كيف كذبت “الإخوان” في روايتها عن فض “رابعة” و”النهضة”؟

بمرور العشرية الأولى على ذكرى فض اعتصامي ميداني”رابعة العدوية” و”النهضة” بالجيزة، وما تزامن معه من أعمال عنف قامت بها عناصر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، في كل أنحاء الجمهورية، يحاول هذا التحليل قراءة تلك الفترة الصعبة من عمر الوطن، وتقيم كل أبعاد المشهد لتتضح الصورة التاريخية، وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية، وهي: من المسئول الأول عن وقوع  قتلى يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة في كل أنحاء الجمهورية؟؛ ما السيناريوهات البديلة ليوم فض الاعتصام أو لعدم فضه؟، ما الذي كانت تستهدفه الجماعة من وراء الاعتصام، ومدى معقولية تحقيق هذه الأهداف؟، ومن بدأ استخدام السلاح؟، وهل تعاملت قوات الأمن وفق الإجراءات القانونية لفض الاعتصامات؟

ساعة الصفر معلومة مسبقًا:

حددت وزارة الداخلية يوم ١٤ أغسطس ٢٠١٣ فجرًا ساعة الصفر لفض اعتصامي “رابعة العدوية والنهضة”، بعد فشل كل المفاوضات والوساطات بين أجهزة الدولة وقادة جماعة الإخوان لفض الاعتصام في رابعة والنهضة، ومحاولة التوصل مع الجماعة لوسيلة إخلاء الطرق المقطوعة من قبل عناصرها وأعوانها أكثر من ٤٥ يوم متواصلة، بالإضافة إلى تأكد المعلومات من خلال الشهود والتحريات عن تعرض بعض المواطنين للتعذيب والقتل داخل الاعتصامين من قبل عناصر الجماعة.

البداية، جاءت بمناشدة وزارة الداخلية المعتصمين مساء يوم ١٣ أغسطس ٢٠١٣، عبر بيان عرضه التلفزيون المصري لفض الاعتصام سلميًا، وأعلنت وزارة الداخلية وقتها عن ممرات آمنه لخروج المعتصمين وتعهدت الوزارة بعدم التعرض لأحد، وخصصت طريق النصر لمعتصمي رابعة وشارع الجيزة بالنسبة لمعتصمي النهضة (كممرات أمنة)، إذن الأجواء كانت تؤكد بأن فض الاعتصام من قبل الشرطة بعد ساعات على الأكثر مما يشير إلى النقاط التالية:

(*) المعتصمين السلميين أغلبهم خرجوا بالفعل من الاعتصام من وقت إذاعة البيان، الذي سمعه أو أُخبر به الجميع، حتى بدايات وقت محاصرة الميدان من قوات الأمن ولم يتعرض لهم أحد.

(*) من بقي في الميدان بعد محاصرته، بعضهم كانوا يحملون السلاح ويستعدون لاستخدام العنف، والجزء الأخر رضوا بأن يجعلوا من أنفسهم ونسائهم وأطفالهم دروع بشرية، في مواجهة قوات الأمن.

(*) بناء عليه؛ لحظة الصفر كانت معلومة للجميع مسبقًا، حتى المواطنين في منازلهم كانوا على علم بها ومنتظرين ومتابعين للحظة الفض عبر الشاشات، ومن بقي في الميدان لتلك اللحظة المذكورة هم من قرر ووافق وأعان على استخدام السلاح في مواجهة الأمن، فالمعتصمين السلميين أغلبهم غادروا الميدان في تلك اللحظة.

الساعة الخامسة فجرًا من صباح ١٤ أغسطس ٢٠١٣ تحركت القوات الأمنية باتجاه ميداني رابعة العدوية والنهضة، وصلت القوات السادسة والنصف صباحًا إلى الميدانيين، وفرضوا كرودنا أمنيًا حول محيط الاعتصامين، وأزالوا الحواجز التي وضعها المعتصمين، ثم دعوا المعتصمين للخروج عبر الممرات الأمنة عبر مكبرات الصوت، وخرج بالفعل حشود كبيرة على أعين الشاشات والمنظمات الحقوقية التي حضرت إجراءات الفض بدعوة من الأجهزة المعنية، ما ينفي فكرة المباغتة بالفض العنيف كما ادعت الجماعة وبعض المنظمات المشبوه الداعمة لها.

بدء إطلاق النار من جهة عناصر جماعة الإخوان في اتجاه قوات الأمن في اعتصام النهضة الساعة الثامنة، وقبل هذا الوقت بدقائق حدث نفس الشيء في اعتصام رابعة، حتى سقط أول شهيد من الشرطة ثم ثلاث شهداء آخرين من جانب الشرطة في خلال دقائق قبل بداية تعامل الشرطة بالسلاح، فبدأ بعدها تبادل إطلاق النار بين الشرطة وعناصر مسلحة من الإخوان على أطراف الاعتصامين، تزامن هذا مع هجوم عناصر الإخوان على أقسام الشرطة في كافة المحافظات وأشهرها مذبحة قسم كرداسة، حيث قَتلت عناصر الجماعة ١٢ من قوات القسم ومثلت بجثثهم أمام المواطنين، بالإضافة إلى قيام عناصر الجماعة بإحراق عدة كنائس مما يؤكد التخطيط المسبق للقيام بأحداث عنف.

الحصاد المر والهدف المنتظر:

ما يؤكد المعلومات السابقة؛ أن اللجان النوعية المختصة بالقيام بأعمال إرهابية، التي تشكلت داخل الاعتصامين، بدأت عملها الإرهابي قبل فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بشهر ونصف تقريبًا، بداية من أحداث مكتب الإرشاد بالمقطم نهاية يونيو ٢٠١٣ الحصيلة ١٢ قتيل سقطوا برصاص عناصر الجماعة، ثم أحداث بين السريات بعدها بأيام مطلع يوليو من نفس العام وسقط ٢٣ قتيل برصاص عناصر الجماعة، ثم أحداث سيدي جابر، تلي ذلك أحداث مسجد القائد إبراهيم وأسفر عنهم ١٧ قتيل برصاص جماعة الإخوان.

إضافة لما سبق من أحداث عنف؛ عمت أغلب محافظات مصر الفوضى وارتكاب أعمال عنف منذ تولي جماعة الإخوان الإرهابية الحكم، حيث ظهر اضطهاد الجماعة للمسيحيين بالتضييق عليهم في المؤسسات والأماكن العامة، فضلًا عن حوادث العنف ضد الأقلية الشيعية والمتصوفة في المحافظات، أعلنت الجماعة فوق منصة رابعة صراحًة في ٢٩ يوليو من نفس العام تشكيل مجلس حرب، وانضمام عناصر من تنظيم القاعدة إلى مجموعات العمليات النوعية التي تشكلت داخل الميدان، وتم العثور حينها على ١١ جثة عليها أثار تعذيب و١٠ مصابين على إثر تعذيب عناصر الإخوان لهم داخل الاعتصام (رابعة).

الجدول التالي؛ يوضح جزء من إرهاب الجماعة منذ بداية الاعتصام ويوم الفض وشهر بعدها:

استكمالًا لحصاد الإرهاب الإخواني؛ تمادت الجماعة في القيام بأعمال إرهابية لسنوات بعد فض الاعتصام، منه تفجير مديريات أمن الدقهلية والقاهرة ٢٠١٣ و٢٠١٤ أسفر عنهم سقوط ٢٠ شهيد، واستهداف الأقسام والكمائن ومراكز التدريب بالتفجير من ٢٠١٣ حتى ٢٠١٧ أسفر عن عشرات الضحايا، لم تتورع الجماعة استهداف المنشآت العامة مثل دار القضاء العالي وأبراج الكهرباء معهد الأورام ومحيط جامعة القاهرة وكلية الفنون التطبيقية، بالإضافة إلي استهداف ٢٢ كنيسة في المحافظات المختلفة، أسفر عن استهداف المنشآت ومحيطها سقط ضحيتها عشرات القتلى والمصابين.

من الأرقام والمعلومات المذكورة أعلاه يتضح حجم إرهاب جماعة الإخوان المسلمين، التي لازالت تسعى للرجوع للسلطة وتحاول بكافة الوسائل الدنيئة تحقيق أهدافها وادعاء المظلومية، بل وتدعى بتبجح غير مسبوق عبر إعلامها بأن الجماعة سلمية لا تقوم بأعمال إرهابية، اللافت للانتباه أن البعض نسي جرائمها وبدء يصدق ادعاءاتها.

فإذا افترضنا أن الجماعة استخدمت السلاح يوم فض الاعتصامين في محيطهما وأماكن أخرى على سبيل الاستثناء كرد فعل،  فما مبرر الجماعة للقيام بكل أعمال العنف التي سبقت وتلت يوم الفض، فإذا كانت الشرطة لها الحق حصريًا وفقًا للقانون الداخلي والدولي باستخدام السلاح في التعامل مع الخارجين عن القانون، فما المبرر الشرعي لاستخدام عناصر الإخوان السلاح، فلماذا لم تتبع الجماعة حكمة “إذا وقعت الفتنة فالزم بيتك، وإياك والعصبية، وكل ما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا فهو فتنة،فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها ولا تقاتل فيها” وهذه مقولة مأخوذة من حديث: “كسروا جفون سيوفكم في وقت الفتنة”.

بناء على ما سبق؛ يمكن القول أن جماعة الإخوان المسلمين خططت ونفذت كنتيجة لإزاحتها عن الحكم في ثورة 30 يونيو لسيل من الأعمال الارهابية، فقد وضعت خطة لتدمير الدولة بإشاعة الفوضى في كل مكان، فالتاريخ يعيد نفسه عندما خططت الجماعة من قبل لتدمير الدولة في قضية تنظيم ١٩٦٥ التي شارك في التخطيط والشروع في تنفيذ أحداثها المرشد الحالي للجماعة “محمد بديع” فكان المسئول عن مجموعة أسيوط وقتها، ضمن مجموعات أخرى من الإخوان كانوا على جاهزية لتفجير وتخريب محطات الكهرباء والمنشآت العامة وفق أوراق التحقيقات، ومنظر الجماعة حينها سيد قطب المسئول عن التأصيل الشرعي للأحداث.

 بناء عليه؛ استهدفت الجماعة من وراء الاعتصام صناعة بؤرة إرهابية، تصبح نقطة مركزية لانطلاق المجموعات النوعية لأحداث فوضي في أنحاء المحافظات، تستهدف بذلك تقسيم البلاد، مما يدعم هذه المعلومات إصرار الجماعة على استدعاء الغرب والاستقواء به للتدخل في سيادة مصر، فالجماعة تريد مصر دولة مقسمة أو محتلة تحت حكمها، أفضل من دولة مستقلة موحدة تحت حكم غيرها.

إجراءات قانونية:

السؤال المهم إذن لتوضيح كافة جوانب المشهد: هل اتبعت قوات الأمن الإجراءات القانونية للتعامل مع الاعتصامات؟، للاجابة عن هذا السؤال، يمكن القول إن القانون المصري حدد ضوابط استخدام قوات الأمن الشرطية للسلاح منها؛

(-) أن يكون استخدام السلاح الوسيلة النهائية لأداء الواجب الوظيفي، وأن يكون استخدام السلاح بالقدر المناسب والكافي لأداء الواجب الوظيفي وتحقيق استتباب الأمن.

(-) يجب التدرج في استخدام السلاح بما يحقق الأهداف الأمنية، بعد استنفاذ طريقة التهديد والوعيد السابقة لاستخدام السلاح، كالتنبيه عن طريق مكبر الصوت – واستخدام غازات مسيلة – أو إطلاق أعيرة في الهواء، وإذا لم يمتثل يتم إطلاق أعيرة في الساقين، إلا في المواقف الأمنية الحاسمة كحوادث الإرهاب ومقاومة السلطات، فهنا يكون رد الفعل المباشر فيحتم استخدام السلاح مباشرة دون سابق إنذار.

بناء عليه؛ فالشرطة المصرية تعاملت وفق الإجراءات القانونية للحالات الجنائية العادية في أثناء فض الاعتصامين، حيث تعاملت وفق الضوابط السابق الإشارة إليها في القانون، بل بدأت في إطلاق النار بعد سقوط أكثر من شهيد من جانبها، واستخدمت التدرج المذكور في استخدام السلاح في التعامل مع الجرائم الجنائية وأحوال فض الاعتصامات غير المسلحة، ولم تستخدم أقصى درجات المقاومة المباشرة المفترضة منذ اللحظة الأولى في التعامل مع الإرهاب المنصوص عليها في القانون.

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، وهو: لماذا إذن سقطت كل هذه الأعداد من القتلى أثناء فض الاعتصامين؟ نحاول الإجابة على السؤال وفق قراءة للمشهد والمعطيات كالتالي:

(&) إصرار جانب عناصر الإخوان على الاستمرار في إطلاق النار في مواجهة الشرطة، فدعنا نتصور في حال توقف إطلاق النار من جانب الإخوان، هل كانت الشرطة ستستمر في التعامل بالسلاح؟ بالقطع لا، ستحاصر الشرطة وقتها في اللحظات الأولى الميدان، وتقبض على من يحمل السلاح وتطلق صراح الباقين، وتنتهي المعركة بخسائر أقل، لكن عناصر جماعة الإخوان وفق شهود وشواهد كانت تريدها مذبحة،للترويج لها دوليًا والتباكي عليها مئات السنين.

(&) أثبتت شهادات من داخل الجماعة، وتقرير لجنة تقصي الحقائق، اعتلاء قناصي الإخوان أسطح محيط رابعة قبل موعد الفض؛ منهم “أحمد رمضان” الذي عرف إعلاميًا باسم (قناص الإخوان)، و”حسام أبو البخاري، وأحمد صقر”، واستهدفوا بعض عناصرهم لزيادة أعداد القتلى لتعميق المشهد المأساوي، المقصود صناعته من الجماعة للتباكي به أمام العالم، فضلًا عن شهادات إطلاق النار من بعض العناصر داخل الاعتصام على آخرين من المعتصمين، ثبت هذا من طبيعة الإصابات وقرب المسافة التي أطلقت منها الأعيرة، ووجود إصابات في الرأس أعلى المخ تنفي قرينة أو إمكانية أطلقها من الأمام من ارتفاع منخفض (جانب الشرطة)، وتؤكد أطلقها من جانب قناصة الجماعة.

(&) إذا أرادت الشرطة التعامل العنيف في فض الاعتصامين منذ البداية، ما انتظرت سقوط أول شهداء من صفوفها، ولا خصصت ممرات أمنة لخروج المعتصمين، ولا استدعت منظمات حقوقية لحضور أحداث الفض، كانت ستحاصر الميدان وتستهدف من فيه منذ اللحظات الأولى، وهذا لا يعني أن الشرطة لم تسقط قتلى من جانب الجماعة، بل يعني أن الشرطة تعاملت وفق القواعد القانونية للدفاع الشرعي واستخدام السلاح، وتفادت قدر الإمكان إصابة غير المسلحين، لكن عناصر الإخوان المسلحين كان لديهم أوامر من قادة الجماعة بصناعة مذبحة، من خلال التمادي في التحصن بالنساء والأطفال والاستمرار في استخدام السلاح أكثر من ١٢ ساعة متواصلة.

ادعاءات مردود عليها:

ادعت الجماعة أن كمية السلاح الموجودة في الاعتصامين لا تستدعي تعامل الشرطة معها بالسلاح، وهذا مردود عليه أنه، هل يوجد مقدار معين للسلاح تستوجب تعامل القوات معها؟، ومقدار أقل لا يستوجب التعامل معه، فكل السلاح يصيب وأقل كمية يجب التعامل معها من قبل القوات وصد هجماتها، وإلا ستكون النتيجة إفلات الأمن في منطقة استخدام السلاح ومحيطها، والإيذان ببدء إعلان الفوضى في كل مكان.

في ذات السياق؛ تدعي الجماعة دون أدلة حتى لحظات كتابة هذا التحليل، من خلال إعلامها الفضائي والإلكتروني، ومن خلال فيلم وثائقي (مذبحة رابعة) صنعته الجماعة في بريطانيا مؤخرًا، بأن الشرطة المصرية أحرقت المسجد والمستشفى الميداني بميدان رابعة العدوية، صحيح أُحرق جزء من مسجد رابعة العدوية، لكن لم يثبت أن قوات الشرطة هي من أحرقته، فقد أثبتت لجان تقصي الحقائق أن الحريق نشب بسبب عبوات المولوتوف التي كانت تلقى من عناصر الجماعة لزيادة مأساوية المشهد.

لقد ادعت الجماعة على خلاف الحقيقة؛ أن الأفراد داخل الاعتصام لم تصلهم صوت التنبيهات على الخروج من الممرات الآمنة، فالمواطنين في المنازل في محيط رابعة وعبر الشاشات وصلتهم بوضوح أصوات المكبرات، التي تؤكد على عدم التعرض لمن يخرجوا من الممرات الآمنة، فكيف إذن لم يصل صوت المكبرات لمن داخل الاعتصامين.

كما ادعت الجماعة بخلاف الحقيقة أن قوات الشرطة، كانت تمنع المصابين من الحصول على الإسعافات اللازمة، خصصت هيئة الإسعافات المصرية ثلاثمائة سيارة إسعاف تحسبًا لأي إصابات، لم تتمكن بعض سيارات الإسعاف من دخول الاعتصام بسبب تصاعد الاشتباكات بين الجانبين، حتى سقط قائد أحد سيارات الإسعاف قتيلًا، بفعل تصاعد الاشتباكات وامتدادها حتى شوارع الممرات المخصصة للخروج والدخول، وتمكنت بعض سيارات الإسعاف الملحقة بمستشفى رابعة التي تمكنت من دخول الاعتصام قبل بدء الاشتباكات من إسعاف بعض المصابين.

المسارات البديلة:

استغلت جماعة الاخوان وتستغل حتى حينه أحداث فض اعتصام رابعة لتدويل القضية، حيث اتخذت جماعة الإخوان كل الإجراءات القانونية دوليًا، لمحاسبة الجهات الأمنية والمسئولين في مصر وقت أحداث رابعة والنهضة أمام المحاكم الدولية دون جدوى، وذلك أملًا منها في مساعدتها للعودة للحكم، لقد فشلت الجماعة في الحصول على أي نتيجة من القضاء الدولي لعدم توافر الأدلة الداعمة لادعائها، لكن ما نجحت فيه الجماعة كسب تعاطف بعض الغرب والمنظمات الداعمة للجماعة، رغم ذلك فقد نجحت الجماعة في صناعة مشهد مأساوي تتباكى عليه وتدعي به المظلومية مئات السنين القادمة.

واستكمالا لما سبق، يكون السؤال؛ هل كان من الممكن تفادي وقوع قتلى يوم فض الاعتصامين؟ في التالي نطرح كل المسارات البديلة:

  • المسار الأول، موافقة الجماعة على فض الاعتصام سلميًا حفاظًا على الأرواح، والجلوس للتفاوض مع السلطات الذي دُعيت له الجماعة عدة مرات من جهات مختلفة من الوسطاء؛ أمثال قادة شيوخ السلفية منهم( محمد حساني، جمال المراكبي، د. عبدالله شاكر)، لكن الجماعة رفضت وقالت صراحًة أنها تريد الدفع بشهداء للشرعية، فإذا كانت الجماعة وافقت على هذا الطرح لما أُقصت نهائيًا من الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، وكانت تمكنت من المشاركة كأي فصيل في الحياة السياسية مثل وضعها في عهد الرئيس الأسبق مبارك، لكن الجماعة أرادت الكشف عن قناع الإرهاب في أبشع صوره، فكان إرهاب الجماعة يوم فض الاعتصامين وما قبله وما بعده، حتى لا ينسى الشعب المصري، فكتبت الجماعة بهذا نهايتها إلى الأبد.
  • المسار الثاني، موافقة النظام داخل مصر على عودة الإخوان إلى الحكم، وهو سيناريو غير منطقي، ينتج عنه وقوع حرب أهلية في كافة المحافظات بين الشعب المصري المعارض لاستمرار حكم الإخوان وأنصار حكم الإخوان، مما سيترتب عليه بحور من الدماء بين كل أبناء الوطن، لكن المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية فضلتا أن تضحي بأبنائها لحماية الوطن، فحصرت المواجهة بين قواتها والإرهاب، وهذا لا يعني سقوط شهداء من المدنيين فإرهاب الجماعة لم يقتصر على العسكريين، بل استهدف المدنيين بالتفجيرات وإطلاق النيران فوق الكباري وحرق الكنائس، لكن الأعداد من الضحايا المدنيين كان سيصبح مئات الأضعاف إذا لم يتصدى الجيش والشرطة لإرهاب الجماعة.
  • المسار الثالث، سماح الإخوان للمعتصمين كلهم من غير حاملي السلاح الخروج من الممرات الآمنة وتشجيعهم على ذلك، حيث فعلت الجماعة العكس فقد كانت تنذر المعتصمين من الخروج من الممرات الآمنة وتمنعهم بالقوة وتنذرهم بالعقاب الإلهي، حتى تتمكن من زيادة عدد القتلى وصناعة المشهد المطلوب، ما يؤكد هذه المعلومات العثور على جثث استقدمتها الجماعة من عدة محافظات قبل يوم الفض، وأدخلتها إلى اعتصام رابعة، وقام عناصر الجماعة بتجهيز هذه الجثث المكفنة أسفل منصة رابعة، استعدادًا لصناعة المشهد المستهدف أمام كاميرات العالم، ففي حال كانت الجماعة سمحت بإخلاء الاعتصام وقت الفض، حتى وإن استمر بعض عناصرها في مواجهة القوات لكان عدد القتلى انخفض بشكل كبير.
  • المسار الرابع، توقف عناصر الجماعة المسلحين عن إطلاق النار، عندما وجدوا سقوط أفراد من النساء والأطفال غير المسلحين، وقرروا فض الاعتصام وتسليم أنفسهم لحقن الدماء، إلا أن الجماعة أرادت متعمدة صناعة مذبحة، وقال بعضهم صراحًة وفق مصادر صحفية صناعة مجزرة يتحدث عنها العالم أفضل من الموت في السجون دون أن يشعر بنا أحد.

بناء عليه، يمكن القول إن قادة جماعة الإخوان المسلمين أرادوا وخططوا لصناعة هذا المشهد، بهذا أصبحت الجماعة المسئولة أمام الله والتاريخ وأمام أتباعها والشعب المصري عما وقع من أحداث في هذا اليوم وما بعده، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن؛ هل كل من ظلوا في الميدان جناة أم هناك ضحايا؟. هنا يمكن الإشارة أن انقسم من بقي بعد بداية إجراءات الفض في الميدان إلى ثلاث فئات، هم:

  • الأولى، هي فئة حملت السلاح ضد القوات وأطلقت النيران ضد الشرطة والمعتصمين وواجهتهم الشرطة، وهم من عناصر جماعة الإخوان وأخواتها من الجماعات التكفيرية، التي استقدمتهم الجماعة من كل مكان إلى الاعتصام، هذه الفئة هي التي شكلت خلايا العمليات النوعية (كتائب حلوان، حسم، لواء الثورة، حركة المقاومة الشعبية، مجموعة الظواهري) وغيرهم عشرات الجماعات تكونت داخل الاعتصام، وبدأوا بتنفيذ أعمال إرهابية منذ الأيام الأولى للاعتصام حتى قضت عليهم الشرطة والجيش وأعلنوا خلو مصر من الإرهاب.
  • الفئة الثانية، هي فئة لم تحمل السلاح، ولكنها أيدت من حمل السلاح ودعمته وقدمت من أنفسها وأبنائها دروع بشرية، وهم من الأعضاء التنظيميين للجماعة وغيرهم من الجماعة الإسلامية ومن معتنقي الفكر التكفيري كجماعة حازمون والسلفية الجهادية، منهم من لم يحمل السلاح لعدم التدريب عليه، وليس لعدم اعتناق الفكر التكفيري، وهم ليسوا ضحايا ويتحملوا نتيجة ما اقترفته أيديهم وما حملته أفكارهم من تطرف.
  • الثالثة، هي فئة من البسطاء كانت تريد وتسعى للخروج من الممرات الآمنة، لكن منعت من عناصر الجماعة، سواء بالتغرير بهم لأخر وقت وإخفاء موعد الفض عنهم التي كانت الجماعة على علم به، أو منعوا بسبب خوفهم من كثافة ضرب النار من قبل الجماعة باستهداف الممرات الآمنة بعد دقائق من بدء الفض، فلم يتمكنوا من الخروج وهؤلاء ضحايا الإخوان، فالميدان كان مليء بالمتسولين والباعة الجائلين واللاجئين السوريين القادمين من كل المحافظات تجلبهم الجماعة بسيارات أجرة لزيادة الأعداد داخل الاعتصامين، فالاعتصام كان بالنسبة لهؤلاء مصدر قوت ليس أكثر، وهم من سقطوا ضحايا إرهاب الجماعة.

في النهاية؛ تلك هي الأحداث وهذه هي المسارات البديلة وفق تفاصيل المشهد والمعطيات المثبتة، الذي استطاعت الجماعة من خلاله صناعة المشهد المأساوي المطلوب، لتتباكى عليه أمام العالم سنوات قادمة، وأن كانت الجماعة مسئولة عن صناعة هذا المشهد وفق المعطيات، فغالبًا جسامة تلك الأحداث ومثيلاتها في التاريخ، لا يمكن محاسبة الأشخاص فيه فرادًا في الدنيا بشكل دقيق، وبالنسبة لقوات الشرطة لم تثبت بالأدلة دوليًا أو داخليًا تجاوزهم قانونا فعليا في استخدام السلاح، على خلاف ما يروج له في الأعلام الدولي الذي يتبنى رؤية الجماعة، خاصًة مع صعوبة الوضع الأمني يوم أحداث الفض في كل المحافظات، قال تعالى: “إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى