لماذا غاب الحراك النسوي الغربي عن دعم نساء الشرق الأوسط؟

دراسة تتطرق إلى موقف الحراك النسوى من ما حدث للنساء في غزة والسودان

عُرف عن السرديات النسوية منذ نشأتها، أنها ألقت بثقلها لمواجهة الظلم بكافة أشكاله والعنف ضد النساء دون تمييز، لكن يبدو أن هذا الحراك وخاصة ما تزعمته النسوية الغربية قد غض الطرف تماماً عما تتعرض له النساء في المنطقة العربية. حيث فرضت الأوضاع المستعرة في المنطقة وعلى وجه التحديد ما يحدث في السودان من قبل قوات الدعم السريع، وفي قطاع غزة في فلسطين المحتلة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، من قمع وتدمير وعنف ضد المدنيين الأبرياء ومحاولات طمس الهوية، تساؤلات عدة فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات والحروب وسيما حقوق النساء والدفاع عنهن، وعن غياب دور المنظمات الدولية والحركات النسوية العالمية ولغة النضال المعهودةمن دعم المرأة في هذه المنطقة التي كُتب عليها الصراع.

الإشكالية المطروحة هُنا تتناول الحديث عن تضامن أجوف من قبل الحركات النسوية الغربية بل إن صح القول تجاهلها وضع النساء أثناء الصراعات الراهنة في المنطقة، والمؤشرات الواضحة في ذلك هو ما آلت إليه أوضاع النساء السودانيات والفلسطينيات، والتي باتت كارثة إنسانية غير مسبوقة في عصرنا الحالي ودُفنت أنوثتهن تحت أنقاض الحروب، والعالم المتحضر لا يبالي. فالنساء اللواتي يعتبرن ركيزة المجتمع، أصبحن أكثر الفئات تعرضاً لانتهاكات مدمرة جسدياً ونفسياً في أوقات الحروب. وكان المتوقع المناداة بحقوقهن وحمايتهن، والتي من المفترض أنها مسئولية تقع علي عاتق المجتمع الدولي بأسره، وهذا ما دعت إليه الجمعية العامة بإعلانها القرار رقم(3318) رقم 4 في مايو من عام 1974 بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة(1)، ولكن أين النساء في السودان وفلسطين من هذه الحماية.

لقد تم استخدام مختلف القوانين الدولية ومعايير المساواة كعنصر من عناصر النزاع، وتفعّلت لمصلحة الدول التي وضعتها ولشركائها. وكشفت الحروب الراهنة في المنطقة العربية أن القوانين الدولية والإنسانية وفي القلب منها ما يتعلق بحماية النساء وحقوقهن، علي ما يبدو أنها تقتصر فقط علي فصيل معين من النساء دون غيرهن، في بقعة جغرافية معينة وربما بسبب لون أو جنسية أو مُعتقد، أو حتي تحقيق مصلحة، فيما يعرف ب “إزدواجية المعايير”. فلقد تم تهميش المرأة  في دول الشرق من أن تحظي بحقوقها كما المرأة في الغرب ولم تجد من يدافع عنها ويغضب لأجلها. ولعل العامل الأكبر في هذه الإزدواجية، هو النظرة العنصرية أو الدونية للشرق الأوسط بأكمله، تحت سيطرة النيوليبرالية الغربية وتفشي الرأسمالية وتحكمها في توجهات الحماية الاجتماعية، ما أدي إلي تغيير مسار الحراك النسوي أو بمعني أدق أصبح انتقائياً في التعاطي مع قضايا النساء.

أولاً: الحراك النسوي في ظل النيوليبرالية الحالية:

يبدو أن الحركات النسوية قد غرقت في وقتنا هذا في فخ النيوليبرالية التسويقية بعيداً عن النضال النسوي الاجتماعي، ما بين لعبة الأرقام والقوانين، وتصارع الحقوق، وضوابط المصالح وحرياتها، والحاجة للحماية. ويتضح ذلك عبر ما يلي:

*) انحراف الحراك النسوي عن مسار النضال الاجتماعي: في مرحلة العولمة والنيوليبرالية الحالية تبنت النسويات مبادئ الحوكمة “النموذج المعاصر للديمقراطية المنبثق عن نظام إدارة المشاريع الاقتصادية الكبري”، لذلك تحولت المطالبات النسوية من المساواة في الحقوق والواجبات إلى كوتا عددية ضمن المؤشرات الرقمية المرتبطة بالحوكمة داخل المجتمعات. وأصبحت إنجازات الحركة النسوية مرتبطة بتقاسم المراكز عددياً على أسس لا تخدم بالضرورة غايات النضال النسوي. وقد ارتبطت هذه المقاربة وهذا الواقع بما عُرف ب”الجدوى الاقتصادية دون الجدوى الاجتماعية”.(2)

*) تأثير الجهات الممولة علي توجيه الحراك النسوي: تبنت المنظمات النسوية البرامج المطروحة وفقاً لأجندة المموّلين الداعمين ل “الحراك الديمقراطي” وعممت هذه المفاهيم في خطابها العام كنموذج للحرية والديمقراطية، دون أن تدرك أن المرجعيات السلطوية المالية والدولية المعولمة هي مرجعيات شرسة، وعندما رفعت النسويات العربيات الصوت ضد الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين والمدنيات في قطاع غزة، كجزء من نضالهن لمناهضة الظلم، هددت هذه المصادر بحجب التمويل عن الناشطات وكان ذلك استمراراً لنمط الشروط المفروضة في برامجها(3)، فوجدن أنفسهن مشلولات في أدائهن وحريتهن أمام أزمة إنسانية غير مسبوقة.

يُذكر أن النسوية الغربية لم تدخر جهداً في دعم النساء في أوكرانيا في حربها ضد روسيا، كما تحركت كل الآليات الدولية بسرعة لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو وتقديم الدعم العسكرى والإنسانى لكييف بكافة أشكاله. أما عن اهتمامها بالمرأة  في الشرق الأوسط فقد برز علي سبيل المثال، حينما ثارت تلك الحركات علي النظام الإيراني في المحافل الدولية بعد حادثة مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني في 2022م، بسبب مسألة الحجاب وقوانين النظام المتشددة. حيث شهدنا تفاعلاً قوياً من قبل جماعات حقوق المرأة الغربية والناشطات والمشاهير مع الاحتجاجات النسائية في إيران، وقامت بعضهن بقص شعورهن تضامناً مع هذا الحراك آنذاك، وتبنت العديد منهن مطالب بإقالة إيران من لجنة الأمم المتحدة للمرأة، في حين أصبح صمت تلك المنظمات هو السائد الآن بشأن مأساة النساء والفتيات السودانيات والفلسطينيات.

ثانياً: حروب المنطقة وتضرر النساء:

تشهد بعض دول المنطقة العربية خاصة (السودان وقطاع غزة في فلسطين المحتلة) تفاقم حالة الحرب والدمار والتي أثرت سلباً علي البلاد بكافة أطيافها وبشكل أساسي النساء أكثر الفئات تضرراً، حيث يعانين من ظروف صحية وبيئية كارثية لاسيما النساء الحوامل والفتيات اللاتي وصلن سن البلوغ في فترة الحرب وغياب أساسيات الحياة الآدمية، بالإضافة إلي العنف الجنسي والاعتقالات والاعتدءاءت الوحشية بحق النساء بمختلف أعمارهن، ومآلات هذا الوضع والصمت عليه، هو مؤشر واضح علي تجاهل الحركات النسوية لمعاناة النساء في المنطقة العربية، ولإيضاح الصورة بشكل أفضل، سنلقي الضوء علي وضع النساء الراهن في كل من السودان وفلسطين المحتلة.

*) تضرر النساء في حرب السودان:

في ظل الحرب الجارية التي تشهدها البلاد منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني، وميليشيا الدعم السريع، والتي خلفت مأساة إنسانية غير مسبوقة، وفي مقدمتها مأساة النساء اللاتي يدفعن ثمناً باهظاً جراء هذه الحرب، حيث أدت إلى فقدان ملايين النساء لسبل عيشهن ومدخراتهن والوصول إلى الخدمات الأساسية، حيث تواجه المرأة في السودان العديد من التحديات الخطرة بما في ذلك الافتقار إلى الخصوصية، والشواغل المتعلقة بالسلامة، ومحدودية الوصول إلى التعليم وفرص العمل. كما يتعرضن أيضاً لمختلف أشكال العنف والانتهاكات، من الاغتصاب والاعتداءات الجنسية إلى الخطف وفقدان المعيل، في سياق يتسم بالفقر والنزوح ونقص الغذاء والمرافق الطبية، خاصة تلك المتعلقة بالصحة الجنسية والوقائية والنفسية، للعلاج والتأهيل اللازم، وقد أدي ذلك إلي بروز ظاهرة الانتحار بين النساء والفتيات السودانيات، إما خوفاً من ملاقاة هذا المصير، أو صعوبة التعايش بعد المرور به.

يبدو في هذه الحرب الغوغائية أنه تم اعتبار أن انتهاك أجساد النساء هو وسيلة عقاب وسلاح قوي لإضعاف الطرف الآخر من خلال هذه الممارسات التي يمتد أثرها النفسي لأجيال. وجميعها مؤشرات تعكس فشل المجتمع الدولي وخاصة الحركات النسوية أمام هذه الكارثة، وكأن الضحايا لا يستحقون النضال والعدالة، وأن الجناة يمكنهم مواصلة أفعالهم دون خوف من العواقب.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فهناك ملايين النساء والأطفال عرضة لخطر الاعتداءات الجنسية، وهناك تقارير مقلقة عن وجود أسواق لبيع النساء في السودان.(4) ومن أشد مظاهر الضرر التي لحقت بالسودانيات ما يلي:

*) العنف الجنسي: أعلنت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان إن النساء والفتيات يعشن أوضاعاً مأساوية جراء الحرب والانتهاكات المروّعة التي ارتكبتها –وما تزال ترتكبها– عناصر الدعم السريع في الجزيرة ودارفور والخرطوم ومناطق أخرى في البلاد، لا سيما العنف الجنسي الذي رُصد ضمن تكتيكاتها الحربية منذ بدء الحرب. حيث أفاد الإعلان بأن تعرض النساء للعنف الجنسي له أثر كبير على الصحة الجسدية والنفسية للمرأة خاصة إذا لم تكن هناك تدخلات علاجية بعد تعرض المرأة للاعتداء والاسترقاق والجنسي، مما يجعلهن عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، وتعرض الصحة الإنجابية لخطر كبير.وقد وصلت شهادات النساء اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية في السودان حسب التقارير التي تم توثيقها من قبل لجنة الأطباء إلى 417 حالة.(5)

وبالطبع لا تعبر هذه الأرقام عن الأرقام الحقيقية والتي تكون في أكثر الأوقات مضاعفة، وذلك بسبب صعوبة الوصول للجهات التي ترصد البلاغات في ظل انقطاع وسائل الاتصالات والوضع الأمني الخطر، كما أن قوات الدعم السريع تستخدم العنف الجنسي سلاحاً ضد المدنيين بهدف الإذلال العرقي أو الأيديولوجي والتهجير القسري. كما تشير التقارير إلي أن 70% من الانتهاكات تحدث في أغلب الأوقات بشكل جماعي وأمام أسر الضحايا.(6)

تتعرض حوالي سبعة ملايين امرأة وفتاة في السودان لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وفق ما أفاد به محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، الذي قال إن تلك الجرائم- ومنها الاغتصاب الجماعي- تكررت وإن آثارها على الأفراد والمجتمع ستمتد لسنوات طويلة. وإن بعض النساء وصلن إلى مرحلة من اليأس دفعتهن إلى محاولة الانتحار. وقبل بداية الصراع كانت تقديرات الأمم المتحدة في السودان تفيد بأن حوالي 3 ملايين امرأة وطفلة يمكن أن تكون عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي سنة 2022. في الوقت الحالي سنة 2024، العدد بلغ تقريبا 6.9 مليون امرأة وفتاة من الممكن أن تتعرض لهذا العنف.لكن الإحصائيات الدقيقة حول الناجيات غير موجودة لعوامل متعددة منها عدم وجود الفِرق في الميدان، وكذلك لحساسية الموضوع، كما أن أكثر الناجيات لا يبلغن عن ممارسات العنف التي يتعرضن لها.(7)

*) ضرر النزوح: العديد من النساء في السودان نزحن بحثاً عن الأمان، ما أدي إلي مواجهتهن مصاعب أخري منها زيادة المسئوليات عليهن للقيام بدور المنتج والمعيل للعائلة والاضطرار للعمل أحياناً بأعمال شاقة قد تؤثر عليهن جسدياً خاصة في ظل النزوح من منطقة لأخري وكذلك مناطق غير آمنة، كالمناطق الحدودية والغابات التي لجأ إليها بالفعل عشرات الآلاف من النازحين.

*) الضرر علي النساء الحوامل: قد يتأثرن جسدياً بسبب قلة جودة ونوعية وكمية الغذاء، وقلة المتابعة وصعوبة الوصول إليها، كذلك تفاقم الأثر النفسي عليهنبسبب التغيرات الهرمونية التي تحدث لهن أثناء الحمل فتزيد لديهن نسبة القلق والتوتر، والاكتئاب، والاحتراق النفسي، واضطراب النوم وفقدان الشهية. حيث أن الحرب أدت إلى نقص حاد في الخدمات الصحية ودمرت عدداً كبيراً من المؤسسات مع نزوح أغلب الكوادر الصحية من المناطق التي تحتلها مليشيات الدعم السريع التي استهدفت تلك الكوادر بشكل خاص. ومع موجات النزوح من مناطق تلك الميليشيات والسير لمسافات طويلة ونقص المواد الغذائية حدث تأثير كبير على الحوامل من النساء وزيادة معدلات الأنيميا ما أدي إلي زيادة حدوث حالات وفيات بين النساء الحوامل في مناطق الدعم السريع لكن لصعوبة الوضع الأمني لا توجد إحصائيات دقيقة.(10)

*) حالات الاغتصاب: تم الكشف عنولادة عدد من الأطفال خلال فترة الحرب نتيجة حالات الاغتصاب التي وقعت على بعضالنساء والفتيات، من قبل عناصر الدعم السريع(11). ولم يصدر تصريح رسمي حول إحصائيات عدد هؤلاء الأطفال، لاعتبارات اجتماعية لا يتم تداولها في النطاقات المفتوحة، ويبدو أنه يتم التعامل مع مثل هذه الأمور بحذرٍ شديد رغم الألم الصامت الواقع علي الضحايا. وكذلك المستقبل المجهولللأطفال الذين يولدون ويبقون بدون هوية.

*) غياب الرعاية الصحية: حيث أن الافتقار إلى الرعاية المتخصصة، بما في ذلك الرعاية الصحية العقلية والاستشارات المتعلقة بالصدمات، وعدم كفاية الموظفين، والمرافق الصحية غير المجهزة بشكل جيد، استمرت في خلق حواجز أمام الدعم الكافي، وفي معظم الحالاتلم تطلب النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي في السودان أو أثناء فرارهن، المساعدة الطبية إلا عندما أدركن أنهن حوامل.

شهادات حية علي مأساة النساء والفتيات في السودان:

وثّقت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان والتابعة للأمم المتحدة، أنماطاً مقلقة لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال زيارتها لدولة تشاد المجاورة للسودان، ودعت المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود العاجلة لإنهاء الحرب. حيث زارت البعثة،دولة تشاد خلال شهري يونيو ويوليو في 2024، وقابلت ضحايا وناجين من النزاع في السودان بالإضافة الى أعضاء في المجتمع المدني السوداني والسلك الدبلوماسي وفريق الأمم المتحدة القُطري. وقابلت البعثة العديد من اللاجئين الذين قدموا وصفاً تفصيلياً ومباشراً لأعمال العنف المريعة والانتهاكات الجسيمة، مثل القتل والعنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري والنهب وحرق المنازل واستخدام الأطفال للقتال.(8)

أما عن سماع شهادات ضحايا العنف الجنسي، فيبدو أن هذا العنف يحدث أثناء الأَسر وخلال نزوح النساء والفتيات، وأحياناً يتم هذا أيضاً لمعاقبة إمرأة تدافع بنشاط عن مجتمعها، وأحياناً يحدث بشكل عشوائي وانتهازي. وأكدت البعثة أنه يجب أن تتوقف هذه الأعمال الوحشية، ويجب تقديم الجناة إلى العدالة. كما يحتاج الضحايا أيضاً دعماً بدنياً ونفسياً قوياً، وهو أمر غير متاح لهن الآن.ودعت البعثة المجتمع الدولي إلى زيادة الدعم الإنساني للمجتمعات التشادية التي تستضيف اللاجئين وأشارت إلى الضغط الهائل عليها. وقالت إن بلدة أدري التشادية الحدودية وحدها تستضيف 200 ألف لاجئ سوداني، وهو رقم يتعدى خمس أضعاف العدد الأصلي للسكان.(9)

*) تضرر النساء في العدوان علي غزة:

كشفت حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والمستمرة منذ 7 أكتوبر 2023م، وعلي مرأى ومسمع من العالم، أن الأدوات القانونية الأممية والمؤسسية الحديثة – كركائز للديمقراطية- ما هي إلا أدوات يتم استخدامها لتحقيق مصالح ومنافع متعددة لأطراف بعينها، وأن القوانين الدولية التي من المفترض أن يخضع لها الجميع، وُجدت لها استثناءات، بل هناك من يقفز عليها ويضرب بها عرض الحائط ولا يخضع للعقوبات المفروضة عليه. ويتم ذلك تحت ذريعة “الحق المشروع” للإسرائيلي بالدفاع عن النفس رغم وجود القانون، ورفض الحق ذاته للفلسطيني بالدفاع عن أرضه المحتلة منذ عقود وتعرضه للقتل والسرقة والانتهاك والحرمان من الحقوق الأساسية.

إن آثار الحروب والنزاعات على النساء كبيرة ومدمرة للغاية، حيث يعانين من مجموعة متنوعة من الأعراض النفسية، بما في ذلك الصدمة والقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وهذا الوضع هو ما تعيشه النساء والفتيات الفلسطينيات في ظل العدوان الإسرائيلي الراهن علي قطاع غزة والذي دخل عامه الثاني، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً لأجل حماية المدنيين الأبرياء(12)، ولم تُراعى حقوق المرأة التي نادى بها القانون الدولي ثناء الحروب والنزاعات، كالقصف الهمجي، المضايقات من قبل جنود الاحتلال مثل إجبارهن على خلع الحجاب، والاعتقال والإخفاء القسري. ومن أشد مظاهر الضرر التي لحقت بالفلسطينيات ما يلي:

*) ضرر النزوح: عملية النزوح داخل قطاع غزة أشبه بمأساة نظراً لأنه لا توجد بقعة واحدة بداخله باتت آمنة، بسبب الاستهداف المتعمد للمدنيين حتي داخل الخيام، وعلي الرغم من ذلك تحاول النساء الفلسطينيات الصمود بأية صورة، لذا ينزحن أملاً في البحث عن الأمان، وبحسب بعض الشهادات الحيةللنازحات باضطرارهن إلى قضاء الحاجة في الشارع أو الانتظار وقت طويل جدا داخل مراكز الإيواء والمخيمات، وهذا ما يسبب مشاكل صحية للمرأة، فضلاً عن طول فترة النزوح وعدم وجود مواصلات حيث تستغرق رحلة النزوح ساعات، كما أن النساء والفتيات النازحات في فترة الحيض، يعانين كثيراً حيث لا يستطعن التوقف أو الارتياح بناءاً على تعليمات جنود الاحتلال بعدم التحرك والمضي قدماً.

*) الاعتقال التعسفي: تعاني النساء الفلسطينيات في ظل هذه الحرب الغوغائية من الاعتقال التعسفي والايقاف في طريق النزوح حيث تم توثيق اعتقال عشرات النساء والفتيات من قطاع غزة من ضمنهم مسنات بالإضافة إلي اختطاف رضيعات، وبحسب ما يتم تداوله من شهادات، فإنهن يخضعن داخل سجون الاحتلال إلى التنكيل وسوء المعاملة في ظل تعتيم كامل عن مصيرهن.(13)

*) الاستهداف المتعمد: طبقا لتقارير هيئة الأمم المتحدة للمرأة فإن أكثر من عشرة آلاف امرأة قُتلت في غزة، وأن الناجيات من القصف والعمليات البرية الإسرائيلية قد تشردن وأصبحن أرامل ويواجهن المجاعة، مما يجعل الحرب على غزة أيضاً حرباً على النساء(14). وفي أحدث ما نُشر في سلسلة إنذارات حول قضايا النوع الاجتماعي في غزة، قدرت الوكالة التابعة للأمم المتحدة أن من بين النساء اللاتي قُتلن في غزة، ما يزيد عن ستة آلاف أم، يُتـّم بسبب قتلهن قرابة 19 ألف طفل. كما كشف تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في سبتمبر 2024، بعنوان “غزة: حرب علي صحة النساء” عن أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 تسببت في مقتل ما يزيد عن 45 ألف شخص، أكثر من نصف عددهم من النساء والأطفال.(15)

*) الضرر الصحي: كما تواجه المرأة الفلسطينية حالياً بسبب الحرب غياب المستلزمات الأساسية للحياة، كالمواد الغذائية، والأغراض النسائية الخاصة بالعناية الشخصية، والأدوية، وشح المياه النقية، ولا يوجد صرف صحي والكهرباء غير متوفرة. ويسوء الوضع في فصل الشتاء حيث يسيل المطر داخل الخيام التي تفتقر إلى وسائل التدفئة الفعالة. وتؤدي هذه الظروف إلى تفشي الأمراض، وخاصة بين النساء اللواتي يحتجن للمحافظة على صحتهن رعاية خاصة.

*) الضرر علي النساء الحوامل: إن نقص الغذاء والدواء يؤثر بشكل كبير علي النساء الحوامل، ما يؤدي إلي تعرضهن للأنيميا والجفاف والنزلات المعوية والذي قد يسبب فقد الجنين،وقالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن الحصول على المياه النظيفة أمر بالغ الأهمية بشكل خاص للأمهات المرضعات والحوامل، اللواتي لديهن احتياجات مائية يومية أكبر. كما أن الماء ضروري لتمكين النساء والفتيات من التعامل مع نظافة فترة الحيض بكرامة وأمان(16). كما أن تدمير المستشفيات المتعمد واعتقال واستهداف الكوادر الطبية، وكذلك عدم وجود وسائل مواصلات بسبب غياب الوقود، جميعها عوامل تزيد من معاناة النساء الحوامل. وهناك حوالي 50 ألف امرأة حامل في غزة، وقد صنفت 40% من حالات الحمل بأنها عالية الخطورة، إذ يبلغ عدد اللائي يلدن 180 يوميا، بينما البنية التحتية للرعاية الصحية مدمرة تماما. وبحسب منظمة الرعاية الخيرية “لا يوجد طبيب أو قابلة أو ممرضة لدعم النساء أثناء المخاض. ولا يوجد مسكنات للألم أو التخدير أو مواد التعقيم عندما تلد النساء.(17)

*) خطر الأمراض: كشف تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في سبتمبر 2024، بعنوان “غزة: حرب علي صحة النساء” أن أكثر من 162,000 امرأة في غزة يعانين من خطر الإصابة بأمراض غير معدية مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان. حيث تعاني أكثر من 30,841 امرأة من خطر الإصابة بمرض السكري، و107,443 من خطر ارتفاع ضغط الدم، و18,583 من خطر الإصابة بأمراض القلب، و5,201 امرأة مصابة بالسرطان. يشكل انقطاع خدمات الرعاية الصحية الأساسية لعلاج هذه الأمراض تهديداً بحدوث مضاعفات خطيرة على المدى الطويل، قد تؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة(18).

*) المواليد داخل المخيمات: يولدون على الأرض في العراء، ويُقطع الحبل السري بأي أداة حادة في المتناول، في حين تُملأ أي علبة صفيح بالماء الساخن لإبقاء الرضيع دافئا. والعمليات القيصرية، المؤلمة حتى مع توفر الأدوية، يجريها الجراحون دون أي تخدير على الإطلاق وفي غياب الماء لغسل أيديهم، ناهيك عن تعقيمها، ولا توجد أي مضادات حيوية لأي التهابات ناتجة. وفي بعض الحالات، ووفقا لتقارير من صحيفة واشنطن بوست، أجُريت عمليات قيصرية لنساء بعد وفاتهن.(19)

*) صعوبة حياة الخيام: حيث تعاني الفلسطينيات من افتقادهن للخصوصية بمراكز النزوح جنوب قطاع غزة المحاصر، وسط ظروف قاسية يواجهنها لتوفير أدنى مقومات الحياة. كما تقوم النساء في ظل هذه الحرب بأعمال شاقة لا تتناسب مع طبيعتهن الجسدية، مثل تقطيع الحطب لطهي الطعام، والجلوس أمام النيران التي ينبعث منها دخان احتراق الخشب والأوراق لساعات طويلة في العراء. وفي أحد مراكز النزوح بمدينة رفح جنوبي القطاع، تقف السيدات في طابور بانتظار دورهن لدخول دورات المياه.(20)

المقررة الأممية الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، ريم السالم، صرحت في بيان لها في نهاية عام 2024″إن المرأة الفلسطينية تعرضت وعلى مدى عقود لهجوم متعدد الطبقات من التمييز والعنف الفظيع والممنهج بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والحرمان من حق تقرير المصير”.وأضافت “الاعتداء على كرامة المرأة الفلسطينية وحقوقها اتخذ أبعادا جديدة ومرعبة” منذ 7 أكتوبر الماضي موعد بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع” وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.(21)

ثالثاً: دور النساء في النزاعات:

تلعب النساء دوراً هاماً في المجتمعات التي وقعت فريسة للنزاعات والحروب. فبعضهن يقمن بقيادة مبادرات للسلام وتشكيل تحالفات تدعم حقوقهن الاجتماعية والسياسية، وكذلك يساهمن في إعادة البناء والتوعية وتقديم الدعم اللازم لإيواء النازحين ومساعدتهم وكذلك تعليم الأطفال، ما يعكس قوة إرادتهن ومرونتهن في مواجهة أية تحديات، وهذه المبادرات تُظهر كيف يمكن أن تكون النساء قوة للتغيير وحفظ هوية المجتمعات.

*) النساء في السودان:

دأبت الكتل النسائية السودانية على الحديث عن حقوق النساء في السودان ومعاناتهن، وإيصال أصواتهن إلي المنظمات الأممية والنسائية منذ بداية الحرب وتفاقم العنف ضد السودانيات، لكي يتحمل المجتمع الدولي مسئوليته تجاه ما يحدث لهن، فهو مطالب بوضع ملف النساء خلال هذه الحرب ضمن أولويات المفاوضات الجارية والمستقبلية، وضمان أنها تحظى بالحماية الكاملة وأن أطراف النزاع لا يعتبرون النساء واحدة من ساحات الحرب المشروعة التي يمكنهم خوضها والإفلات بعد ذلك من العقاب. إضافة لتعزيز المساواة وتطبيق قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل القرار (1325) حول النساء والسلام والأمن، والتي تدعو إلى زيادة مشاركة النساء في جميع جهود الوقاية من النزاعات.(22)

كما أن هناك ناشطات سودانيات عملن علي إيصال صوت المرأة السودانية ومعاناتها في كافة المحافل الدولية، كصورة من صور صمودهن وكفاحهن. فالناشطة السودانية، نعمات أحمداي، دعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير عاجلة لحماية النساء السودانيات من الانتهاكات التي قالت إن طرفي النزاع يرتكبانها ضد النساء في بلدها، من خلال مشاركتها في فعالية رفيعة المستويفي نهاية أكتوبر 2024، والتي أقُيمت بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بمناسبة الذكري الخامسة عشر لتأسيس الولاية الأممية المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع. وأحمداي هي رئيسة منظمة نساء دارفور من أجل العمل “وهي منظمة شريكة للأمم المتحدة”، وقد أكد فيها المشاركون ضرورة مضاعفة الجهود لمكافحة الاستخدام واسع النطاق للعنف الجنسي كسلاح في الحرب.(23)

*) النساء في فلسطين المحتلة:

منذ احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية فيما يزيد عن سبعة عقود، كان للمرأة الفلسطينية دوراً محورياً في مواجهة الاحتلال والإبادة ومحاولات طمس الهوية، وذلك من خلال دورها الإنجابي والرعائي، فكانت المرأة الولادة في أحلك الظروف، هي النموذج الذي يعكس الإصرار على استمرار الوجود الفلسطيني على هذه الأرض. وما الأدوار الرعائية التي قامت بها، سواء داخل الأسرة أو في المراكز الصحية أو المؤسسات التربوية، إلا الآلية التي اعتُمدت طوال القرن الماضي للاستمرار والمحافظة على الهوية رغم كل محاولات محوها.

وفي ظل الوضع الراهن في قطاع غزة واستمرار العدوان الإسرائيلي نجد المرأة الفلسطينية تكافح في أكثر من اتجاه لإيصال الصوت والحقيقة إلي العالم اجمع، إلي جانب محاولات الصمود أمام آلة القمع الإسرائيلية، فنجد النساء قد تزوجن في الحرب وأنجبن خلالها، يمارسن الأعمال الشاقة قدر الاستطاعة، ويعملن في قطاعات مختلفة دون رواتب أو حتي توفير سبل حماية، كالصحافة والطب والتمريض والتعليم وحتي إعداد الطعام في الملاجئ والمخيمات بصورة جماعية. وهي أسمي صور البقاء والصمود في وجه الاحتلال، الذي يحاول القضاء علي كل ما هو فلسطيني.

الخاتمة:

لقد أصبح لزاماً علي العمل النسوي تعديل بوصلة النضال من أجل كافة نساء العالم دون تمييز، وبمعايير متساوية. وهل هو نضال تضامني من أجل التحرر والمساواة وحماية الحقوق، أم تشاركي نحو المزيد من الاستهلاك. فالحركات النسوية، التي من المفترض أنها تخدم الإنسانية في المقام الأول، يمكنها بالفعل أن تدعم النساء والفتيات في الشرق الأوسط أو كما يُطلق عليهن “الملونات” بشكل أفضل إذا تخلت عن التزامها بدعم المرأة في الغرب فقط، أو ما يُعرف بالنسوية “البيضاء” وأن يصبح ذلك واجباً عليها أن تهتم بالتنوع والاعتراف بالتحديات التي تواجهها النساء من مختلف الأعراق والثقافات. فالسرديات النسوية في بدايتها كانت ترتكز على الوقوف ضد القمع والتمييز على أساس الجنس واللون، ما من شأنه المساعدة  في توفير دعم شامل وفعال للنساء والفتيات اللواتي يواجهن تحديات قاسية.

وهنا تبرز إرادة المجتمع الدولي الحقيقية، بلعب دور أكثر فاعلية في تسليط الضوء على قضايا النساء ومعاناتهن في السودان وفي فلسطين المحتلة، لتقديم الدعم الحقيقي وتوفير سياسات تحميهن من العنف وتعزز حقوقهن كغيرهن من النساء في الغرب. وتتطلب هذه السياسات تعاوناً بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي وإلزام كافة الأطراف المعنية بها.

__________________________________المراجع_______________________

(1)تقرير حول الانتهاكات التي تتعرض لها النساء الفلسطينيات في ظل الحرب بالنظر في نصوص القانون الدولي.

https://mail.ichr.ps/category-1/9503.html

(2)مأزق النسوية بين التضامن والتشارك، د. عزة سليمان الحاج.

https://annd.org/ar/publications/details

(3)المرجع السابق.

(4) النساء السودانيات عالقات بين معاناة النزاع والتهميش السياسي في مفاوضات والسلام.

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/alnsa-alswdanyat-alqat-byn-manat-alnza-walthmysh-alsyasy-fy-mfawdat-walslam

(5) ويلات الاغتصاب.. هكذا تتفاقم معاناة السودانيات خلال الفرار من أهوال الحرب.

https://www.infomigrants.net/ar/post/61533

(6) نساء السودان… عنف وتهجير ومعاناة وخوف.

https://www.alrakoba.net/31963891

(7) نساء في السودان بين العنف الجنسي والوصم الظالم من المجتمع.

https://news.un.org/ar/interview/2024/07/1132196

(8) المرجع السابق.

(9) نساء في السودان بين العنف الجنسي والوصم الظالم من المجتمع.

https://news.un.org/ar/interview/2024/07/1132196

(10) بعثة تقصي الحقائق بشأن السودان توثق أنماطا مقلقة لانتهاكات حقوق الإنسان.

https://news.un.org/ar/story/2024/07/1132806

(11) المرجع السابق.

(12) الأثر النفسي على النساء أثناء حالة الحرب.

https://edraak-eg.org/1573

(13) 7 خبيرات قمن بالتحقيق.. تقرير أممي يكشف انتهاكات إسرائيل ضد نساء فلسطين.

https://alqaheranews.net/news/69113

(14) هيئة الأمم المتحدة للمرأة: الحرب على غزة هي حرب على النساء.

https://news.un.org/ar/story/2024/04/1130081

(15) المرجع السابق.

(16) أرقام تسلط الضوء على معاناة نساء غزة.

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/10/10/gaza-war-impact-women-one-year-un-infographic

(17) مقال بصحيفة الغارديان: هل سيتجاهل الغرب الحرب على نساء غزة لأنهن لسن مثلنا؟

https://samanews.ps/ar/post/576100

(15)Giving Birth in Gaza

“Are they feeling scared inside me?” an expectant mother asks herself.

https://www.theatlantic.com/international/archive/2023/12/giving-birth-gaza-war/676216/

(18) مرجع السابق.

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/10/10/gaza-war-impact-women-one-year-un-infographic

(19)المرجع السابق.

(20)نساء غزة يعشن ظروفاً لا تطاق ويعانين فقدان الخصوصية.

https://www.ajnet.me/women/2023/12/25

(21) المرجع السابق.

(22) مرجع سابق.

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/alnsa-alswdanyat-alqat-byn-manat-alnza-walthmysh-alsyasy-fy-mfawdat-walslam

(23) ناشطة سودانية: صرخات النساء السودانيات بحاجة إلى استجابة عاجلة من المجتمع الدولي.

https://news.un.org/ar/story/2024/10/1136031

سارة أمين

سارة أمين- باحث أول بالمركز في شئون الشرق الأوسط والأمن الإقليمي، ورئيس برنامج دراسات الخليج العربي. الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية. وهي كاتبة في العديد من مراكز الفكر والدراسات العربية، ومتعاونة مع المؤسسات الدولية الحقوقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى