قراءة في الكلمات الخليجية في القمة العربية الإسلامية

عقدت بالأمس السبت الموافق 11 نوفمبر 2023م، “القمة العربية الإسلامية” بمدينة الرياض، والتي شارك فيها قادة 57 دولة عربية وإسلامية، لمناقشة سبل مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وبالتالي الضغط من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار.
القراءة العامة لتفاصيل فعاليات القمة، تشير إلى رفض المشاركون بالإجماع، توصيف العدوان الوحشي الانتقامي الذي تقوم به حكومة نتنياهو المتطرفة على قطاع غزة، بأنه دفاعا عن النفس أو تبريره تحت أي ذريعة، وأكدوا علي ضرورة كسر الحصار على القطاع، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، وأن أي مقاربة مستقبلية لقطاع غزة يجب أن تكون في سياق العمل على حل شامل، يضمن وحدة غزة والضفة الغربية أرضا للدولة الفلسطينية المستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967.
مواقف خليجية:
تأسيسا علي ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة مواقف الدول الخليجية علي وجه التحديد المشاركة في هذه القمة في ظل هذه الأوضاع الكارثية الاستثنائية، لاسيما بعد فشل ذريع لمجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ولأعماله الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني. ويمكن التطرق إلى مواقف الدول الخليجية على النحو التالي:
(*) المملكة العربية السعودية: أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لدي ترؤسه أعمال القمة “رفض بلاده لهذه الحرب الشعواء التي يتعرض لها الأشقاء الفلسطينيون، داعيا إلى العمل لفك الحصار بإدخال المساعدات الإنسانية إلي قطاع غزة وأن المملكة تجدد مطالبها بالوقف الفوري للعمليات العسكرية”. وأضاف قائلا إننا “أمام كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد على الانتهاكات الإسرائيلية لتبرهن على ازدواجية المعايير”، وأن “الأمر يتطلب منا جهدا جماعيا منسقا للقيام بتحرك فعال لمواجهة هذا الوضع المؤسف”.
وأشار إلي “الرفض القاطع لاستمرار العدوان والاحتلال والتهجير القسري لسكان غزة، وأن بلاده تُحمل سلطات الاحتلال مسئولية الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته، وأوضح أن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، يأتي بإنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامته دولته المستقلة بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
(*) قطر: أكد الأمير القطري، تميم بن حمد علي أن “الشعب الفلسطيني يمر بما لا تتحمله طاقة بشرية، وقد فشل المجتمع الدولي في تحمل مسئوليته القانونية والأخلاقية واتخاذ ما من شأنه إيقاف جرائم الحرب والمجازر المرتكبة باسم الدفاع عن النفس أو وضع حدا لهذه الحرب العدوانية”. وتابع “بعدما شهدنا قتل الأطفال والشيوخ والنساء وقصف المستشفيات والمدارس، إلى متى سيبقى المجتمع الدولي يعامل إسرائيل وكأنها فوق القانون الدولي، خاصة في حربها الوحشية ضد أصحاب الأرض الأصليين”.
وأكد علي أن “النظام الدولي يخذل نفسه قبل أن يخذلنا حين يسمح بتبرير الجرائم الإسرائيلية، من كان يتخيل أن المستشفيات سوف تقصف علنا في القرن الـ 21، وعائلات بأكملها تباد، وشعب كامل يجبر على التهجير القسري ويرافق ذلك تصريحات عنصرية لقادة إسرائيليين لا يستنكرها قادة الدول الحليفة لهم”. وشدد على “ضرورة فتح المعابر لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة دون أي عوائق أو شروط معربا عن أمله في التوصل إلى هدنة إنسانية تجنب قطاع غزة كارثة أكبر من التي يعانيها سكان القطاع الآن”.
(*) الكويت: دعا ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح، المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن، إلى ممارسة دوره في الإيقاف الفوري للعمليات العسكرية وضمان إيصال المساعدات الإغاثية العاجلة ومنع التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني، وأكد علي “موقف بلاده الثابت والداعم دائما للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني”.
(*) العراق: دعا رئيس العراق عبداللطيف رشيد، المجتمع الدولي إلى التحرك الجاد لإدانة استهداف المؤسسات المدنية في قطاع غزة، والوقف الفوري للأعمال الحربية والدخول السريع لقوافل المساعدات، بشكل فوري.
(*) اليمن: قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، إنه ينبغي التعاون مع المجتمع الدولي والشعوب المحبة للسلام، على دعم حلول جذرية للمأساة الفلسطينية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية”.
(*) سلطنة عمان: قال وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، في كلمته إن بلاده “مع الدعوة إلى كبح هذه الحرب العبثية وإيقافها وفتح الممرات الإنسانية وتسهيلها لدخول جميع الاحتياجات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة ورفع الحصار المفروض عليه والإفراج عن الرهائن والأسرى والمعتقلين
(*) البحرين: حضر الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد البحريني، نيابة عن الملك حمد بن عيسي آل خليفة، وأكد علي “دعم بلاده للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لحل الدولتين، وقرارات الأمم المتحدة”. وشدد علي “سرعة التوصل إلي هدنة”.
(*) الإمارات: حضر الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة، رئيس ديوان الرئاسة، نيابة عن رئيس دولة الإمارات، وأكد علي الوقف الفوري لإطلاق النار وضرورة فتح وتأمين ممرات إنسانية لإيصال المساعدات إلي القطاع.
تأثير واضح:
من خلال الكلمات السابقة، تلاحظ تأثير واضح من قبل القوي الخليجية المشاركة في القمة، تمثل في الإجماع والاتفاق علي مطالب واحدة بداية من الوقف الفوري لإطلاق النار، وضرورة التحرك الدولي من أجل تفعيل هذا المطلب العاجل، يليه تأمين دخول المساعدات، إلي جانب إلزام المجتمع الدولي بإدانة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين المحتلة. فالخليج العربي قوة إقليمية محورية لا يستهان بها، والإجماع هنا علي هذا القرارات يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وسرعة الاستجابة لتحقيقه واقعيا من قبل المجتمع الدولي، والذي بات واضحا للعيان أن حكوماته لا رغبة لها في وقف إطلاق النار وأنها تدعم إسرائيل في العلن وتتجاهل المجازر الوحشية والجماعية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة وتتقاعس عن الضغط لأجل إدخال المساعدات أيضا.
وفي إطار السعي الخليجي من أجل التوصل إلي حلول جذرية، صدر أيضا عن قمة الأمس “قرار ببدء تحرك دولي” لوقف الحرب على غزة، والضغط لإطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة. وقد تقرر تكليف وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ونظرائه في عدد من الدول الفاعلة بالإضافة إلي الأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بـالتحرك الفوري دوليا لوقف الحرب على غزة.
كما أن القرار دعا الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية، واتخاذ أي إجراءات رادعة لوقف جرائم سلطات الاحتلال الاستعمارية ضد الإنسانية، والتأكيد علي الرفض المطلق والتصدي الجماعي لأية محاولات للنقل أو التهجير القسري أو النفي أو الترحيل للشعب الفلسطيني، سواء داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية، باعتبار ذلك خطا أحمر وجريمة حرب.
وأكد القرار علي أن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعوة الفصائل والقوى للتوحد تحت مظلتها، وأن يتحمل الجميع مسئولياته في ظل شراكة وطنية بقيادة تلك المنظمة. وطالب أيضا جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال التي تستخدم في قتل الشعب الفلسطيني، وتدمير مقدراته والبنى التحتية، مجددا التأكيد على التمسك بالسلام بوصفه خيارا استراتيجيا، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وحل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وشدد على التمسك بمبادرة السلام العربية بكل عناصرها وأولوياتها، باعتبارها الموقف العربي التوافقي الموحد وأساس أي جهود إحياء للسلام في الشرق الأوسط، منوهاً بأن الشرط المسبق للسلام مع إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها، هو إنهاء الاحتلال، وتجسيد استقلال دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
ختاما، يمكن القول إن جرائم الحرب الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة وفي كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة تستدعي من الدول العربية والإسلامية، لاسيما الدول الخليجية اتخاذ موقف صارم وخطوات رادعة وآليات ضغط مؤثرة بما يتناسب مع ثقل ووزن هذه الدول سياسيا واقتصاديا، ويتماشي مع رغبة شعوبها، حيث أن ارتكاب الاحتلال جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني علنا وفي ظل دعم غربي مطلق وضربها بالقوانين الدولية عرض الحائط، لا يلحق الضرر بالقضية الفلسطينية فقط وإنما بالأمن القومي العربي، لذا نأمل أن السعي الخليجي وقراراته خاصة خلال هذه القمة لخدمة القضية، يجني ثماره عاجلا.