها الجماعة وعلمتها لأعضائها، بحيث عندما يجدون علامات المشقة السابقة ، يعلمون أنهم على طريق الحق وفقا لرؤية مرشدهم الأول، وأنهم سيعانون ويضطهدون ويظلمون، بسبب جهل العامة، وطغيان الحكام، وتربص علماء الدين الرسميين، عليه فهم مؤهلون مسبقا للتعامل مع تلك الأوضاع.
(*) استحضرت الجماعة فكر سيد قطب، وأحيته في قلوب ونفوس أتباعها، وسيطر على المشهد عبر مواقعها وقنواتها وصفحاتها، الذي أصل لفقه المحنة بشكل أكثر عمق، حيث تحدث قطب عن الجماعة المؤمنة، في مواجهة المجتمع الجاهلي، وأسس لفكرة من داخل السجن وصنع فكرة “الحاكمية”، تأثرا بقراءة كتاب المصطلحات الأربعة لأبى الأعلى المودودى، خلاصة ما وصل إليه قطب، أن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية، وصولا إلى نتيجة غياب المجتمع المسلم، وغياب الإسلام كدين وعقيدة وتشريع، حيث يؤكد قطب “……وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة…..”، فوفق التصور الفقهي لقطب “…….العصبة المختارة من بني الإنسان، التي قدر الله أن يقوم هذا الدين عليها، وأن تتولى هي إنشاء النظام الواقعي، الذي يتمثل فيه هذا الدين”، أن المجتمع المسلم عند قطب، كما وضح لأتباعه هو النواة الصلبة، لمواجهة المجتمع الجاهلي، وعليه وفقا لقطب من الضروري تحصين هذه العصبة المؤمنة، من هجمات المجتمع الجاهلي، ومن كيد الأنظمة الطاغوتية وفقا لتعبيره، وهذا يتطلب نوعا من العزلة النسبية والاتصال الحذر، ويوضح قطب لأتباعه، أن الطريق لن يكون معبد أو سهل فيحرض قائلا”…..هذه اللفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله، فلا يلتفتون في أثناء الطريق الدامي، المفروش بالجماجم والأشلاء وبالعرق والدماء ، إلى نصر أو غلبة، أو فصل بين الحق والباطل في هذه الأرض” بهذا أسس وأصل قطب لفقه المحنة بشكل غير مباشر، أثناء معايشته للمحنة داخل السجن، وربطه ربط مباشر بتكفير المجتمعات والحكام (*) إضافة لما سبق، فقد امتلأت صفحات الإخوان وأتباعهم، بذكر أمثلة من تحمل المحن والصعاب في التاريخ الإسلامي، كقصة سيدنا إبراهيم و معاناته مع قومه، وترك زوجته وولده بوادي غير ذي زرع، ومحاصرة سيدنا محمد في الغار، وأذى قومه له في بدء الدعوى، ومطاردة فرعون وجيشه لسيدنا موسى…..وغيرها من القصص التي يشبه بها الأخوان أنفسهم بالأنبياء، ويشبهون المجتمعات والحكام بالكفار وبفرعون.
(*) كما يستشهدون بالآيات القرآنية، ويسقطونها على أوضاعهم بهتانا وزورا، محاولة لتثبيت عناصرهم، والتأكيد لهم دوما أنهم على الطريق الصحيح، مثل قال تعالى “يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا” تحاول الجماعة هنا، بث الثقة والثبات في نفوس أتباعها، وقوله تعالى” وإذا جاءكم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا” ، تدعوا الجماعة أتباعها استرشادا بهذه الآية، أن لا يثيروا القلاقل في صفوفهم، وألا يصدقوا أو يثقوا إلا في قياداتهم، كما يدعوا أتباعهم بعدم اليأس والثقة في قدرة الله على نصرهم، باعتبارهم يمثلون دعوة الحق دون غيرهم، ويسترشدون بالآية الكريمة قال تعالى” من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع، فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ”. هكذا توظف الجماعة كلام المولى عز وجل، لخدمة أيديولوجيتها ويؤولون الآيات بهتانا وزورا لمصالحهم، دون أدنى خجل أو شعور بالخوف من الله، لتأويل نصوص القرآن لمصالحهم عكس مراد الله.
نحن جماعة مستهدفة:
بناء على ما سبق؛ يرى العنصر الإخواني ويربى، على أنه مستهدف من قبل مجتمع وحكومة كافرة، وأنهم على الطريق القويم والفهم الصحيح المتكامل للإسلام، مستقيين الأمثال ومستحيين القصص والعظات، الموجهة في ذات الاتجاه، ليثبتوا لأتباعهم أن أصحاب هذا الطريق لا يجب عليهم اليأس ولا فقد الثقة، بهذا فقد نجح حسن البنا وضع أسس بناء الشخصية الإخوانية، المستعدة للمرور بالمحن بثبات عن عقيدة راسخة، بأن هذا العناء هو طريق الصالحين المصلحين.
عليه؛ فلا يعنى انشقاق بعض عناصر الجماعة، في المرحلة الأخيرة، أن الجماعة انتهت أو أوشكت على الانتهاء، فانتهاء الجماعة لن يحدث إلا بالقضاء على الفكرة الإخوانية والعقيدة القطبية، التي لازالت تروج لها الجماعة، وتحتفل بمؤسسها عبر آلتها الإعلامية، فالجماعة في حالة كمون متحصنين بفقه المحنة، ومتربصين إلى حين انتهاز فرصة، للعودة لنشاطها السياسي والاجتماعي، وما يؤكد وجهة النظر هذه، نشاط أعضاء الجماعة في الخارج، لمحاربة الدولة المصرية، رغم كل الصعوبات لا يستكينوا مادام التمويل قائم، والأنظمة الداعمة مستمرة في الدعم، والطريق ممهد في الخارج، لبث سمومهم بطريق مباشر وغير مباشر.
أخيرا؛ تطمح جماعة الإخوان الإرهابية فى الوقت الحالي، إلى استعادة وضعها إلى مرحلة ما قبل 25 يناير، سواء فيما يتعلق بعلاقتها بالدولة، أو بعلاقتها بالشعب المصري، وفقا لتصريحات بعض قيادات التنظيم، وفي المستقبل تطمح إلي المشاركة السياسية، تمهيدا لانتهاز فرصة للانقضاض على السلطة مرة أخري، معتمدين على ما يتمتع به البعض من ذاكرة السمكة، فالبعض نسي أو على وشك نسيان ما ارتكبته الجماعة من جرائم، وبدأ يتعامل معها ويسمع لها كجماعة معارضة، كم تسوق لنفسها من الخارج، أما عن الدولة فقوة النظام القائم وقوة القبضة الأمنية، وتشريعات مكافحة الإرهاب هي الضامن، لعدم عودة الجماعة الإرهابية إلى المشهد، و الشعب فلا ضامن لعدم عودة الجماعة الإرهابية، سوى إعادة تشكيل الوعي الجمعي، ومجابهة الفكر المتطرف الذي يعج به الفضاء السيبراني.