كيف يتغير الرأي العام الغربي تجاه الحرب علي غزة؟
بعد مرور ما يقرب من أسبوعين، من حرب غزة، حدث تغير واضح في المواقف الرسمية وغير الرسمية بالدول الغربية تجاه ما يفعله جيش الاحتلال في غزة، فقد ظهر مؤخرا فريق يطالب بوقف إطلاق النار وعدم قتل النساء والأطفال، في إشارة إلي إدانة جرائم الاحتلال و”ازدواجية المعايير” داخل الدول الغربية، تدعمه مسيرات في العواصم الأوروبية والأمريكية تطالب بوقف إطلاق النار.
تأسيسًا علي ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة علي تساؤل رئيسي، وهو: هل يمكن أن تؤثر الانقسامات علي المواقف الرسمية للدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي؟
تغير مستمر:
مع القدرات التكنولوجية المتقدمة، فقد اتضح الانحياز الغربي بشكل غير مسبوق، على النحو التالي:
(*) من 7 – 15 أكتوبر: دعمت من الدول الغربية، ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت أن ما تفعله قوات الاحتلال من انتهاكات وحشيه تأتي من منطلق “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، حيث حاول الغرب إشاعة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة في تغطية محطات الأخبار العالمية بالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في محاولة لتبرير ما تقوم به قوات الاحتلال.
(*) في منتصف الأسبوع الثاني: روجت وسائل الإعلام الغربية الأكاذيب حول قطع رؤوس أطفال إسرائيل، إضافة إلي اتهام “حركة الجهاد بضرب مستشفى المعمداني بفلسطين يوم 17 أكتوبر2023 الذي راح ضحيته 471 فلسطينيًا. كما حاول الإعلام الأمريكي والغربي الترويج بأن حماس ذبحت 40 طفلاً في مستوطنات إسرائيل وقتلت مثلهم من الأمهات، ولكن بتحريك أكبر حاملة طائرات أمريكية للأراضي المحتلة لدعم إسرائيل اشتعل الرأي العام الغربي الذي كشفت أكاذيب الإعلام الأمريكي.
ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في كشف هذه الأكاذيب من خلال مقاطع الفيديو، حيث بدأ الرأي العام الغربي ينتبه إلي الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، لذلك بدأت الدول الغربية تعاني من انقسامات داخلية.
(*) منذ الـ 27 من أكتوبر: ظهر انقسام أوروبي حول الحقوق الإنسانية في قطاع غزة. ففي الجلسة الاستثنائية الطارئة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 أكتوبر الماضي، الداعية لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة، تلاحظ تغير كبير وتباين واضح في المواقف الأوروبية، حيث وافقت فرنسا وإسبانيا علي القرار، بينما عارضت النمسا وكرواتيا هذا القرار، أما ألمانيا وإيطاليا امتنعتا عن التصويت.
ونتيجة التحول الواضح في موقف الرأي العام الأوروبي من ما يحدث في غزة، يمكن القول إن الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فشلت في تضليل الإعلام الغربي، حيث أن الأصوات داخل الدول الأوربية والولايات المتحدة، بدأت تندد بوقف التصعيد الإسرائيلي علي قطاع غزة، إضافة إلي ظهور انقسامات داخلية مع سقوط أكثر من 11 ألف شهيد، ونزوح مئات الآلاف، وتفاقم الأزمة الإنسانية.
الانقسامات الأوروبية:
بمتابعة ومراقبة ما يحدث في الدول الغربية، بدأ الرأي العام الغربي يشهد انقسامات واضحة حول القضية الفلسطينية، مما خلق انقسامات كبيرة داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي من المهم استغلالها لصالح الشعب الفلسطيني، إضافة إلي العديد من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في الأيام الماضية في العديد من الدول، حيث تجاوزت الآلاف من الأشخاص المعارضين لتأييد حكوماتهم للحرب، كالتالي:
(-) انقسام أوروبي: بدأ الانقسام واضحًا في الموقف الأوروبي بين رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” الداعمة لإسرائيل، وبين الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية “جوزيف بوريل” الذي يعرف بوقفه المعادي للاحتلال، فقد قدمت الأولي دعمها للاحتلال من خلال السفر لتل أبيب، بينما أدان “بوريل” مطالب “نتنياهو” بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
وعليه، قد تكون تلك الانقسامات في صالح الفلسطينيين، حيث أضعفت هذه الانقسامات من الدور الأوروبي القوي المعروف تجاه هذه القضايا، نظرًا لرفض الاحتلال كل المبادرات الأوروبية تجاه هذه القضية، كما أن أوروبا لم تقدم الدعم بالقدر الذي قدمته الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي.
وعليه، نجد أن النمسا وألمانيا والدنمارك والسويد وفرنسا وإيطاليا والمجر، يرون أن ما تفعله إسرائيل ما هو إلا دفاعاً عن النفس، فقد أدانت تلك الدول هجمات حماس، إضافة إلي تجميد النمسا وألمانيا والدنمارك أيه مساعدات للفلسطينيين.
أما البرتغال وإسبانيا، رفضوا ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات وحشيه تجاه قطاع غزة، إضافة إلي المطالبة بمحاكمة نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم الحرب في غزة وانتهاكه القانون الدولي، كما دعمت سلوفينيا وأيرلندا مطالب الوقف الفوري لإطلاق النار، في إشارة للاتحاد الأوروبي بفقدان مصداقيته في الالتزام مبادئ القانون الدولي، وتسير بريطانيا أيضًا علي نفس نهج الاتحاد الأوروبي علي الرغم من خروجها منه، ولكن عندما صرح “كير ستارمر” زعيم حزب العمال بدعمه للاحتلال وعدم مطالبته بوقف إطلاق النار، تسبب ذلك في توالي الاستقالات من قبل أعضائه الذين يريدون التصويت لإنهاء الحملة الإسرائيلية العسكرية علي غزة. وفي فرنسا أيضًا رفض حزب “فرنسا الأبية” وصف عملية “حماس” في غلاف غزة بعملية “إرهابية”.
(-) اختلاف الرأي: أكدت وزيرة الداخلية البريطانية “سويلا برافرمان” دعمها للفلسطينيين من خلال المظاهرات السلمية الداعمة لقطاع غزة، علي عكس رئيس الحكومة “ريشي سوناك” الذي وصفت تلك المظاهرات بالمسيرات الداعية للكراهية، كما دعت الشرطة البريطانية إلي وقف هذه المظاهرات فورًا.
وفي فرنسا حظرت الحكومة في البداية المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، بحجة أنها قد تؤدي إلي اضطرابات، لذلك اتخذ وزير الداخلية الفرنسي قرارًا بحظر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، ولكن أعلي محكمة إدارية قامت بإبطاله. أما في ألمانيا التي تعد أكبر موطنًا لجالية فلسطينية في أوروبا، نددت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين بإدانة الاحتلال، لذلك حاولت برلين استخدام الوسائل القانونية لوقف المظاهرات، ورفضت طلبات الاحتجاجات بالرغم من عدم قانونية هذا الرفض.
انعكاسات جوهرية:
ترتب علي ما سبق، تغيير في الموقف الأوروبي والأمريكي تجاه الاحتلال الإسرائيلي، ويتم توضيح ذلك فيما يلي:
(-) تصريحات الرئيس الفرنسي: أكد “إيمانويل ماكرون” أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح يستهدف المدنيين والنساء والأطفال في قطاع غزة، في إشارة منه إلي وقف إسرائيل إطلاق النار والحفاظ علي حياة المدنيينمن خلال ” هدنة إنسانية”.
ونتيجة للضغط الشعبي والانقسامات في السياسة الداخلية، فقد تغيرت لهجة السياسة الفرنسية تجاه التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث وافقت علي بعض المسيرات الداعمة للفلسطينيين، ويبرر ماكرون تصريحات الأخيرة بأن لدي فرنسا أكبر جالية يهودية في أوروبا ولديها أيضًا أكبر جالية مسلمة في أوروبا، لذا يحاول ماكرون أن يحسب تصريحاته بعناية بعد أن كان يدعو إسرائيل للاستمرار في عمليتها العسكرية دون الالتفات لأي خسائر.
(-) اضطراب بريطاني: تسببت المظاهرات في حدوث تغيرات في التصريحات من قبل “ريشي سوناك” وزعيم حزب العمال “كير ستارمر” لدعم وقف إطلاق النار، وبعد تصريحات وزيرة الداخلية الأخيرة “برافرمان” الداعمة لفلسطين، تزايد الضغط أيضًا علي الحكومة البريطانية من قبل نواب حزب المحافظين لإقالتها، خوفًا من تهديد استقرار الحزب الحاكم لبريطانيا والذي يعاني من اضطرابات بالفعل، لذلك استجاب “سوناك” لتلك الضغوطات، معلنًا إقالة “برافرمان” يوم 13 نوفمبر من حكومته.
(-) تغير غير متوقع: شهد الموقف الإيطالي تغيرًا واضحًا للغاية، وذلك بعد سقوط آلاف المدنيين وانتشار صور لقتل الأطفال والنساء الفلسطينيين، حيث أصدر نائب رئيس الوزراء الإيطالي ووزير الخارجية “أنطونيو تاجاني تحذيرًا جديدًا للحكومة الإسرائيلية بشأن هجماتها الوحشية تجاه المدنيين، كما أكدت روما علي استعدادها لعلاج الأطفال الفلسطينيين في غزة، إضافة إلي إرسالها سفينة مستشفى تابعة للبحرية إلي الشرق الأوسط للمساعدة في علاج الأطفال.
(-) تغير نسبي في سياسة الولايات المتحدة: مع تزايد أعداد الشهداء ونزوح مئات الآلاف، شهدت بعض المدن مسيرات لدعم الفلسطينيين تندد بالتصعيد الإسرائيلي، لذلك تحرك وزير الخارجية الأمريكية “أنتوني بلينكن” للتعامل مع الأصوات المعارضة لسياسة إدارة الرئيس “جو بايدن” في الحرب علي غزة، في إشارة لانتقاد دعم بايدن الغير محدود للاحتلال، لذلك حاول بلينكن إدارة الموقف بالاستماع للمنتقدين وإجراء مناقشات صريحة معهم.
وعليه، أكد استطلاع الرأي لـ “رويترز” و “إيبسوس” عن تراجع الدعم الشعبي الأمريكي لحرب إسرائيل علي “حماس” من 41% قبل شهر إلي 32%، وفقاً أيضاً لاستطلاعات الرأي يطالب 86% من الأمريكيين إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار علي حماس. ويضاف إلي ما سبق، التقرير الذي نشره موقع “أكسيوس” مطلع الشهر الجاري الذي حذر فيه من أن أمريكا بدأت تنقسم بشكل متزايد، وظهر ذلك في حرم الجامعات وأماكن العمل وشوارع المدن وداخل مبني الكابيتول والبيت الأبيض، مما قد يعمق من الانقسامات التي قد تؤثر علي إعادة تشكيل السياسية الأمريكية إن لم تتراجع عن موقفها الداعم للاحتلال.
وختاماً، يمكن القول إن الانقسامات داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إضافة إلي الضغط الشعبي، قد لعبت دورًا فعالاً في تغير العديد من المواقف الرسمية للدول التي تحاول الحفاظ علي سياستها الداخلية والخارجية أيضًا،ك حيث أنه مع تزايد الانقسامات داخل الدول الأوروبية والأمريكية، شهدت هذه الدول أيضا العديد من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التي تطالب بوقف إطلاق النار علي قطاع غزة، حيث تظاهر مئات الآلاف دعما لفلسطين وتنديدًا بـ “الإبادة الجماعية” في غزة ضد الشعب الفلسطيني، ونظرًا لتصاعد الضغط الشعبي علي الحكومات المؤيدة للاحتلال، شهد الموقف الأوروبي تغيرًا كبيرًا تجاه العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، وذلك في ظل المظاهرات المتزايدة التي شهدتها الدول الأوروبية للضغط علي قادتها من أجل إدانة الاحتلال. ففي إسبانيا، تظاهر مئات الأشخاص وسط مدينة برشلونة للضغط علي الحكومة بوقف فوري لتجارة الأسلحة مع إسرائيل، وفي لندن خرج حوالي نص مليون شخص إلي الشوارع دعماً للفلسطينيين. أما بلجيكا فقد نظم عشرات الآلاف في بروكسيل، منددين بالهجمات الإسرائيلية علي قطاع غزة، وفي فرنسا شهد العاصمة الفرنسية باريس ومدينة بوردو مظاهرات مؤيدة لقطاع غزة، حيث طالب المتظاهرين بوقف إطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات، إضافة إلي وقف قتل الأطفال الفلسطينيين، كما وقع 10 سفراء في الشرق الأوسط بشكل جماعي علي مذكرة يعبرون فيها عن أسفهم تجاه انحياز الرئيس الفرنسي للاحتلال بعد تهديدهم بالطرد.