كيف ترى جماعة الإخوان مشاركة حزب النور في الحوار الوطني؟

في نهاية مايو الماضي، بدأت جماعة الإخوان المسلمين، حملة شرسة لتشويه صورة حزب النور السلفي- أي منذ أن صرح يونس مخيون، رئيس مجلس شيوخ الحزب، في الـ 31 من مايو الماضي بأنه “إذا تعارضت مصلحة الوطن مع مصلحة الحزب نقدم مصلحة الوطن، لأن مصلحة الناس والوطن في المقام الأول”، وهو التصريح الأول لحزب النور رداً على دعوة الرئيس السيسي للحوار الوطني.

ورغم إدراك الجماعة، بأن عناصرها خارج نطاق دعوى الحوار الوطني، باعتبارهم ليسوا من القوي السياسية المصرية، بل جماعة مصنفة إرهابية بحكم قضائي- إلا أنهم وجدوا من هذا المشهد (تقديم الجهة المنظمة للحوار دعوة لحزب النور، في ظل الرفض الصريح لمشاركة “الإخوان” وكل من تلوثت أيديهم) فرصة لتشويه “النور”، وعليه تجدد الصراع بين الطرفين، وبدأت مرحلة جديدة من تبادل الاتهامات على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر  شاشات الجماعة الإرهابية التي تبث من لندن ودول أخرى. وعلى ما سبق، يبقى السؤال، وهو: لماذا نقمت جماعة الإخوان على حزب النور؟، وما المواقف والاتهامات التي يروج لها الإخوان لحزب النور؟، وما الهدف من وراء ذلك التشويه في هذا التوقيت؟.

صراع يتجدد:

يرجع تاريخ إطلاق جماعة الإخوان حملتها على حزب النور إلى الـ 3 من يوليو 2013، وهو تاريخ انضمام الحزب إلى تحالف خريطة الطريق التي أكدها بيان 3 يوليو، المحدد لمستقبل مصر بعد خلع الإخوان من حكم مصر، فحينها أدرك الإخوان أن حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية، قفز من مركبهم، وضمن لنفسه مساحة آمنة، وفقا لمجمل الأسباب التي جاءت بمحضر جلسة الدعوة السلفية حينها.

برصد وتحليل بعض الصفحات التابعة لبعض عناصر جماعة الإخوان، تلاحظ وصول مستوى التصعيد من الجماعة ضد حزب النور والدعوة السلفية إلى أعلى مستوياته، خاصة بعد قبول الحزب لدعوي المشاركة في الحوار الوطني، وتتمثل أهم ملامح عملية التشويه التي تقوم بها عناصر “الإخوان” ضد “النور” وأظهرتها صفحاتهم، فيما يلي:

(*) التفتيش في مواقف “رموز الحركة السلفية” قبل ثورة 30 يونيو وبعدها، وهنا يلاحظ اتفاق بين الصفحات الداعمة لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى صفحاتهم الرسمية على بث فيديوهات تكشف التضارب في مواقف عناصر الحركة السلفية، وذلك بهدف توسيع الفجوة بين قيادات الحركة وعناصرها من جيل الشباب، الذين يرفض بعضهم موقف الحركة من دولة 30 يونيو. وقد يكون المثال الواضح لتأكيد ما سبق، هو بث أحد عناصر الجماعة غير التنظيميين “فيديو” على موقع “يوتيوب”، عرض فيه تصريحات بعض قيادات الدعوي السلفية، منهم  “ياسر برهامي” يصف القوانين المصرية في أحد محاضراته، بأنها استحلال للمعاصي وكفر بواح وشرك بين (يناير ٢٠١٣)، وصف الحكام العرب بأنهم محاربين للإسلام(يناير٢٠١٣). وتضمن الفيديو نفسه إجابة لـ “برهامي” عن سؤال طرح عليه حول حكم قتل سوري سني من الجيش الحر لسوري سني مؤمن، قال فيه، وهنا الكلام للشيخ ياسر برهامي-حسب فيديو الجماعة، “إذا كان مقاتل أو معين علي القتال شرع قتله لأنه علي أدني الأحوال من الطائفة الممتنعة إن لم يكن مرتد وكافر”، وهنا يحاول العنصر الإخواني عبر “الفيديو”  التأكيد على أنه بعد مشاركة حزب النور في خريطة الطريق، لم يتحدث “برهامي” عن القوانين الكفرية وغيرها.

(*) محاولة التشكيك في مواقف حزب النور الداعمة لتصورات الدولة، وهنا تلاحظ تركيز بعض صفحات الجماعة وبعض البرامج التي تبث عبر فضائياتهم على استهداف الحزب، ومحاولة عزله عن الحركة السلفية، باعتباره أحد المدعوين في الحوار الوطني، وأحد الكتل البرلمانية في مجلس النواب التي تقترب كثيرا من سياسات الحكومة المصرية تجاه قضاياها الحالية. ويعد المثال الواضح لاستهداف الجماعة لحزب النور، هو ما انتشار فيديو تروج له الجماعة عبر صفحاتها منذ إعلان “النور” عن مشاركته في الحوار الوطني، يتضمن هتافات  للنائب أحمد خليل في عام 2013 أمام أحد الأجهزة السيادية تحتوى على كلمات مناهضة لسياسات الدولة في ذلك الوقت. ويعرض الفيديو نفسه موقف مضاد للنائب أثناء كلمة له بمجلس النواب في مايو ٢٠٢٢- أي بعد حادث استشهاد الجنود في سيناء، معقبا علي الحادث ومخاطباً شباب التيار الإسلامي، قائلاً –حسب الفيديو- إنه، أي الحادث ” بمثابة الصدام مع الدول، وتخريب للأنظمة..، ويؤكد أنه يناقش أفكار التيار الإسلامي في البرلمان.

من مجمل ما سبق؛ نستنتج “أولا”-، أن جماعة الإخوان لن تنس موقف حزب النور المناهض لهم وستستمر الجماعة بشكل غير رسمي (حتى يمكنها التنصل من وقت الحاجة) من خلال عناصر تابعين لها بالهجوم والتشويه والطعن في نيات حزب النور بغرض زعزعة الثقة فيه لدي أتباعه من جانب، ولدي النظام داخل مصر من جانب أخر، واثبات لأتباع الجماعة أن خيار العنف الذي انتهجته بعد ٣٠ يونيو كان الخيار الثوري الأفضل من وجهة نظر الجماعة. “ثانيا”-، تُعد المنطلقات الفكرية لكل الجماعات الأصولية واحدة، والاختلافات في طريقة التعامل مع الواقع للوصول لنفس الهدف، بناء عليه تختلف التصريحات والمواقف وفقا للمربع الذي تقف فيه كل جماعة ووفقا لتقديرات المصلحة المعتبرة لدي كلا منهم.

سياسات مذبذبة:

يصرح حزب النور ويؤكد أن وجوده علي الساحة السياسية بعد سقوط الإخوان منع تحويل الصراع السياسي إلي صراع ديني، وهذا الطرح غير دقيق حيث لم يستطع الحزب السيطرة علي بعض المنتمين للتيار السلفي، فقد تشكلت منهم مجموعات إرهابية قامت بعمليات نوعية بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بمساعدة ومشاركة عناصر إخوانية، سواء بالعمل تحت قيادة أو من خلال الذئاب المنفردة، هذه العمليات لم يسبق لها مثيل في العدد والتأثير عبر التاريخ، حيث استهدفت هذه العمليات الجيش والشرطة والكنائس، حتى وصل الأمر إلي إشعال النيران داخل بعض المنازل المؤيدة للنظام، فضلا عن سفر بعض أتباع التيار السلفي للانضمام لداعش والجيش الحر في سوريا، مثل محمود شعبان الذي يدافع عنه السلفيين والإخوان علي حد سواء.

إضافة لما سبق؛ يؤكد حزب النور دوما ًعلى تمسكه بثوابته ومنطلقاته الشرعية على عكس الحقيقة، فقد أكد الحزب في السابق على حرمة الاقتراض في حين لم نسمع ذلك الطرح في الفترات الأخيرة، على الرغم من أن دعاة السلفية يشغلون الفضاء الالكتروني بفتاوى حرمة القروض، وفوائد البنوك وشهادات الاستثمار، مما يخدم مصالح الإخوان في ضرب الاقتصاد الوطني من جانب، ومهد الطريق لظهور مجموعات من النصابين، الذين  يطلق عليهم بالمستريحين.

أخيرا؛ بقراءة وتحليل مجمل التصريحات والمواقف السابق ذكرها، نؤكد أن الجماعات التي تنسب نفسها للإسلام تبرر وتؤصل لمواقفها وفقا للمصلحة، وأن تؤمن عواقب وجودها في المجال العام دون ضوابط أمنية، قد يمثل خطر فادح علي المجتمع، فإن كان وجودها داخل المشهد السياسي ضرورة سياسية، فيجب ألا يتعدى النسبة المأمونة والرقابة اللازمة، ليس فقط من أجل تأمين المجتمع من خطر الإرهاب، بل الأهم تأمين المجتمع من خطر الترويج للفكر المتطرف، خاصة في ظل نقص الوعي الجمعي، وسرعة انتشار الأفكار بفعل سطوة الفضاء السيبراني على المجتمع.

 

 

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى