السيناريو المحتمل: كيف تتجه مسارات أزمة النيجر؟

في الـ 26 من يوليو 2023، قامت قوات الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال “عمر تشياني” بالتحفظ علي الرئيس النيجيري المنتخب ديمقراطياً “محمد بازوم”، وتم منعه من الخروج من القصر الرئاسي، بالإضافة إلي إغلاق الطرقات المؤدية إلي القصر الرئاسي في نيامي، وبعد نجاح هذه الخطوة، أعلنت المؤسسة العسكرية في 27 يوليو انحيازها لقادة الانقلاب والإطاحة بـ “بازوم”، تجنبًا لحدوث اقتتال داخل صفوف المؤسسة العسكرية.
ونظرا لتشابك مسارات الأزمة بعد ما مرور ما يزيد عن 5 أيام، صرحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) يوم الأحد 30 يوليو، بأنها قد تستخدم القوة إذا لم يُعيد قادة الانقلاب العسكري في النيجر الرئيس المنتخب ديمقراطياً “محمد بازوم” في خلال أسبوع لاستعادة النظام الدستوري، بالإضافة إلي تخوف كل من فرنسا والولايات المتحدة من استغلال هذا الانقلاب لصالح روسيا.
تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق إلي أسباب الانقلاب العسكري في النيجر، وأسباب الإجماع الغربي الإفريقي علي رفضه، وتأثيراته المحتملة علي مسار الأحداث في البلاد، كذلك خيارات القادة العسكريين للتعامل مع العزلة الإقليمية والدولية التي من المرجح أن تُشكل ضدهم، والسيناريوهات المحتملة نتيجة تشابك مسارات الأزمة.
دوافع الانقلاب:
تعددت الدوافع حول الانقلاب العسكري علي الرئيس “محمد بازوم”، أبرزها ما يلي:
(*) عزل رئيس الحرس الرئاسي من منصبه: سعي الرئيس “محمد بازوم” إلي عزل رئيس الحرس الرئاسي الجنرال “عبدالرحمن تشياني” من منصبه، حيث يربط تشياني برئيس النيجر السابق “محمدو يوسفو” علاقات وثيقة وقوية، مما يشكك في ولاءه لـ بازوم، لذا سارع بازوم إلي إجراء تغييرات في قيادة الحرس الرئاسي، لكي يتم اختيار شخص علي درجة عالية من الثقة والولاء لـ “بازوم”. ولكن ما حدث عكس التوقعات تماماً، حيث استطاع الجنرال “تشياني” الإطاحة بالرئيس وعزله من منصبه.
قراءة ما سبق، تشير إلى فقدان الرئيس “بازوم” السيطرة علي الدولة وإخفاقه في إحداث التغيير، كما يوضح أنه لا يحظي بأي قبول من جانب المؤسسة العسكرية في النيجر، ويرجع ذلك إلي تصريحاته في بداية حكمه ضد بعض قياداتها العسكرية، حيث صرح إنه لا يجب السماح للجنود بتولي السلطة، وأن يقتصر اختصاصهم علي تولي المهام الأمنية التي لم يتم إحرازهم أي تقدم في محاربة الإرهاب.
(*) تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية: تعاني النيجر من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لذا أعلن قادة الانقلاب عند عزل الرئيس “محمد باروم” من منطلق مبررات اجتماعية واقتصادية تم تفنيدها، بالإضافة إلي تدهور الأوضاع الأمنية التي تساعد في نمو عمليات التنظيمات الإرهابية، مثل، القاعدة، بوكو حرام، وداعش.
(*) انحياز “بازوم” لـ فرنسا: تشهد السياسة الخارجية لـ “بازوم” العديد من الانتقادات، نظراً لانحيازه لـ “فرنسا” والغرب كذلك، واعُتبر بازوم وفقا لتصريحات البعض، بمثابة عميلًا لفرنسا في منطقة الساحل الإفريقي، حيث يوجد 1500 عسكري فرنسي علي أراضي النيجر، في حين أن البلدان المجاورة تمكنت من طرد القوات الفرنسية من أراضيها، ومن الممكن أن يكون ذلك سبباً وحافزاً قوياً للإطاحة برئيس النيجر.
(*) التوتر بين المدنيين والعسكريين: يرجع سبب التوتر إلي وجود حكومة منتحبة يقودها مدنيون في النيجر، حيث يُعد النيجر البلد الوحيد في منطقة الساحل الإفريقي الذي يحكمه مدنيين، لذا تُشكل التوترات بين المدنيين والعسكريين خطراً كامناً علي البلاد، بالإضافة إلي إمكانية استغلال التنظيمات الإرهابية لهذا الانقلاب.
(*) احتمالية دعم دول الجوار الإقليمي للنيجر الانقلاب العسكري: بسبب توتر العلاقة بين رئيس النيجر وقادة دول غرب إفريقيا (غينيا، مالي، وبوركينا فاسو)، هناك احتمالية لوجود دعم إقليمي لمحاولة الانقلاب العسكري علي الرئيس “بازوم”، حيث حاول “بازوم” دعم قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، لكي يتمكن من فرض عقوبات علي تلك الدول التي شهدت الكثير من التغييرات غير الدستورية، مما خلق حالة من العداء بين الرئيس بازوم ودول الجوار الإقليمي.
تصريحات محددة:
تعددت التصريحات المحلية والإقليمية والدولية، تجاه الانقلاب العسكري علي الرئيس المنتخب ديمقراطياً “محمد بازوم”، قراءة وتحليلها قد يساعد في فك شفرات مسار الأزمة في النيجر، ووضع السيناريوهات المحتملة لمساري التدخل العسكري والانعكاسات الإرهابية المدمرة داخلها وفي دول الجوار، هي كالتالي:
(*) التصريحات المحلية، تمثلت أهمها في تصريح “أمادو عبدالرحمن”، عضو المجموعة العسكرية، لوكالة رويترز، حيث قال إن وزير خارجية النيجر “هاسومي مسعودو” الذي يتولي منصب رئيس الوزراء بشكل مؤقت، قام بتوقيع وثيقة تسمح للسلطات الفرنسية بتنفيذ هجمات علي مقر الرئاسة بهدف تحرير الرئيس المحتجز “محمد بازوم”. يذكر أن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” قام بنفي كل هذه الاتهامات
(*) التصريحات الإقليمية، تمثلت في البيان المشترك لكل من بوركينا فاسو ومالي، حيث أصدرت سلطات كل من بوركينا فاسو ومالي بيان مشترك، في الـ 31 من يوليو2023، حذرت من عبره مواطنيها من أي تدخل عسكري في النيجر الذي من الممكن أن يتسبب في عودة الرئيس المنتخب “محمد بازوم” إلي الحكم بعد أن تم الإطاحة به في الانقلاب الأخير، وقد يترتب علي ذلك إعلان الحرب علي بوركينا فاسو ومالي.
وعليه، يمكن القول إنه من المحتمل أن يؤدي التدخل العسكري في النيجر إلي حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، كما حدث عندما تدخل حلف “الناتو” في ليبيا، مما أدي إلي انتشار الإرهاب في منطقة الساحل. كما أنه من ضمن تصريحات البيان، أن فرنسا تبحث عن وسائل للتدخل عسكرياً في النيجر، حيث قامت بعقد اجتماع مع هيئة أركان الحرس الوطني في البلاد بالتواطؤ مع عدد من مواطني النيجر، لكي تحصل علي التصريحات السياسية والعسكرية اللازمة، وقامت السلطات الفرنسية بنفي تلك الاتهامات.
أما التصريح الأخر المؤثر على المستوى الإقليمي، تمثل في تصريح الهيئة الإقليمية لغرب إفريقيا (الإيكواس)، حيث صرحت الإيكواس يوم الأحد 30 يوليو، إنها قد تستخدم القوة إذا لم يُعيد قادة الانقلاب العسكري في النيجر الرئيس المنتخب ديمقراطياً “محمد بازوم” في خلال أسبوع لاستعادة النظام الدستوري. كما قامت “الإيكواس” بفرض عقوبات علي قادة الانقلاب وقطعت إمدادات الكهرباء من نيجيريا، وعلقت جميع المعاملات التجارية مع النيجر، وحظرت السفر علي المشاركين في الانقلاب.
بعد فرض هذه العقوبات، أعلنت السلطات الغينية في “بيان منفصل” عن عدم موافقتها علي العقوبات التي فرضتها “الإيكواس” وتحديدًا التدخل العسكري، ورفضت غينيا تطبيق هذه العقوبات التي اعتبرتها غير مشروعة وغير إنسانية. كما حذرت مالي وبوركينا فاسو من أي تدخل عسكري ضد النيجر.
(*) التصريحات الدولية، تمثلت في تصريح “جوزيب بوريل”، مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، حيث أكد في 29 من يوليو، أكد على تأييده لجميع الإجراءات المعتمدة من قبل مجموعة “إكواس” كرد فعل علي الانقلاب في النيجر. كما يعتبر بوريل أن الرئيس “محمد بازوم” المنتخب ديمقراطياً، هو الرئيس الوحيد لدولة النيجر، ولا يعترف بأي سلطة أخري علي الإطلاق، ودعا أيضًا في تصريحاته إلي استعادة منصبه في أقرب وقت. وعليه، قام الاتحاد الأوروبي بوقف كل التعاون العسكري مع النيجر إلى حين أن يتم الإفراج عن الرئيس “بازوم”. وجدير بالذكر أنه قد هدد سابقاً بوقف كل المساعدات المالية الممنوحة للنيجر، كما أعلن الاتحاد الأوروبي موافقته علي مغادرة بعثته من النيجر.
أما التصريح الثاني على المستوى الدولي الذي يؤشر إلى مستقبل الأزمة في النيجر، فقد تمثل في تصريح “سيباستيان فيشر”، وزير الخارجية الألمانية، حيث قال خلال مؤتمر صحفي، إن الحكومة الألمانية أعلنت في 31 يوليو 2023 تعليق مساعدتها الإنمائية ودعمها المالي للنيجر بعد الانقلاب العسكري علي الرئيس المنتخب ديمقراطياً “محمد بازوم”. كما حثت السلطات الألمانية يوم الثلاثاء الماضي، رعاياها علي مغادرة النيجر مع طائرات الإجلاء الفرنسية نظرًا للأحداث التي تشهدها البلاد خلال هذه الفترة. أما التصريح الثالث، المؤثر في كشف مسارات الأزمة، فيتمثل في تصريح “إيمانويل ماكرون”، حيث قال “ماكرون” إن الانقلاب في النيجر ضد الرئيس المنتخب “محمد بازوم” خطير علي المواطنين النيجريين والمنطقة بأكملها، وأن هذا الانقلاب غير شرعي وخطير للغاية، ودعا للإفراج عن بازوم.كما قام ماكرون بتوعد الانقلابيين بالرد فوراً وبشدة في حالة حدوث أي هجوم يستهدف مواطني فرنسا أو مصالحها في النيجر. كما رأت وزيرة الخارجية الفرنسية “كاترين كولونا” أن السيطرة علي الحكم في النيجر ليس نهائية، ومن الممكن أيجاد حلول للتحكم في هذا الانقلاب.
أما التصريح الثالث على المستوى الدولي، الذي يراه بعض المراقبين بمثابة عامل مؤثر في اتجاهات مسار أزمة النيجر خلال الأيام المقبلة، تمثل في تصريح “أنتوني بلينكن”، وزير الخارجية الأمريكية، الذي دعا إلي الإفراج الفوري عن الرئيس “محمد بازوم” المنتخب ديمقراطيا، وأكد بلينكن علي دعم الولايات المتحدة لـ “بازوم” بشكل مستمر. وفي حال استمرار الانقلاب سوف تفقد النيجر ما يقرب من ملياري دولار أمريكي سنويًا في المساعدات الإنمائية الرسمية. وعليه، يعد الانقلاب العسكري في النيجر تهديد تصريح بتعطيل الاستراتيجية الأمريكية كاملة الخاصة بمكافحة الجماعات الإسلامية الأكثر تشدداً وتوسعاً في غرب أفريقيا. يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تنشر في النيجر نحو 1000 جندي.
انعكاسات محتملة:
قراءة وتحليل التصريحات السابقة، وكشف حدود تشابكاتها يساعد في محاولة رسم الوضع في النيجر، وانعكاساته المحتملة، فقد أكد عدد من المقربين للنيجر، أن كل من فرنسا والولايات المتحدة تخشيان من استغلال هذا الانقلاب لصالح روسيا، حيث تسعي روسيا إلي تعميق نفوذها في القارة الإفريقية، بالإضافة إلي تدفق الهجرة غير الشرعية إلي الغرب، وذلك في حال نجاح هذا الانقلاب، بالإضافة إلي تخوف فرنسا من أن تخسر مصالحها في النيجر لصالح روسيا بعد خسارة مصالحها في بوركينا فاسو ومالي.
ويرجع تخوف فرنسا من نجاح الانقلاب، إلى تموقع روسيا مكانها في تلك المنطقة، وبالتالي تخسر فرنسا مكاسبها من النيجر، التي يتمثل أهمها في النيجر تمد فرنسا بنحو 35% من احتياجاتها من اليورانيوم. كما تساعد محطاتها النووية علي توليد 70% من الكهرباء.
وهناك أيضًا قواعد عسكرية فرنسية في الأراضي النيجرية، حيث تمتلك باريس ما يقرب من 1500 جندي فرنسي في النيجر. كما تُعد قاعدة مركزية لقوات حلف “الناتو” في منطقة الساحل. وبالتالي، في حالة خروج قوات فرنسا من النيجر، لا يبقي لها سوي نقطة تمركز واحدة في تشاد بمنطقة الساحل، بعد أن خسرت نفوذها في مالي وبوركينا فاسو، فضلاً عن أفريقيا الوسطي.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيرجع تخوفها من نجاح الانقلاب، إلى أن النيجر سوف تصبح الدولة الـ 11 في الدول الإفريقية، التي تقع تحت نفوذ روسيا من خلال مجموعة فاجنر، بعد إمداد نفوذها في مالي وبوركينا فاسو في 2022، وهناك قلق أيضًا من جانب واشنطن تجاه قاعدة الطائرات المسيرة التي أسستها في وسط الصحراء في مدينة “أغادير” في شمالي النيجر عام 2014، لمكافحة العمليات الإرهابية في غرب أفريقيا.
ووفقاً لتقرير “ذو غارديان البريطانية” فإن الولايات المتحدة، أنفقت ما يقرب من 500 مليون دولار منذ عام 2012 في سبيل تعزيز الأمن القومي للنيجر، لذا لم تعترف واشنطن بقادة الانقلاب. كما أنها ليست مستعدة لخسارة النيجر إزاء هذا الانقلاب العسكري.
وطبقًا للقانون الأمريكي الخاص بالمساعدات الخارجية، يحظر تقديم مساعدات لأي دولة تتم فيها الإطاحة برئيس الحكومة المنتحب في حالة الانقلاب، ما لم يقرر وزير الخارجية أن تقديم المساعدات في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة. كما أن أي تغير في الحكومة سوف يؤثر علي قدرة واشنطن علي الانخراط في النيجر، علي الرغم من وجود بعض الاستثناءات من قانون مكافحة الإرهاب، ولكن تفضل واشنطن أن يكون لديها شريك جيد وحكومة منتخبة، فهذه أفضل طريقة لمكافحة الإرهاب.
مما سبق، يمكن القول إنه من المحتمل أن تستغل روسيا الإطاحة بالرئيس “محمد بازوم”، وتولي النخبة العسكرية مقاليد السلطة، وربما تحاول روسيا استبدال الدعم الفرنسي والغربي بالدعم الروسي لمكافحة الجماعات الإرهابية، مثلما حدث في مالي وبوركينا فاسو. وهناك احتمال لنشاط مجموعة فاجنر الروسية في النيجر باعتبارها دولة مركزية في تموقعها بين جيرانها.
سيناريوهات محتملة:
في ظل الحسابات الدولية الدقيقة للدول الكبرى المتنافسة على النيجر، بالإضافة إلى سيطرة عامل البرجماتية على أطراف تأييد الانقلاب من عدمه، ناهيك عن تخوفات الأطراف من دول جوار النيجر أو الدول الكبرى ذات المصالح في تلك المنطقة من الانعكاسات الإرهابية لتطور الأزمة، حيث ربما يفتح صراع الأطراف الداخلية والخارجية المجال أمام ارتكاب عمليات إرهابية في النيجر، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية- يمكن وضع سيناريوهين، تبدوا مبرراتهما كالتالي:
(&)السيناريو الأول، ترقب حذر وتمديد محتمل لمدة التراجع، مع تمسك قادة الانقلاب بموقفه، كذلك تمسك أطراف السلطة بشرعيتهم، فقد يتم تمديد مهلة جديدة بعد انتهاء مهلة السبعة أيام التي قدمها قادة غرب إفريقيا للجيش في النيجر، حيث أنه لم يكن أمام قادة “الإيكواس” سوي تمديد الموعد النهائي، ولكن من الممكن أن ينظر إلي هذا القرار علي أنه تراجع من قبل المجموعة الاقتصادية، لكن يمكن لرؤساء الدول القول إن الجهود الدبلوماسية قد أحرزت تقدمًا ويريدون منح النيجر مزيدًا من الوقت، لذا أرسلت الإيكواس المكونة من 15 عضواً وفداً يوم الخميس الماضي إلي نيامي سعياً للتوصل إلي حل ودي، ولكن أكد مصدراً من الوفد أن الاجتماع مع ممثلي المجلس العسكري لم يأتي بنتيجة.
وما يبرر هذا المسار، هو ما أكده مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عبدالفتاح موسي”، الذي قال نريد للدبلوماسية أن تنجح، ونريد أن ننقل إليهم هذه الرسالة بوضوح ومفاداها أننا نمنحهم كل الفرص للتراجع عما فعلوه”.
لكن خطورة هذا المسار أنه يساعد في تعميق الأزمة، وقد يحفز الجماعات الإرهابية على التدخل أو التموقع بالقرب من حدود الدولة لانتظار صافرة النهاية، خاصة وأن استراتيجية وضع جدول زمني للعودة للحكم الديمقراطي، وعودة الأمور إلى نصابها قد يكون من الاستحالة، بسبب اتساع الهوة بين ما يتمسك به للمجلس العسكري النيحيري، وما يطلبه المجلس العسكري للإيكواس، وهو الاتفاق علي جدول زمني للعودة إلي الحكم الديمقراطي، والإفراج عن الرئيس المنتخب “محمد بازوم”.
(&) السيناريو الثاني، التدخل العسكري المؤجل، حيث قراءة وتحليل البيانات والتصريحات السابقة، خاصة من الدول الكبرى ودول جوار النيجر، التي اتسمت خلال الساعات الأخيرة بالتحدي الواضح، تشير إلى احتمالات حدوث تدخل عسكري تدعمه فرنسا وأمريكا في مواجهة روسيا على اعتبار أن أرض النيجر قد تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى، خاصة أن أزمة النيجر أتت في ظروف تزداد فيها شراسة الحرب الروسية الأوكرانية، وما يدعم هذا المسار المؤجل، هو تكرار تصريحات قادة غرب إفريقيا، وتهديدهم باستخدام القوة إذا لم تتم إعادة الرئيس “بازوم” للحكم، لكنهم تركوها مفتوحة كاحتمال أخير، ووصف بعض قادة النيجر ذلك بأنه “الملاذ الأخير”، وقال الرئيس “تينوبو” إنه قد يكون هناك تدخل عسري لفرض امتثال المجلس العسكري في النيجر إذا ظلوا علي موقفهم من الانقلاب، وسوف تستخدم إيكواس في هذه الحالة القوة لاستعادة النظام الدستوري.
وأكد ذلك “عبدالفتاح موسي” مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن للإيكواس يوم الجمعة الماضي، بأن قادة الدفاع في المجوعة وضعوا خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر للتصدي للانقلاب، تتضمن الخطة كيفية وموعد نشر القوات. وأضاف موسي أن المجموعة لن تكشف لمدبري الانقلاب متى وأين ستكون الضربة، مضيفاً أن القرار سيتخذه رؤساء الدول. وأكد موسي في ختام الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام في العاصمة النيجيرية “أبوجا”، أنه جري العمل علي جميع العناصر التي ستكون مشاركة في أي تدخل نهائي.
ختاماً، يمكن القول إن الانقلاب العسكري في النيجر، يهدد استمرار نفوذ كل من فرنسا والولايات المتحدة والغرب، حيث تعد النيجر أهم نقطة تمركز لفرنسا بمنطقة الساحل، وذلك بعد أن خسرت نفوذها في مالي وبوركينا فاسو عام 2022، ويتطلب ذلك من القوي الغربية البحث علي مواطن تمركز أخري أكثر استقراراً. وفي ظل ضغط العقوبات الاقتصادية المكثفة وإصرار المجلس العسكري علي الانقلاب، ورفض “الإيكواس” هذا الانقلاب، من المحتمل أن يكون هناك تدخل عسكري سوف يكون له تداعيات وخيمة علي المنطقة بأكملها، ولكنه لن ينجح في إعادة “بازوم “للحكم، بل يستهدف إزاحة المجلس العسكري.
.