ترجيح مبكر لـ “رئيسي”: كيف تناولت وسائل الإعلام ومراكز الفكر الأمريكية الانتخابات الإيرانية؟
منذ فتح عملية الانتخابات الرئاسية الإيرانية وحتى انتهائها في صباح يوم الـ 19 من يونيو الجاري، تلاحظ في بادرة تعد الأولى من نوعها، اهتماماً واسعاً من قبل أغلب الصحف ومراكز الأبحاث الأمريكية، التي رصدت كل التفاصيل، ورجحت المرشح الأكثر حظاً، مٌحددةُ المبررات والأسباب.
ونظراً لما تحمله تلك الانتخابات من تداعيات هامة على ملفات منطقة الشرق الأوسط، خاصة ملف محادثات الملف النووي الجارية، إلى جانب طبيعة العلاقة المستقبلية بين واشنطن و طهران، و انطلاقاً من ذلك يحاول هذا التحليل تسليط الضوء على أهم ما تناولته الصحافة ومراكز الأبحاث الأمريكية في تغطيتها للانتخابات الإيرانية، حيث تنبأت معظم الصحف تقريباً بنتيجة الانتخابات، ورجحت منذ ما يقرب من خمسة عشر يوم تقريبا نجاح رئيسي، باعتباره المرشح الأوفر حظاً، كما ركزت على أجواء انعقاد الانتخابات التي اتسمت بارتفاع نسبة العزوف بين الإيرانيين إزاء المشاركة في الانتخابات.
تغطية الصحافة ووكالات الأنباء الأمريكية:
ناقشت الصحف الأمريكية الانتخابات الرئاسية في إيران من خلال التركيز على عدد من النقاط الرئيسية، والتي يمكن تناولها على النحو التالي: –
(*) أبرز المرشحين: في هذا الصدد ذكرت صحيفة ” وول ستريت جورنال” تحت عنوان” من هو ابراهيم رئيسي؟ قاضي متشدد مستعد للفوز بالانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021Who Is Ebrahim Raisi? Hard-Line Judge Is Set to Win Iran’s 2021 Presidential Election” بتاريخ 19 يونيو2021، أن أبرز المرشحين هم إبراهيم رئيسي، وهو قاضٍ محافظ، ويعتبر المرشح الأوفر حظاً للفوز رغم انه يفتقر إلى الخبرة السياسية ولكنه يتمتع بخبرة طويلة في النظام القضائي، ومنافسه هو عبد الناصر همتي المرشح الوحيد غير المحافظ في السباق لديه أيضًا خبرة سياسية محدودة، لكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإدارة روحاني، ويصور نفسه بأنه معتدل يميل للإصلاح و تحسين العلاقات الخارجية لإيران بما في ذلك مع الغرب ، ومنح الإيرانيين المزيد من الحريات الاجتماعية والسياسية، كما ترشح محسن رضايي، القائد السابق للحرس الثوري المعروف بتصريحاته التحريضية ضد خصوم إيران في المنطقة ، للرئاسة للمرة الرابعة، كما أوضحت وكالة أخبار ” إيه بي سي نيوز” تحت عنوان ” كيف تؤثر الانتخابات الرئاسية الإيرانية على توجهات البلاد” بتاريخ 18 يونيو 2021، أن من بين المرشحين الأربعة ، يبدو أن رئيس القضاء المتشدد إبراهيم رئيسي هو الأوفر حظًا بناءً على استطلاعات الرأي الرسمية، كما يمثل عبد الناصر همتي الرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني المعتدلين في السباق، و هناك محسن رضايي قائد سابق في الحرس الثوري، وأمير حسين غازي زاده النائب الحالي.
(*) نتيجة محسومة لصالح “إبراهيم رئيسي”: في هذا الصدد تحدثت صحيفة ” نيويورك تايمز ” تحت عنوان” إيران قد تتجنب المشاركة في الانتخابات باعتبار السباق الرئاسي محسوم لصالح مرشح واحد Many Expected to Shun Iran Vote Seen as Presidential Race of One” بتاريخ 17 يونيو 2021، عن أن رئيس السلطة القضائية لديه الفرصة الحقيقية الوحيدة للفوز بعد أن قام رجال الدين باستبعاد جميع المرشحين الآخرين القادرين على المنافسة، بينما ذكرت وكالة الانباء “سي ان بي سي” تحت عنوان ” يرى الخبراء أن الشعب الإيراني هو الخاسر الأكبر بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الإيرانية No matter who wins Iran’s election, ‘the Iranian people will certainly lose,’ expert says” بتاريخ 18 يونيو 2021، أن المرشح الأوفر حظًا في السباق الرئاسي هو إبراهيم رئيسي والذي يعد بالتأكيد عامل استمرار للسياسة وليس تغيير، كما سيكون أول رئيس إيراني منتخب تعاقبه واشنطن قبل توليه منصبه و من المرجح ان تحتفظ الجمهورية الإسلامية في ظل حكمه بعدوانها في الخارج وسياستها القمعية في الداخل، أما وكالة رويترز فقد أشارت تحت عنوان ” قاض خاضع للعقوبات الأمريكية يتجه للفوز برئاسة إيران وسط تصويت الإيرانيين Judge under U.S. sanctions set for presidency as Iranians vote”، بتاريخ 18 يونيو 2021، إلى أن رئيسي، المدعوم من الحرس الثوري القوي والحليف المقرب لخامنئي، يخضع لعقوبات أمريكية بسبب مزاعم ضلوعه في إعدام معتقلين سياسيين قبل عشرات الأعوام.
(*) نسبة المشاركة في الانتخابات: في هذا الصدد تحدثت صحيفة ” وول ستريت جورنال” تحت عنوان” من هو ابراهيم رئيسي؟ قاضي متشدد مستعد للفوز بالانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021Who Is Ebrahim Raisi? Hard-Line Judge Is Set to Win Iran’s 2021 Presidential Election” بتاريخ 19 يونيو2021، عن مشاركة 28.6 مليون ناخب في الانتخابات ، وهو ما يعادل نسبة إقبال منخفضة تاريخيًا بلغت 48٪، بينما رأت صحيفة ” يو إس إيه توداي” تحت عنوان ” ثلاثة ملاحظات هامة إزاء فوز رئيس القضاء المتشدد إبراهيم رئيسي برئاسة إيران Hardline judiciary chief Ebrahim Raisi wins Iran presidency: 3 ways it matters”بتاريخ 18 يونيو 2021، أن عدم الرضا عن الاقتصاد الإيراني ، فضلاً عن الحملات الحكومية الطويلة ضد النشطاء الاجتماعيين والسياسيين ، كان وراء الانخفاض المحتمل تاريخيًا في نسبة الاقتراع بين 60 مليون ناخب في إيران حيث وصلت نسبة المشاركة 42٪ فقط، بينما ذكرت وكالة الانباء “سي ان بي سي” تحت عنوان ” يرى الخبراء أن الشعب الإيراني هو الخاسر الأكبر بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الإيرانية No matter who wins Iran’s election, ‘the Iranian people will certainly lose,’ expert says” بتاريخ 18 يونيو 2021، أن السياسة الأمريكية المستقبلية يجب أن تستند إلى إقبال الناخبين على المشاركة في الانتخابات بدلاً من النظر إلى من سيفوز في الانتخابات، فالأمر لا يتعلق بمن هو على رأس الجمهورية الإسلامية بل يتعلق بتوجهات الشعب الإيراني إزاء دولته، و يُعد إقبال الناخبين إحدى الطرق لتحديد ما إذا كان الشعب الإيراني يدعم قادته أم لا، بينما أشارت وكالة رويترز تحت عنوان ” قاض خاضع للعقوبات الأمريكية يتجه للفوز برئاسة إيران وسط تصويت الإيرانيين Judge under U.S. sanctions set for presidency as Iranians vote”، بتاريخ 18 يونيو 2021، إلى أن نسبة المشاركة قد لا تتجاوز 44 % وفقاً لاستطلاعات الرأي الرسمية، وهي نسبة تقل كثيرا عن الانتخابات السابقة التي سجلت مشاركة بلغت 73.3 %، على الرغم من أنه يحق لأكثر من 59 مليون إيراني التصويت.
(*) تأثير نتيجة الانتخابات على العلاقات مع واشنطن: في هذا الصدد تحدثت صحيفة ” وول ستريت جورنال” تحت عنوان” من هو إبراهيم رئيسي؟ قاضي متشدد مستعد للفوز بالانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021Who Is Ebrahim Raisi? Hard-Line Judge Is Set to Win Iran’s 2021 Presidential Election” بتاريخ 19 يونيو2021، عن أن تحديد السياسة الخارجية لإيران ولا سيما علاقتها بواشنطن، يتم من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي، لكن يمكن لرئيس الدولة أن يضبط النغمة مع أصدقاء الأمة وخصومها على حد سواء وعلى الرغم من أن رئيسي لا يعارض اتفاق إيران النووي لعام 2015 مع القوى العالمية ، إلا أن من المتوقع أن تقوم إدارته بتوجيه سياسة إيران الخارجية تجاه روسيا والصين على حساب الدبلوماسية مع الغرب ، وهو الموقف الذي يفضله المرشد الأعلى منذ فترة طويلة، كما رأت صحيفة ” يو إس إيه توداي” تحت عنوان ” ثلاثة ملاحظات هامة إزاء فوز رئيس القضاء المتشدد إبراهيم رئيسي برئاسة إيران Hardline judiciary chief Ebrahim Raisi wins Iran presidency: 3 ways it matters”بتاريخ 18 يونيو 2021، أن من غير المرجح أن تغير الانتخابات المسار العام لمناقشات الاتفاق النووي ، التي تتجه نحو استعادة الاتفاق، وعلى الرغم من العقوبات المفروضة على رئيسي إلا انه يدعم أيضًا الاتفاق النووي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المرشد الأعلى يؤيد الاتفاق، وتغير الرئيس في إيران لا يعني تغير السياسة الخارجية ، بينما ذكرت وكالة الأنباء “سي إن بي سي” تحت عنوان ” يرى الخبراء أن الشعب الإيراني هو الخاسر الأكبر بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الإيرانية No matter who wins Iran’s election, ‘the Iranian people will certainly lose,’ expert says” بتاريخ 18 يونيو 2021، أن قد تكون هناك عودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 قبل تنصيب الرئيس الجديد، لاسيما وان بعض المرشحين المتشددين على الرغم من قيامهم بمهاجمة حكومة روحاني وتقويض الاتفاق النووي إلا انهم يرغبون في مواصلة المحادثات نتيجة تضرر الاقتصاد الإيراني في نهاية المطاف، بينما أشارت وكالة رويترز تحت عنوان ” قاض خاضع للعقوبات الأمريكية يتجه للفوز برئاسة إيران وسط تصويت الإيرانيين Judge under U.S. sanctions set for presidency as Iranians vote”، بتاريخ 18 يونيو 2021، إلى أن سجل رئيسي كقاض من المحافظين متهم بارتكاب انتهاكات قد يثير قلق واشنطن والإيرانيين الليبراليين لا سيما في ظل تركيز إدارة بايدن على دعم حقوق الإنسان في مختلف أرجاء العالم.
مراكز الفكر والأبحاث الأمريكية.. رصد وتحليل:
تناولت مراكز الأبحاث الأمريكية الانتخابات الرئاسية في إيران من خلال التركيز على عدد من النقاط الرئيسية، والتي يمكن تناولها على النحو التالي: –
(&) مجلس العلاقات الخارجية: في دراسة بعنوان ” الانتخابات الرئاسية الإيرانية: ما الذي يجب معرفته؟ Iran’s Presidential Election: What to Know “بتاريخ 16 يونيو 2021، أشارت الباحثة كالي روبنسون إلى أن الانتخابات الإيرانية الرئاسية التي ستعقد في ال18 من يونيو الجاري، من المتوقع أن تكون نسبة المشاركة فيها منخفضة حيث تتعامل البلاد مع اقتصاد منهك ووباء مستمر، ويبدو أن رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، أحد رعايا المرشد الأعلى علي خامنئي ، هو المرشح الأول من بين أربعة مرشحين للرئاسة في إيران حيث يبدو أن مجلس صيانة الدستور يتلاعب بالانتخابات لصالح رئيسي ، لأن المرشحين الآخرين المعتمدين لديهم دعم واعتراف أقل بكثير من قبل الجمهور ، و على الرغم من أن الانتخابات الإيرانية التي يتم السيطرة عليها بعناية يمكن أن تكون نتائجها غير متوقعة ، إلا أنه يبدو من المؤكد أن خليفة الرئيس حسن روحاني سيكون مواليًا للنظام ويتمتع بسلطة محدودة حيث يتمتع المرشد الأعلى بأكبر قدر من النفوذ، وفيما يتعلق بمدى نزاهة الانتخابات أوضحت روبنسون أن لا يمكن اعتبار تلك الانتخابات نزيهة ، لاسيما في ظل فرض مجلس صيانة الدستور قيودًا جديدة ، بما في ذلك أن يكون عمر المرشحين بين أربعين وخمسة وسبعين عامًا ، مما أدى إلى استبعاد العديد من المسجلين، كذلك كان مجال المرشحين مقيدًا بالفعل بشرط قائم بأن يكون الرئيس مسلمًا شيعيًا ، وهو ما يستثني الأقليات مثل المسلمين السنة والمسيحيين واليهود والبهائيين.
(&) مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: في دراسة بعنوان ” الانتخابات الرئاسية الإيرانية: فرصة أم طريق مسدود؟ Iran’s Presidential Election: Opportunity or Dead End?” بتاريخ 15 يونيو 2021، تم استعراض أراء عدد من الخبراء حول التحديات والمخاوف التي تواجه الناخبين الإيرانيين ، وما إذا كان من المرجح أن يؤثر الرئيس الجديد بشكل فعال على الحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فقد أشار الباحث كريم سجادبور إلى أن من بين المرشحين السبعة المسموح لهم بالترشح من قبل حراس النظام ، لا يتمتع أي منهم بجاذبية شعبية، ولكن ينظر إلى رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي يُعتبر خليفة محتملاً للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 81 عامًا على نطاق واسع على أنه المرشح الأوفر حظًا، كما أكدت الباحثة معصومة على نجاد على أن من المتوقع امتناع العديد من الإيرانيين عن التصويت ، نتيجة اعتقادهم أن المشاركة تضفي شرعية على انتخابات غير حرة وغير عادلة، بينما شرح الباحث كيان تاجباخش أسباب رفض الأحزاب الإصلاحية الإيرانية مقاطعة الانتخابات ولماذا يُظهر التاريخ أن المقاطعات الانتخابية في الأوساط الاستبدادية لا تنجح عمومًا، بينما أشارت الباحثة سارة بازوباندي، إلى أن القلق الأكبر لمعظم الإيرانيين هو تدهور اقتصاد البلاد، و بالنظر إلى الواقع الاقتصادي الكئيب لإيران الذي يعاني من مزيج من العقوبات وسوء الإدارة والفساد ووباء كوفيد-19 فإن قلة من المواطنين الإيرانيين لديهم أمل في إمكانية الوفاء بوعود الحملات الانتخابية النبيلة لمرشحي الرئاسة وبالتالي من المتوقع استمرار المصاعب الاقتصادية الحالية التي تؤثر على الإيرانيين ، بل ربما تزداد سوءًا خلال ولاية الرئيس الجديد.
خلاصة القول، أجمعت دوائر الإعلام ومراكز الأبحاث الأمريكية فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الإيرانية 2021 على أن، إبراهيم رئيسي والذي يعد من بين المقربين للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي هو المرشح الأوفر حظاً في السباق الرئاسي، وعلى الرغم من دعوات المرشد الأعلى على خامنئي إلى المشاركة في التصويت، إلا أن نسبة المشاركة لم تتعدى ال 48% ويرجع ذلك إلى إحباط الكثير من الناخبين الإيرانيين من حكامهم الإسلاميين نتيجة سوء إدارة اقتصاد مزقته العقوبات الأمريكية والوباء الذي طال أمده والفساد الرسمي، كما ان في عهد رئيسي، من المرجح أن تصبح علاقة إيران بالعالم الخارجي وخاصة الولايات المتحدة، أكثر تصادمية، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تعقيد الأمور بالنسبة لإدارة بايدن في الوقت الذي تحاول فيه إعادة إيران إلى الاتفاق النووي الذي انسحب سلف الرئيس بايدن منه الولايات المتحدة في عام 2018، خاصة وان من غير المرجح أن يدعم رئيسي تنازلات بشأن المواربات غير النووية التي تجريها الولايات المتحدة مع إيران مثل دعم الدولة للجماعات المتطرفة في المنطقة وبرنامجها للأسلحة التقليدية على الرغم من إعلانه استعداده للتعامل مع الاتفاق النووي الإيراني، لكن رغم ذلك يظل خامنئي صانع القرار النهائي لإيران في مسائل السياسة الخارجية والنووية وتغير الرئيس في إيران لا يعني تغير السياسة الخارجية.