إلى أين تصل التوترات بين الحكومة الصومالية الفيدرالية والإقليمية؟

يشهد إقليم جوبالاند توترات مع الحكومة الفيدرالية الصومالية نتيجة لإعادة انتخاب أحمد محمد إسلام (مادوبي) رئيسًا لجوبالاند للمرة الثالثة على التوالي، وهو ما تراه مقديشو “غير قانوني”، خاصة بعد تغيير السلطات الصومالية لقوانين الانتخابات الفيدرالية والإقليمية والتي بموجبها يتم انتخاب رؤساء المناطق بشكل مباشر من قبل الشعب؛ لكن مادوبي رفض اتباع القوانين الوطنية، لذلك قامت مقديشو بنشر ألف جندي في منطقة “رأس كامبوني” في ولاية جوبالاند القريبة من الحدود الكينية، فضلاً عن إصدار الحكومة الصومالية مذكرة اعتقال بحق مادوبي بتهمة “الخيانة والكشف عن معلومات سرية لكيانات أجنبية”، وفي المقابل قامت حكومة جوبالاند بإصدار مذكرة مماثلة للرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” متهمة إياه بارتكاب عدة جرائم منها انتهاك الدستور وتأجيج الصراعات العشائرية، بالإضافة إلي قطع العلاقات والتعاون مع مقديشو. وعليه، تجددت الاشتباكات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والحكومة الإقليمية في 11 ديسمبر الجاري بالقرب من شبة جزيرة “رأس كامبوني” التي تبعد حوالي 290 كم من مدينة “كيسمايو” عاصمة جوبالاند، وجاء ذلك بالتزامن مع الجولة الثالثة من المفاوضات التي أُجريت بين الصومال وإثيوبيا في أنقره بهدف إنهاء التوترات بين مقديشو وأديس أبابا.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى قراءة تحركات الحكومة الفيدرالية والحكومة الإقليمية لولاية جوبالاند، وتداعيات تلك التحركات على الداخل الصومالي.

الأهمية الاستراتيجية لـ “رأس كامبوني”:

تتميز رأسكامبوني بأهمية استراتيجيةتحركات مُقلقة: ما التداعيات المُحتملة من تصاعد التوترات بين الحكومة الصومالية الفيدرالية والإقليمية؟ لقربها من العاصمة كيسمايو التي تُعد المركز الاقتصادي لجوبالاند، وبها ميناء كيسمايو الاستراتيجي والذي يُعد ثاني أهم الموانئ الصومالية الواقعة في المحيط الهندي بعد ميناء مقديشو، فضلاً عن وجود رواسب نفط وغاز تطالب بها كل من الصومال وكينيا، بالإضافة إلى أن موقعها الاستراتيجي يساعد في القتال ضد “حركة الشباب”. كما قد يرجع اختيار الحكومة الفيدرالية لـ “رأس كامبوني” إلى كونها معقل عشيرة القائد الجديد للقوات البرية للجيش الصومالي الجنرال “سهل عبدالله عمر”

تحركات مُقلقة:

بقراءة المشهد الصومالي فإن الصومال أمام تحركات مُقلقة، حيث تشهد البلاد توترات مستمرة بين الحكومة الفيدرالية والحكومة الإقليمية لولاية جوبالاند بدلاً من التركيز على مجابهة “حركة الشباب” والحفاظ على وحدة وسيادة البلاد، ويتم توضيح أبرز التحركات بشكل تفصيلي في الآتي:

(-) نشر مقديشو جنود في منطقة “رأس كامبوني”: وفقًا للتوترات الناشبة بين الحكومة الفيدرالية وحكومة جوبالاند الإقليمية، قامت مقديشو بنشر ألف جندي من الجيش الصومالي وميليشيات العشائر في منطقة “رأس كامبوني” بولاية جوبالاند، وقد يكون الهدف الحقيقى من هذه الخطوة هي الإطاحة بالرئيس الإقليمي “مادوبي” وتعيين أحد المواليين بدلاً له وكإشارة واضحة مفادها أن مقديشو مستعدة لاستخدام القوة لفرض إداراتها على المنطقة، أما الهدف المُعلن من الحكومة الفيدرالية هو استلام المهام الأمنية من قوات بعثة حفظ السلام “أتميس” التي من المقرر أن تنسحب بشكل كامل نهاية ديسمبر الجاري؛ وذلك لتأمين كافة المناطق المتضررة من الانسحاب الجاري والقضاء على “حركة الشباب”، حيث تسلمت الصومال 21 قاعدة عسكرية من بعثة “أتميس” في هيرشيلي وجنوب غرب البلاد وجوبالاند، وفقًا للتليفزيون الصومالي. وفي المقابل قامت جوبالاند بانتقاد هذا التصرف ووصفته بأنه “عمل غير قانوني ومزعزع للاستقرار”.

علاوة على ما سبق، انضم مئات الجنود التابعيين لقيادة جوبالاند سابقًا إلي الجيش الوطني الصومالي، وفقًا لتصريحات الحكومة الصومالية، الأمر الذي أدي إلى تعزيز القدرات الأمنية والعسكرية في “رأس كامبوني”، وفي المقابل قامت سلطات جوبالاند بتعزيز قدراتها الأمنية، مهددة باتخاذ إجراءات عسكرية قاسية في حال استمر الوجود العسكري للحكومة الفيدرالية في “رأس كامبوني”، مما يثير المخاوف من إمكانية حدوث اشتباكات مستمرة بين القوات الفيدرالية والإقليمية على أثر اشتباكات الحادي عشر من ديسمبر الجاري، حيث شنت إدارة مقديشو هجومًا بطائرات بدون طيار على الحكومة الإقليمية، وأدعت إدارة جوبالاند تمكنها من تحقيق انتصارات كبيرة ضد الحكومة الفيدرالية، مؤكدة سيطرتها على “رأس كامبوني” دون تقديم أي أدالة.

(-) استخدام الخطوط الجوية الإثيوبية لنقل الأسلحة: قامت الحكومة الفيدرالية الصومالية في 8 ديسمبر الجاري باتهام أديس أبابا باستخدام الخطوط الجوية الإثيوبية لنقل الأسلحة إلى ولاية جوبالاند عن طريق طائرتين إثيوبيتين محملتين بالأسلحة إلى مطار مدينة “كسمايو” الاستراتيجية عاصمة جوبالاند، فضلاً عن اتهام إثيوبيا بتدريب متمردين من قبائل صومالية لزعزعة الاستقرار في الداخل الصومالي، بالإضافة إلى تسليح ميليشيات من ولاية هيرشبيلي ونشرها في البلاد، مؤكدة أن أديس أبابا هدفها عرقلة جهود البعثة الانتقالية الأفريقية في الصومال. ومع ذلك لا توجد أدلة على تصريحات الحكومة الصومالية خاصة وأن مكافحة حركة الشباب من شأنها أن تأمن الحدود الإثيوبية مع الصومال. وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا قامت في سبتمبر الماضي بشحن الأسلحة إلى “”بيدوا” عاصمة ولاية جنوب غرب الصومال، ومنطقة بونتلاند شبة المستقلة.

(-) فتح مكاتب العبور الإثيوبية في ميناء “بربرة”: في خطوة هامة لأديس أبابا ومُقلقة لسيادة مقديشو وبالتزامن مع التوترات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وحكومة جوبالاند، قامت هيئة ميناء “بربرة” بافتتاح مكاتب تخليص العبور الإثيوبية، الأمر الذي يُعد نقطة مهمة في التعاون التجاري بين إثيوبيا وأرض الصومال على آثر توقيع “مذكرة التفاهم” التي تتضمن حصول أديس أبابا على ميناء “بربرة” لمدة 50 عامًا لأغراض تجارية وعسكرية، لذلك تُعد هذه الخطوة فارقة للدولة غير الساحلية، فمن خلال هذه المكاتب تستطيع إثيوبيا تعزيز تجارتها كون ممر “بربرة” بوابة حيوية للتجارة والخدمات اللوجستية.

تداعيات مُحتملة:

قد يترتب على استمرار الاشتباكات بين الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية جوبالاند العديد من التداعيات التي من شأنها أن تعيق جهود الاستقرار والتنمية في البلاد، ويتم توضيح أبرز تلك التداعيات فيما يلي:

(*) تزايد انعدام الأمن: قد يؤدي تصاعد التوترات بين الحكومة الصومالية الفيدرالية والإقليمية إلى استغلال “حركة الشباب” للفراغ الأمني المتزايد لتوسيع نفوذها سواء في الداخل الصومالي أو التسلل عبر الحدود مع الجوار الصومالي، كما قد تؤدي التدخلات الإثيوبية في الصومال والاشتباكات في منطقة جوبالاند إلى عرقلة جهود مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي، وقد تضطر أديس أبابا إلى الصراع ضد الحركة لحماية حدودها، ومن المُرجح أن يشجع نشاط الحركة المتزايد جماعات أخري مثل تنظيم الدولة الإسلامية الجديد في الصومال وشبكات تهريب الأسلحة، وهو الأمر الذي يهدد جهود بعثة “أتميس” في السنوات الأخيرة ضد “حركة الشباب”.

(*) تنامي الانقسامات السياسية في الصومال: قد تُعمق التوترات بين إثيوبيا والصومال من الانقسامات والتوترات السياسية، خاصة في ظل الإدارات السياسية المختلفة والتوجهات المتباينة التي يشهدها الداخل الصومالى، فضلاً عن الانقسامات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الخمس شبة المستقلة (بونتلاند، جوبالاند، جالمودوغ، هيرشابيل، وجنوب غرب البلاد). وعليه، قد تتكاتف الولايات الخمس ضد نظام مقديشو أو عدد منهم لا سيما جوبالاند وبونتلاند وجنوب غرب الصومال الداعمين لاستمرار تواجد القوات الإثيوبية لحماية مناطقهم من “حركة الشباب”. كما قد تتفاقم التوترات العشائرية القائمة منذ سنوات، مما يخلق صراعات جديدة لن تتمكن مقديشو من السيطرة عليها وقد تنجر البلاد لحرب أهلية.

(*) حدوث تدفقات جديدة للاجئين: قد تتسبب التوترات الراهنة في منطقة جوبالاند في حدوث تدفقات جديدة للاجئين، وخاصة في مقاطعات “وجير” و “منديرا” و “غارسا”، لذلك لابد وأن تعمل دول الجوار الصومالي وتحديدًا كينيا مع الصومال لمعالجة التوترات القائمة في منطقة جوبالاند التي من شأنها أن تهدد الاستقرار والأمن في الصومال بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.

وختامًا، يمكن القول إن تحركات الحكومة الفيدرالية الصومالية التي تهدف إلى تأجيج التوترات العشائرية وتقويض حكومة جوبالاند بعيدًا عن القتال ضد “حركة الشباب” قد تنقلب ضدها، وقد تستغل إثيوبيا الصراع القائم بين الحكومة الفيدرالية والإقليمية لتعزيز وجودها العسكري في مقديشو بحجة حماية حدودها وضمان بقائها في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة “AUSSOM” التي من المُقرر أن تبدأ مهامها في يناير 2025، ومن المُرجح أن تستمر الاشتباكات بين الحكومة الفيدرالية والحكومة الإقليمية لجوبالاند حتى نهاية ديسمبر بالتزامن مع انسحاب بعثة “أتميس” بالكامل، وبالتالي قد تتعرض البلاد لمرحلة جديد من العنف وعدم الاستقرار، إذ لم يركز نظام مقديشو على مجابهة “حركة الشباب” بدلاً من تقويض حكوماته الإقليمية، فضلاً عن ضرورة استغلال المناقشات الفنية التي اتفقت عليها إثيوبيا والصومال أثناء الجولة الثالثة من المفاوضات في أنقره، والمقرر البدء بها في فبراير القادم ولمدة أربعة أشهر، وذلك لحل بعض الخلافات القائمة بين البلدين علي آثر توقيع “مذكرة التفاهم” مع أرض الصومال.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية بالمركز، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى