هل يمثل مقتل قائد الهجوم على الفاشر ضربة استراتيجية للدعم السريع؟

في 16 سبتمبر 2025، شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واحدة من أعنف المعارك منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”. فمع بداية الهجوم، دفعت “الدعم السريع” بأكثر من خمسين عربة قتالية مصفحة وعدد من المركبات العسكرية من ثلاثة محاور رئيسية: الشرقي والشمالي الغربي والجنوبي، في محاولة للسيطرة على الفاشر بوصفها مركزًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في إقليم دارفور ومفتاحًا لتمددها غربًا. إلا أن القوات المسلحة السودانية مدعومة بالقوات المشتركة والمستنفرين، تمكنت من التصدي للهجوم بعد معارك عنيفة خلفت خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين. وأكدت مصادر عسكرية ميدانية مقتل قائد العملية العميد سالم صالح عيسى مع عدد من أبرز عناصره، فيما أعلنت الفرقة السادسة مشاة الاستيلاء على آليات قتالية وتدمير أخرى، كما تم أسر قائد هجوم كازقيل يوسف حمدان مع ثلاثة عشر عربة مقاتلة.

أثارت هذه التطورات وإعلان الجيش السوداني السيطرة على مدينة الفاشر، تساؤلات منها: هل يمثل مقتل قائد الهجوم على الفاشر مجرد خسارة تكتيكية للدعم السريع، أم أنه يرتقي إلى مستوى الضربة الاستراتيجية التي قد تغير مسار المعركة في دارفور وربما مسار الحرب في السودان ككل؟

وقائع الاستهداف

جاء مقتل العميد سالم صالح عيسى في ظرف بالغ الحساسية بالنسبة لميليشيا “الدعم السريع”، إذ كانت تراهن على أن السيطرة على الفاشر ستمنحها ورقة قوة جديدة في الحرب، بعد تراجعها في جبهات أخرى، فاستهداف سالم صالح عيسى لا يمكن قراءته كحادثة منفصلة، بل هو حلقة ضمن سلسلة استهدافات طالت قيادات بارزة في “الدعم السريع” خلال الشهور الماضية. فقد قُتل عدد من القادة المؤثرين مثل العقيد موسى قارح (قائد النخبة الخاصة)، العميد مضوي حسين (مسؤول الاستخبارات)، اللواء علي يعقوب (صاحب نفوذ قبلي في دارفور)، والمقدم عبد الرحمن البيشي (القيادي في النيل الأزرق وسنار). هذا النمط المتكرر يعكس تحولًا في استراتيجية الجيش السوداني من مجرد مواجهة المجموعات المسلحة إلى استهداف الرؤوس القيادية، إدراكًا بأن طبيعة “الدعم السريع” تعتمد على الولاءات الشخصية والرمزية القبلية لقادتها أكثر من اعتمادها على هياكل مؤسسية ثابتة.

في واقعة الفاشر تحديدًا، كان العميد سالم صالح يقود الهجوم من المحور الشمالي، الأمر الذي جعل وجوده في الميدان ضروريًا لرفع معنويات عناصره وضمان وحدة القيادة. ويرسل سقوطه في المعركة رسالة واضحة بأن الجيش بات يمتلك قدرات استخباراتية دقيقة لرصد تحركات القادة في وقت الاشتباكات، وهو ما قد يحد مستقبلًا من قدرة “الدعم السريع” على التخطيط لعمليات مشابهة بنفس الزخم. كما أن مقتل القائد في لحظة هجوم كبرى على مدينة استراتيجية مثل الفاشر يضاعف من أثر الاستهداف؛ إذ يربط الهزيمة العسكرية المباشرة بخسارة القيادة، ما يحول الهزيمة التكتيكية إلى نكسة مزدوجة عسكرية ومعنوية.

دلالات الاستهداف

يطرح مقتل قائد الهجوم على الفاشر العميد سالم صالح عيسى سلسلة من الدلالات، منها:

(-) ضربة لمعنويات الدعم السريع: يمثل مقتل العميد سالم صالح عيسى ضربة مباشرة لمعنويات “الدعم السريع”، إذ أن فقدان قائد ميداني يتولى إدارة العمليات في جبهة استراتيجية مثل الفاشر يترك فراغاً يصعب تعويضه سريعاً. في بيئة الحرب السودانية، حيث تتسم المعارك بتداخُل البُعد القبلي مع العسكري، يشكل القادة رموزاً للتماسك والثقة داخل صفوفهم، وبالتالي فإن غيابه قد يولد حالة ارتباك ميداني وتراجع في الروح القتالية.

(-) إخفاق في تعويض هزيمة بارا: كان الهدف من هجوم الفاشر إعادة بناء صورة “الدعم السريع” بعد الخسائر الكبيرة في معركة بارا. غير أن مقتل قائد الهجوم يُكرّس صورة التراجع الميداني بدلًا من تعويضها، ويؤكد أن “الدعم السريع” عاجز عن تحقيق اختراق نوعي يعيد له زمام المبادرة، فيعزز هذا الفشل الثقة في صفوف الجيش السوداني وحلفائه بأن استراتيجية الاستنزاف تؤتي ثمارها.

(-) إعادة رسم موازين القوة في دارفور: تمثل الفاشر قلب إقليم دارفور السياسي والعسكري، والسيطرة عليها تمنح الطرف المهاجم تفوقاً رمزياً وعملياً. ويُضعِف فشل “الدعم السريع” في اقتحامها مقروناً بمقتل قائده الميداني موقعه التفاوضي ويمنح الجيش اليد العليا في الصراع على مدن الإقليم، وبذلك تتحول المعركة إلى نقطة انعطاف قد تُعيد توزيع موازين السيطرة في دارفور لصالح الجيش.

(-) انكشاف هشاشة القيادة الميدانية: تعكس الخسائر القيادية المتكررة أن “الدعم السريع” يفتقد آليات محكمة لحماية قادته أو تأمين خطوطهم الأمامية، ويثير هذا الانكشاف تساؤلات عن مدى قدرة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على الحفاظ على شبكة قيادته دون أن تُستنزف في معارك المدن. وبقدر ما يُظهر الجيش مرونة في استهداف القيادات، يكشف أيضاً عن ضعف بنيوي في “الدعم السريع” على مستوى القيادة والسيطرة.

(-) التأثير على مسار الحرب في السودان: لا تتوقف الدلالات عند حدود الفاشر أو دارفور، بل تتجاوزها إلى صورة “الدعم السريع” في الصراع الكلي على السودان، فكل خسارة قيادية تُراكم أثرها في إضعاف القوة الضاربة للتنظيم، وتُقربه تدريجياً من فقدان القدرة على شن هجمات واسعة، هذا قد يدفعه للتحول إلى تكتيكات دفاعية أو عمليات متفرقة أقل تأثيراً، ما يعني أن الحرب قد تدخل مرحلة جديدة تُعزز موقع الجيش كممسك بزمام المبادرة. فمن المرجح أن يشهد “الدعم السريع” تراجعًا في القدرة على شن هجمات كبرى إذ يصبح فقدان القادة كابحًا لأي محاولة للتوسع، زيادة الانقسامات الداخلية بين المكونات القبلية ما قد يؤدي إلى تفكك تدريجي في البنية التنظيمية، وتراجعًا في الدعم الشعبي أو القبلي خصوصًا في دارفور إذا تكررت الهزائم وفشلت الهجمات الكبرى.

ختامًا، ورغم أن الحروب لا تُحسم بمقتل قائد واحد، فإن ما جرى في الفاشر يكشف أن مقتل العميد سالم صالح عيسى لا يقتصر على كونه خسارة تكتيكية لقوات الدعم السريع، بل يحمل دلالات استراتيجية أعمق، إذ يعكس نجاح الجيش في استنزاف القيادات الميدانية التي تمثل عماد التنظيم وروحه المحركة، ويؤشر إلى تراجع القدرة الهجومية للدعم السريع بعد سلسلة انتكاسات في بارا والفاشر على السواء. إذا استمر هذا المساربنفس الوتيرة، قد يدفع الدعم السريع إلى فقدان زمام المبادرة والعودة إلى تكتيكات الكر والفر وحرب العصابات في الأطراف، بينما يفتح أمام الجيش فرصة لترسيخ سيطرته على المدن الكبرى وإعادة رسم موازين القوة في دارفور وربما في السودان كله، وهو ما يجعل مقتل قائد هجوم الفاشر ضربة استراتيجية قد تسهم في تغيير مسار الحرب على المدى المتوسط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى