فشل الجولة السابعة: سيناريو القبول بـ «عالم بلا اتفاق نووي»
تُعد جولة المفاوضات السابعة، والتي تُعد الجولة الأولى في هذه المباحثات التي أنطلقت منذ ابريل 2021 ، بعد تولي الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي، منصبه في أغسطس 2021، محطة مهمة في قياس مصير هذه المحادثات والمباحات النووية الإيرانية، فمع تغير الوفد التفاوضي الايراني، كانت هناك توقعات متباينة حول السلوك التفاوضي للوفد الجديد ومدى التزامه بما تم التوصل إليه في الجولات السابقة.
من هذا السياق، يسعى هذا التحليل لقراءة مستقبل ما هو قادم في الملف النووي، وهل بالفعل سيناريو عالم بلا اتفاق نووي مطروح ويمكن القبول به ، أمريكيا وغربيا وإقليمياً؟
فشل الجولة السابعة:
مع فشل هذه الجولة وإعلان مسؤول أميركي رفيع في الخارجية أن بلاده تستعد لعالم بلا اتفاق نووي، حيث تتراجع الآمال المحيطة بالمحادثات النووية، خاصةً بعد أن جاء الوفد الإيراني في مفاوضاته الأخيرة، بمقترحات مثلت تراجعاً عن أي شيء، وعن أي حلول وسط عرضتها إيران في الجولات الست السابقة من المحادثات، وصادر جميع الحلول الوسط التي قدمها الآخرون والولايات المتحدة بشكل خاص، وتعد الجولة السابعة من المحادثات في فيينا هي الأولى مع المندوبين الذين أوفدهم الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي، في ظل توقف المحادثات خمسة أشهر، مما زاد الشكوك بين المسؤولين الأميركيين والأوروبيين حول أن إيران تسعى لكسب الوقت بينما تحقق تقدماً نووياً، فقد أقترح الوفد الإيراني تغييرات جذرية على نص اتفاق تم التفاوض بشأنه في الجولات السابقة، ورفض المسؤولون الأوروبيون إجراء التعديلات المقترحة على نص تمت صياغته مسبقاً، وقالوا إنه تم الانتهاء منه بنسبة تتراوح بين 70% و80%، فقد صرح نائب وزير الخارجية ورئيس وفد التفاوض الإيراني “علي باقري كني”، في أنه يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ الخطوة الأولى برفع جميع العقوبات المفروضة على إيران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق في 2018، بما في ذلك تلك التي لا علاقة لها بالأنشطة النووية لطهران، فيما شدد رئيس مكتب الرئيس الايراني “غلام حسين إسماعيلي” على أن بلاده “جادة تماما” في المحادثات الرامية لاستعادة الاتفاق النووي مع القوى العالمية، بحسب ما نقلت قناة العالم، وأكد أن الهدف النهائي لبلاده في المفاوضات هو “إلغاء كل إجراءات الحظر”، على الجانب الأخر، تعكس تصريحات المسؤولين الإيرانيين ذلك، فقد صرح “رسول موسوي”، مساعد وزير الخارجية، بحسب ما نقلت وكالة “إيسنا”: “مشكلتنا في الوفد المفاوض بفيينا أننا لا نستطيع حالياً الإفصاح عما نريده، لأن الآخرين سيكشفون حينها نوايانا”، في إشارة ربما إلى احتمال اتخاذ الغرب خطوات مضادة، كما اعتبر أن “العودة إلى الاتفاق النووي دون ضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة مرة أخرى منه، سيجعل الوضع الإيراني أسوأ مما هو عليه الآن”.
خطوات إيرانية موازية:
تواصل إيران تسريع برنامجها النووي”، بينما تزعم مواصلة التفاوض بحسن نية وإيجابية، وذلك بعد انتهاء الجولة السابعة من المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران التي انطلقت في (29 نوفمبر 2021) وتوقفت يوم الجمعة (3 ديسمبر 2021)، على أن تستأنف في موعد لاحق، إلا أن الأجواء التي انتهت بها تلك الجولة، لم تكن مبشرة، فقد تراجعت طهران عن كل الحلول الوسطى التي قدمتها في المحادثات السابقة التي استهدفت إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وهو ما يشكك في أن تكون طهران مستعدة للتفاوض الجاد بالفعل، خاصة بعد أن عبر مسؤولون أوروبيون عن فزعهم من كم المطالب التي تقدمت بها الحكومة الإيرانية الجديدة المتشددة، حيث أن فريق التفاوض الإيراني في محادثات فيينا يتمتع “بكامل الصلاحيات”.
توجهات أمريكية مرنة
تخلت إدارة “بايدن” عن بعض العقوبات المفروضة على إيران وسمحت للنظام الإيراني ببيع الكهرباء للعراق، وذلك وفقًا لإخطار حصلت عليه صحيفة “واشنطن فري بيكون” Washington Free Beacon ” والذي تم تقديمه إلى الكونغرس في نفس الوقت الذي استؤنفت فيه المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وطهران، وأثار توقيت إخطار التنازل -الذي تم التوقيع عليه في 19 نوفمبر ولكن لم يتم إرساله إلى الكونغرس حتى 29 نوفمبر، وهو اليوم الذي استؤنفت فيه المفاوضات النووية في فيينا- اتهامات بأن إدارة جو بايدن تقدم تنازلات لطهران لإظهار النوايا الحسنة، حيث تهدف المحادثات إلى تأمين نسخة جديدة من الاتفاق النووي لعام 2015، ويمنح الإعفاء من العقوبات إيران 120 يومًا أخرى لبيع الكهرباء للعراق دون مواجهة عقوبات، وهو الترتيب الذي حقق دخلاً للنظام الإيراني، وتؤكد وزارة الخارجية في الإخطار أن مبيعات الكهرباء الإيرانية إلى العراق تظل “في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة”. وبحسب الإعفاء، فإن فشل العراق في تقليص اعتماده على الكهرباء الإيرانية “حتّم على الولايات المتحدة التنازل عن العقوبات للسماح بهذه المبيعات”.
في المقابل، تصر إيران على أن تلغي الولايات المتحدة جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترمب، وخلال فترة التوقف التي دامت عدة أشهر، زادت طهران من برنامجها النووي، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وتركيب أجهزة طرد مركزي نووية متطورة.
خيارات الرد حال فشل مفاوضات فيينا
رغم كل التوترات بشأن ملف إيران النووي، فمازال هناك من ينادي بإعطاء الدبلوماسية مساحة أكبر، لمنع وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، لكن حال فشل المفاوضات نهائياً مع إيران، فإن هناك خيارات مطروحة للتعامل مع تلك الأزمة من جانب الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل، فإن من الخيارات المطروحة:
الخيار الأول: الإبقاء على جميع العقوبات التي فرضت على طهران، ويرقى هذا الخيار إلى خطة الضغوط القصوى التي بدأها الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018.
الخيار الثاني: هناك إمكانية أخرى لتنفيذ آلية الرجوع السريع لعقوبات الأمم المتحدة المعروفة باسم” سناب باك Snapback أي العودة السريعة لكافة عقوبات الأمم المتحدة على إيران والتي انتهت في نهاية عام 2020، وفي حال تطبيق الأمم المتحدة آلية “سناب باك” سيسمح للدول الأعضاء بإعادة تطبيق جميع العقوبات الدولية على إيران من جانب واحد، والتي تم رفعها كجزء من الاتفاق النووي، مع انتهاء حظر الأسلحة الإيراني بعد نحو شهرين، ستفرض لحكومة الأميركية على إيران تعليق جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب بما في ذلك الأبحاث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يساهم في تلك الأنشطة، كما تمنع إيران من تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، وستعاد فرض عقوبات على عشرات الأفراد والكيانات بهذا الخصوص.
الخيار الثالث: ستحاول واشنطن أيضا إقناع كل من الصين وروسيا الانضمام إلى نظام عقوبات أكثر قوة، حينما تدركان أن البديل للعقوبات هو الحرب، إضافة إلى أن الرئيس جو بايدن سيعمل على تكثيف الدبلوماسية القسرية، والجمع بين العقوبات والتهديد باستخدام القوة، وسيكون الدبلوماسيون الأميركيون متحمسين للإظهار لنظرائهم من روسيا والصين أن إيران – وليس الولايات المتحدة – هي المسؤولة عن أي انهيار في المفاوضات، وقال مسؤولون أميركيون سابقون ودبلوماسيون أوروبيون إنه إذا خلصت موسكو وبكين إلى أن إيران غير مرنة، فإن ذلك سيساعد واشنطن في زيادة الضغط على إيران.
الخيار الرابع: يشمل هذا الخيار المسعى الأميركي إلى إقناع الحكومة الصينية بوقف واردات النفط الإيرانية، باعتبارها من القضايا الرئيسية بالنسبة للغرب هي حجم النفط الذي تشتريه بكين من طهران.، وهي إحدى القضايا التي أثارتها “ويندي شيرمان”، نائبة وزير الخارجية الأميركي، عندما زارت الصين في أواخر يوليو الماضي، حيث تقدر شركة كبلر لتحليلات السلع بأن واردات النفط الصينية من إيران بلغت في المتوسط 553 ألف برميل يوميا منذ بداية العام حتى أغسطس، وأفادت رويترز بأن واردات الصين من النفط الإيراني تجاوزت نصف مليون برميل يومياً في المتوسط بين أغسطس وأكتوبر، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت بكين ستكون منفتحة على دعم الموقف الأميركي هذه المرة، ومن المرجح أن تعاقب واشنطن شركة الشحن الصينية التي تشارك في شحنات النفط.
الخيار الخامس: من الأمور الأخرى المطروحة أيضاً وهي الأقرب إلى الواقع، شن عمليات سرية لتخريب برنامج إيران النووي، أو الأمر بضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم العمل العسكري الإسرائيلي، إذ تؤكد الحكومة الإسرائيلية بأنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، هذا وفقاً لتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي ” نفتالي بينيت” خلال اجتماع الحكومة الأسبوعي: “هدفنا هو الاستفادة من نافذة الفرصة التي فتحت بين الجولات لإخبار أصدقائنا في الولايات المتحدة أن هذا هو الوقت المناسب لاستخدام مجموعة أدوات مختلفة ضد اندفاع إيران إلى الأمام في مجال التخصيب”، واستطرد هذا وأوضح بينيت في كلمة أخرى قائلا: “قوتنا في وحدتنا.. سيكون لصفقة سيئة مع الإيرانيين تداعيات على أمننا القومي.. لذلك، هناك وقت لكل شيء، وقت للصمت ووقت للكلام، حان الوقت للتحدث”.
خلاصة القول، من المرجح أن تمارس الولايات المتحدة وشركاؤها ضغوطاً بمختلف أشكالها على إيران إذا استغلت المباحثات كذريعة لتسريع برنامجها النووي، وتصبح العقوبات الأمريكية المتجددة على إيران قائمة، لكن النظام الايراني يؤمن بأن الولايات المتحدة ستعيد الاتفاق وترفع العقوبات إذا وافقت إيران فقط على التخلي عن التخصيب إلى المستويات المطلوبة لسلاح نووي لمدة 25 عاماً -بدلا من الخمسة عشر عاماً الأصلية- وبالتالي فإن النظام يدرك أن العقوبات لن تنتهي أبدًا، لذلك فهو يماطل قدر الاستطاعة.