لماذا تستهدف التنظيمات الإرهابية في إفريقيا تلاميذ المدارس؟

خلال عام 2023 تزايد التنافس بين التنظيمات الإرهابية الموالية لـ “داعش” و”القاعدة”، رغبة في السيطرة علي مرتكزات جغرافية جديدة؛ ففي 17 يونيو ارتكبت التنظيمات الإرهابية أحدث عملياتها مستهدفة مدرسة ” لوبيريرا” الثانوية  في بلدة “مبوندوي” غرب أوغندا والذي نفذته عناصر “القوات الديمقراطية المتحالفة” التي أعلنت قبل سنوات الولاء لـ “داعش”،  وتعد الغاية الوحيدة لتلك التنظيمات، هي الدمار والفساد في الأرض من أجل السيطرة والهيمنة، والتعطش لسفك الدماء، حتي وإن كانت دماء الأبرياء من الأطفال.

تأسيسا على ما سبق، نحاول في هذا التحليل التطرق إلى أسباب استهداف التنظيمات الإرهابية في إفريقيا لتلاميذ المدارس،ودوافع استقطابهم للنساء في تنفيذ بعض هذه الجرائم؟

 خريطة المدارس المستهدفة في إفريقيا:

كشف رصد ومتابعة العمليات الإرهابية في القارة الإفريقية عن استهداف التنظيمات الإرهابية المتمثلة في “بوكو حرام”، وحركة الشباب التابعة لتنظيم “القاعدة”، “وداعش” فرع أوغندا شرق إفريقيا، قيام هذه التنظيمات باستهداف مجموعة من تلاميذ المدارس، سواء عن الطرق خطفهم واستغلالهم أو تفجيرهم، وذلك علي النحو التالي:

(1) تمركز بوكو حرام في نيجيريا: حيث قامت جماعة “بوكو حرام” بالعديد من العمليات الإرهابية في نيجيريا، وهي كالتالي:

(-) أعلنت جماعة بوكو حرام يوم 14 أبريل 2014 عن اختطاف 276 طالبة من مدرسة فتيات في قرية “شيبوك” في ولاية “بورنو” شمال نيجيريا، كما قامت باختطاف 8 فتيات أخريات في 6 مايو 2014.وصرح زعيم الحركة “أبو بكر شيكاو” في شريط مصور أنه سيعاملون الفتيات ” علي أنهم سبايا، وسيتم بيعهن وتزويجهن بالقوة”.

(-) اختطفت جماعة “بوكو حرام” الإرهابية في 24 فبراير 2018، عدد 111 فتاة خلال هجوم إرهابي علي مدرسة في ولاية “يوبي” النيجيرية شمال شرق البلاد.

(-) اعترفت جماعة “بوكو حرام” الإرهابية في نيجيريا يوم 15 ديسمبر 2020، مسؤوليتها عن اختطاف 344 تلميذاً  في احدي المدارس الثانوية في “كانكارا” بولاية “كاتسينا” شمال غرب البلاد. فقد تم إطلاق سراحهم بعد 6 أيام بعد مفاوضات بين الخاطفين والحكومة.

(-)في نيجيريا يوم 17 فبراير 2021، أعلنت السلطات النيجيرية عن حادثة اختطاف جماعي جديدة لتلاميذ علي أيدي مسلحين، وذلك نقلاً عن وكالة “رويترز”، حيث تم الهجوم علي مدرسة العلوم الحكومية الثانوية في منطقة “كاجارا” بولاية النيجر،  واختطفوا 42 شخصاً، من بينهم 27 طالباً وثلاثة موظفين و12 من أقاربهم، وقتل صبي خلال الهجوم.

(-)صرحت الشرطة يوم 26 فبراير 2021، أن مسلحون مجهولون قاموا بخطف 317  من مدرسة “جانغيبي” الحكومية الثانوية العلمية للبنات في ولاية “زامفارا” شمال غربي نيجيريا. وعلي الرغم من أنه لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، فإن طريقة تنفيذ الهجوم كانت مشابهة لتلك التي تستخدمها “بوكو حرام”.

(2) حركة “الشباب” التابعة لتنظيم “القاعدة”، وقد استهدفت حركة الشباب الصومالية الأطفال والتلاميذ على النحو التالي:

(-) استهدفت “حركة الشباب” التابعة لتنظيم “داعش”، مؤسسات تعليمية فبراير 2022، وقتل ما لا يقل عن 100 شخص، من بينهم أطفال، في انفجاريين هزا العاصمة الصومالية “مقديشو”، وكان من بين مستهدفاته وزارة التعليم الصومالية.

وقبل هجوم الصومال، أعلنت السلطات في النيجر في يوليو 2022، أن البلاد شهدت إغلاق 817 مدرسة، تضم أكثر من 72 ألف طالب، فيما يسمي بمنطقة “الحدود الثلاثة” بين مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو.

وبالتالي تأثير الإرهاب والنزاعات علي التعليم واضح في إفريقيا، حيث يؤدي الإرهاب والعنف إلي فقدان الفرصة في التعليم من جهة، وتدمير المدارس من جهة أخري، وأيضاً تؤدي الهجمات إلي هجرة المعلمين والطلاب علي نحو متزايد.

(-) صرحت “اليونيسيف” في تقرير صدر في سبتمبر 2022 عن إغلاق 11100 مدرسة في منطقة الساحل الأوسط وحوض بحيرة تشاد، بسبب العنف الناجم عن الإرهاب والتهديدات الموجهة ضد المعلمين والطلاب.

وطبقاً للتقرير، فإن عدد الهجمات علي المدارس في غرب ووسط إفريقيا تضاعفت بين عامي 2019 و2020، وتم حرق أعداد كبيرة من الفصول الدراسية، واحتلت بعض المدارس من قبل الجماعات المسلحة. وبالتالي ضياع الفرص التعليمية في مناطق العنف في إفريقيا، يؤدي إلي تصاعد الإرهاب في هذه المناطق، ومن الممكن أيضاً أن يؤدي غياب المدارس، وسط عدم الاستقرار إلي زيادة تعرض هؤلاء الأطفال للتجنيد في هذه المنظمات.

(3) داعش فرع أوغندا في شرق أفريقيا:ففي17 يونيو2023،أعلنت الشرطة الأوغندية عن استهداف تنظيم داعش مدرسة لوبيريرا (Lhubiriha)  الثانوية  في بلدة “مبوندوي” غرب أوغندا، بالقرب من الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقامو بنهب الأطعمة الغذائية، ثم أحرقوا المبني السكني التابع للمدرسة، وأسفرت حصيلة ضحايا الهجوم الإرهابي عن مقتل 41 شخصاً من بينهم 38 طالباً وحارس واثنان من أفراد المجتمع، وذلك في أعقاب الهجوم الذي شنه متمردي القوات الديمقراطية المتحالفة (وهي جماعة أوغندية تتمركز في شرق أوغندا وأعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية) مع داعش.

أسباب أستهداف الفتيات والتلاميذ:

عدة أسباب أدت إلى استهداف التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية للفتيات والتلاميذ، منها ما هو مرتبط بدوافع ذاتية، ومنها ما هو ناتج عن رغبة في الانتقام، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:

(*) مهددات الانتشار: استهداف التنظيمات الإرهابية للمدارس، وضرب العملية التعليمة في الدول المستهدفة لما تراه تلك التنظيمات في العلم والتعليم من خطر يهدد انتشارها ويوقظ العقول ويوجهها لفساد عقيدة التلاميذ.

(*) تحريمهم التعليم الغربي:تصر جماعة “بوكو حرام” علي أن التعليم الغربي العلماني مخالف للإسلام، ويجب تجريمه ومحاربته والقضاء عليه ومن هنا جاء الاسم الجديد للجماعة الذي يعني “التعليم الغربي حرام”.

(*) محاولات لجذب الانتباه: تعودالدوافع  وراء اختطاف الفتيات في نيجيريا أن جماعة “بوكو حرام” تسعي لجذب انتباه الإعلام الدولي واستعراض قوتها، وزرع الرعب في قلوب الناس، حتى يصدقوا أن لديهم سلطة.

(*) دوافع شخصية: بعد مقتل “محمد يوسف”، مؤسس جماعة “بوكو حرام ” في عام 2009 علي أيدي الحكومة النيجيرية، تعهد زعيم الحركة ” أبو بكر شيكاو” بالانتقام عبر استهداف الجميع في عملياتهم مما أسفر عن مقتل الآلاف من الأشخاص في نيجيريا.

(*) استهداف مبرر للتعليم الغربي:تؤمن الجماعات الإرهابية أنها مستهدفة وجودياً بنشر التعليم، لذلك عمل بعضها علي إيجاد بدائل تعليمية وتربوية تخدم مصالحها في مجال نفوذها، ولا تترد الجماعات الإرهابية في استهداف البني التحتية والمؤسسات التعليمية، حيث تروج في أدبياتها وأنشطتها لممارسة العنف المسلح بوصفة واجباً دينياً يستهدف العمليات التعليمية الغربية.

(*) هدف مربح للتمويل: تعتمد التنظيمات الإرهابية علي الفدية التي يطالبون بها السلطات، لإطلاق سراح الضحايا كمصدر مهم لتمويل تلك التنظيمات.

(*) تزايد معدل دوافع الانتقام: يعد العمل الإرهابي  في أوغندا محاولة من “داعش” والتنظيمات الإرهابية للانتقام من دولة أوغندا؛ حيث يقوم جيش أوغندا بدور كبير وبارز في مكافحة الإرهاب في المنطقة، إذا أرسلت أوغندا قوات إلي جمهورية الكونغو الديمقراطية للمساعدة في حربها ضد الإرهاب، وتفوق عملياتها العسكرية في مقاومة “حركة الشباب” في الصومال، وأيضاً كان لها دور بارز في طرد “القوات الديمقراطية المتحالفة” التابعة لداعش من أراضيها، وبالتالي لم تجد مسرحاً لعملياتها سوي جمهورية الكونغو الديمقراطية.

النساء.. آلية للتنفيذ:

 

 

برصد وتحليل العمليات التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية، وفقاً لم تم ذكره لوحظ أن أغلب العمليات الإرهابية نفذتها المرآة، حيث أصبحت المرأة عضواً فعالاً في الكثير من التنظيمات الإرهابية في إفريقيا،الأمر الذي جعل “الإرهاب النسائي” في الآونة الأخيرة، أحد أبرز التكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، ويرجع ذلك لمجموعة من الأسباب:

(&) ظروف اضطرارية: تعد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي تمر بها الدول الأفريقية، هي العامل الرئيسي وراء نجاح التنظيمات الإرهابية في استقطاب النساء، ووفقاً لدراسة صادرة عن المعهد الملكي البريطاني، فإن أكثر من 17% من المجندين في صفوف التنظيمات الإرهابية بأفريقيا من النساء.

(&) المرور الآمن: قدرة النساء علي اختراق بعض الأهداف والحصول علي المعلومات الهامة مما يتمكن من تنفيذ مخططات التنظيم والقيام بعمليات دقيقة، مقارنة بالرجال الذين سرعان ما يتم التشكيك في وجودهم.

(&) تنوع المهام: تتعدد مهام النساء ما بين القيام بعمليات انتحارية، أو تجميع واستطلاع للمعلومات بشكل سري، ومهام أخري تتعلق بالزواج والإنجاب. كما تتنوع الأدوار التي تقوم بها النساء ما بين التمريض والتدريس والطهي إلي جانب تعليم بعضهن كيفية صناعة المتفجرات؛ ففي يوليو 2017 ألقت الأجهزة الأمنية في مالي القبض علي امرأة متهمة بصناعة مواد متفجرة لكتيبة “ماسينا”.

(&) مصدر مربح للتمويل: تعد جماعة “بوكو حرام”من أبرز الجماعات التي تعتمد بشكل رئيسي علي العنصر النسائي في عملياتها، وارتبطت نشأة الجماعة باستراتيجية ضم النساء، حيث قامت جماعة “بوكو حرام” باختطاف الفتيات من المدارس وتشجيعهن بكافة المغريات، واستغلالهن سواء في أعمال التمريض والخدمات اليومية، أو تبادلهن بالفدية باعتبار ذلك ضمن مصادر تمويل الجماعة.

(&) استغلال غير مكلف مقارنة بالرجال: تقوم “بوكو حرام” باستغلال النساء لجذب الذكور للانضمام إليهم عبر ترغيبهم بالزواج من الفتيات المختطفات أو المجندات طواعية، ومن جهة أخري يتم استغلالهن في العمليات الانتحارية الخطيرة، لعدم تشكيك السلطات فيهن.وفي يونيو 2014 شنت الجماعة أول عملية إرهابية بواسطة فتاة لتتزايد بعد ذلك العمليات المنفذة بواسطة النساء في المدارس والأسواق والنقاط العسكرية، وأفادت إحصائيات بأنه خلال الفترة من 2011 حتي 2017 نفذت الحركة 244 هجوماً بواسطة سيدات، وكشف دراسة صادرة عن مركز “محاربة الإرهاب”، أنه خلال الفترة من 2015-2017 نفذت السيدات ما يبلغ من 56% من إجمالي العمليات الانتحارية في إفريقيا، مما يعكس أكبر مشاركة نسائية في العمليات الإرهابية علي مستوي العالم.

ختاماً، يمكن القول إنه علي الرغم من أن الهجمات الإرهابية التي تشنها جماعة “بوكو حرام” في دول غرب إفريقيا تراجعت بشكل بسيط، إلا أنها لا تزال موجودة، وتحاول مراجعة حساباتها وتكتيكاتها لتعويض فقدان زعيمها ومصادر تمويلها من خلال اختطاف الفتيات، واستخدامهن كقنابل موقوتة في وجه السلطات، نظراً لما حققته استراتيجية “ضم النساء” من مكاسب كبيرة، أما بالنسبة لتحالف القوي الديمقراطية “ذراع داعش” الإرهابي في أوغندا، فعلي الرغم من تصنيف الحكومة الأمريكية في مارس 2021 علي أنه “منطقة إرهابية أجنبية”، لم يؤثر ذلك علي تقلص قدرات “داعش” علي القيام بعملياته الإرهابية، خاصة بعد استهداف “داعش” الأخير مدرسة”لوبيريرا” الثانوية  في بلدة “مبوندوي” غرب أوغندا.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية بالمركز، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى