عبدالفتاح الجبالي يكتب.. البطالة ونمط النمو الاقتصادي

تزامن إعلان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لمؤشرات سوق العمل خلال الفترة (يوليو– سبتمبر2025) والتي أشار فيها إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 6.4% بزيادة نحو 175 ألف متعطل مقارنة بالربع السابق، مع إعلان وزارة التخطيط والتنمية الإقتصادية لمؤشرات النمو خلال الربع والتي أظهرت ارتفاع معدل النمو إلي 5.3% مقابل 3.5% خلال الربع المناظر من العام السابق، وهو ما يطرح التساؤل عن نمط النمو السائد هل هو نمو كثيف رأس المال وغير مستوعب للعمالة أم أن الأمور تتعلق بالتطورات في سوق العمل؟
وعند محاولتنا الإجابة عن هذا التساؤل تجدر الإشارة إلي أن هناك زيادة كبيرة في قوة العمل (المشتغلون والمتعطلون) حيث ارتفعت من 33.6 مليون إلى 34.7 مليون بزيادة قدرها 1.1 مليون فرد بينما استوعب السوق زيادة بنحو 900 ألف مشتغل حيث بلغ عدد المشتغلين نحو 32.498 مليون مقابل 31.559 مليون في الربع السابق. مع ملاحظة أن معظم الزيادة كانت لدي العاملين داخل الأسرة بدون أجر حيث أصبحوا يشكلون 7% من إجمالي المشتغلين مقابل 4.7% خلال الربع السابق.
وعلي الجانب الآخر فقد كانت قطاعات التشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة والصناعات التحويلية وخدمات الغذاء هي المستوعب الرئيسي للعمالة الجديدة، بينما يشير تقرير وزارة التخطيط إلى أن النمو الذي حدث خلال هذه الفترة كان في قطاع الصناعات غير البترولية والإتصالات والسياحة. يضاف إلى ما سبق الزيادة الكبيرة في استثمارات القطاع الخاص الذي أصبح يستحوذ على 66% من إجمالي الإستثمارات مقابل 34% للاستثمارات العامة، وبالتالي فمايزال هذا القطاع غير قادر علي استيعاب المزيد من العمالة بل والأهم من ذلك أن معظم العمالة لدي هذا القطاع تعمل في القطاعات غير الرسمية، وهو عكس ماتهدف إليه خطة التنمية في تحقيق تنمية احتوائية شاملة قادرة على إيجاد المزيد من فرص العمل اللائقة عن طريق تشجيع القطاع الخاص والاستثمار في المشروعات كثيفة العمل.
وبالتالي فإن نمط النمو السائد حتى الأن مازال يتجه إلى القطاعات الأقل مرونة في استيعاب العمالة وأصبح التساؤل كيف يمكن زيادة الطاقات الإستيعابية من العمالة بقطاعات الإقتصاد القومي لاستغلال الموارد البشرية والتصدّي لمشكلة البطالة بأبعادها المختلفة؟ وهنا نلحظ أن هناك زيادة في المتعطلين من الذكور بينما استطاع سوق العمل استيعاب المزيد من عمالة الإناث حيث تراجع معدل البطالة لديهم من 18.2% خلال الربع المماثل من العام السابق ونحو 15.8% خلال الربع السابق إلى 15% خلال هذا الربع، وعلي الجانب الأخر هبط معدل البطالة لحملة المؤهلات الجامعية ومافوقها من 44.8% إلي 43.4% خلال الفترة نفسها وكذلك تراجع المعدل لدي التعليم أقل من المتوسط من 21.8% إلى 16.9% وبالتالي تظل البطالة لدي حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة أي في التعليم الفني وهي قضية أساسية في ظل التوجه الحالي نحو تشجيع المزيد من التعليم الفني.
من هذا المنطلق نري ضرورة الإلتزام بما ذهبت إليه السردية الوطنية للتنمية الإقتصادية من ضرورة تضمين اعتبارات إيجاد فرص العمل عند تصميم وتنفيذ السياسات الإقتصادية مع دمج أهداف التشغيل ضمن أولويات السياستين المالية والنقدية والحد من التشوهات الهيكلية التي تحد من القدرة على توجيه الموارد نحو التنمية البشرية والإنفاق الإجتماعي في ظل عبء الدين العام وتكاليف خدمته وضيق الحيز المالي، وبالتالي إعادة النظر في السياسة الحالية الهادفة إلى تخفيض الإنفاق العام الإستثماري إذ تشير إلى الإرتباط بشكل موجب مع النمو الإقتصادي ووجدت معظمها علاقات موجبة بين النمو والاستثمار في البنية التحتية من خلال دورها فى تخفيض تكلفة الإنتاج التى تواجه القطاع الخاص. وتحسين البنية الأساسية المادية والإجتماعية لتسهيل الإستثمار الجاد والمنتج، كما تؤدى إلى ارتفاع نسبة العائد على رأس المال وإنتاج سلع وخدمات لن يقوم القطاع الخاص بتوفيرها، هذا مع الأخذ بالحسبان أن العائد على توجيه مزيد من الإستثمارات العامة فى البنية الأساسية قد يختلف من دولة لأخرى. فمثلاً إذا كانت الدولة قد اهتمت سابقاً بالإستثمار الكثيف فى شبكات الطرق، قد تولد الإستثمارات الإضافية في الطرق عائداً متناقصاً، ومن ثم يصبح للاستثمار العام فى مجال آخر من البنية الأساسية – لم يصل بعد لمرحلة التشبع- عائد أكبر. وفى حالة القطاعات التي وصل فيها الإستثمار العام إلى حد التشبع كميا، ينبغي أن تلتفت الدولة إلى تحسين كفاءة هذا المرفق العام.
ومن المفيد معرفة أى القطاعات يولد فيها الإستثمار العام أعلى عائد بالنسبة للنمو وتقليل الفقر. وأن هذا الإستثمار قابل للإستمرار. ولهذا فإن العمل رفع كفاءة الاستثمارات العامة والعمل على تخفيض التكاليف يصبح ضرورة عن طريق دقة اختيار المشروعات ومراعاة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد وحسن الإدارة والتقييم بما يضمن كفاءة الإستثمار العام ويرفع الإنتاجية.كما تقدم الإستثمارات العامة خدمات تكميلية للقطاع الخاص من خلال إزالة الإختناقات وتتكامل العلاقة بين كل من الإستثمار العام في البنية التحتية والإستثمار الخاص من خلال ما يعرف بتكاليف الإنشاء، حيث قد يؤدى وجود شبكة من الطرق مثلاً إلى تخفيض التكاليف المرتبطة بإنشاء مصنع في منطقة ما أو تيسير نقل مدخلات الإنتاج إلى موقع إنتاجي جديد مما يؤثر على تكلفة وحدة الإنتاج بالنسبة للمشروع الخاص. ناهيك عن أن الإستثمار في مجال التعليم والصحة يؤثران بشكل إيجابي على انتاجية العامل.
ومن هنا يتمثل التحدي الذي يواجه الإنفاق العام الإستثماري فى ضمان مستوى من الإنفاق يتسق مع الإستقرار الإقتصادي الكلى من جهة وطبيعة الأوضاع الإجتماعية السائدة من جهة أخرى.
نقلا عن جريدة الأهرام.