“حرب غزة”.. لماذا يتعاطف الغرب مع إسرائيل؟

يتعاطف المجتمع الغربي مع إسرائيل رغم انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، حيث وصلت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر الجاري إلى أكثر 950 شهيدًا، وإصابة 5000 حتى الآن.

وتواصل عشرات الطائرات  الحربية الإسرائيلية شن غازات عنيفة على عدة مواقع في قطاع غزة، حيث استهدفت عدد من المباني تضم مكاتب إعلامية ومراكز طبية، إضافة إلى إطلاق قنابل ضوئية إسرائيلية في السماء وذلك لكشف المناطق الحدودية. كما تم فرض حصار شامل على قطاع غزة “لا كهرباء، لا ماء، لا طعام، ولا غاز”.

في ضوء ما سبق، يطرح هذا التحليل تعاطف الدول الغربية مع إسرائيل، للإجابة على التساؤل الرئيسي، وهو: لماذا يتعاطف الغرب مع إسرائيل؟

دلالات التعاطف:

نال هجوم الفصائل الفلسطينية على إسرائيل تعاطف الدول الغربية، بالرغم من انتهاك تل أبيب حقوق الإنسان وتدمير المباني والمستشفيات الفلسطينية، حيث ترى تلك الدول أن ما تفعله تل أبيب حقها في الدفاع عن النفس، ويمكن رصد ذلك التعاطف كالتالي:

(*) الولايات المتحدة الأمريكية: منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” والولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل وتدعمها، حيث أكد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” دعم بلاده لإسرائيل بعد الهجوم الذي شنته حركة “حماس”، إضافة إلى إعلان البنتاجون عن تواصل وزيري الدفاع الأمريكي والإسرائيلي لتوفير امتلاك إسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها.  ويرى وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” أن ما تفعله إسرائيل دفاعًا عن النفس، حيث ندد بالهجمات الفلسطينية على المستوطنات.

(*) أوكرانيا: أكد الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، كما أكد زيلينسكي لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” عن تضامنه مع إسرائيل بعد العملية العسكرية التي شنتها “حماس”، ودعا أيضًا زعماء العالم إلى إظهار التضامن والوحدة في دعم إسرائيل، إضافة إلى تأكيد وزارة الخارجية الأوكرانية تقديم المساعدة في أي موقف.

(*) فرنسا: أكد ماكرون دعمه لإسرائيل، واستنكر الهجمات على المستوطنات ووصفها بـ “الهجمات الإرهابية”، وأكد على عزم بلاده اتخاذ إجراءات صارمة تهدف إلى تعزيز الأمن في مناطق تجمع اليهود في فرنسا عقب هجوم حماس، إضافة إلى تضامن وزارة الخارجية الفرنسية مع إسرائيل وضحايا الهجمات، مع تمسكها بأمن إسرائيل ورفضها للإرهاب.

(*) بريطانيا: أكد وزير الخارجية البريطاني “جيمس كليفرلي”  دعمه لإسرائيل وانتقاده للهجمات التي شنتها حماس على المدنيين الإسرائيليين، وأشار كليفرلي إلى دعم المملكة المتحدة الدائم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

(*) إيطاليا: تدعم الحكومة الإيطالية ما تفعله تل أبيب، باعتباره حق للدفاع عن نفسها من الهجوم الذي وصفته بـ “الهجوم الوحشي”.

(*) ألمانيا: أعرب المستشار الألماني “أولاف شولتس” عن صدمة ألمانيا من إطلاق صواريخ من غزة وتصاعد العنف، كما نددت ألمانيا بالهجمات التي شنتها “حماس”، وأكدت وقوفها إلى جانب إسرائيل.

(*) كندا: أكد رئيس الوزراء الكندي “جاستين ترودو”  على دعم حكومة بلاده لإسرائيل من خلال تقديم المساعدات اللازمة.

(*) اليونان: أدانت الخارجية اليونانية إطلاق هجمات صاروخية كثيفة من غزة على إسرائيل، وأكدت دعمها لدولة الاحتلال، ورفضها “التصعيد غير المقبول للعنف”.

(*) هولندا: أكدت الحكومة الهولندية دعمها الكامل لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، كما أدانت ما وصفته بـ “العنف الإرهابي” على إسرائيل.

محفزات التعاطف الغربي

ومما سبق، يمكن القول إن تعاطف الغرب مع إسرائيل واضح، وقد يكون للولايات المتحدة اليد العليا في التأثير على الموقف الغربي المتعاطف مع إسرائيل، حيث اتخذت كل الدول الغربية نفس الموقف بالمقارنة بروسيا والصين، ويمكن تفسير التعاطف الغربي مع إسرائيل، كالتالي:

1-تأثير الولايات المتحدة: قد تتزعم الولايات المتحدة التي أعلنت تأييدها التام لإسرائيل مواقف الدول الغربية، ومساندتها لأي إجراء قد تتخذه، كما تستمر واشنطن في دعمها لإسرائيل من خلال تحريك أسطولها، وإرسال حاملة طائرات، وسفنًا، ومقاتلات إلى منطقة شرق المتوسط وفتح مخازن الأسلحة لإسرائيل،  حيث وصلت أول طائرة ذحيرة أمريكية إلى إسرائيل، كما عرضت واشنطن دعمًا استخباراتيًا لعمليات إنقاذ الرهائن، إضافة إلى إمكانية تقديم 8 مليارات دولار لتل أبيب على خلفية التصعيد الفلسطيني الإسرائيلي.

2-دعم اللوبي اليهودي: تدعم منظمات اللوبي اليهودي العدوان الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة ومدن الضفة الغربية منذ مايو 2021، حيث تؤثر هذه المنظمات على الرأي العام الأمريكي بطرق مختلفة، منها: اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC) ومنظمة أيباك (AIPAC لتبني المنطق الإسرائيلي المبرر للعدوان وتشكيل كتلة ضغط إضافية على أعضاء الكونجرس من الحزبين لكي لا يترددوا في تقديم الدعم لتل أبيب.

3-المصالح الغربية في توسيع النفوذ الإسرائيلي اقتصاديًا: تسعى إسرائيل لتوسيع نفوذها في العالم، إذ أعلن نتنياهو عن إنشاء مشروع الممر الاقتصادي الذي سيربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ومن المخطط مروره عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل.

ومما سبق، قد تتحكم مصالح الدول الغربية في تعاطفها مع تل أبيب، مما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا، ويجعل فرص حدوث تهدئه في وقت قريب أمرًا بعيدًا جدًا خاصة وأن أعداد القتلى الإسرائيليين في تزايد.

محددات التعاطف:

برصد وتحليل ما سبق ذكره، هناك سبب رئيسي لتعاطف المجتمع الغربي مع إسرائيل، باعتبار هذا التعاطف ليس بجديد، فالغرب ينحاز بشكل مستمر للعدوان الإسرائيلي، هو ترسيخ صورة “ديمقراطية إسرائيل” للغرب: يرجع السبب وراء تعاطف الحكومات الغربية مع إسرائيل، هو سعي إسرائيل إلى تقديم نفسها للغرب على أنها بلدًا يتبى قيم الحضارة الغربية، ولكن هذه الأقوال ربما تحتاج إلى التدقيق، حيث يتناقض سلوك إسرائيل جوهريًا من مزاعم ديمقراطيتها، لكنها استطاعت تل أبيب من تصدير هذه المزاعم في الغرب، مقابل فشل المجتمع العربي في تصعيد قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

 وبالرغم من تعاطف الدول الغربية مع إسرائيل، إلا أن العديد من الأصوات حول العالم اتخذت مواقف مغايرة لتوجهات الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وظهر ذلك من خلال التحذير الذي أصدره المفوض السامي للأمم المتحدة “فولكر تورك” في 10 أكتوبر، حيث أكد أن الحصار الشامل على غزة “غير قانوني بموجب القانون الدولي”، وأكد الأمين العام “أنطونيو جوتيريش” أن هجوم “حماس” وأعمال العنف الأخيرة لا تأتي من فراغ، بل دفاعًا عن النفس بعد نزاع طويل الأمد مع احتلال دام 56 عامًا للأراضي الفلسطينية.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه لابد وأن تلعب الأطراف الدولية دورًا فعالًا في حل الأزمة، لوقف التصعيد والحفاظ على حل الدولتين ومصالح الدول المرتبطة بهم، وفي حال تم التكاتف بين الأطراف المعنية بالدولتين قد يتوصل الطرفين بعد تدهور الأوضاع إلى الرجوع لمقررات الشرعية الدولية لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.

وعليه، قد يؤدي التعاطف إلى تحقيق مكاسب للفلسطينيين والرجوع لفكرة حل الدولتين، كما ارتفعت حصيلة القتلى الإسرئيليين إلى 1200 وإصابة نحو 3000 شخص، أما إسرائيل  بالرغم من استخدام جيشها تكنولوجيا حربية متقدمة وبقدرات استخباراتية قادرة على اختراق صفوف الفصائل الفلسطينية، لكن ما حدث يثير الشكوك حول القدرات العسكرية الإسرائيلية، حيث تظل  تل أبيب مهددة إلى حين إعادة النظر في المنظومة الأمنية والاستخباراتية والصاروخية، إضافة إلى تمكن “حماس” من أسر عشرات الإسرائيليين العسكريين والمدنيين منهم رتب عسكرية كبيرة في مناطق متفرقة في قطاع غزة، مما يمثل ورقة ضغط في يد “حماس”، ستحاول استخدامها من أجل إجبار تل أبيب على التفاوض وإجراء صفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين، وكل هذه العوامل قد تؤدي إلى تحقيق مكاسب تجاه الدولة الفلسطينية والعودة لتقسيم الدولة والاعتراف بالقدس عاصمة فلسطين.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى