تحركات الإخوان بعد مأسسة الحوار الوطني المصري
في السابع من أغسطس الماضي أطلقت جماعة الإخوان وبعض العناصر الهاربة من التيارات المدنية خارج حدود الدولة المصرية، حواراً عبر منصة زوم، أطلقت عليه “الحوار الشعبي المصري حول العالم”، هدفت منه وفقاً للمراقبين إلى التشويش على الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أبريل الماضي، والذي انتهى حتى تاريخه بوضع أجندة عمله وإطارها التنظيمي بعد تشكيل لجانه الرئيسية والفرعية.
قراءة وتحليل “البيان الإحصائي” الذي أصدرته الأمانة العامة لحوار الجماعة الإرهابية وبعض العناصر الهاربة المصرية (الحوار الشعبي)، يشير إلى حرص الجماعة على استخدام المحاور الثلاثة التي حددها الحوار الوطني، لكن بمسميات مختلفة، وبطريقة عمل تقليدية عبر منصة زوم، تبدوا للعامة أنها أسرع في مناقشة القضايا المحددة على أجندة الحوار الوطني، محاولة-الجماعة- التأكيد في حديث المتحاورين على كشف السلبيات في أداء الاقتصاد المصري، ومعالجته بطريقة نمطية أشبه بالحوارات التليفزيونية في قنوات الدرجة الثالثة.
لكن الواضح من خلال ما تضمنه البيان الإحصائي الأول لـ “حوار الجماعة وأتباعها بالخارج”، أنها-أي الجماعة وأتباعها، في الوقت الذي تحاول فيه الانتقام من الحوار الوطني، الذي أكد على استبعادها منذ اللحظة الأولى من انطلاقه، تعطى إشارات بأنها في أضعف حالتها وأنها كانت تتمنى المشاركة، فقد قال الدكتور “حلمي الجزار” مسئول القسم السياسي بحوار الجماعة وعضو الهيئة العليا بجماعة الإخوان المسلمين، في تصريحات تلت صدور البيان الأول لما يعرف بـ “الحوار الشعبي المصري حول العالم” أن “المسار “السياسي الاجتماعي، يهدف إلى فتح المجال السياسي لكافة المصريين، من خلال المشاركة عبر الأحزاب والنقابات”، وهو ما يعني استمرارية الرغبة في المشاركة، والتأكيد والإعلان عن استمرار تأثيرهم في المشهد السياسي، كمحاولة للبحث عن دور بعد رفض النظام المصري مشاركتهم، الذي عولت عليه الجماعة كجسر للعودة إلي المشهد السياسي في مصر، ويمكن تأكيد ذلك، من خلال الرجوع إلى تكرار المحاولات الفاشلة من قبل الجماعة للعودة للمشهد، حيث اعتادت الجماعة الإرهابية منذ تسع سنوات علي إشاعة أنباء كاذبة لتفاوض النظام معها، بغرض رفع الروح المعنوية لدي أنصار الجماعة، مما يطرح الأسئلة حول؛ الهدف الذي تسعي الجماعة لتحقيقه هذه المرة من سجال ما يسمي الحوار الشعبي؟، وهل تنجح الجماعة الإرهابية من حصد أي فوائد تنظيمية أو سياسية من تلك المحاولة؟، وما أسباب تعاون بعض أعضاء اليسار المصري مع الجماعة الإرهابية؟، وما مدي شرعية هذا التعاون وهل يعد دعما للإرهاب وفقا للقانون؟.
محاولات بائسة:
لم تكن المرة الأولي التي تسعي فيها الجماعة للبحث عن سبيل للعودة للمشهد السياسي المصري ولن تكن الأخيرة، فقد حاولت الجماعة عدة مرات الترويج كذبا عبر إعلامها عن رغبة النظام المصري لعمل مصالحة معها، من خلال تقديم وسيط يدعي عرض بنود وشروط للمصالحة على أنها مبادرة شخصية منه، فتحاول الجماعة بذلك رسم صورة وهمية والترويج لها لدي أتباعها الذين فقد قطاع عريض منهم الثقة في التنظيم، خاصة بعد ارتفاع معدل الانشقاقات داخل التنظيم بعد الاتهامات التي تبادلها جبهتي إبراهيم منير ومحمود حسين. هذا بالإضافة إلي فقدان الشباب داخل التنظيم الثقة في القيادات التي دفعت بهم إلي العنف دون حصد أي مكاسب، مما أدي بأعداد كبيرة إلي اعتزال العمل التنظيمي للجماعة.
استكمالا لما سبق؛ تسعي الجماعة من مساعي ما يسمونه الحوار الشعبي إلي التأكيد علي تقديم نفسها للمجتمع الدولي،بأنها تيار معارض، من خلال الدعاية المباشرة عبر الفضائيات التابعة للتنظيم وقنوات اليوتيوب وصفحات تويتر، فضلا علي تغير السياسات التحريرية لبرامج التنظيم عبر فضائيتها أو عبر اليوتيوب عن طريق استبدال استضافة المحللين التابعين للإخوان بضيوف يلصق عليهم الطابع المدني، منهم شخصيات محسوبة علي التيار اليساري المصري، وذلك بهدف صناعة مشهد مزيف، وهو أن الجماعة أحد أذرع المعارضة المصرية، سعيا لتحسين صورة التنظيم، الذي ضيق عليه من أغلب الدول الأوربية التي احتضنت التنظيم الدولي عشرات السنوات، بالإضافة إلي فقد الجماعة ظهيرها الشعبي في أغلب الدول العربية التي سقطت الجماعة سياسيا بها.
استراتيجية مكررة:
تأسيسا على ما تقدم؛ يحاول التنظيم وفقا خطة متكاملة أن ينزع عن نفسه رداء كونه جماعة إرهابية، تتضح هذه الخطة من رصد مجمل محتواه الإعلامي الذي بدأ يستخدمه منذ انطلاق الحوار الوطني بالقاهرة، وهناك عدة شواهد تؤكد ذلك، هي كالتالي:
(*) تغيير استراتجية التعامل مع الإمام الطيب: حيث تلاحظ في الفترة الأخيرة أن جماعة الإخوان قامت بتغيير كبير في استراتيجيتها السابقة المهاجمة لشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، فبعد ما اعتادت الجماعة علي تشويه صورة الشيخ لعدة سنوات سابقة لمشاركته في بيان ٣ يوليو ٢٠١٣ لعزل الإخوان عن الحكم، فكانت الجماعة بناء علي موقف الطيب تصوره عبر قنواتها في صورة شيطانية يتساقط من حوله الدماء، بدلت الجماعة سياساتها العدائية ضده منذ أكثر من عامين إلي صيغة كلام يحمل التبجيل والتأييد والاحترام للشيخ، كمحاولة للاستفادة من شعبية الطيب في الشارع المصري، من أجل عكس صورة للجماعة، بأنها جماعة معارضة ومعتدلة، متجاهلين وصامتين عن المحتوي البحثي والإعلامي الذي يقدمه الأزهر للتوعية والتحذير من المنهج الفكري المتطرف للجماعة منذ نشأتها.
(*) استراتيجية تحسين الصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي: تحاول الجماعة منذ أكثر من عامين استهداف رواد السوشيال ميديا ببرامج ممولة ومكثفة لتلميع صورة الرموز التاريخية للإخوان، وتقديمهم باعتبارهم ضحايا وشهداء للأنظمة السياسية المتعاقبة كسيد قطب وزينب الغزالي، حتى وصل الأمر لتلميع صورة رموز الإرهاب العالمي خاصة المصريين كأيمن الظواهري.
(*) الالتصاق بقوى المعارضة ومحاولة تبني بعض مطالباهم: فقد سعت الجماعة ضمن خطة تغير سياساتها تقديم نفسها في مشهد واحد مع بعض أعضاء التيارات المعارضة الأخرى، سواء بالدفاع عن مطالبهم أو بعرض مساحات حوارية لهم عبر إعلام التنظيم المرئي والمقروء، على الرغم من تضاد أفكار وأهداف الجماعة مع تلك التيارات، وعدائها العنيف لهم واتهامهم بمعاداة الدين وتكفيرهم وقت وجود الجماعة في السلطة وعبر تاريخ الجماعة. يذكر أن جماعة الإخوان اعتمدت، منهج التحالف مع تيارات وأنظمة معادية لأيديولوجيتها لخدمة مصالحها بداية من تحالف مؤسس الجماعة حسن البنا مع الاحتلال البريطاني لمصر في عشرينيات القرن الماضي، مرورا بالتحالف مع الأمريكان وصولا للتحالف مع إيران. عليه؛ فإن استخدام اليسار لخدمة أهداف الجماعة مسألة برجماتية لها أصل في أدبيات التنظيم، حتى استطاع التنظيم الدولي للإخوان كسب ظهير يساري وليبرالي أوربي يدافع عن مصالحه ويعتبره تيار معارض.
حقائق كاذبة:
ما يعرف بالحقائق التي انتهى بها “البيان الإحصائي” الأول لـ “الحوار الشعبي المصري حول العالم”، تُوثق العلاقة بين بعض عناصر المعارضة الهاربة (بعض عناصر اليسار) وجماعة الإخوان، ورد فعلهما الواضح لـ مأسسة الحوار الوطني وتشكيله للجان عمله ومؤشرات جديته، حيث حرص البيان الأول لحوار الجماعة وبعض عناصر اليسار(الحوار الشعبي) على عرض عده عناصر في نهاية البيان وصفها بالحقائق، تؤكد أن للتقية والكذب قصة مع الإخوان، وهذه القصة مستمرة منذ عهد المؤسس حسن البنا إلى وقتنا هذا. فالحوار الشعبي الذي تبثه الجماعة عبر منصة زوم، ومحاولة عرضه لبيانات وأرقام مغلوطة تضمنها البيان الإحصائي الأول الصادر عن الأمانة الفنية لحوارهم، التي تشير إلى 155 يوماً عمل، 107 ساعة لـ 50 جلسة استماع، بالإضافة إلى أعمال تحضيرية ولقاءات تشاورية تجاوزت 18 اجتماعا لمجلس الأمناء- يشير إلى أن الإخوان لم يتخلَّ عن “تقيتهم”، حيث كذبوا وبرروا أن حوارهم لم يأت كرد فعل للحوار الوطني، وأن اشتباك بعض العناصر المدنية الهاربة معهم في حوارهم المزعوم، جاء من منطلق أنه يمثل تجمع من قوى المعرضة الوطنية.
ولتبرير ما سبق ذكره، فقد حاولت الجماعة في البيان الأول لحوراها، إفشال مقولة أن حوار الإخوان جاء كرد فعل للحوار الوطني، حيث قال “البيان الإحصائي الأول- الحوار الشعبي المصري للإخوان” أن “حوارهم” الحوار الشعبي المصري 2022، لم يكن رد فعل، أو حوارا موازيا أو متماهيا، مع ذلك الحوار “الوطني، باعتبار الدعوة الأخيرة للحوار الشعبي، لم تكن الأولى، بل كانت تجديداً لدعوة سابقة عام 2019، لما سمى “حوار المائة”. كما أن تشكل مجلس أمناء الحوار الشعبي-كما جاء بالبيان الإحصائي الأول- تضمن بعض عناصر اليسار الهاربة أو تيارات أخرى تقترب من موقف الجماعة من ثورة 30 يونيو.
تحالف مخالف:
أعلنت الحكومة المصرية في ديسمبر ٢٠١٣ تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وفقا لنص المادة ٨٦ من قانون العقوبات،جاء التصنيف عقب استهداف مبني مديرية امن الدقهلية حينها، بما يفيد تعرض من يروج بالقول أو الكتابة أو يدعم نشاط الجماعة أو التنظيم لعقوبات وفقا لهذا القانون.
عليه، يقع تحت طائلة القانون السابق ذكره كل من يتحالف أو يدعم التنظيم أو يروج لأفكاره أو مصالحه بالقول أو الكتابة، والجدير بالذكر أن كل من يقدم نفسه من الخارج باعتباره معارض من أتباع الجماعة مطلوب لتنفيذ أحكام داخل مصر، بالتالي الوضع القانوني لجماعة الإخوان واضح لا لبس فيه أمام جميع التيارات السياسية، فمن يتعاون بناء على ذلك مع جماعة الإخوان الإرهابية لا يعذر باعتباره جاهل أو يتجاهل الواقع والتاريخ والمستقبل.
بناء على ما تقدم؛ لن يستفيد أي تيار يتحالف مع الجماعة الإرهابية وفقا للحسابات القانونية والسياسية، فمن يراهن على الجماعة لحصد أي نوع من المكاسب خاسر دون أدني شك، بقراءة التاريخ، فجماعة الإخوان الإرهابية مارست العنف وقتلت أعداد لم يتم الإعلان عن إحصاؤها (للحفاظ على الروح المعنوية) من الجيش والشرطة والمدنيين من أبناء الشعب المصري، بعد إزاحتها عن الحكم وارتكبت جرائم لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ في الوحشية والإجرام، والسماح بعودتها الي المشهد خيانة لدماء الشهداء لن تسمح به القيادات السياسية والأمنية في مصر.
عليه؛ احتمالات عودة الجماعة للحياة السياسية معدومة في ظل الأجيال الحالية التي لا يزال على قيد الحياة أبناء وأمهات وزوجات الشهداء، وفي ظل نظام أمني كافح وقدم الشهداء من اجل تطهير البلاد من تلك التنظيم الإرهابي الخبيث.
تصفح أوراق التاريخ خير شاهد علي ما سبق بيانه، فالجماعة لم تعد بعد حلها في عصر الملكية بسبب جرائمها إلا مع ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ في ظل نظام سياسي جديد، وبعد أزمة الجماعة مع عبد الناصر بعد محاولة اغتياله لم تعد الجماعة للمشهد إلا في ظل نظام السادات، وبعد اغتيال السادات عزلت الجماعة من المشهد ولم تعد إلا في أعقاب نظام مبارك وفق موائمات أمنية متفق عليها ومحسوبة، إلي أن أظهرت الجماعة وجهها القبيح تزامنتا مع فترة الثورات العربية، وأظن أن الشعوب والأنظمة تعلمت الدرس!