دروس مستفادة من أزمة “إيفر جرين”: كيف تدعم مراكز الدراسات الموقف السياسي للدولة في الأزمات؟
وردت إشارة مهمة في حديث السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم ( 30 مارس 2021) في مؤتمره الصحفي على ضفة قناة السويس، ضمن مشاركته بالاحتفال الذي اقيم بمناسبة نجاح مصر في إنهاء أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس، حيث أشار سيادته إلى مسألة عدم قدرة وسائل الإعلام على توصيل الصورة الحقيقية عن حجم الجهود التي تبذلها الدولة لتحسين كافة القطاعات مثل الزراعة والقضاء على الفقر وغيرها، كما تحدث عن مسألة التعمق في التفاصيل في بعض الملفات، حيث أشار سيادته إلى ما كانت تقوم به بعض الصحف المصرية في السابق من إعداد تحقيقات مطولة ومُفصلة وعمل ملاحق تركز على موضوع واحد، وتعالجه من كافة الجوانب، بحيث يتوفر للقارىء الصورة الكاملة، ولا يكون مضطراً للبحث عن مصادر أخرى قد تكون مدسوسة أو مغلوطة. ويبدو أن سيادته كان يشير بشكل غير مباشر لمسالة التعامل الإعلامي ودور مراكز الدراسات في مصر في أزمة السفينة وبعض الأزمات التي وقعت بالتزامن معها في أسبوع واحد.
إن ما تفضل به السيد الرئيس ينقلنا بالقطع لمسئولية مراكز الدراسات في تدعيم وتقوية الموقف السياسي للدولة في أوقات الأزمات، فوسائل الإعلام والصحفيين بشكل عام، يجدون معاناة حقيقية في البحث عن المادة الصحفية والتحليلات التي تفيدهم في تغطيتهم لبعض القضايا، حيث يلجأون عادة إما لاستقاء المعلومات من مصادر خارجية، أو من خلال بعض المتخصصين على المستوى الوطني. ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة للصحفيين ووسائل الإعلام عند التعامل مع مواقف الأزمات، التي تحتاج لمن يوفر لهم المعلومة والتحليل في وقت محدد. من هنا ياتي التساؤل، كيف يمكن لمراكز الدراسات أن توفر دعماً وإسناداً حقيقياً للموقف السياسي للدولة في أوقات الأزمات؟.
اختبار صعب:
تعرضت الدولة المصرية خلال الأسبوع الماضي لأكثر من موقف أزمة، كان أشدها بالقطع أزمة السفينة إيفن جرين، التي تسببت في إغلاق قناة السويس أمام الملاحة الدولية لمدة سة أيام متواصلة، وما أثاره هذا الأمر من قلق واهتمام وترقب دوليلجهود مصر لحلها، والتي كللت بالنجاح الباهر، ولاقى هذا الأمر استحساناً وإشادة من دول كثيرة وكذلك من الشركة المالكة للسفينة ومن عدة جهات دولية. كما كانت حادثة قطار سوهاج “المؤلمة” خلال نفس الأسبوع موقف أزمة أخر، أثار لغطاً كثيراً حول مرفق السكة الحديد في مصر، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لتطوير وتحديث هذا المرفق الذي يعد من أقدم مرافق السكك الحديد في أفريقيا والشرق والأوسط، حيث استغلت وسائل الإعلام المعادية لمصر الحادثتين للتشكيك في جهود الدولة المصرية ليس فقط في مشروعات تطوير البنية التحتية، بل في التشكيك في جدوى المشروعات القومية التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ 2014 وحتى الآن، باعتبارها بوابة مصر للخروج من كبوتها، نحو الانطلاق لتأسيس دولة عصرية، مستقرة وآمنة، قادرة على الاستجابة لتطلعات شعبها على كافة المستويات.
مراكز الدراسات وتقوية الموقف السياسي للدولة:
إن تصور البعض أن الدولة أو الحكومة هي المطالبة بأن تقف وحدها في مواجهة مثل هذه الأزمات، هو تصور خاطىء، فالجميع مطالب بأن يقوم بدوره، كلاً في مجاله، ووفق المطلوب منه، وأن يكون الهدف هو دعم الموقف السياسي للدولة في مواجهة مثل هذه الأزمات، خاصة عندما يتعلق الأمر بسمعة ومكانة مصر على المستوى الدولي. من هنا يأتي الحديث عن أهمية دور مراكز الدراسات بشكل خاص في تقديم المعلومة الصحيحة والتحليل الموضوعي، المواكب للحدث في وقته وتوقيته، بحيث نوفر لوسائل الإعلام العالمية المادة الصحفية الكافية، بما يقطع الطريق على الاجتهادات أو محاولات تقديم تحليلات مغلوطة من مراكز دراسات وخبراء من خارج الدولة، يتم الاستعانة بهم من جانب بعض وسائل الإعلام ، لتغطية مثل هذه الأزمات، وكما شاهدنا في أزمة السفينة الجانحة: كم هائل من المعلومات والتحليلات التي تشكك في قدرة مصر على حل الأزمة، أو التقليل من أهمية قناة السويس، مع الإشارة لمشروعات منافسة للقناة، علاوة على استغلال الأزمة للتشكيك في جهود التنمية ومشروعات الدولة العملاقة على كافة المستويات.
وفق المتبع في بعض دول العالم، التي تتمتع فيها مراكز الدراسات بمكانة قوية، فإنه أثناء الأزمات الوطنية تُجيش الجهود البحثية نحو الأزمة، وتوجه كل طاقاتها البحثية باتجاه تغطية الأزمة من منظور تحليلي معلوماتي، يخدم الدولة بالأساس، ويتصدى في الوقت نفسه للدول والأطراف التي تتخذ مواقف مضادة للدولة في هذه الأزمة، كما تقوم مراكز الدراسات بدور أهم وهو ملء الفضاء الإعلامي من خلال باحثيها وخبرائها، للحديث في خط تحليلي واحد باتجاه الأزمة القائمة، بما ينقل للمشاهد قناعات وأفكار تبدو مترابطة ومتراصة في اتجاه واحد، يخدم حكوماتهم.
في هذا الإطار فإن مراكز الدراسات الاستراتيجية في مصر قد قامت بدور كبير في الدفاع عن موقف الدولة من أزمتي السفينة وقطار سوهاج، حيث ساهمت عبر تقديم تحليلات متنوعة في تغطية هذه الأزمات من جوانب مختلفة، ومن بين هذه المراكز مركز رع للدراسات، وهو مركز مستقل ، تأسس حديثاً ، لكنه يتبنى خط الدفاع عن الدولة المصرية بشكل تام وبإلتزام موضوعي، وقد أبلى المركز بلاءً حسناً – بشهادة كثيرين من الشخصيات العامة – في تغطية الأزمتين خلال الأسبوع الماضي بكثافة ، ووفق توجهات إيجابية، إبرزت كثير من الجوانب المجهولة ، التي تعمد البعض تجاهلها أو إسقاطها، بما ساعد في تقوية موقف الدولة في هذه الأزمات، حيث نقلت عنه بعض المصادر والمعلومات التي أوردها في تغطياته التحليلية.
آليات الدور وكيفية التطوير:
لا شك أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حاجة الآن، وربما أكثر من أي وقت مضى لمساندة حقيقة من جانب مراكز الدراسات، فمصر مُقبلة على تحديات كثيرة ومصيرية، أشار لها السيد الرئيس أكثر من مرة، منها قضية مياه النيل، لكن ربما يكون التحدي الأهم كما ذكر السيد الرئيس هو تحقيق الأمن والاستقرار كمصلحة استراتيجية أولى. ولا شك أن تحقيق الأمن والاستقرار يتطلب أن يكون المواطن المصري واعياً بما يدور حوله من تحديات مختلفة ( داخلياً وخارجياً)، حتى تكون استجابته لها بقدر التحدي، وبالشكل الذي يمنع من تكرار ما حدث في الماضي، من استغلال لبعض القضايا وبعض الحوادث وتضخيمها وتصويرها على نحو مغاير للواقع والحقيقة، لشحن النفوس، وتثبيط الهمم، وزعزعة الثقة بين القيادة والشعب، تمهيداً لجر البلاد مرة أخرى لمسار الفوضى .
تحتاج مراكز الدراسات المصرية خلال الفترة القادمة للعمل بوضوح وتركيز على الجهود البحثية التي تعمل على تعزيز الارتباط بين عملية التنمية الشاملة والبحوث العلمية والتطبيقية، بما فيها استطلاعات الرأي والبحوث والدراسات الميدانية، والمساهمة في الكشف عن أولويات التنمية في المجتمع المصري، ومتابعة جهود الحكومة في تطبيق الخطط والاستراتيجيات من خلال ورش العمل والندوات والتقارير المتخصصة، التي ترفع توصياتها لصناع السياسات، للإسترشاد بها.
الدرس المستفاد:
إن مراكز الدراسات تلعب دوراً مهماً في زيادة المناعة الوطنية للدولة، فوجودها ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة وطنية، تعكس النهوض الحضاري للمجتمعات، والتخطيط الاستراتيجي، والعمل العلمي الممنهج المبني على أسس منتظمة. وعلى هذا نقترح على الدولة المصرية أن تقوم بتجميع الجهود المشتتة من مراكز الدراسات الموجودة بالدولة، سواء التابعة للدولة أو التابعة لبعض المؤسسات، والمستقلة من خلال تشكيل جهة حكومية رسمية متخصصة، تكون معنية بالاستفادة من مخرجات الدراسات الإستراتيجية التي تقدمها كل هذه المراكز، فمراكز الفكر في مصر لا تزال تعمل معزولة عن بعضها البعض، وبعضها يكرر نفسه، ويتشابه مع الأخرين، لذلك قد تكون أزمة السفينة وأزمة قطار سوهاج والاسبوع الصعب الذي مر على مصر كلها، فرصة لإعادة النظر في هذا المقترح، وتبنيه ودعمه، بما يحقق المصلحة العليا للدولة، ويضمن تكافل الفرص بين المراكز، ويضمن أيضا التكامل البناء وليس التنافس