هل تنتزع قمة “الرياض” المبادرة من إيران وإسرائيل؟

مع دخول العدّوان الإسرائيلي علي غزة شهره الثاني، تتسابق الجهود الدبلوماسية والسياسية العربية لوقف آلة الحرب التي تفتك بالفلسطينيين، وتأتي القمة العربية الطارئة المقرر عقدها في الرياض السبت المُقْبل الحادي عشر من الشهر الحالي، وذلك لوضع حد لتلك المجازر الذي نتج عنها أحد عشر ألف شهيد فلسطيني حتى تاريخه، بالإضافة إلي ما يقرب من أربعين ألف جريح، في محاولة من العرب لمْلَمْة الأوراق وترتيب البيت العربي والفلسطيني بأيدٍ عربية استعداداً للمرحلة المقبلة من عمر القضية الفلسطينية.

الواقع، يشير إلى أن العرب أمام تحدي حضور عربي فاعل في التعاطي مع الصراع الدائر في غزة وتفاعلاته الإقليمية والدولية، فحتى الآن يتوقع الكثير من المراقبين أن نتائج قمة الرياض لن تخرج عن الموقف العربي التقليدي، الذي يدعو إلي وقف إطلاق النار في غزة مع التشديد علي أن الحل الأمثل يكمن في تجديد مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصولا إلي قيام دولة فلسطينية علي حدود الرابع من يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية، علي أساس المبادرة العربية للسلام، التي قدمتها المملكة العربية السعودية، ممثلة في الملك عبد الله، وتبناها العرب في قمة بيروت 2002، فالعرب أمام تحدي إثبات الوجود حيال حراك دولي وإقليمي يستثمر في الإعداد لصيغة من أجل إنهاء الحرب.

في ضوء ما سبق، يناقش هذا التحليل المبادرات الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب في غزة، وموقف القوي الدولية، خاصة الولايات المتحدة من انعقاد القمة. وعليه، يُطرح سؤال، وهو: هل تفجر بعد القوي الإقليمية، خاصة إيران وإسرائيل الموقف بفتح ساحات حرب جديدة استباقاً لانعقاد القمة؟ وصولا إلي النتائج المتوقعة من القمة العربية؟

مبادرات إقليمية ودولية:

منذ بداية العدوان الإسرائيلي علي غزة تسابقت المبادرات الدولية والإقليمية لوقف العدوان علي الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، فقد دعا المبعوث الصيني الخاص بالشرق الأوسط تشاي جيون، خلال زيارته للملكة العربية السعودية، ولقاءه المسئولين السعوديين إلي الإيقاف الفوري للعدوان علي غزة، وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، ودعوة بلادة لعقد مؤتمر دولي للسلام، بمصداقية أكبر وعلي نطاق أوسع وبفاعلية أكبر، وذلك بشكل عاجل، لدفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف مفاوضات السلام ووضع جدولي زمني تفصيلي وخريطة طريق للوصول إلي حل الدولتين.

 كذلك تقدمت روسيا إلي مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار مدعوم من الدول العربية، يدعو إلي وقف إنساني لإطلاق النار بشكل فوري ودائم، ويدين كل أنواع العنف ضد المدنيين، ويدعو إلي تأمين إطلاق سراح الرهائن، وقد فشل المشروع الروسي بسبب الفيتو الأمريكي، وكذلك المشروع الذي قدمته البرازيل لمجلس الأمن الدولي، الذي يحث جميع الأطراف علي الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ويدعو إلي هدّن إنسانية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع آمن ودون عوائق، وفشل القرار أيضا بسبب الفيتو الأمريكي.

كما دعت تركيا وإيران إلي عقد مؤتمر إقليمي بهدف تجنّب توسّيع الحرب في المنطقة، وجاء ذلك خلال لقاء جمع بين وزير الخارجية التركي فيدان هاكان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في أنقرة بالأول من الشهر الحالي بعد اجتماع الأخير بقَادّة المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة.

 تأتي كل هذه المبادرات في ظل الأنباء شبه المؤكدة عن المفاوضات التي تجري بين الولايات المتحدة وإيران في مسقط بوساطة من سلطنة عُمان حول القضايا العالقة بينهما، وبسبب طبيعة البازار الإيراني، يتخوف كثير من المراقبين من أن تحصل طهران من واشنطن علي مكاسب مقابل دورها في منع توسيع رقعة الحرب إلي مناطق أخري، خاصة الجنوب اللبناني، مع امتداد المفاوضات الحل الشامل لأزمة الشرق الأوسط ورسم الخريطة الجديدة للمنطقة، حيث تري واشنطن، أن ضرورة حضور إيران مؤتمر السلام المُزّمع عقده في العاصمة الاسبانية مدريد بعد ستة أشهر من الآن، بسبب قدرة إيران علي تخريب أية مفاوضات سلام ما لم تكن طرفها فيها هذا من ناحية ومن ناحية أخري تمتاز إيران بهامش من البرجماتية للقبول بالسلام حسب الاعتقاد الأمريكي والمؤسس علي قبول حزب الله اللبناني بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل العام الماضي.

الموقف الأمريكي من القمة:

ما إن تم الإعلان عن القمة العربية الطارئة في الرياض، وفي ظل ما تعانيه فلسطين من عدوان، والدعم الغربي اللا محدود لإسرائيل دبلوماسياً وسياسياً وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا، والمشروعات الإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية بتَهْجِيرهم من أراضيهم، سكان غزة إلي سيناء والضفة الغربية إلي الأردن، ومن خلال المفاوضات والمناقشات التي جرت بين المسئولين الأمريكيين ونظرائهم من الدول العربية،- شعرت واشنطن أن مخرجات القمة العربية لن تكون شبيهة لسابقتها من بيانات التنديد والشجب والتأكيد علي القرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، فقام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بجولة في الشرق الأوسط، في محاولة أمريكية لخفض سقف مخرجات القمة العربية الطارئة في الرياض إلي السقف المعتاد، ولكن الوزير الأمريكي فوجئ بلغة عربية لم يعتاد عليها في لقاءاته مع القادة والمسئولين العرب، وبدأ الوزير الأمريكي جولته بزيارة تل أبيب التي لم يغب عن خاطره أنه مواطن يهودي قبل أن يكون وزيراً للخارجية الأمريكية، واجتمع مع مجلس الحرب الإسرائيلي وطلب إمكانية إعلان هدنة إنسانية ورفض نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف جالانت الاقتراح حتى يتم الإفراج عن الأسري الإسرائيليين لدي حماس، كذلك طلب الوزير الأمريكي من الحكومة الإسرائيلية الإفراج عن أموال السلطة الفلسطينية فوراً حتى لا يضعفها مقابل حماس، وذلك بعد أعلن وزير المالية الإسرائيلي وأحد صقور اليمين المتطرف بتسلئيل سموترتش، احتجاز أموال السلطة الفلسطينية، وتوصل الجانبين إلي الإفراج عن الأموال شريطة أن لا يذهب شئ منها إلي غزة حتى موظفي السلطة هناك، وهذا حسب ما تسرب من الاجتماعات.

من تل أبيب اتجه الوزير الأمريكي إلي عمّان، حيث عقُد اجتماع مع ستة من وزراء الخارجية العرب، المصري سامح شكري، السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والقطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، والإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، بالإضافة إلي وزير الخارجية الأردني أيمن ألصفدي، وكان الاجتماع متوتراً بين الوزير الأمريكي والوزراء العرب، حيث نقل بلينكن إصرار إسرائيل علي استكمال ما أسماه ضرب الأهداف في غزة حتي القضاء علي حماس،وأن وقف إطلاق النار بدون ضرب البنية العسكرية لحماس يعني منحها انتصاراً علي إسرائيل، مما استدعي رداً شديد اللهجة من وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي طالب الوزير الأمريكي، بأن تعمل بلاده علي وقف غير مشروط لإطلاق النار بدلا من دعم الجرائم الإسرائيلية التي تحالف القانون الدولي وقوانين الحرب وكل الاتفاقيات ذات الصلة، وأيده في ذلك الأمير محمد بن عبد الرحمن وزير الخارجية القطري، وعندما صرح الوزير الأمريكي، بأن ما تقوم به إسرائيل، هو من سبيل الدفاع عن النفس، جاءه الرد من الوزير سامح شكري، بأن ما تسميه دفاعاً عن النفس لا يقتضي استهداف الأبرياء والمستشفيات ومحاولة دفع الفلسطينيين خارج أراضيهم، وسمع الوزير الأمريكي من جميع الحضور، بأن القضاء علي حماس، هو ضرب من الجنون والمستحيل.

ولم ينتهي اللقاء حتى أسمع الوزراء العرب الوزير الأمريكي، بلسان عربي مبِيّن أن انحياز بلاده السافر لإسرائيل، وعدم قدرتها علي لجمها، قد يدفع العرب إلي البحث عن شركاء وحلفاء يمكن الوثوق بهم للضغط علي إسرائيل.

وفي أنقرة التقي الوزير الأمريكي، نظيره التركي حقان فيدان، ورئيس المخابرات التركية إبراهيم كالن في لقاء غير معلن، حيث طلب مقابلة أردوغان، حيث تم إبلاغه أن جدول الرئيس مزدحم ويمكنه العودة الاثنين القادم، في موقف يذّكْر بما حدث مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.

وساد التوتر أيضا لقاء بلينكن مع كالن، حيث طلب بلينكن، أن تسلم حماس جميع أسلحتها النوعية والصواريخ، وهو ما رفضه كالن قبل التوصل إلي اتفاق سلام شامل وعادل، وعندما طلب الوزير الأمريكي، خروج جميع قادة حماس من قطاع غزة أعاد كالن علي مسامع الوزير الأمريكي، ما سمعه في الدوحة من قبل، هو أن قادة حماس، هم من يقررون ذلك، وأيدت تركيا الموقف العربي عامة، وخاصة الموقف المصري.

وفي بغداد كانت أخر محطات جولة الوزير الأمريكي، وناقش مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الهجمات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في شمال العراق وغربه، ونقل رئيس الوزراء للوزير الأمريكي تطابق الموقف العربي في قمة الرياض، وطلب منه الوزير الأمريكي نقل رسالة علي طهران مفادها، أن بلاده لا ترغب في توسيع نطاق الحرب، لكنها لن تصمت عن استهداف قواعدها في العراق وسوريا، ولم يغادر الوزير الأمريكي، بغداد حتى طار رئيس الوزراء العراقي إلي طهران، لمقابلة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وتزامناً مع مغادرة بلينكن لبغداد تم استهداف قاعدة عين الأسد بهجوم صاروخي من الأنبّار.

هل تم الاتفاق علي مخرجات القمة؟

حسب ما تسرب من الاجتماعات التمهيدية للقمة العربية الطارئة التي تعقد السبت المقبل في الرياض، أن هناك ما يشبه الإجماع بين الدول العربية علي ضرورة بلورة رؤية عربّية لإيقاف العدوان علي الأراضي الفلسطينية، خاصة في غزة، حيث يجري التنسيق بين عمّان والقاهرة والرياض والدوحة وبلورة الرؤى في عدد من الاقتراحات، من أهمها:

  1. إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية ورفع الحصار المفروض علي القطاع منذ 2006 .
  2. تبادل الأسري بين حركتي حماس الجهاد الإسلامي وإسرائيل، حيث يتزامن مع إطلاق سراح المستوطنين من غير الجنود مع وقف إطلاق النار وفتح المعابر لدخول المساعدات
  3. إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تسمي فيها حماس وزراء من خارجها،
  4. إعلان هدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تتراوح بين 5 إلي 10 سنوات تتزامن مع إطلاق محادثات سلام علي مبدأ المبادرة العربية للسلام التي تبناها العرب بقمة بيروت 2002 .
  5. إطلاق حملة أعمار قطاع غزة بعد وقف الحرب.

كما أن البيان الختامي للقمة، من المحتمل أن يتضمن تحميل الاحتلال الإسرائيلي المسئولية الكاملة عما يتعرض له المدنيون الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، وإعادة التأكيد علي الموقف العربي الرافض لتهجير الفلسطينيين إلي سيناء أو الأردن أو أي مكان آخر، كما يتضمن البيان التأكيد علي دعم السلطة الفلسطينية سياسياً و اقتصاديا ودبلوماسياً.

ختاماً، بين انتهاء جولة بلينكن وانعقاد القمة العربية الطارئة في الرياض يزداد الوضع توتراً علي الحدود الجنوبية للبنان، وكأن سباق المشاورات الدبلوماسية والسياسية، يصدم بالمواقف الإسرائيلية المبنية علي الرغبة في الانتقام لما حدث في السابع من أكتوبر، والفترة القادمة وحدها كفيله أن تجيب إعلى إن كان برميل الشرق الأوسط، سينفجر بقرار إيراني أو إسرائيلي بتوسيع دائرة المعارك لإبقاء القضية الفلسطينية في أيادي غير عربية، أم ينجح العرب في قمتهم باستعادة عروبة القضية ونزع فتيل الانفجار.

 

د. حسام البقيعي

رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي بالمركز، الباحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى