“ترامب” لايزال حياً: هل تحفظ براءة الرئيس السابق من اقتحام الكونجرس حظوظه السياسية؟

أنطلقت المحاكمة الثانية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم الثلاثاء الموافق 9 فبراير 2021، بتهمة التحريض على الهجوم الذى طال مبنى الكونجرس الأمريكي، وكذا بحث حدود دستورية تلك المحاكمة من عدمه، وقد ترأس هيئة محاكمة ترامب، رئيس المحكمة الفيدرالية العليا وفقا لأحكام الدستور الأمريكي.

لقد تأسست تلك المحاكمة بناء على تصويت أغلبية مجلس النواب يوم 13 يناير 2021، لصالح إقرار لائحة الاتهام ضد ترامب (232 نائبا، بينهم 10 جمهوريين) لتنتقل بذلك الإجراءات إلى المرحلة الثانية، حيث يبدأ مجلس الشيوخ بفحص ملف الاتهامات النيابية وسماع الحجج القانونية، حيث يواجه الشخص المعني بالعزل، المحاكمة القانونية، والعقوبة المحتملة.

وقد تضمنت لائحة الاتهام تهمة التحريض على التمرد في خطاب حماسي لمؤيديه قبل مهاجمتهم مبنى الكابيتول (الكونجرس) في السادس من يناير 2021؛ لمنع التصديق على فوز جو بايدن، فى الوقت الذى لعب فيه تسعة أعضاء ديمقراطيون في مجلس النواب دور الادعاء فى سعي حثيث منهم لإقناع أعضاء مجلس الشيوخ المؤلف من 100 عضو بإدانة ترامب ومنعه في نهاية المطاف من تولي أي منصب عام يحتاج إلى الثقة الجماهيرية مرة أخرى فى إشارة إلى منصب الرئيس الأمريكى.

وفي ظل سعى 45 عضوا جمهوريا بمجلس الشيوخ، لإحباط القضية المقامة ضد “ترامب” على أساس أن إجراء المحاكمة بعد ترك الرئيس منصبه تعد بمثابة تحركا غير دستوري، وإعلان إعلان أصحاب الإدعاء فى مجلس النواب رفضهم هذا التحرك، وتقديمهم حجتهم لإدانته، مؤكدين على مسئوليته منفرداً عن هجوم الكابيتول- يبقى السؤال: كيف حصل ” ترامب” على البراءة؟، وما هي حظوظ الرئيس السابق السياسية بعد براءته، وكيف يمكن أن يستثمرها لتثبيت ما يزيد عن 76 ملون أمريكي من مناصريه؟.

تصويت رابح ومسار محتمل:

أيد مجلس الشيوخ الأمريكي إجراء محاكمة كاملة للرئيس السابق، دونالد ترامب، حيث وافق غالبية الأعضاء على أن عملية المحاكمة تأتي بالتوافق مع الدستور، فقد صوت 56 عضوا في مجلس الشيوخ، خلال جلسة تصويت جرت يوم 9 فبراير 2021 لصالح الاعتراف بدستورية محاكمة ترامب، مقابل معارضة 44 عضوا آخرين. ولم يجد 6 أعضاء جمهوريين بدا من الانضمام إلى الأعضاء الديمقراطيين في تأييد محاكمة ترامب من منطلق أنه إجراء مسموح به بموجب الدستور الأمريكي رغم تركه منصب الرئيس.

ومما يذكر فى هذا الصدد أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد شهدت على مدار تاريخها الطوبل أربع محاكمات عزل تتعلق برؤسائها، الأولى كانت للرئيس أندرو جونسون عام 1868 لإقالته سكرتيرا لمجلس الوزراء دون موافقة الكونجرس، ونجا منها بفارق صوت واحد، والثانية كانت للرئيس بيل كلينتون عام 1998 بتهمة الحنث باليمين وعرقلة سير العدالة، وقد تمت تبرئته، والثالثة لترامب في عام 2020، والرابعة للأخير أيضا، وتمت هذا العام، وكما تقدم ذكره تفصيلا.

ومن اللافت أن الأعضاء الجمهوريين بمجلس الشيوخ، قد يمنعون الديمقراطيين من إدانة الرئيس السابق، وهى الإدانة التي تستلزم تأييد 67 عضوا من أصل 100 عضو من أعضاء مجلس الشيوخ (السيناتورات)، فمع التسليم بأن الأعضاء الديمقراطيين بمجلس الشيوخ قد بلغوا 50 عضوا على إثر التصديق على فوز عضوي مجلس الشيوخ الديمقراطيين عن جورجيا جون أوسوف ورافايل ووارنوك، في الانتخابات النصفية بالولاية، لتصبح الأكثرية فى جانبهم إلا أن إدانة ترامب تحتاج إلى موافقة 17 عضوا جمهوريا للوصول إلى النصاب المطلوب المحدد بـ 67 عضوا، وهو ما لا يُتصور حدوثه.

براءة “نرامب” وتحصين حقوقه السياسية:

لم ينجح مجلس الشيوخ الأمريكي في تأمين أغلبية الثلثين اللازمة لإدانة الرئيس السابق دونالد ترامب بتهمة التحريض على العصيان واقتحام مبنى الكونجرس فى يناير المنصرم، وشهدت إجراءات المساءلة التي عقدت في مجلس الشيوخ تصويت 57 عضوا، من أصل مائة، ضد ترامب، بينما كان صدور قرار الإدانة يحتاج إلى أغلبية الثلثين أي 67 صوتا. وكان من شأن إدانة ترامب حرمانه من الترشح لانتخابات الرئاسة مرة أخرى. الأمر الذى يمثل بحد ذاته انتصارا نوعيا للرئيس السابق. تجدر الإشارة هنا أنه قبل عام، اقتصرت إدانة ترامب من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ على عضو واحد هو ميت رومني، بينما المختلف هذه المرة هو انضمام ستة أعضاء جمهوريين آخرين في مجلس الشيوخ إلى رومني في إدانة ترامب.

فى تلك الأثناء، أكد الرئيس جو بايدن على قناعاته بمقارفة سلفه للجريمة محل المحاكمة رغم نيل ترامب البراءة بقوله ” في حين أن التصويت النهائي لم يؤد إلى إدانة، فإن جوهر التهمة ليس موضع خلاف”، مردفا “لقد ذكّرنا هذا الفصل الحزين من تاريخنا بأن الديمقراطية هشة. ويجب الدفاع عنها دائمًا. ويجب أن نكون يقظين دائمًا. وأن العنف والتطرف ليس لهما مكان في أمريكا. وأن كل واحد منا عليه واجب ومسئولية، خاصة كقادة ، للدفاع عن الحقيقة ودحر الأكاذيب “. وقد تضمنت البيانات الختامية، للأعضاء الديمقراطيين فى الكونجرس حذرت من خطورة تبرئة ترامب.

تناقضات الجمهوريين:

فى الوقت الذى ندد فيه ترامب في بيان له بما وصفه “حملة شعواء” ضده، إلا أنه أكد على بدء حركة لتاريخية وطنية لـجعل أمريكا عظيمة مجدد، ولم يستبعد ترامب ترشّحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، فتصويت الأغلبية الساحقة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح تبرئته، تعد مؤشرا على نفوذه داخل حزبه، بينما تصويت سبعة أعضاء من الحزب لصالح إدانته، وعشرة جمهوريين من أعضاء مجلس النواب لصالح عزله الشهر الماضي، بينهم النائبة ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، لا ينال من مكانة ترامب أو تنطوى على انحدار شعبيته.

وعلى الرغم من تصويت زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل لصالح تبرئة ترامب، إلا أنه أقر بمسئولية ترامب “عمليا وأخلاقيا” عن أعمال العنف التي وقعت يوم السادس من يناير 2021.

وعلى الجانب الآخر، نأى عدد من الجمهوريين بأنفسهم عن الرئيس السابق ترامب، استعداد منهم لاختبار فرصهم في الوصول إلى البيت الأبيض في 2024، وهولاء من أصحاب الطموح فى اعتلاء عرش الدولة العظمى فى العالم، ومن بينهم حاكمة كارولينا الجنوبية نيكي هايلي، التى أعلنت صراحة رفضها لحملة ترامب الرامية لقلب نتائج الانتخابات، وما تبع ذلك من هجوم غير مسبوق على مقر الكونجرس.

ومن اللافت إن هناك دوائر سياسية داخل الحزب الجمهورى تؤكد ضعف احتمالات مبادرة ترامب لترشيح نفسه مجددا لانتخابات الرئاسة عام 2024، على خلفية حملته المثيرة للجدل وغير المسبوقة فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بشأن انتخابات الرئاسة الأخيرة والتى انتهت بمأساة مهاجمة مبنى يمثل رمزية للشعب الأمريكى وهو مبنى الكونجرس والذى تمت محاكمته بسببها أمام مجلس الشيوخ. بينما هناك نواب جمهوريون لا يزالون مخلصين لترامب وهم بذلك يخوضون مقامرة “خطيرة للغاية” بسبب الصورة المشوهه التى خلفها ترامب حتى وإن تمت تبرئته أمام مجلس الشيوخ.

في النهاية يمكن القول، إن أمورا كثيرة ستتوقف على ما سيفعل ترامب مستقبلا؛ وما إذا كان سيعاود الظهور مجددا على الساحة السياسية الأمريكية، مذكّرا أنصاره وخصومه على السواء بالمعارك السياسية التى خاضها مع اقتراب الانتخابات المقبلة فى 2024 ؟ أم أنه سيختار الاعتزال في النوادي الخاصة وملاعب الجولف التي يمتلكها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى