ما التكلفة الاقتصادية للضربة الإسرائيلية على قطر؟

في يوم الثلاثاء التاسع من سبتمبر وجهت إسرائيل ضربة على العاصمة القطرية ” الدوحة”، والتي تعد أول هجوم إسرائيلي في الدوحة منذ بداية الصراع في غزة، إذ كانت استهدافاً لقادة حماس أثناء مناقشتهم اقتراح وقف إطلاق النار الأمريكي، وهو ما جعل قطر تدعو إلى قمة إسلامية عربية طارئة التي ستخرج بمشروع قرار حول هذا الهجوم، وهذه الضربة التي أدانتها مختلف الدول العربية والإسلامية والدولية خلفت العديد من التكاليف الاقتصادية على مستوى منطقة الشرق الأوسط وعلى المستوى العالمي.
تأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التكاليف الاقتصادية المترتبة على هذه الضربة، مع توضيح مجموعة من السيناريوهات المُحتملة.
التكاليف الاقتصادية:
يُمكن توضيح عدد من التكاليف الاقتصادية التي ترتبت عن الضربة الإسرائيلية على قطر في النقاط التالية:
(*) الخسائر المادية المباشرة: أوضحت شركة ” بلانت لابس” أن سلاح الجو الاسرئيلي استهدف مجمعاً سكنياً محاط بسور، وبالإضافة إلى ذلك تضرر ٥ مبانٍ، وبالتالي تعد هذه الخسائر هي تكلفة اقتصادية مباشرة على الدولة القطرية، فإعاده إعمار هذه المباني تُكلف مليارات الدولارات، وهو ما يكون له تكلفة فرصة بديلة مرتفعة، فبدلاً من الإنفاق على إعادة إعمار ما هدمته إسرائيل في الضربة، كان من المُمكن توجيه هذه المبالغ إلى مشروعات استثمارية داخل الدوحة تُحقق إضافة اقتصادية لها.
(*) ارتفاع أسعار النفط: تعتبر أسعار النفط من المتغيرات التي تتأثر بشدة من أي اعتداء على دولة لها وزن في السوق التصديري للنفط، فقطر من الدول التصديرية المهمة في سوق النفط العالمي، حيث يدعم اقتصادها ثالث أكبر أحتياطي عالمي من الغاز الطبيعي، وكما يوضح الشكل (1) بلغت قيمة الصادرات النفطية لقطر نحو 8.5 مليار دولار للعالم اجمع، و2.9 مليار دولار للصين، و1.9 مليار دولار لليابان، وغيرها من الدول التي يوضحها الشكل، وفي عام 2024 صدرت قطر ما قيمته 28.2 مليار ريال قطري من البترول المكرر، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة من أصل 780 منتجاً في قطر.
الشكل (1) يوضح قيمة تجارة النفط لقطر في عام 2023
المصدر: البنك الدولي
ومن ناحية أخرى صعدت هذه الضربة من وتيرة الصراع في الشرق الأوسط الذي يُشكل نحو ثلث الإمدادات العالمية من النفط، ونتيجة لذلك ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.6% ،إذ أنه اقترب من مستوى ٦٣ دولارا للبرميل، حيث ارتفعت أسعار النفط بأكثر من دولار واحد للبرميل في يوم الأربعاء الذي تلى يوم الضربة، وكما ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسب تتراوح من 1.10 و 1.7 دولار، أي بلغ 67.49 دولار للبرميل، وارتفعت العقود الأجلة لخام غرب تكساس بمقدار 1.04 أو 1.7، حيث بلغ 63.67 دولار.
الشكل (2) يوضح ارتفاع سعر النفط الخام غرب تكساس بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر
وفي هذا النطاق يُمكن القول، إن ارتفاع أسعار النفط العالمية تُعتبر تكلفة اقتصادية للضربة على العديد من الدول المستوردة للنفط، فالنفط من مدخلات الإنتاج الأساسية في معظم السلع والخدمات، وبالتالي فارتفاع أسعاره يتسبب في رفع تكلفة الإنتاج، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم داخل الدول المختلفة.
(*) ارتفاع تكاليف شحن السلع: تسببت الضربة الإسرائيلية على قطر في رفع درجة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، التي تمر منها من 12 إلى 15% من حجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، فبجانب هجمات الحوثيين على السفن التجارية المارة من البحر الأحمر، يُضاعف التصعيد الإسرائيلي ضد قطر من تكاليف شحن السلع العالمية، وهو ما سيجعل السفن والحاويات تتجه إلزاماً عبر طرق أخرى أطول وتحتاج إلى تكاليف تأمين مرتفعة.
(*) تراجع أسواق المال: يُعتبر هروب المستثمرين بعد حدوث الإضطرابات المختلفة من الصدمات التي تُصيب أسواق المال بشكل كبير، وتتسبب في تراجُعها، وهو ما يُستدل عليه إنه بعد ضرب إسرائيل للدوحة، أُغلقت معظم أسواق المال الخليجية على انخفاض، إذ انخفض مؤشر قطر الرئيسي (QSI) بنسبة 0.3%، متأثراً بخسائر قطاعية واسعة النطاق، مع خسارة أكبر بنك مُقرض في المنطقة، بنك قطر الوطني بنسبة 0.5%، كما انخفض مؤشر السوق المالية السعودية (TASI) بنسبة 0.3%، وتراجعت شركة أرامكو السعودية بنسبة 0.6%، لتسجل أسوء أداء يومي منذ أكثر من نصف عقد، هذا فضلاً عن انخفاض مؤشر سوق دبي الرئيسي(DFMGI) بنسبة 0.6%، مُتأثراً بانخفاض سهم بنك الإمارات دبي الوطني بنسبة 2%، وتراجع مؤشر سوق أبوظبي (FTFADGI) بنسبة 0.3%، مُسجلاً خسائر للجلسة الرابعة على التوالي، كما انخفض مؤشر بورصة البحرين(BAX) بنسبة 0.2، وهو ما يوضح التكلفة الكبرى للضربة على أسواق المال.
سيناريوهات مُحتملة:
تمدد الجبروت الاسرائيلي على منطقة الشرق الأوسط، خاصه مع التصريحات الإسرائيلية باحتمالية تكرار الضربة على قطر، يضع مجموعة من السيناريوهات التي تتمثل في الآتي:
(-) السيناريو الأول (المتفائل): يتمثل هذا السيناريو في اقتصار الأمر على الضربة التي تمت، وبالتالي التأثير على الاقتصاد القطري سيكون محدود، والصدمات التي حدثت في سوق النفط العالمي سرعان ما تُصحح مسارها.
(-) السيناريو الأوسطي( الأرجح): يتمثل هذا السيناريو في تصعيد إسرائيلي محدود داخل الأراضي القطرية، لكنه يخلف أثاراً اقتصادية أكبر من السيناريو الاول، فالاستهداف من المُمكن أن يصل إلى منشأت الطاقة لكن دون تعطيل مباشر كورقة ضغط على قطر؛ لتسليم أعضاء حركة حماس، وهو ما بتسبب في تراجع ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي القطري وإيرادات الغاز مؤقتاً، وبالتالي يحدث اضطرابات في أسواق المال، ومن ثم فالأثر الكلي لهذا السيناريو يتمثل في تعرُض منطقة الشرق الأوسط إلى ضغوط متزايدة يمكنها التعافي منها خلال ٢ إلي ٣ سنوات.
(-) السيناريو الأسوأ: يتوقع هذا السيناريو قيام إسرائيل بضربة موسعة على قطر تستهدف تعطيل منشأت الطاقة، مما يخلف أزمة طاقة عالمية وخسائر بمليارات الدولارات، وبالتالي فالأثر الفعلي لهذا السيناريو يتمثل في أزمة ممتدة لأكثر من ٥ سنوات في منطقة الشرق الأوسط.
في النهاية، يُمكن القول إن الضربة الإسرائيلية على قطر لا تقتصر آثارها الاقتصادية على الداخل القطري فقط، بل تمتد لتطال البعدين الإقليمي والعالمي بشكل ملحوظ. فعلى المستوى الخليجي والعربي، يمثل استهداف منشآت الطاقة أو البنية التحتية تهديداً مباشراً لاستقرار أسواق المال وزيادة أعباء الأمن القومي لدول المنطقة، كما قد يدفع إلى إعادة رسم التحالفات السياسية والاقتصادية في ظل تنامي الحاجة إلى شبكات حماية جماعية.
أما على المستوى العالمي، فإن أي تعطيل لإمدادات الغاز الطبيعي المسال من قطر، باعتبارها أحد أكبر مصدريه، سينعكس فوراً على أسعار الطاقة ويؤدي إلى تقلبات في الأسواق الأوروبية والآسيوية، مما يفاقم من أزمات الطاقة والموجات التضخمية في الاقتصاد الدولي. كما تزداد تكلفة التأمين والنقل البحري في الخليج، الأمر الذي يرفع كلفة التجارة العالمية. ومن ثم، فإن تكلفة هذه الضربة تتجاوز حدود قطر لتصبح أزمة إقليمية وعالمية مترابطة، تؤكد مجدداً أن الصراعات في منطقة الخليج تحمل دوماً أبعاداً اقتصادية تتجاوز نطاقها الجغرافي لتصيب النظام الاقتصادي الدولي ككل.