تصويب الخطاب الإسلامي .. في “ومضات على الطريق” (عرض كتاب)
نظراً للاستغلال غير الصحيح للخطاب الإسلامي من قبل الجماعات التي تنسب نفسها للإسلام مثل جماعة الإخوان، وغيرها من التنظيمات التي جعلت من إسالة الدماء منهجا لها، هذا بالإضافة إلى خطورة التعامل مع العائدين من داعش وأخواتها- يعرض مركز رع للدراسات في سلسلة “قراءات” عرض وتحليل لما تضمنه كتاب “ومضات على الطريق” للمفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادى، خاصة وأن المفكر وضع مسار واضح لمحاربة الفكر المتطرف في العالم.
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول أن كتابات المفكر الإسلامي الإماراتي “علي محمد الشرفاء الحمادي” تعتبر دعوة حقيقية لتنقية الإسلام من الشوائب وإزالة ما علق به من أدران على امتداد أربعة عشر قرنا ، فقد نظر بعين فاحصة إلى الدين مستشعرا حال الأمة الإسلامية وما آلت إليه من ضعف وهوان وتشرذم وتفكك وصراع داخلي بين طوائف ومذاهب يدعي كل واحد منها أنه على حق وأن غيره على باطل ، وقد أدرك أن سبب ذلك يعود بالأساس إلى انحراف هذه الأمة عن المنهج الإلهي كما هو مسطر ومحفوظ في القرآن العظيم، واعتمادها على روايات وأحاديث وتفاسير تم إنتاجها لاحقا، أي بعد أن كمل الدين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تدل على ذلك الآية الشريفة ” اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا “.
يعالج المفكر “علي محمد الشرفاء” هذه القضية بتحليل معمق تحت عنوان “تصويب الخطاب الإسلامي” ، وخصص له القسم الأول من كتابه ومضات على الطريق ، الجزء الثالث “المسلمون بين الآيات والراويات” ، ويرى فيه أن ما تعانيه اليوم مجتمعاتنا الإسلامية من مآسي نتيجة الإرهاب والتكفير والتطرف الذي أزهقت بسببه الأرواح وسالت دماء كثيرة ، ما هو إلا نتيجة طبيعية للعلوم الدينية التي تأسست بعيدا عن كتاب الله من قِبل نفر ضلوا طريق القرآن وهديه من فقهاء ومفسري السوء ، والله سبحانه وتعالى يصفهم بقوله ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
فهؤلاء أسسوا دينهم على الإسرائيليات والأحداث المزورة وأقوال كاذبة نسبت زورا لبعض الصحابة عن رسول الله ، ومع الوقت اكتسبت هذه النصوص صفة القداسة ، وأصبحت تدرس على أنها من الدين بل هي الدين الحقيقي ، فتحولت بذلك إلى حاجز وساتر يحول بين المسلم وكتاب الله عزل وجل ، ومن أجل ذلك أصبح استمرار هذا المنهج الإجرامي يشكل خطرا كبيرا على رسالة الإسلام ، كيف لا وهو منهج يبعد المسلمين عن كتاب الله مع أن الله سبحانه وتعالى قد حذر من ذلك في قوله ” وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا”. ليس هذا فحسب، بل هناك تحذير قرآني للمسلمين من إتباع من يطلقون على أنفسهم أئمة ، لا ليعيدوا الناس إلى منهج الله وإنما ليصدوهم عنه ، وما منهج الله إلا ما جاء في القرآن من أوامر ونواهي وعبادات وأخلاق، وكل ما يتعلق بشؤون الحياة وتنظيمها ، قال تعالى “وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
ويؤكد المفكر علي محمد الشرفاء أنه أمام تعدد الخطابات الدينية وما نتج عنه فرقة وخلاف وإرهاب وقتل ومرجعيات دينية يكفر بعضها بضعها، ليس أمامنا سوى العمل على تصويب الخطاب الإسلامي اتباعا وتطبيقا لما جاء في آيات خطاب التكليف الإلهي للرسول عليه الصلاة والسلام والتي أوضحت بشكل لا لبس فيه أن القرآن وحده هو المرجعية لكل مسلم ، ومنها تلك الآيات قوله تعالى (تَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) . وتتضمن هذه الآية أمر وتحذير في آن معا ، فالأول هو أمر بإتباع كل ما بلغه الرسول عن ربه من آيات بينات في الذكر الحكيم ، والثاني هو تحذير لهم من الاقتداء بأي كتاب غير كتاب الله عز وجل. وهو ما تؤكد أيضا عليه الآية الشريفة (لْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ).
ومن خلال ما تقدم يتضح أن “تصويب الخطاب الإسلامي” كما يراه المفكر علي محمد الشرفاء ، ليس سوى الرجوع إلى كتاب الله عز وجل وإزاحة كل ما حجبه عن الناس من روايات وأحاديث وتفاسير وغيرها من مؤلفات ونصوص دينية نشأت بعد أن كمل الدين بانقطاع الوحي مع وفاة الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحينما يتمسك المسلمون بالقرآن ويتركوا ما سواه ، ستعود الأمة موحدة من غير طوائف ولا مذاهب ولا إرهاب ولا فتن ، وسيعود للإسلام وجهه الحقيقي وهو العدل والرحمة والحرية والسلام لبني الإنسان في كل مكان.