تحولات دائمة: حدود التشابك بين التنظيمات المسلحة في كشمير

جاء الهجوم الأخير علي كشمير الهندية في إبريل 2025 من قبل إحدى الجماعات المسلحة، ليؤكد علي عدد دلائل ويشير لمجموعة من التحولات الرئيسية في طبيعة وسلوك هذه الجماعات، التي كانت تمر بتحولات مستمرة تمثلت في بعض الأحيان، بإعادة بعضها تسمية نفسها وفي أحياناً أخري انشقت بعض عناصرها عن الجماعة الأصلية، وانقسمت إلي جماعات أصغر بتسميات أخري مختلفة.
تأسيساً علي ما سبق يحاول هذا التحليل قراءة التحولات التي شهدتها الجماعات المسلحة بكشمير.
بيئة خصبة:
فمنذ تقسيم الهند وإنشاء باكستان في عام 1947 ومطالبة كلاً منهما بسيادته الكاملة علي إقليم كشمير ذو الأغلبية المسلمة، خاض البلدان حروباً من أجل تحقيق هذا الهدف، وفي ظل تلك التوترات والأحداث الدامية بين البلدين مثل إقليم “كشمير” بيئة خصبة لظهور وتنامي العديد من الجماعات المسلحة والتي انتهجت أسلوب المقاومة المسلحة بهدف التخلص مما تعده الاحتلال الهندي لكشمير والسعي نحو الانضمام إلي باكستان.
عوامل محفزة:
يبدو من الهجوم الأخير علي إقليم كشمير أن هذه الجماعات المسلحة، تستعد للعودة من جديد والسعي نحو التنامي والانتشار بطريقة أوسع، خاصة في ظل الغياب عن أي تنسيق استخباراتي حقيقي بين الهند وباكستان، فرأي محللون أن هذه الجماعات قد ظهرت بوجه أكثر عنفا وباستراتيجيات أكثر مرونة، ففوضي الحدود بين باكستان وأفغانستان علي سبيل المثال وحالة الفراغ الأمني بالمناطق الحدودية، قد يُسهل لها التسلل عبرها إلي كشمير والاستفادة من تعدد الجبهات والتغلغل داخل المجتمعات. عليه، قد تسمح هذه الأحداث والفوضى الأمنية للتصعيد وزيادة حجم الصراعات الطائفية والسياسية بتلك المنطقة بتوسع نفوذ الجماعات المسلحة وتجنيدها لعناصر جديدة تحت مسمي التحرير ونصرة المسلمين في كشمير علي اعتبار أنها الحامي والمُنقذ الوحيد للمسلمين في ظل تقاعس الدولة في حماية حقوقهم الإنسانية والدينية وانتهاج العنف ضدهم. فقد تزايدت في الآونة الأخيرة الدعاوي والانتقادات التي توجه إلي السلطات الهندية كاتهام زعيم حركة “كشمير العالمية من أجل الحرية” بارتكاب تلك السلطات ما أطلق عليه ” إبادة ثقافية كاملة ” تستهدف الهوية الإسلامية والنسيج الاجتماعي بحق مسلمي الإقليم وأنها تعتمد علي ” القمع الممنهج والتطهير الثقافي ” ضد هؤلاء .
مؤشرات ودلائل:
إن أحداث إبريل الماضي والتي كانت شرارتها الهجوم الذي أعلنت مسؤوليتها عنه جبهة المقاومة “TRF” التي تأسست في عام 2019 بعد إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، يمكن التوصل من خلالها إلي عدة مؤشرات ودلائل لحجم التحولات الرئيسية الحالية في هذه الجماعات المسلحة وحجم المخاطر التي قد توجهها لأمن واستقرار كشمير ، التي يمكن توضيحها كالتالي:
(*) عند تتبع حجم الاستهداف وطبيعة الفئة المستهدفة من قبل جبهة المقاومة “TRF” نجد أنه قد مر ذلك بعدة تغيُرات، حيث تأسست الجماعة في بدايتها ككياناً افتراضيا علي شبكة الإنترنت لهدف جذب السكان المحللين للانضمام إليها ومناهضة الحكومة، وبعد 6 أشهر من هذا النشاط الافتراضي تطورت تلك الجماعة وتحولت إلي كيان ميداني ضم عدداً من المقاتلين وبدأت بتنفيذ بعض الهجمات، ففي العام 2020 قد بدأت الجماعة بتحمل مسؤولية هجمات صغيرة وعمليات قتل مستهدفة لأفراد وتألفت عناصرها من مقاتلين ينتمون إلي مجموعات متمردة منشقة فنمت الجماعة حينها نتيجة لذلك، وبحلول عام 2022 زاد استخدام الأسلحة الصغيرة من قبل أعضاء الجماعة مثل المسدسات لتنفيذ عمليات قتل مستهدفة واستهداف أفراد أمن متقاعدين وأشخاص متهمين بالتجسس، ثم تطور حجم الاستهداف من قبل الجماعة، ففي سبتمبر 2023 كانت الجماعة طرف في اشتباك عنيف بمنطقة ” أنانتناغ ” والذي وُصف آنذاك بأنه أحد أكثر المعارك الدموية التي شهدتها كشمير في ذلك العام، ثم تغيرت طبيعة الفئة التي استهدفتها هجمات الجماعة ففي يونيو 2024 أعلنت الحركة مسؤوليتها عن هجوم علي حافلة نقل حجاجاً هندوساً ما أدي إلي مقتل العديد من الأشخاص وإصابة البعض الآخر منهم ما يشير إلى تحول وجهتهم من الاكتفاء باستهداف أفراد أمن وأشخاص متهمين بالتجسس إلي الاستهداف الطائفي، الأمر الذي تكرر حدوثه في هجمات إبريل 2025 والتي أخذت بعداً طائفياً أيضاً، فقد قام أفراد الجماعة بفحص هوية ضحايا الهجوم بناءاً علي الدين، والذي رأي محللون أن الهدف هنا كان مزدوج، حيث إثارة الخوف وتكريس صورة الصراع الديني في كشمير الأمر الذي قد ينذر بحدوث المزيد من التغيرات ومن ثم زيادة نشاط تلك الجماعة وغيرها من الجماعات.
(*) اعتماد الجماعات المسلحة علي استراتيجية ” الصدمة الإعلامية ” و”الحرب النفسية ” لتحقيق أهدافها، فرأي محللون أن استهداف سياح من عدة دول مختلفة كنيبال والإمارات سيُدول الحادث ويُسلط الضوء العالمي عليه، كما أن اختيار توقيت الهجوم خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي “جيه دي فانس” الهند أكد علي سعي جبهة المقاومة لتدويل الهجوم والتأثير على الرأي العام الدولي ، فكل هذا يشير إلي أن الجماعات المسلحة بكشمير لم تعد تعتمد فقط علي السلاح والكمائن لتحقيق أهدافها ولكنها تستخدم أيضاً الأداة الإعلامية فمع كل تصعيد في كشمير تُطلق الجماعات العديد من الرسائل الدعائية الموجهة مُستخدمة مشاهد القصف للضحايا ومشاهد العنف ضد مسلمي الإقليم حتي تستقطب بها عناصر جديدة ، وهي تستخدم في ذلك بعض الوسائل الحديثة كالتليجرام وسيجنال وأحياناً الإنترنت المظلم فلا رقابة ولا تعقب ، فالتأطير العاطفي – الديني للأحداث يمنحها شرعية ويعززمن صورتها كفاعل بديل عن الدولة .
(*) إن استهداف الجماعات المسلحة لمنطقة سياحية “بهلغام” لا تعد هدف أمني تقليدي يشير إلى نقل ساحة المواجهة من المناطق الحدودية حيث الفراغ الأمني إلي مناطق مدنية رخوة ومن ثم التحول في قواعد الاشتباك بين أفراد تلك الجماعات والقوات الهندية ، كما سيؤدي إلي المزيد من عسكرة الإقليم خصوصاً في المناطق السياحية وفرض تدابير أمنية مُشددة ما سيؤدي إلي تعقيد العلاقة بين السكان المحليين والدولة الهندية ما سيزيد بطبيعة الحال من توجه بعض الفئات للتطرف أو الانخراط في حركات احتجاجية، فيزداد بذلك معدل التطرف داخل الإقليم عن طريق زيادة حجم استقطاب الجماعات المسلحة لسكانه.
في النهاية، يمكن القول إن إقليم كشمير، مازال يمثل أرضاً خصبة لنشأة الجماعات المسلحة ونموها، فالتوترات المستمرة والصراعات دائما ما تتغذي عليها تلك الجماعات وتستغلها لتحقيق أهدافها وتغلغلها أكثر بالمجتمعات، وبالنظر إلي تلك المؤشرات والدلائل بعد هجوم كشمير الأخير وتتبع مسار تلك الجماعات وتطوره بشكل مستمر، نجد أننا في صدد المزيد من الهجمات والعمليات الإرهابية بالإقليم خلال الفترة المقبلة.