كيف تنعكس معركة “غريان” على المشهد الليبي؟

في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها ليبيا نتيجة استمرار تنافس حكومة الوحدة وحكومة الاستقرار على السلطة، عاد عادل دعاب بكامل قوته القادم بها من المنطقة الشرقية في 29 أكتوبر2023 إلى مدينة “غريان” وسيطر عليها.

لذا، شكلت حكومة “الوحدة الوطنية” في نفس اليوم غرفة عمليات مشتركة للدفاع عن المنطقة الغربية والجنوب الغربي، ومواجهة و”ردع المجموعات الخارجة عن القانون والمعتدين على غريان”.

وعليه، استعادت القوات التابعة لحكومة “الوحدة” بقيادة “عبدالحميد الدبيبة” السيطرة على الوضع الأمني في مدينة غريان جنوب العاصمة طرابلس، بعد اشتباكات بين قواته وقوات الدعم والاستقرار التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 20 جريحًا، حسب صحيفة الشرق الأوسط.

وفي ضوء ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق لمعرفة الأهمية الاستراتيجية لـ “غريان”، ودوافع السيطرة عليها، وانعكاسات ذلك على المشهد الليبي.

أهمية “غريان” الاستراتيجية:

لغريان أهمية استراتيجية كبيرة، فهي من أهم المدن الليبية الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من ليبيا على قمة الجبل الغربي، حيث يمر الطريق إلى طرابلس عبر بوابتين في الجبل والزاوية من الجهة الساحلية، على بعد 100 كم جنوب غربي طرابلس.

وعليه، تسببت غريان في تصاعد المواجهات المسلحة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، حيث تعد غريان ذات أهمية كبري بالنسبة لكل الأطراف المسلحة.

والدليل على ذلك، استخدمها الجيش الليبي عام 2019، للهجوم على العاصمة طرابلس، وكان قد استولى على غريان الواقعة جنوب طرابلس، عندما شن هجومًا على العاصمة من الجنوب والشرق.

وجدير بالذكر، خروج غريان عن سيطرة قوات الجيش عام 2020، وكان ذلك بمثابة خطوة أولية لتراجعها من غرب البلاد بالكامل، ورجوعها إلى الشرق دون تحقيق الهدف المتمثل في دخول طرابلس وبسط السيطرة عليها.

 دوافع السيطرة:

يقف خلف سيطرة حكومة الوحدة على غريان دافعين أساسيين، هما:

(*) دافع سياسي: قد يكون الدافع وراء سيطرة حكومة الوحدة بقيادة الدبيبة على مدينة “غريان”، هي الخوف من تكرار ما حدث في أبريل 2019، عند هجوم الجيش الوطني وقتها على طرابلس، وكانت قوات “عادل دعاب” هي التي بدأت المعارك الأولي في ذات الوقت، بهدف السيطرة على طرابلس، نظرًا لأهمية غريان الاستراتيجية التي تقع في منطقة جبلية مطلة على الحدود الإدارية للعاصمة، كما تعد بوابة لدخول طرابلس التي تبعد عنها 70 كم.

لذا، أثارت عودة دعاب ومحاولته السيطرة على غريان، مخاوف كبيرة من أن يكون رجوعه مرتبط بالجيش الوطني، في استكمال لأهداف معركة أبريل 2019 المتمثل في العودة إلى مدن غرب الزاوية من جديد، بعد أن تم أبعادهم منها في وقت سابق.

(*) دوافع استراتيجي: عندما حاول عادل دعاب السيطرة على غريان التي تمثل أهمية استراتيجية كبيرة لحكومة “عبدالحميد الدبيبة”، جاء قرار الدبيبة بتشكيل غرفة عمليات مشتركة برئاسة “عبدالسلام الزوبي” والتي تتكون من أجهزة أمنية وعسكرية “لردع المجموعات المعتدية في غريان”.

وعليه، قامت الحكومة بتحريك الحشد العسكري من قواتها المسلحة، وعرضت قوات دعاب قبل انسحابها لقصف بطائرات تركية بدون طيار من طراز بيرقدار TB2، حيث شنت ضربات على غريان، لتمهد الطريق لقوات غرفة العمليات المشتركة بالدخول والسيطرة على المدينة، نظرًا لأنها تمثل خطرًا كبيرًا بالنسبة للدبيبة.

إضافة إلى ما سبق، حاول دعاب أن يوضح أنه لم يعد مرتبطًا بقيادة الجيش الليبي، ولكن دخوله دعاب للمدينة تم من خلال التنسيق مع عدد من قادة “بركان الغضب”  السابقين من غريان، من بينهم “عبد الخالق الدايخ” الرئيس السابق للمجلس العسكري والذي أعلن موقفه منذ فبراير 2019، حيث رفض دخول أي قوة تابعة للجيش أو عبورها من غريان، وقاتل ضد دعاب آنذاك.

يكاد لا يكون هناك رابط بين دعاب والجيش الوطني، حيث يؤكد الجيش على أنه مع السلام والذهاب إلى إجراء الانتخابات من خلال إرسال رسائل للداخل والخارج، كما يريد إنهاء المراحل الانتقالية عن طريق صناديق الاقتراع، لذا قد يستبعد تكراره سيناريو 2019.

انعكاسات محتملة:

بقراءة ومتابعة الأحداث التي نتج عنها استعادة حكومة الوحدة لمدينة “غريان”، قد تتسبب الأوضاع الراهنة في تصاعد المنافسة بين الحكومتين في البلاد في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية، ومن المحتمل أن تنعكس الأحداث على المشهد الليبي، كالتالي:

(&) تكرر سيناريو غريان: قد يتكرر ما حدث في غريان في الفترة المقبلة، في ظل وجود انقسام كبير وضعف في حكومة الوحدة الوطنية والحكومات السابقة من السيطرة على الأوضاع في ليبيا، نتيجة بحث تلك الحكومات على النفوذ والسيطرة على مدينة غريان.

لذا، لابد أولاً من معالجة عنصر الأمن الهش، وعلى الدولة أن تسعي لتكوين جيش قوي حقيقي، وقوات أمنية حقيقية غير مبنية على جشع النفوذ والسيطرة، لأن باستمرار تلك الأوضاع الأمنية الهشة فإن ذلك سيؤدي أيضًا إلى ضعف الحكومات القادمة.

(&) تسارع الحكومتين المتنافستين: قد تتسارع السلطات الليبية في ظل تصاعد التوترات والاشتباكات، في معالجة عدد من القضايا، أهمها إعادة “إعمار درنة”.

وعليه، تم عقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار درنة الذي عقد على مدار يومين بشرق ليبيا، وتضمن تشكيل لجنة لإعداد “خارطة طريق” بهدف تنفيذ مشارع من المقرر إنشاؤها.

(&)  احتمالية تأجيل الانتخابات المقبلة: في ظل طرح فكرة إجراء الانتخابات مرة أخري، حيث أقر مجلس النواب تعديلات القوانين الخاصة بالانتخابات، لكي يتم تشكل حكومة جديدة.

ولكن بعد الاشتباكات في غريان، قد تكون محاولة إجراء الانتخابات في الوقت الحالي غير ممكنة، نظرًا لضعف الأجهزة الأمنية الذي تهدد استقرار المنطقة وأمنها، وتهدد استقرار ليبيا بشكل عام، مما يصعب من سير العملية الانتخابية المقبلة، في ظل وجود العديد من المسائل الدستورية والقانونية الهشة الذي ترتب عليها تكرر سيناريو هجوم طرابلس الذي حدث في 2019 في غريان، وهذه الأمور من الطبيعي أن تعرقل سير عمل الحكومة في تنفيذ مهامها الخاصة بتنفيذ الاستحقاق الانتخابي القادم.

يضاف إلى ذلك، النقاط الخلافية مع مجلس الدولة على تعديلات قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أقرها مجلس النواب، التي من المفترض أن يتم مناقشتها في اجتماعهما المحتمل في القاهرة.

(&) تعزيز سيطرة “الوحدة”: قد يرجع ما حدث في غريان إلى الهشاشة الأمنية التي تمر بها بعض مدن الغرب الليبي، ويرجع ذلك إلى إهمال وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية لمديرية الأمن والأجهزة الأمنية في مدينة غريان التي تعمل على حماية المدينة من أية تهديدات أو اختراقات إجرامية.

وعليه، شكلت حكومة الدبيبة غرفة مشتركة لإعادة الأوضاع تحت سيطرتها، في إشارة منها إلى عدم تكرار ما حدث، وعدم السماح بحدوث أي اختراقات أمنية مرة أخري.

ويدل ذلك على سعي سلطات طرابلس المتمثلة في حكومة “الوحدة الوطنية”، لمواجهة صراع تصاعد النفوذ بين الميلشيات المسلحة في مدينة غريان وخارجها، بهدف دعم التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية للحفاظ على أمن واستقرار وسلامة المواطنين.

وجاء ذلك بعد شعور حكومة طرابلس بالخطر بعد عودة الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين بعض الميلشيات في غريان، قد تكون تلك الأحداث هي التي دفعت الفريق أول ركن “محمد الحداد”، رئيس أركان قوات حكومة الدبيبة، إلى الاجتماع بأعيان وحكماء ومشايخ من شرق ليبيا وغربها للتأكيد على تهدئة الأوضاع في البلاد.

كما تحاول حكومة حماد تنفيذ خطتها التنموية التي تمتد لتشمل جميع المدن في كل أنحاء ليبيا ومنها المدن في المنطقة الغربية رغم تبعيتها لحكومة الدبيبة، في إشارة من حكومة الاستقرار إلى أن مسؤولي مدن المنطقة الغربية حضروا مؤخرًا لعرض احتياجاتهم ومتطلباتهم التي أخذتها الحكومة بعين الاعتبار لتنفيذها.

(&) تشكيل لجنة وزارية: نتج عن ما حدث في غريان قيام حكومة الوحدة، بتشكيل لجنة وزارية، لتقييم جميع الملاحظات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2022، الذي كشف عن مخالفات عدة حول أداء الحكومة وبعض مؤسسات الدولة.

قد يرجع الاهتمام بإعداد تقارير للأجهزة الرقابية لمواجهة قضايا الفساد في ظل الانقسام السياسي، وتحديدًا الخلافات بين مجلسه والبرلمان بشأن القوانين الانتخابية، وقضايا المسار السياسي بشكل عام لإجراء الانتخابات.

(&) موقف تركيا الداعم للدبيبة: دائمًا ما تؤكد تركيا على دعمها لحكومة “الوحدة الوطنية”، من أجل توحيد البلاد، واستعادة مكانتها في المجتمع الدولي، وظهر ذلك من خلال دعم طائراتها المسيرة لحكومة الدبيبة.

يضاف إلى ذلك، لقاء الرئيس أردوغان مع رئيس مجلس الدولة محمد تكاله في أنقرة يوم 1 نوفمبر، لبحث التطورات والجهود التي تبذل لإجراء الانتخابات.

وأكد وزير خارجية تركيا هاكان فيدان على التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، واستئناف رحلات الخطوط التركية إلى ليبيا، إضافة إلى إشراف تركيا على طواقم الأعمال التركية بعد السيول التي ضربت المنطقة. كما أكدت على أن الخلافات حول القوانين المتعلقة بالانتخابات في ليبيا يمكن حلها بالمصالحة، والتوافق بين مجلسي النواب والدولة.

وعليه، تهدف تركيا إلى وجود انخراط دائم في المشهد الليبي، بهدف أن يكون هناك جيش موحد في كل ليبيا، من أجل أمن حدودها وسلامة أراضيها.

(&) محاولة استغلال فرنسا للوضع الليبي: تحاول فرنسا أن تكثف من وجودها السياسي والدبلوماسي في ليبيا، بينما تنشغل غالبية الأطراف الدولية بما يجري في قطاع غزة، حيث تحاول فرنسا استغلال الأوضاع في ليبيا وغيرها لاستعادة مكانتها المفقودة، وتعويض ما خسرته في أفريقيا خلال الأشهر الماضية، حيث تحاول توطد علاقاتها بالأطراف كافة، بعد أن كانت مقتصرة على التواصل مع القائد العام للجيش الوطني المشير خلفية حفتر.

وما يؤكد طموحات فرنسا من استغلالها للوضع الجولات التي أجراها “بول سولير” المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي مع السفير “مصطفي مهراج” في ليبيا الأيام الماضية، مما زاد الشكوك من محاولة استغلال فرنسا للوضع، لتعظيم مكاسبها في ظل تصاعد النفوذ التركي في ليبيا.

 وكان هناك خطاب فرنسي معلن في ليبيا، أكد على ضرورة التوجه نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية في محاولة لإظهار دعم وتحسين العلاقات بعد مشاركتها لحلف الناتو في تدمير البلاد وإسقاط نظام “معمر القذافي عام 2011، وأكد ذلك سولير خلال لقائه  بمحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، ضمن اجتماعات كثيرة بأطراف الأزمة لإظهار الدعم.

من مجمل ما سبق، يمكن القول إن انعكاس الأوضاع الراهنة يصب في صالح حكومة الوحدة بقيادة الدبيبة، حيث يحاول الدبيبة استغلال كل الفرص  لصالحه بعد استعادته مدينة “غريان” الاستراتيجية، إضافة إلى دعم تركيا الدائم للدبيبة التي ترغب في استمرار حكومته نظراً للمصالح المشتركة بينهم، وذلك على حساب حكومة الاستقرار بقيادة حماد، مما قد يتسبب في تصاعد التوتر بين الحكومتين، وتعطيل إجراء الانتخابات، وذلك قد يتسبب في تكرار سيناريو طرابلس 2019، وحاليًا تكرار ما حدث في غريان. لذلك، من المهم وجود قوى فاعلة في البلاد بشأن حل النقاط الخلافية واتخاذ كافة الخطوات الممهدة لإجراء الانتخابات، لكي لا تزداد الأمور سوءًا بين الأطراف السياسية الليبية.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية بالمركز، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى