انعكاسات زيارة “الأسد” لـ “الإمارات” على عودة سوريا للجامعة العربية
في الـ 18 من مارس الجاري، قام الرئيس السوري “بشار الأسد” بزيارة لدولة الإمارات، تُعد الأولى منذ اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011. ويطرح توقيت الزيارة المفاجئ زمنياً وليس ترتيبياً، العديد من التساؤلات حول توقيتها وعلاقتها بمناقشات عودة سوريا للجامعة العربية، خاصة وأن تلك الزيارة سبقها قيام دولة الإمارات بفتح سفارتها بدمشق في ديسمبر 2018-أي بعد سبع سنوات من الإغلاق، وبعدها في نوفمبر 2021 زار وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد العاصمة السورية، هذا إلى جانب تأجيل انعقاد القمة العربية الـ 31 المقررة بالجزائر إلى شهر نوفمبر 2022.
وبالتالي، يسعى هذا التحليل الذي يناقش زيارة الرئيس بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي التقى خلالها مع ولي العهد الإماراتي “الشيخ محمد بين زايد آل نهيان”، والتقى أيضًا بنائب رئيس الدولة حاكم دبي “الشيخ محمد بن راشد”- إلى بحث دلالات وانعكاسات وأهداف زيارة الأسد لدولة الإمارات، التي أتت بالتزامن مع توقيت الذكرى الحادية عشرة للأحداث الثورية.
دلالات الزيارة:
لم تكن زيارة “الأسد” للإمارات العربية المتحدة أول اتصال بين البلدين على المستوى الرفيع بعد انقطاع، بل تشير التقارير إلى أنه قد سبقتها زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق في نوفمبر الماضي، والتي التقى خلالها بـ “بشار”، وقد مثلت هذه الخطوة عودة رسمية للعلاقات بعد إعادة فتح السفارة الإماراتية بدمشق 2018، وتم التأكيد مسبقًا بعد هذه الزيارة على أن الرئيس السوري “بشار الأسد” سيقوم بزيارته لـ “أبو ظبي” فيما بعد، ولكن لم بتم ذكر موعد محدد في ذلك الحين.
ويبدو أن دمشق قد بدأت بالسير في خطوات استثنائية مختلفة، في سبيل التوصل لحلول لتلك الأزمة، وتحمل هذه الزيارة العديد من الرسائل والدلالات والأبعاد، التي يمكن تعديد بعضها على النحو التالي:
(*) إدراك بشار ضرورة كسر حالة العزلة: يتضح أن “الأسد” قد بات يدرك أن حالة العزلة التي فرضتها عليه الولايات المتحدة والغرب، وأثرها على دمشق من جميع النواحي وبالأخص اقتصاديًا، نتيجة “قانون قيصر”، كما يبقى أيضًا مقعد الجمهورية العربية السورية شاغرًا منذ قرار تجميد عضويتها، في نوفمبر 2011 وحتى الآن، فبقيت سوريا معزولة عن العالم وحتى عن الدول العربية، إلى أن تم إجراء العديد من اللقاءات على مستوى رفيع العام الماضي، لاسيما لقاء وزير الخارجية السوري “فيصل المقداد” بنظيره المصري “سامح شكري” على هامش اجتماع الجمعية العامة لدى الأمم المتحدة العام الماضي 2021.
(*) تقدير القيادة السورية لأهمية الدور الإماراتي: تترأس في الوقت الحالي الإمارات العربية مجلس الأمن الدولي، لشهر مارس الجاري، بالإضافة لإدراك “الأسد” دور الإمارات الرائد وجهودها لتعزيز ودعم التضامن العربي، بما قد يشجع العديد من الدول العربية التي تثق في قدرات وحكمة القيادة الإماراتية على عودة العلاقات مع دمشق، وفتح أبوابهم للحكومة السورية، وذلك يؤكد نقطة مهمة وفارقة للدبلوماسية الإماراتية في المنطقة.
(*) حاجة دمشق للدعم الإماراتي على المستويين السياسي والاقتصادي: تحتاج الحكومة السورية للأصوات العربية بشكل كبير على أمل أن تتم ممارسة بعض الضغوط لرفع العقوبات الدولية عنها، أو على الأقل تخفيفها، والتي كانت قد تم فرضها لمعاقبة المسئولين السوريين والمنظمات المسئولة عن انتهاكات حقوقية عديدة، كما تأمل الحكومة السورية في الحصول على الدعم الدولي لإعادة الإعمار بالبلاد، وفتح الأسواق مع الدول العربية، وذلك ما لا تتقبله “واشنطن” دون تحقيق التسوية السياسية السلمية بسوريا بشكل حقيقي، حيث قال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في نهاية الزيارة أمس، إنها-أي الزيارة “ستكون فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا والمنطقة”، وهو ما يؤكد حرص الإمارات على دعمها المستقبلي لسوريا .
(*) ترسيخ الإمارات لجهودها في التوصل للحل السياسي للأزمة السورية: كانت “أبو ظبي” تسعى لحلحلة الملف السوري منذ عدة سنوات، فكانت أول دولة تقوم بإعادة فتح سفارتها بدمشق عام 2018، كما كانت الإمارات هي أول دولة عربية تحاول طرح فكرة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لذلك يحمل توقيت زيارة الأسد للإمارات مغزى بأن سوريا تتوق لأن تشغل مقعدها بالحاضنة العربية في لقاء القمة العربية بالجزائر نوفمبر القادم 2022، بعد أن تم تعليق عضويتها فى نوفمبر 2011، ويعكس ذلك إستراتيجية “أبو ظبي” الرامية لتقليل حدة التوتر السياسي بالمنطقة في سبيل الاقتصاد، كما تسعى الإمارات بهذه الخطوة لاتخاذ دور عربي لا يخضع لضغوطات دولية، لاسيما الضغوط الأمريكية، وهو ما قد يشير إلى ارتباط وثيق بين توقيت الزيارة والتداعيات الراهنة والمستقبلية للحرب الروسية والأوكرانية.
مواقف عديدة:
بغض النظر عن ما هو مُعلن أو حتى ما هو غير معلن من أهداف القيادة السورية الحقيقية وراء هذه الزيارة، فإن ثمة انعكاسات عدة قد تحقق أهداف تخدم الحكومة السورية في تحقيق تقدم ملموس لها، الأمر الذي بالكاد يثير اعتراض العديد من الأطراف في الملف السوري، ومن بين مواقف هذه الأطراف:
(&) الموقف الأمريكي: أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس” رفض الولايات المتحدة لتلك الزيارة، وأن واشنطن لن تقوم برفع العقوبات عن الحكومة السورية، ولا تؤيد بالتالي أي جهود لإعادة الإعمار في سوريا قبل التوصل لحل سياسي حقيقي، والذي لم يتحقق حتى الآن خلال الجولات المتكررة التي تبوء بالفشل دون أي تقدم ملموس، بين ممثلي الحكومة السورية وممثلي المعارضة.
(&) الموقف الأوروبي: كان من الطبيعي للدول الحليفة التقليدية لـ “واشنطن”، لاسيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا أن تكون رافضة للتطبيع مع “الأسد”، وقد أكدت هذه الدول في بيان مشترك مع الولايات المتحدة إحياءً لذكرى مرور 11 عام على الثورة السورية، يتضمن عدم دعمها للتطبيع مع “الأسد”.
(&) مواقف الدول العربية: يؤخذ بالاعتبار ما أعلنه الأمين العام للجامعة العربية عن أنه لم تتم مناقشة عودة سوريا للجامعة، ولكن هناك محاولات مستمرة واتصالات بين الأطراف العربية حول ذلك، ولا يمكن تصور ذلك الدور الإماراتي والأردني مؤخرًا أيضًا، لإعادة سوريا عربيًا ودوليًا أيضًا، دون وجود تنسيق مع الدول العربية الكبرى، لاسيما القاهرة والرياض، وقد حرصت كل من مصر والسعودية والإمارات والأردن على دعم عودة سوريا للحل السياسي، كما أشار وزير الخارجية المصري “سامح شكري” إلى تطلع مصر لاتخاذ الحكومة السورية ما يسهل عودتها للجامعة العربية من إجراءات، وأنه سيستمر في التواصل مع الدول العربية الشقيقة للتوصل إلى ذلك، فسوف تكون عودة سوريا عنصرا يدعم الأمن العربي.
سيناريو العودة:
عودة سوريا للجامعة العربية قد تؤدي بشكل كبير إلى إعادة التوازن، إضافًة إلى استعادة دور الجامعة الفعال في العديد من القضايا، ولكن يبقى تصريح الأمين العام للجامعة “أحمد أبو الغيط” مؤكدًا أنه لم يحن الوقت بعد لذلك، وأنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى التوافق العام بين الأعضاء حول عودة الجمهورية السورية لحاضنتها العربية، ولكن يستمر توافر الجهود لدول عربية تسعى لإعادتها، لاسيما العراق والجزائر والأردن، حسب ما أعلنه “أبو الغيط”.
تأسيسًا على ما سبق، فإن هذه الخطوة الإماراتية الاستثنائية، لاستقبال الرئيس السوري وتحديدًا في ذلك التوقيت المتزامن مع ذكرى اندلاع الأزمة السورية عام 2011، والمشاورات حول عودة دمشق للجامعة العربية، قد تتبعها خطوات مماثلة من دول عربية أخرى تقدر الرؤية الإماراتية في ذلك، بما يدعم آفاق التعاون العربي مع دمشق في الفترة المقبلة.
وفي النهاية، يبقى احتمال عودة دمشق إلى الجامعة العربية واردًا، وتتوافر حوله العديد من المؤشرات، إلا أن موعد ذلك غير واضح حتى الآن، وهذه الزيارة قد توفر بشكل فعلي إمكان فتح أبواب الدول العربية لعودة سوريا إلى الحضن العربي في المرحلة المقبلة، وحضورا للعرب في الأزمة السورية، لاسيما توفير المساعدة في ظل تجديد ظهور خلايا تنظيم الدولة الإرهابي “داعش” في سوريا مؤخرًا.