تنازع الصلاحيات: كيف يؤثر التوتر في إسرائيل على حكومة نتنياهو؟
د. عزام شعث- باحث في العلوم السياسية.
تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب والقدس الغربية وحيفا ضد حكومة بنيامين نتنياهو بعد مرور نحو أسبوعين فقط على تنصيبها، وذلك لمعارضتهم خُطط الإصلاحات القضائية التي أعلنت عنها الحكومة، واعتبروها تقويضا لاستقلال القضاء ولنظام الحكم الديمقراطي؛ الأمر الذي دفع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، إلى التحذير من أن إسرائيل تواجه “أزمة دستورية تاريخية” تهدد استقرارها، مؤكدًا على أنه يقوم بدور الوساطة بين أطراف الأزمة. وفي المقابل، رفض “نتنياهو” مطالب المحتجين بدعوى تلقيه تفويضًا من ملايين الناخبين يخوله تنفيذ “الإصلاحات”.
تطرح هذه التطورات سؤالًا حول مدى تأثير المظاهرات والأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل على ثبات واستقرار الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة “نتنياهو”؟
أطراف الأزمة ودوافعها:
في ضوء الاستقطاب والتجاذبات السياسية الحادّة في إسرائيل؛ استجاب آلاف المتظاهرين لدعوات قادة المعارضة بالمشاركة في الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات وإجراءات الحكومة الإسرائيلية، وضمنها التعديلات القضائية والتغييرات القانونية التي أعلنت عنها. وقد تعددت أطراف الأزمة ودوافعها،نوردها على النحو الآتي:
- تظاهرات واسعة بمشاركة قادة المعارضة: تشير التقارير إلى أن أعداد المشاركين في التظاهرات ضد سياسة حكومة نتنياهو فيتل أبيب، والقدس الغربية، وحيفا، تتراوح ما بين ثمانين ألفًا إلى مائة ألف، انضم إليهم بعض قادة المعارضة ومنهم، وزير الدفاع السابق بيبي غانتس، ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، ورئيس الوزراء الأسبق إيهود براك، وزعيمة حزب العمل ميراف ميخائيلي، ورئيس حركة جودة الحكم إلعاد شراكا، وأعضاء سابقين في الكنيست، وامتدت مطالب قادة المعارضة إلى دعوة الاتحاد العام لنقابات العمال (الهستدروت) للانضمام إلى التظاهرات بهدف تجنيد جبهة قوية وواسعة لمواجهة سياسات الحكومة الإسرائيلية.
- التعديلات القضائية سببًا رئيسًا للتظاهرات: تمثّل مقترحات وزير العدل ياريفليفين، للتعديلات القضائية دافعًا لتظاهرات واسعة يقودها معارضي حكومة نتنياهو، الذين يعتبرون بأن التعديلات القضائية تقيّد صلاحيات المراجعة القضائية لمحكمة العدل العليا، وتعزّز السيطرة السياسية على تعيين القضاة، وتنتهك الحقوق المدنية وحقوق الأقلياتمن خلال القضاء على صلاحية المحكمة العليا بإلغاء القوانين والقرارات الحكومية، وتمنح الأغلبية الحاكمة السيطرة على تعيين القضاة، مما يحدّ من إمكانية ممارسة القضاء لدوره في مواجهة سوء استخدام القيادة السياسية لسلطتها.
مظاهر عديدة:
للأزمة السياسية المتصاعدة في إسرائيل على خلفية التعديلات القانونية مظاهر عديدة، نجملها فيما يلي:
- الخشية من الإضراب العام والعصيان المدني المحتمل: مع اشتداد الأزمة السياسية والانقسام ما بين مؤيدٍ للتعديلات القانونية ومعارضٍ لها، تتصاعد دعوات قادة المعارضة ومسئولين إسرائيليين سابقين وأعضاء في الكنيست للإضراب العام والعصيان المدني بإغلاق المحال التجارية والشوارع والتظاهر اليومي المستمر في الميادين العامة، وإغلاق المتاجر ووقف الخدمات، وفق ما دعا إليه وزير الدفاع الأسبق، موشيه يعلون، وعضو البرلمان ونائب الوزير السابق للصناعة والتجارة، يائير جولان، احتجاجًا على سياسات حكومة نتنياهو. وبحسب “يعلون” فإن إسرائيل تشهد عصيانًا مدنيًا عمليًا، بدأ بتخلي عدد من ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي عن رتبهم العسكرية.
- التغطية الإعلامية الواسعة: حظيت المظاهرات بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الدولية، التي أرسلت مندوبيها ومراسليها إلى الميادين، وركز الإعلاميون خلالها على نقل الشعارات الأكثر انتشارًا واستخدامًا بين المتظاهرين “ديمقراطية ديمقراطية”، و”بيبي لا يريد الديمقراطية”، و”لسنا بحاجة إلى فاشيين في الكنيست”.ورغم تهديد الحكومة باستخدام العنف ضد من يتجرأ على رفع الأعلام الفلسطينية، فقد أبدى معظم المتظاهرين تساهلًا تجاه من رفعها، فيما هتف ثلاثمئة منهم ضد الاحتلال لاضطهاده الفلسطينيين ومعارضة الحكومة الإسرائيلية.
- التوتر بين المؤسستين التنفيذية والقضائية: ارتفع منسوب التوتر بين المؤسستين التنفيذية والقضائية في إسرائيل بشكلٍ واضح عقب الإعلان عن التعديلات القانونية وفق أظهره هجوم رئيسة المحكمة العليا، القاضية إيستر حايوت، على حكومة نتنياهو ومشروع التعديلات القانونية، التي وصفتها بـ “هجوم جامح على القضاء”. وقالت “حايوت” إن”المشروع الجديد لوزير العدل لا يهدف إلى تحسين النظام القضائي، بل إلى سحقه”. وانتقدت “حايوت” التغييرات المخطط لها على “لجنة الاختيار القضائية”، معتبرةً أنها تهدف إلى “تسييس كامل لتعيين القضاة في إسرائيل”، وذلك عن طريق التحكم في تشكيل لجنة انتخاب القضاة، بما في ذلك قضاة المحكمة العليا.
ومن جانب آخر، من المتوقع أن يتعاظم التوتر بين المؤسستين التنفيذية والقضائية بعدما أعلنت المحكمة العليا الإسرائيلية في 18/1/2023، أن “قرار رئيس الحكومةبتعيين رئيس حزب شاس، أرييه درعي، وزيرًا يتجاوز حدود المعقولية، وأن على نتنياهو نقله من منصبه”، وما قالته رئيسة المحكمة “حايوت” في قرارها: “درعي أُدين بمخالفات فساد خطيرة، وتعيينه يتجاوز حدود المعقولية بشكل واضح.. وعدم استخدام الصلاحية بنقله من منصبه هو قرار يتجاوز حدود المعقولية بشكل متطرف”.
تداعيات مختلفة:
تنطوي سياسات الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو على تداعيات قد تؤدي إلى استمرار التوتر وتغييب حالة الاستقرار لمدى غير معلوم بفعل المواقف المتعارضة بين الحكومة وقوى المعارضة الإسرائيلية، مع لجوء هذه الأخيرة إلى سياسة الرفض وقيادة حركة التظاهرات في الميادين العامة،والتي قد تتطور إلى عصيان مدني وإضراب شامل مثلما حذر أقطاب المعارضة على امتداد الشهور الأخيرة.
إن الذي يعزّز وجاهة هذا الرأي هو رفض “نتنياهو” لمطالب المعارضة بشأن التعديلات القانونية والقضائية التي تسببت في نشوب الأزمة السياسية في إسرائيل وعمقتها راهنًا، فضلًا عن أن الحكومة تضم وزراء يجعلون الأمر أكثر ترويعًا وتوترًا، ومن بين هؤلاء وزير القضاء ياريف ليفين، الذي يتبنى أجندة واضحة بشأن ضرورة إحداث تغييرات واسعة في منظومة القوانين الإسرائيلية، ويجاهر باللجوء إلى سن القوانين التي تتفق مع أجندة أحزاب الائتلاف الحكومي، وإلغاء القوانين التي تتعارض معها بصرف النظر عن مواقف أحزاب المعارضة وعموم المجتمع الإسرائيلي.
فإلى جانب السياسات الحكومية المتصلة بالبيئة الداخلية في إسرائيل، ثمة سياسات تتبناها الحكومة قد تتسبب هي الأخرى في تعميق الأزمة السياسية، وفق ما عبرت عنها الصفقات السياسية التي أبرمها “نتنياهو” مع “تيار الصهيونية الدينية” في المفاوضات التي أفضت إلى تشكيل الحكومة أخيرًا، أبرزها توسيع صلاحيات الوزراء الأكثر تطرفًا ويمينية في تاريخ إسرائيل من أمثال “بن غفير” و”سموتريتش” لترسيخ سياسات التهويد والتمييز العنصري وتوسيع الاستيطان وشرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وإلغاء آليات الحماية القانونية للفلسطينيين وفرض القوانين الإسرائيلية في مناطق عام 48، والأراضي المحتلة عام 67، وقبل هذا وبعده التنكر لحقوق الفلسطينيين ولاستحقاقات التسوية السياسية ومبدأ “حل الدولتين” الذي اختفى تمامًا من البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية كافة.
ترتفع معدلات التوقع بممارسة الحكومة الإسرائيلية لهذه الإجراءات عمليًا، تقابلها مواجهة فلسطينية مفتوحة- قد تتطور إلى انتفاضة ثالثة- امتدادًا للمواجهة التي انطلقت في الشهور الأخيرة في الضفة الغربية والعمليات في الأراضي المحتلة، ولم تستطع السلطات الإسرائيلية المحتلة وقفها أو وضع حدٍ لها، رغم أن إخماد العمليات في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة كانت في أولويات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وفي مقدمة اهتماماتها، ما يعمق التوتر ويعزز الأزمة السياسية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية.
خلاصة القول، قد تتسبب السياسات والإجراءات التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية إلى تعميق الأزمة الداخلية، وتكون الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل خلال الأسبوعين الأخيرين بداية لموجة احتجاجات واسعة لا تتوقف إلا بإسقاط حكومة نتنياهو وحلّها قبل انقضاء مدتها القانونية، رغم كل محاولات “نتنياهو” الحفاظ على الصيغة الائتلافية لحكومته، وبذلك ترتد إسرائيل إلى أزمة سياسية أكثر عمقًا عانت منها على امتداد السنوات الأربع الماضية، أو أن ينتهي التوتر باتفاق نهائي لتسوية الأزمات الداخلية بما ترتضيه قوى المعارضة في إسرائيل.