كيف يبدو الداخل الإيراني بعد رفض مجلس الأمن “مسودة مفاوضات فيينا”؟

عمرو عامر- باحث ببرنامج الدراسات الإيرانية.
منذ أسابيع قليلة انتهت جولة المحادثات السادسة في فيينا، الخاصة بإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، وإعادة إيران إلى الالتزام بالتنفيذ الكامل لالتزاماتها.
وعلى الرغم عودة الوفود المشاركة في المباحثات مثل كل مرة إلى عواصمها لإجراء المشاورات واتخاذ القرارات النهائية فيما تم التوصل إليه- إلا أن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية “علي ربيعي” خرج مستعجلاً يوم الثلاثاء الماضي، بتصريح قال فيه “إن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قد رفض مسودة الاتفاقية التي تم التفاوض عليها بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة خلال الأشهر الثلاثة الماضية في فيينا خلال جولة المحادثات السادسة”.
وفي ذات السياق، رفض المتحدث باسم الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “كيفان خسروي”، التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم الحكومة، وقال إن كل ما في الأمر، هو أن اللجنة وجدت النص يتعارض مع التشريع الذي أقره البرلمان الإيراني في ديسمبر الماضي. ونتيجة للارتباك الحادث في الموقف الإيراني من نتيجة المباحثات، والتي بدا معها شروخ في الداخل الإيراني- يطرح هذا التحليل تساؤل يحاول الإجابة عليه، هو: كيف تبدو إيران من الداخل بعد رفض مجلس الأمن “مسودة مفاوضات فيينا”؟، وماذا بعد تأجيل المفاوضات؟.
تفاصيل داخل أروقة صنع القرار:
وفقا للدستور الإيراني، يتخذ المجلس الأعلى للأمن القومي القرارات الخارجية الأكثر حساسية. كما تتألف اللجنة الخاصة التي تشرف على محادثات فيينا من متشددين فضلاً عن أعضاء من المتوقع اختيارهم في حكومة إبراهيم رئيسي القادمة. ومن أجل العودة إلى الاتفاق النووي، يجب على الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على إيران، كما أن على إيران أن تخفف بدورها أنشطتها النووية الأخيرة التي تنتهك الاتفاقية.
واستكمالاً لما سبق، أكد المتحدث باسم الحكومة المنتهية ولايتها حسن روحاني، أن الحكومة المنتهية ولايتها انتهت من التفاوض على مسودة اتفاق للعودة المتبادلة للامتثال، والتي زعم أنها تضمنت رفع معظم العقوبات. ولكن اللجنة المشكلة في المجلس الأعلى للأمن القومي قررت أن مسودة الاتفاق تتعارض مع القانون الذي أقره البرلمان في ديسمبر بشأن استئناف البرنامج النووي الإيراني. وفي نهاية الأمر أعلن أن القرار الذي تم اتخاذه على أعلى المستويات في إيران، تمثل في تأجيل المفاوضات إلى ما بعد تشكيل حكومة رئيسي وتشكيل فريق تفاوض جديد.
وتأسيسًا على ذلك، يبدو أن طهران ترى أنها أصبحت تملك أدوات ضغط أخرى، تمكنها بشكلً أو بآخر من التفاوض على مزيد من الصلاحيات، فضلاً عن أن الحكومة الجديدة برئاسة المتشدد إبراهيم رئيسي لديها أولويات أخري تريد تحقيقها من خلال جولة المحادثات السابعة والتي من المتوقع أن تكون النهائية. الحقيقة ان تأخر الوصول إلى إتفاق يضمن إلتزام الجميع بالتزاماته؛ يقع في مصلحة إيران فقط. فالمماطلة في هذا الأمر تجعل إيران غير ملتزمة بتعهداتها في تخصيب اليورانيوم. ووفقًا للمعطيات يمكن القول بأن إيران تلعب على هذه الاستراتيجية.
من يملك القرار:
بناءً على ما تم تفصيله في ما حدث في الداخل الإيراني. يمكن القول أنه يبدو أن هناك تعارض في السياسات بين الحكومة الحالية برئاسة حسن روحاني، والحكومة الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي، كان روحاني يريد أن ينهي هذه المحادثات بشكل أكثر مرونة قبل انتهاء ولايته، وهذه النقطه كان قد أكدها روحاني نفسه في اجتماع مجلس الوزراء في 7 يوليو الماضي، والذي قال فيه إن حل المشاكل وإتمام الاتفاق ورفع العقوبات هو في أيدينا. ولكن يبدو أن للمرشد الأعلى “علي خامنئي” وجهه نظر أخرى، وبطبيعة الحال هو الذي يملك الكلمة الأولى في رسم السياسة الخارجية لإيران.
ووفقًا للمعطيات التي تم طرحها يبدو أن خامئني يريد من الحكومة الجديدة أن تعيد صياغة بنودها في الاتفاق النووي، ومحاولة التفاوض على صلاحيات أكثر، واستغلال تقدمها في تخصيب اليورانيم في محاولة كسب المزيد من الامتيازات، بالأخص بعدما وضعت إيران بناء صفيحة وقود من اليورانيوم السيليكا المخصب بنسبة 20٪ على جدول الأعمال بعد انتهاء مفاوضات الجولة السادسة من المحادثات، وهي خطوة أخرى تتعارض مع التزاماتها وفقًا لخطة العمل المشتركة، وقد قوبلت برد فعل عنيف من الحلفاء الأوروبيين، ووصفها وزير خارجية الولايات المتحدة بأنها “خطوة مؤسفة إلى الوراء لإيران”.
وبناءً على ذلك، وفي مواجهة هذا الخلاف الداخلي حول مستقبل مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي، قالت السلطات الإيرانية رسميًا إنها ستنتظر تشكيل الإدارة الجديدة برئاسة الشخصية المحافظة المتشددة، “إبراهيم رئيسي” قبل استئناف الجولة السابعة من المحادثات في فيينا. فقد أبلغت طهران مجموعة P4 + 1 (روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) أن الجولة التالية من المحادثات لإحياء الاتفاق ستعقد بعد انتقال السلطة في إيران. ومن المرجح أن تتسلم الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة إبراهيم في الأسبوع الأول من أغسطس المقبل.
ماذا بعد تأجيل المفاوضات:
تأسيسًا على ما سبق، فإن استكمال الجولة السابعة من المحادثات والعودة إلى طاولة المفاوضات، أصبح مرهونًا بتولى الرئيس الجديد، أو بعد تشكيل الحكومة الجديدة في إيران، حيث سيكون هناك فريق تفاوض جديد. والمرجح أن تكون هناك بنود ومطالب أخرى سوف تطرحها طهران على طاولة المباحثات. ولا شك في ذلك، فمماطلة طهران إلى هذا الحد بحجة أن الأمر متعلق بالديمقراطية وبأن الإدارة المنتخبة الجديدة من حقها أن تتولى هذا الملف في جو من الهدوء بعد انتقال السلطة؛ مكنها بشكل أو بأخر إلى زيادة تخصيبها لليورانيم بنسب كبيرة، فضلاً عن إعادة دراسة وهيكلة أوراق المفاوضات من جديد، فضلاً عن استخدام أوراق ضغط أخرى مثل قضية الأسرى الأمريكيين.
وفقًا للمعطيات الموجودة على ساحة السياسة الداخلية في طهران، يمكن القول، إن المرشد الأعلى علي خامنئي يرد أن يتم رفع العقوبات جملةً واحدة. والحقيقة أن هذا الأمر مستحيل، وهذا ما أكدته الحكومة الحالية برئاسة حسن روحاني، فقد أكد أن رفع العقوبات لا يمكن أن يكون مرةً واحدة. ولكن يبدو أن المرشد الأعلى والرئيس الجديد لديهم وجهات نظر أخرى يمكن أن نراها تترجم بواقعية على طاولة الجولة السابعة من المفاوضات في فيينا.
في النهاية، يمكن القول إن حسابات عديدة تطوق هذا الملف يختلف عليها روحاني ورئيسي، لكن من يحسم الأمر هنا، هو من له الكلمة الأولى في السياسة الخارجية، وهو المرشد الأعلى، والذي ينحاز بطبيعة الأمر لوجهة نظر الرئيس الجديد والمقرب منه، والذي لم يكشف بعد عن نواياه أو أوراقة الجديدة للتفاوض في الجولة السابعة من المفاوضات. والحقيقة أن الولايات المتحدة بدورها قد جعلت إشارة بدء محادثات الجولة السابعة من جديد في يد إيران، مع تأكيدها بأن هذا العرض لن يكون دائمًا، لذلك أشارت-واشنطن- إلى أنه يتعين على طهران الإسراع في بدء المحادثات، وهو أمر في غاية الصعوبة الآن في ظل حكومة جديدة لم تستلم مهامها بعد، فضلاً عن فريق تفاوض جديد من الممكن أن يبدأ هذه المحادثات من الصفر، وهذا هو المتوقع بطبيعة الأمر.