حسابات “واشنطن” في حرب إسرئيل على غزة
تعد الولايات المتحدة الأمريكية لاعب رئيسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كونها الداعم الأول والأهم لإسرائيل، عسكريا وماديا، ففي أكثر من مرة، وآخرها الحرب المستعرة على غزة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ردا علي قيام المقاومة الفلسطينية يوم السبت الماضي 7 أكتوبر 2023م، بعملية “طوفان الأقصي” تلاحظ حضور أمريكي قوى منذ الساعات الأولى لعملية كتائب القسام، انتهت بلقاء وزير الدفاع الأمريكي لوين أوستن، بنظيرة الإسرائيلي، وتأكيده لمزيد من الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل.
تأسيسا علي ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة عن التساؤلات التالية، هي: ما هي آليات الدعم الأمريكي لإسرائيل وأبعاده؟ ما موقف الداخل الأمريكي؟ وإلي أي مدي يمكن أن يؤثر علي المشهد؟
دعم عسكري عاجل:
تعد هذه هي المرة الثانية التي تتدخل فيها واشطن لتقديم المساعدة العاجلة لتل أبيب، منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في عام ١٩٤8م، فالتدخل الأول كما ذكرنا سلفا، كان خلال حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، لكن الفرق بين التدخل الأول والثاني غاية في الأهمية، ففي المرة الأولى كانت إسرائيل تواجه جيشين عربيين نظامين “مصر وسوريا” وعلى جبهات واسعة، وفي الثانية تواجه مقاومة فلسطينية بإمكانات متواضعة، محصورة في قطاع غزة الصغير والمحاصر، ولا يوجد مقارنة بين الاثنين علي كافة المستويات، لذا فالتفسير الأقرب طبقا للمنطق الأمريكي لمثل هذا التدخل والدعم العاجل للجانب الإسرائيلي، هو أولا، أن واشنطن لا تستطيع تمرير هذه الهزيمة المدوية حفظا لماء وجه إسرائيل، حليفتها في الشرق الأوسط، خاصة وأنه دائما ما كان يروج إلي أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، وتلك الفزاعة بأن جهازها الاستخباراتي لا يخترق.
كما تأتي أيضا تفسيرات أخري للجوء واشنطن لتقديم الدعم العسكري العاجل، منها ما هو ظاهر كطمأنة الجانب الإسرائيلي وتأمين وجود إمدادات له بشكل متواصل، وعدم فتح جبهات أخري من خلال ردع المقاومة، ببساطة شديدة كون أن المعركة طبيعتها لا تستدعي وجود هذا الكم من الأسلحة والطائرات والمعدات العسكرية عالية المستوي، ومنها ما هو خفي، ويعد الأنسب لهذا الدعم العسكري والتواجد الأمريكي، وهو توقع دخول أطراف أخري بشكل كبير في هذه الحرب، كحزب الله وجماعة الحوثي، والذي من شأنه أن يؤجج الأوضاع مع إيران وتشتعل المنطقة بأكملها.
والجديد في الدعم الأمريكي لإسرائيل في هذه الحرب، هو إرسال حاملة الطائرات الهجومية جيرالد فورد، وعدة قطع حربية أخري، والقنابل الذكية والفسفورية المحرمة دوليا، إلي جانب خطوة تصعيدية، ألا وهي تحريك الأسطول البحري الأمريكي صوب شرق المتوسط، لمساندة الاحتلال الإسرائيلي، فلعلها المرة الأولى التي يقدم فيها البنتاجون الأمريكي علي اتخاذ مثل هذه الخطوة وقت التوتر العسكري، منذ حادثة المدمرة ليبرتي في يونيو 1967م.
صدمة واشنطن:
صدمة الولايات المتحدة الأمريكية من عملية طوفان الأقصى، تعد واحدة من أكبر الصدمات التي أربكت واشنطن، وهذا ما دفع بها أن تعود إلي الدعم المطلق المقدم لتل أبيب، حيث أن أغلب التصريحات الأمريكية، من البيت الأبيض والخارجية والبنتاجون ومجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جميعها تحث بشكل غير مباشر على ما قد يبدو بارتكاب مجازر، حيث ستعطي تل أبيب كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها ضد إرهاب حماس، طبقا لها. كما لم يتم استخدام أية مصطلحات قد تبدو حيادية أو سلمية، والتي من شأنها دعوة جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس علي سبيل المثال ووقف التصعيد.
أمريكا بحاجة إلي إعادة التموضع في الشرق الأوسط، ويبدو أن رفضها لأن يتقاسم معها النفوذ، أي طرف آخر (الصين وروسيا)، بات واضحا للعلن، فهي لن تتوان في إفشال المصالحة السعودية الإيرانية، كما أن إدارة بايدن تسعي علي قدم وساق في مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، ورغبة بايدن في تكوين حشد قوي حوله عبر هذه الملفات الحساسة، وربما تري كذلك أن عودة دعمها المطلق لحليفتها المدللة، سيؤدي إلي تحقيق هذا الهدف.
حسابات واشنطن:
اختراق المقاومة الفلسطينية غلاف غزة، وما نجم عنه من تكبد تل أبيب لخسائر كبيرة، ما جعل الاحتلال يشعر بتهديد وجودي كبير هذه المرة، وطالب بالإغاثة الأمريكية العاجلة علي غرار حرب أكتوبر. ويبدو أن انصياع الإدارات الأمريكية الدائم للوبي الصهيوني، سيضر لا محالة بمصالح أمريكا في الشرق الأوسط.
وقد تظهر الورطة الحقيقة للجانب الأمريكي، في حال اضطرت إيران للتدخل بشكل في هذه الحرب، لاسيما أن الاحتلال يمارس إبادة جماعية للمدنيين وكافة مرافق الحياة في غزة، وقطع المياه والكهرباء والغاز وقصف أية مساعدات إنسانية قادمة للقطاع، وتدخل طهران لا محالة سيؤدي في أسوأ سيناريوهاته إلي إغلاق مضيق هرمز، حتي لو بشكل جزئي، ما يمثل ضربة قاصمة للاقتصاد الغربي بزعامة واشنطن.
وعلى ما سبق، وفي ظل اشتباك الرأي العام الأمريكي مع الرأي العام الإسرائيلي، وحسابات واشنطن، وتخوفات تداعيات القرار المحتملة التي تفرضها سياقات الأزمة، نرصد بعض ردود الأفعال في الداخل الأمريكي، التي تمثل أهمها فيما يلي:
(&) تصريحات ترامب، برزت علي الساحة الداخلية الأمريكية تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي كانت بمثابة إدانة واضحة لإدارة الرئيس الحالي جو بايدن، بأنها السبب فيما تعرضت له إسرائيل، حيث صرح ترامب في كلمة له أمام أنصاره، عقب ما قامت به المقاومة الفلسطينية، “إن تصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سببه قرار إدارة الرئيس جو بايدن، المتمثل في الإفراج عن أصول إيرانية كانت مجمدة بقيمة 6 مليارات دولار”، وتحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل، في الظروف الحالية، إلى “تعاون وثيق بين قيادتهما بشكل خاص”، مشيرا إلى أنه مستعد لضمان ذلك. وشدد ترامب على أنه “في غياب قادة أقوياء، لا يهم عدد الدبابات التي لديك”، مضيفا أن خليفته بايدن “خان إسرائيل” من خلال السماح بالاشتباكات الحالية. وختم كلامه بأنه “لو كان رئيسا للولايات المتحدة لما سمح بتصعيد الصراعات في إسرائيل وأوكرانيا”.
وتجدر الإشارة إلى أن الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة والتي ذكرها الرئيس السابق، كان في إطار اتفاق واشنطن الأخير مع طهران بشأن إطلاق سراح السجناء الأمريكيين مقابل الإفراج عن تلك الأموال.
(&) الخبراء العسكريين، عبر بعض الخبراء العسكريين الأمريكيين عن استيائهم من عدم الاستعداد لهجمات المقاومة، التي طبقا لهم، تعد فشل إسرائيلي في اكتشاف التحضيرات للهجمات الصاروخية، وفقا لشبكة سي إن إن. وذكر مسئول في الاستخبارات الأمريكية أيضا، “أن قدرة حماس على تنسيق الهجمات على البلدات الإسرائيلية دون اكتشافها، أثارت مخاوف بشأن التكنولوجيا العمياء لجمع المعلومات بالنسبة لمسئولي الاستخبارات الأمريكية”.
علي الرغم من المراقبة الأمريكية الشديدة للمؤشرات التي تشير إلى تصاعد التوترات في الأشهر الأخيرة، في فلسطين المحتلة، والمستوي الذي وصلت إليه المقاومة، لكن لم تكن هنالك أية معلومات استخباراتية على المستوى التكتيكي لتنبيه المسئولين الأمريكيين بأن هجوما قويا من حيث الحجم والتنفيذ والأهداف كهذا، سيحدث في وقت ما.
(&) حزب الجمهوريين، بداية عملية “طوفان الأقصي” هب حزب الجمهوريين لدعم إسرائيل ودعا إلي تقديم المزيد من المساعدات العسكرية.
(&) الإعلام الأمريكي، تلاحظ انحياز الصحافة الأمريكية، بشكل كبير للجانب الإسرائيلي، وتدعم كما تزعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، خاصة أن هنالك تأييد شعبي واسع في الولايات المتحدة الأمريكية للوبي الصهيوني، بعد تغلغله في مفاصل الدولة وتمكنه من فرض سطوته عليها.
ومؤخرا….. خرج السناتور الجمهوري الأمريكي، ليندسي جراهام بتصريح قائلا “حين نكون في حرب دينية كتلك التي تدور في الشرق الأوسط الآن بين حماس وإسرائيل، فإني لا اخجل من إعلاني لانحيازي فيها إلي جانب إسرائيل”. هذا يعني أن الجانب الأمريكي يروج لهذه الحرب بأنها حرب بين الإسلام واليهودية، وهذا تضليل للرـأي العام الغربي بالكامل، وتزييف للحقائق والواقع، ما يعني أن الدعاية الإسرائيلية وكذلك اللوبي الصهيوني قد أثرا بشكل تام علي الرأي العام الأمريكي، في استجداء المزيد من التعاطف والدعم للاحتلال، وكراهية الفلسطينيين وتأييدهم قتلهم.
وختاما، يمكن القول إن الدعم الأمريكي المطلق للاحتلال والتصريحات المحرضة علي اشتعال الأوضاع من قبل واشنطن والصحافة الغربية بشكل عام، تلعب دورا خطيرا وتعد تبريرا للهجمات على المدنيين، وما ستؤول إليه الأمور، فأين المجتمع الدولي من المجازر التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني في غزة؟