هل يحرص “الشرع” على البقاء الروسي في سوريا؟

شهد يناير الماضي أول زيارة لوفد رسمي روسي لسوريا منذ سقوط نظام ” بشار الأسد” وتولي الإدارة الجديدة بقيادة ” أحمد الشرع “ رئاسة الحكم الانتقالي للبلاد، في إشارة إلي المساعي الروسية للحفاظ علي مصالحها الإستراتيجية بسوريا وبالتبعية المنطقة بشكل عام، فمنذ سقوط نظام “ الأسد ” تعرضت المصالح الروسية بسوريا إلي جملة من التهديدات لاسيما فيما يتعلق بقواعدها العسكرية، بل وطبيعة الصراع الجيوسياسي بسوريا بين القوي الدولية المختلفة في الوقت الراهن، الأمر الذي يجعل النفوذ الروسي بسوريا يواجه جملة من التحديات، وبناءاً عليه يمكن طرح تساؤل: حول طبيعة مستقبل العلاقات السورية – الروسية في ظل الإدارة السورية الجديدة والصراع الجيوسياسي الحالي بالبلاد بين القوي الدولية؟
مشهد مُتناقض:
جاء المشهد السوري ما بعد نظام ” الأسد ” معبراً عن جملة من التناقضات فيما يتعلق باستمرارية وطبيعة مستقبل التواجد الروسي بالأراضي السورية في ظل الإدارة الجديدة، فمن ناحية قامت روسيا بسحب بعض قواتها وأصولها العسكرية من قاعدة “حميميم” الجوية بعد أيام من سقوط نظام الأسد في إشارة إلي إدراك روسيا بأن دورها قد يصبح ثانوياً بسوريا ما بعد “الأسد” وتراجع نفوذها هناك، وعلي الرغم من ذلك جاءت التصريحات الروسية مناقضة لهذا التحرك، ومعبرة عن رغبة روسيا بالبقاء داخل الأراضي السورية كما جاء علي لسان وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” قوله “لن نغادر الشرق الأوسط” ومشدداً على استمرار التواصل مع القيادة السورية الجديدة، وإبداء بوادر للتعاون معها، والتي تجلت علي وجه الخصوص في الزيارة الأخيرة للوفد الروسي لسوريا.
من ناحية أخري جاءت تصريحات الإدارة السورية الجديدة علي لسان “أحمد الشرع” بأن “سوريا لن تستطيع الانفكاك السريع عن روسيا لتمتعهما بعلاقات إستراتيجية قديمة”، فقد قال “الشرع” إن “حكومته التي تشكلت حديثاً ليست في وضع يسمح لها بمعارضة القوي الكبرى”، إلي جانب وصفه لروسيا “بالدولة المهمة وثاني أقوي دولة في العالم، وأن دمشق لا ترغب بمغادرة موسكو بالطريقة التي يتمناها البعض“.
كما أن عدم استهداف القواعد العسكرية الروسية حتي الآن من قبل الإدارة الجديدة، يعتبره بعض المحللين دليل علي حسن نوايا هذه الإدارة، وأن علاقتها مع موسكو ستكون قائمة علي المصالح المشتركة. وعلي الجانب الآخر عبرّت صحيفة “نيويورك تايمز” بالقول إن “المحادثات السورية – الروسية في الزيارة الأخيرة للوفد الروسي قد انتهت بدون حل” ، ولكنها “بداية مفاوضات مطولة محتملة حول الدور الذي قد تلعبه روسيا في سوريا ما بعد نظام الأسد”، كما طلب “الشرع” من الروس “تقديم تنازلات وتعويضاً عن الدمار الذي أحدثته روسيا”. هذه المعطيات جميعها تجعلنا أمام أكثر من سيناريو لمستقبل وطبيعة التواجد الروسي بسوريا خلال المرحلة المقبلة.
سيناريوهان محتملان:
المشهد الحالي حول استمرارية التموضع الروسي وطبيعة المرحلة المقبلة من العلاقات الروسية– السورية ومآلات الصراع الجيوسياسي بسوريا ينحصر في سيناريوهين هما:
(*) السيناريو الأول:- استمرار التواجد الروسي بسوريا، ما يدعم هذا السيناريو، هو أن النظام السوري قد يرغب في إبقاء التواجد الروسي الجزئي، وذلك للحفاظ علي الاتصال الخارجي والمناورة بين القوي المختلفة، بالإضافة إلى أن الأتراك قد لا يدعمون الانسحاب الروسي الكامل، وهذا للاحتفاظ بجانب من المناورة ضد الغرب والولايات المتحدة. كما أن روسيا قد تقبل بوجود رمزي في سوريا والعمل علي إعادة تقييم تموضعها وليس الانسحاب الكامل، فالتواجد الروسي لن يكون تواجد إلا للمصالح المشتركة وليس تواجد عسكري كاكتساب خبرات وتعليم وتدريب المقاتلين والطيارين السوريين وحماية المصالح الروسية في المنطقة. هذا بالإضافة إلى أن روسيا قد تلعب دور مهم في إعادة الإعمار لا تستطيع أوروبا وتركيا تنفيذه منفردين، وبالتالي سيكون لروسيا دور محوري في ذلك، فقد زودت روسيا الجيش السوري بالأسلحة لعقود ووفرت الخبراء الذين يديرون محطات الطاقة، وبناءاً عليه يري محللون أن دمشق قد تحتاج إلي روسيا بصورة ضرورية في المستقبل.
(*) السيناريو الثاني،- يفترض تقليص النفوذ الروسي واحتمالية الانسحاب، ويدعم هذا السيناريو، هو محاولة الشرع ترسيخ شرعيته بين الشعب السوري والمجموعات السورية المختلفة، فالوجود الروسي في سوريا يواجه رفضاً واسعاً علي المستوي الشعبي، الأمر الذي من شأنه أن يقوض التوصل إلي اتفاق مع الجانب الروسي، الذي حارب ضد السوريين لسنوات ما قد يجعل تأخير الالتزام تجاه موسكو أمراً منطقياً. هذا بالإضافة إلى محاولة القوي الغربية بما في ذلك الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو التقرب من القيادة السورية الجديدة بعروض اقتصادية ووعود برفع العقوبات حتي تبدء سوريا في التعافي الاقتصادي والوصول إلي المساعدات الدولية وكذلك إزالة مسؤولي الإدارة السورية الجديدة من قوائم الإرهاب بشرط قيام الإدارة الجديدة بتقليص النفوذ الروسي والحد منه بسوريا.
وقد بدت بعض مظاهر تعنت الإدارة السورية الجديدة كدلالة واضحة علي عدم رغبة سوريا في التواجد الروسي بالبلاد بعد تعرض سفينتان روسيتان في ميناء طرطوس السورية للبقاء واقفتان قبالة السواحل السورية في إنتظار الإذن بالرسو في الميناء لإخراج المعدات العسكرية علي مدار أسابيع . وكذلك قيام مدير جمارك طرطوس”رياض جودي”بإلغاء العمل بالإتفاق المبرم مع شركة روسية بشأن إدارة مرفأ طرطوس ما أثار جدلاً حول المغزى السياسي للخطوة، ومستوى تأثيرها على المشروعات الأخرى التي أُبرمت إتفاقيات بشأنها خلال عهد “بشار الأسد ” مع شركات روسية.
كذلك التعنت الروسي وعدم الموافقة علي تسليم “بشارالأسد” إلي الإدارة السورية الجديدة تحت حجة أنه لاجيء إنساني لديها، ففي مقابلة لصحيفة “واشنطن بوست” ذكر فيها وزير الدفاع السوري “مرهف أبو قصرة”، “أن وعلي الرغم من تأكيده علي أن لا يوجد أعداء دائمون وأن سوريا منفتحة علي السماح لروسيا بالإحتفاظ بقواعدها الجوية والبحرية علي طول الساحل السوري طالما أن أي إتفاق مع روسيا يخدم مصالح البلاد ويحقق المكاسب، إلا أن الإدارة الجديدة قدمت بالفعل الشروط التي قد تبقي بموجبها القواعد الروسية وتشمل تسليم الرئيس المعزول “بشارالأسد” ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالشعب السوري خلال حكمه قبل أن يفر من البلاد بدعم روسي” ، وعلي الرغم من ذلك أضافت صحيفة ” news.az“ الأذرية أن هذه المطالب غير مقبولة بطبيعتها بالنسبة لموسكو ومن غير المرجح أن تسلم روسيا بشارالأسد طواعية لخصومه وهي تعلم أن مصيره محتوماً وبالتالي قد تخسر روسيا قواعدها العسكرية في سوريا .
وختاماً، يبدو المشهد السوري والصراع الجيوسياسي هناك ضبابياً، خاصة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين روسيا والإدارة السورية الجديدة في ظل جملة من التحديات وتعارض المصالح بين مختلف الأطراف الموجودة بالساحة السورية، وعليه يبقي مستقبل العلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة مرهوناً بمدي قدرة الحكومة الجديدة علي تحقيق توازن بين المصالح الوطنية والتفاهمات الدولية لمختلف القوي علي الساحة السورية بما يضمن تأمين إحتياجات إعادة الإعمار ودون المساس بسيادة الدولة السورية وشعبها.