بعد مباحثات “السيسي” و”خريستودوليدس”.. دعم جديد للعلاقات الاقتصادية بين مصر وقبرص
ترتبط مصر وقبرص بعلاقات صداقة تاريخية، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت “بجمهورية قبرص” فور استقلالها، وتم تبادل العلاقات الدبلوماسية معها منذ عام 1960، واستكمالا لتلك العلاقات الممتدة، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي فى 22 مايو الجاري نيكوس خريستودوليدس وزير خارجية جمهورية قبرص، وذلك بحضور سامح شكري وزير الخارجية، بالإضافة إلى السفير القبرصي بالقاهرة.
ويأتي هذا اللقاء وتلك المباحثات كخطوة جديدة نحو دعم العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين البلدين فى مختلف المجالات، حيث تم التباحث بشأن تطورات القضية الفلسطينية في ظل الأحداث الأخيرة، وعبرت قبرض عن احترامها الشديد للدور المصرى فى مساعدة غزة ووقف إطلاق النار. كما تناول الاجتماع مناقشة العديد من جوانب التعاون بين البلدين فى المجال الاقتصادي، كذلك إطار الآلية الثلاثية في التعاون مع اليونان.
وحرصت مصر فى مباحثاتها مع قبرص على تعزيز آليات التعاون المشترك فى مجال مشروعات الغاز الطبيعى بما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولتين، حيث أكد الاجتماع على أهمية الإسراع في تنفيذ المشروعات المتفق عليها سواء على الصعيد الثنائي أو في إطار آلية التعاون الثلاثي مع اليونان، تنفيذا لمخرجات القمة الثلاثية التي عقدت في نيقوسيا في أكتوبر 2020 تحت مظلّة منتدى غاز شرق المتوسّط. هذا بالإضافة إلى تعزيز التعاون السياحي بين مصر وقبرص.
العلاقات التجارية بين مصر وقبرص:
شهد حجم التبادل التجاري السلعي بين مصر وقبرص تطوراً ملحوظاً، فعلى جانب الصادرات المصرية إلى قبرص، فقد بلغت نحو45 مليون يورو في 2017 منها (33 مليون يورو صادرات، و12 مليون يورو واردات)، حيث ارتفعت الصادرات المصرية للسوق القبرصي بنسبة 81.5٪ في عام 2017 لتصل إلى 33 مليون يورو، مقابل 18.2 مليون يورو في عام 2016، وترجع تلك الزيادة إلى ارتفاع صادرات عدد من القطاعات الصناعية المصرية إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتضمنت على وجه التحديد منتجات الحديد والصلب الذي حقق طفرة غير مسبوقة مقارنة بعام 2016، كما حقق قطاع الأثاث نسبة نمو مرتفعة، يليها صادرات الصناعات الغذائية المختلفة والأسماك، ومنتجات البلاستيك، والخضروات والفاكهة.
كما زادت صادرات مصر السلعية والبترولية خلال السبعة أشهر الأولى من العام 2020 مسجلة 22.5 مليون يورو. وتشمل تلك الصادرات كل من المنتجات المصرية السابق ذكرها، كما ظهرت منتجات جديدة على قائمة الصادرات المصرية لقبرص تشمل (هياكل وأجزاء المراكب وسفن الكروز والرحلات ).
وعلى صعيد الواردات المصرية من قبرص، فقد ارتفعت خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2017 بنسبة 57.4%، لتسجل نحو 18.8 مليون يورو، فى مقابل 8 ملايين يورو خلال نفس الفترة من العام 2016. وانخفضت واردات مصر السلعية من قبرص (بدون البترول)، بنسبة 37.5%، لتصل إلى 5 ملايين يورو فقط مقابل 8 ملايين يورو عن نفس الفترة من العام 2016.
وقد استوردت مصر مواد بترولية من قبرص بحوالى 13.8 مليون يورو. وانخفضت الواردات السلعية لمصر (بدون البترول) من قبرص بشكل ملحوظ خلال الـ7 أشهر من العام الجاري 2020، لتبلغ قيمتها 5 ملايين يورو فقط، مقابل 8 ملايين يورو، عن نفس الفترة من عام 2016، بنسبة انخفاض بلغت 37.5%، كان أبرزها، لفائف النحاس والمستحضرات، والإضافات الخاصة بعلف الحيوانات. وقد ساهم ذلك في تقليص فائض الميزان التجاري لصالح مصر خلال الـ7 أشهر الأولى من العام الجاري 2020، ليبلغ قيمته 2.7 مليون يورو، مقابل 12.5 مليون يورو، خلال الفترة ذاتها من عام 2016، وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
العلاقات الاستثمارية بين البلدين:
تطور عدد الشركات الاستثمارية برأس مال قبرصي فى مصر من 140 شركة برأس مال يقل عن 200 مليون دولار عام 2009 ، ليصل إلى 163 شركة بإجمالي رأسمال مصدر يصل إلى نحو 07.1 مليار دولار فى عام 2016. معظمها فى قطاع السياحة برأس مال يصل إلى 3.283 مليون دولار، وذلك وفقا لبيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة. وفى عام 2020، بلغت الاستثمارات القبرصية في مصر نحو 400 مليون دولار ممثلة فى 224 شركة قبرصية تعمل فى مجالات الصناعة والسياحة والخدمات والطاقة. كما بدأ تدفق الاستثمار المصرى فى قبرص خاصة فى سوق العقارات، الذى يعتبر حاليًا واحدًا من أهم الأسواق للمستثمرين في أوروبا وحول العالم أجمع، كما أنه يحظى باهتمام المصريين والمواطنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، كذلك قطاع السياحة.
الاتفاقيات القائمة بين مصر وقبرص:
تجدر الإشارة إلى أن هناك عدد كبير من الاتفاقات بين مصر وقبرص من شأن المضي فى تنفيذها خلال السنوات المقبلة من أجل تحسين وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ومن أهم تلك الاتفاقات ما يلى:-
(*) صدقت مصر فى سبتمبر 2014 على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، بين الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى والقبرصى نيكوس أنستاسیادس، وهى الاتفاقية التى لها أهمية كبيرة للطرفين، فضلًا عن توضيحها للحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للدولتين.
(*) فى إطار سعى للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز في البحر المتوسط، والاستفادة بمحطات الإسالة التي تمتلكها، والتي يمكن من خلالها استيراد الغاز المكتشف في دول شرق المتوسط، من أجل تسييله وإعادة تصديره، وقعت مصر فى 18 سبتمبر 2018، على أول اتفاقية من نوعها في منطقة شرق المتوسط لإنشاء خط أنابيب بحري مباشر لنقل الغاز من حقل أفروديت القبرصي، بدءاً من عام 2024، إلى منشأة إدكو للغاز الطبيعي المسال في مصر، وتصل تكلفته إلى حوالي مليار دولار.
ويعد هذا الاتفاق، هو أحد المحاور الأساسية لتعظيم الاستفادة من اكتشافات حقول الغاز القبرصية، بالإضافة إلى تشجيع المزيد من أنشطة البحث والاستكشاف بالمنطقة الاتفاق المصري القبرصي ليس فقط تنفيذ خط أنابيب بحري، بل سيسهم مساهمة إيجابية في تأمين إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي. وتصل الطاقة الاستيعابية لخطوط الأنابيب تصل إلى 700 مليون قدم مكعب سنويا، وأنه من المنتظر أن يبدأ ضخ الغاز القبرصي إلى مصر بحلول 2022.
(*) أسفرت أعمال القمة الثلاثية باليونان التى عقدت فى أكتوبر 2018، عن توقيع عدد من الاتفاقيات، ومذكرات تفاهم مشتركة، منها 3 متخصصة فى الجانب الاقتصادي وهم: مذكرة للتعاون الجمركي الفني، وأخرى فى مجال المشروعات الصغيرة، والثالثة، كانت لرفع معدلات الاستثمارات بين الدول الثلاث.
(*) تم تدشين “منتدى غاز شرق المتوسط” في يناير 2019، وذلك بمشاركة سبع دول هي مصر وإيطاليا وقبرص واليونان والأردن وفلسطين وإسرائيل. ثم تحول إلى منظمة إقليمية حكومية مقرها القاهرة في 21 سبتمبر 2020. واتضح من خلال هذا المنتدى أن مصر أصبحت عنصرا فاعلا فى مجال تعزيز الشراكة الأورومتوسطية في مجال الغاز، ومركزاً إقليمياً لتجارة الغاز، لما تمتلكه من بنية أساسية متطورة من أنابيب الغاز، ومحطتين لإسالته على شاطئ البحر المتوسط في إدكو ودمياط، بطاقة استيعابية تصل لـ 4,1 ملايين طن سنوياً من الغاز بكل محطة، وهى أيضاً الدولة الوحيدة بين الأعضاء التى تملك ممراً ملاحياً عالمياً يصل بين قارات العالم أي قناة السويس.
(*) في يناير 2020، وقعت مصر اتفاقات وترتيبات لشراء الغاز القبرصي لتلبية حاجات السوق المحلية، وتسييل الفائض وتصديره إلى الأسواق الخارجية من المحطات المصرية من خلال اتفاق إنشاء خط أنابيب “ايستميد” لنقل الغاز الشرق متوسطي إلى أوروبا.
وتأسيسا على ما سبق، يتضح أن الأهداف الاقتصادية للتعاون بين مصر وقبرص متعددة ومهمة، خاصة فى مجال الاستفادة المشتركة فى حركة السياحة بين الدولتين، فضلاً عن العلاقات التجارية التى ازدادت مؤخراً، هذا إلى جانب جني فوائد الشراكة الأورومتوسطية في مجال الغاز المكتشف في شرق المتوسط، الذى سوف يعتمد بشكل رئيسي على الإرادة السياسية للتعاون في التوصل إلى اتفاقيات للتجارة الإقليمية في مجال الغاز، واعتماد أسعار الغاز على أساس قواعد السوق في دول المنطقة، وخلق بيئة تنظيمية منسقة للتجارة والتوريد، وإنشاء إطار استثماري مواتٍ لإقامة واستخدام البنية التحتية للغاز، وهو ما تسعى إليه مصر حاليا من خلال تعزيز علاقتها ليس فقط بقبرص بل باليونان أيضاً في إطار العلاقات الثلاثية المهمة التي تربط بينهم وتعزز من قدرات اقتصادياتهم.