بعد تهديد ” أشتري” للمقاطعين.. ماذا ينتظر إيران؟

هدد قائد قوى الأمن الداخلي في إيران “حسين أشتري” بالتعامل مع المقاطعين للانتخابات، الذين وصفهم بـ ” منتهكي أعراف الانتخابات، ويدعون الشعب إلى عدم المشاركة فيها”، وهو الأمر الذي جعله في اجتماعه مع المتشددين الدينيين، يدعوهم إلى إحضار الجميع إلى صناديق الاقتراع والتصويت للمرشح الذي يؤيد المرشد على خامنئي معاييره.

وفي نفس الاتجاه، قال ممثل المرشد الإيراني “أحمد علم الهدى” وخطيب الجمعة في مدينة مشهد، ووالد زوجة رئيس السلطة القضائية “إبراهيم رئيسي” صاحب الحظ الأكبر في الانتخابات الرئاسية الإيرانية “إن مقاطعة الانتخابات في إيران بمثابة ترك الإسلام، والذين يقولون إننا لن نشارك في الانتخابات ليسوا مسلمين”، فقد أشار إلى جزء من كتاب ” أصول الكافي” وفسره بأن ” الذي يقول إنني لن أصوت في الانتخابات حسب رواية عن الرسول عليه السلام ليس بمسلم، فما بالك بالكاتب صاحب القلم المكسور الذي يدعو لمقاطعة الانتخابات”.

قلق على المستوى الرسمي:  

يشعر العديد من المسئولين بالقلق من امتناع قياسي في الاقتراع، فقد أعرب المرشد “علي خامنئي” عن دعمه لقرار مجلس صيانة الدستور المتمثل في استبعاد الكثير من المرشحين للرئاسة، داعياً الشعب إلى عدم ” الالتفات” لمن “يروج” لمقاطعة الانتخابات، وهدد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الجمعة إن عدم التصويت في الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو الجاري يعني تحقيق إرادة “أعداء الإسلام”، كما نقل عن آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية قوله إن: “الامتناع عن الانتخابات في فترات معينة يمكن أن يكون خطيئة ومن أفظع الذنوب”.

إن ما يقلق السلطة في إيران، هو تزايد المقاطعين للانتخابات، فما تنشره الصحف الإيرانية يشير إلى أن هناك تزايد عددى باستمرار من الإيرانيين ينضمون إلى حملة مقاطعة الانتخابات “الصورية”، كما حدث من دعوات لمقاطعة الانتخابات الإيرانية في الماضي، لكنها لم تكن بنفس القوة والعدد والحزم مثل تلك التي يشهدها الداخل الإيراني في الأسابيع القليلة الماضية، حيث اشتدت دعوات المقاطعة خاصة بعد الإعلان عن لائحة المرشحين، حيث أقصى مجلس صيانة الدستور العديد من الأسماء الإصلاحية البارزة مثل “إسحق جهانغيري” النائب الأول للرئيس الإيراني، إضافة إلى “علي لاريجاني” رئيس البرلمان السابق والمحسوب على المعتدلين، الذي ربما يعود مرة أخرى للسباق الانتخابي بعد إعادة النظر في ملفه من قبل مجلس صيانة الدستور، كما استبعد الرئيس السابق “محمود أحمدي نجاد” الذي يرى البعض أنه يتمتع بقاعدة شعبية واسعة في المناطق النائية.

ووفقاً لرأي مركز استطلاع (ISPA) الحكومي المختص باستطلاعات الرأي، أن هناك عدة متغيرات تؤثر في تقدير نسبة المشاركة الفعلية، خاصةً عند الأخذ بعين الاعتبار أولئك الذين لم يجيبوا عن الأسئلة في الاستطلاع وأولئك الذين قالوا إنه من المحتمل أن يشاركوا في التصويت، لذا قدم المركز تقريراً قدر فيه نسب المشاركة أو عدمها في الانتخابات الرئاسية المقبلة استناداً إلى الأجوبة الراهنة والتجارب السابقة، وبحسب هذا التقرير، سيصوت في الانتخابات لا تتجاوز 36% من المخول لهم، وإذا بقيت هذه النسبة على ما هي عليه حتى يوم الاقتراع، ستكون نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة أقل من مثيلاتها في السنوات السابقة، والتي تراوحت بين 90% و60%، بل تعد أدنى مستوى للمشاركة منذ تولى النظام الإيراني السلطة في البلاد عام 1979.

رموز ومؤسسات تقاطع:

لقد أعلن الرئيس السابق “محمود أحمدي نجاد” مقاطعاً لانتخابات الرئاسية وقال “أنه لن يشارك في تلك الانتخابات”، وأنه يدعو لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مرشح بارز ومسئول سابق في النظام الإيراني رسمياً، مقاطعة الانتخابات.

وفي نفس السياق، وفي الأيام الأخيرة سجلت أمهات وأقارب القتلى في الاحتجاجات ومن تم إعدامهم وسجناء سياسيون، مقاطع فيديو تقول إنهم ينضمون إلى حملة ” لا للتصويت”، حيث كانت الاحتجاجات العامة في نوفمبر 2019، والتي قتل فيها 1500 شخص، واحتجز حوالي 7000 شخص في السجون الإيرانية، وقد قوبل قمع هذه الاعتراضات بدعم من المرشحين الحاليين مثل “إبراهيم رئيسي”، إلى الحد الذي جعل بعض الأشخاص المقاطعين للانتخابات يرسلون يدعون للمقاطعة في فيديوهات، فقد وصل شريط فيديو لقناة “إيران انترناشيونال” يظهر فيه شخص يقول في منطقة نازي آباد جنوب طهرن : “كل من يصوت ظلم 1500 قتلوا في نوفمبر”. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد خرجت تقارير منظمات حقوق الإنسان، تشير إلى أن مئات السنين من السجن وآلاف الجلدات، وكذلك النفي وتقديم الخدمات القسرية للنظام كانت من بين عقوبات القضاة التابعيين للسلطة القضائية التي يرأسها المرشح الأبرز في هذه الانتخابات “رئيسي”، وقد تميزت هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية برفض أهلية المرشحين على نطاق واسع، حيث قال العديد من الجماعات الإصلاحية والناقدة للنظام إنه لم يعد هناك أي مجال للمنافسة.

كما أصدرت ثلاث منظمات سياسية إيرانية بياناً تعلن فيه مقاطعتها الانتخابات الرئاسية لعام 2021، هم: اتحاد الجمهوريين الإيرانيين، وحزب اليسار الإيراني” فدائيو الشعب” وتضامن الجمهوريين الإيرانيين، كما أعلنت حركة “حرية إيران” أيضاً أنها لن تشارك في الانتخابات 18 يونيو الجاري، وأكد البيان المشترك للمجموعات السياسية الثلاث على إجراء انتخابات “غير حرة” في جميع الدورات في إيران، وكذلك تصميم مجلس صيانة الدستور على “توحيد الحكومة ” الانتخابات المباشرة” خلال هذه الفترة، ويؤيد مجلس صيانة الدستور فقط أهلية تلك الشخصيات السياسية والدينية داخل الحكومة، بالإضافة إلى كونهم رجالاً ومعتقدين بالمذهب الجعفري الشيعي، ولديهم إيمان عملي والتزام تجاه الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه.

وجاء موقف المنظمات الإيرانية الثلاث من ترشيح “رئيسي” وذكرت أن المرشح الرئيسي للنظام هو شخص” كان عضواً في فرقة الموت عام 1988 ولديه مسؤولية قانونية وجنائية لإصدار أحكام الإعدام لآلاف من السجناء”، وكذلك احتجاجات 2019، ومن خلال إعلان دعمها لحملة “لن أصوت”، فقد دعت المجموعات الثلاث المواطنين داخل إيران وخارجها إلى مقاطعة ” الانتخابات الصورية” بأي طريقة ممكنة، ومنع شرعية النظام، وجاء في نهاية البيان للمنظمات” نريد احترام معايير الانتخابات الحرة والنزيهة في إطار الانتقال إلى الديمقراطية وإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية بدلاً من جمهورية إسلامية، وتسليم البلاد إلى المنتخبين الحقيقيين من قبل الشعب”.

وتأسيسا على ما سبق، يمكن التأكيد على الأتي:

  • عندما ننظر إلى تاريخ هذا النظام، يتضح أنه لم تكن هناك انتخابات حرة على الإطلاق، إنما هي مجرد “بيعة للمرشد”، وجميع المرشحين يتم اختيارهم أولاً، وتصفيتهم من قبل مجلس صيانة الدستور ثانياً، ويتم انتخاب الشخص المطلوب للمرشد الأعلى، ويرى البعض أن مسئولي النظام، يسعون إلى تلميع صورتهم أمام الشعب، ومن هنا تم ترشيح “إبراهيم رئيسي”، رئيس القضاء في النظام الإيراني، وهو المقرب من المرشد الأعلى.
  • قام النظام باستبعاد واسع للمرشحين الانتخابيين، الأمر الذي دافع عنه المرشد، وعن قرار مجلس صيانة الدستور في رفض أهليات المرشحين، وأتهم المنتقدين للأوضاع الانتخابية بأنهم “يكررون كلام العدو”.
  • يعد “رئيسي”، المخلص للنظام، والذي ترشح للرئاسة، مكروه وغير مرغوب من الشعب، وذلك لتورطه في عدد أمن قضايا حقوق الإنسان في البلاد، فهل يصبح رئيساً لإيران بعد إقصاء معظم المرشحين الذين ينافسونه؟.. هذا ما سنراه في الأيام القادمة، خاصة أن “رئيسي” هو من ضمن الإيرانيين المدرجين في قائمة العقوبات الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فهل تعيينه كرئيس لإيران سينقذ النظام من وضع خطير يعتقد البعض بأنه على وشك الانهيار من الداخل بشعار مقاطعة الانتخابات؟
  • استمرار التعامل الأمني والقمع الدموي الواسع للاحتجاجات الشعبية، فقد تصل إلى تلك التي تمت في نوفمبر 2019، كما ستتصدى في الوقت الحالي قوات الشرطة والأجهزة القضائية، لمن يدعون المواطنين إلى عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية في أجواء من عدم الاكتراث لانتخابات يقول كثيرون إنها محسومة سلفاً.
  • تعد أسباب انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات جاء نتيجة انخفاض ثقة الشعب بصناديق الاقتراع، والنظام الإيراني، وهو ما يوضح مدى وعي الشعب نحو السياسيين، الذين ترشحون للانتخابات ضمن “مسرحية”، يحبكها ويجريها النظام الإيراني.
  • تفشي الفقر وتفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل حاد نتيجة العقوبات الأمريكية، واستياء الشعب الواسع من الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
  • سوء الإدارة خلال فترة فيروس كورونا وتهاون السلطات الإيرانية في التعامل مع الأزمة، فقد اتخذت دول الجوار إجراءات حازمة تمثلت بإغلاق الحدود مع إيران ووقف الرحلات الجوية منها وإليها، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إيران مقاطع فيديو تظهر عمليات دفن موتى في مقابر جماعية، يقال إنها في مدينة لانجرود شمالي إيران.

 

 

 

 

 

 

 

 

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى