محاولة للعرقلة: كيف صعبت هجمات إسرائيل المتكررة تجاه إيران من مهمة “بايدن”؟

هيثم عمران- خبير مشارك بالمركز
في صباح الأحد 11 إبريل 2021 أعلنت إيران وفقًا لبيان رسمي عن تعرض مصنع تخصيب اليورانيوم في “نطنز” لعمل “إرهابي”، وذلك بعد الإعلان عن “انقطاع التيار الكهربائي” بالمنشأة النووية. وحتى توقيته لم يٌعرف سبب الحادث هل هو هجوم إلكتروني “سيبراني” أم عمل تخريبي مادي كاستخدام قنبلة، على الرغم من أن القناة الـ 13 الإسرائيلية ذكرت أن الهجوم تم بسبب شحنة متفجرة زُرعت في المنشأة الإيرانية وليس سيبرانيًا.
وتعد منشأة نطنز لتخصيب الوقود أكبر منشأة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في إيران. وتقع في مقاطعة نطنز في محافظة اصفهان الإيرانية. وتعمل المحطة في تخصيب اليورانيوم منذ فبراير 2007. كما تعد هذه المنشأة واحدة من عدة منشآت نووية تراقبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان امتثال إيران لاتفاق عام 2015، الذي يعرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
وفي ظل الهجوم المتكرر من إسرائيل على إيران.. كيف يمكن تتأثر دبلوماسية بايدن الجديدة تجاه طهران، وهل يمكن أن تعقد تلك الهجمات المتكررة من مهمة بايدن، وبالتالي يمكن أن تفشل دبلوماسية “بادين” في إجبار الدولة الإسلامية على الاستسلام له أو الانهيار؟.
هجوم متكرر:
لم تكن هذه هي المرة الأولي التي تتعرض فيها المنشأة لهجوم، حيث أنه في عام 2010 تعرضت المنشأة إلى جانب منشآت نووية إيرانية أخرى إلى هجمات إلكترونية “سيبرانية”، عن طريق برنامج فيروسي مُعقد يحمل الاسم المشفر “ستوكسنت” مما تسبب في إحداث فوضى وخروج أجهزة الطرد المركزي عن نطاق السيطرة. وفي العام الماضي اندلع حريق في المنشأة، وادعت السلطات الإيرانية حينها أنه نجم عن عملية تخريب “سيبرانية” أيضا. أما هذه المرة على الرغم من أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن الحادث بشكل رسمي لكن وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى أن الحادث هو نتاج هجوم إلكتروني “سيبراني” إسرائيلي. وتسبب الهجوم الأخير في تدمير كلي لنظام الطاقة الداخلي للمنشأة، وإن المنشأة قد تحتاج 9 أشهر على الأقل لاستعادة قدرتها الإنتاجية.
لعل أبرز كشف عنه تلك الحادث، هو وجود اختراق كبير من جانب الاستخبارات الإسرائيلية لإيران ولاسيما المنشآت النووية، وذلك إذا صحت الرواية أن الهجوم تم من خلال زراعة متفجرات، وهو ما يكشف حجم الوهن الذي أصاب الاستخبارات الإيرانية، وخصوصاً أجهزة مكافحة التجسس، ووجود قصور كبير في مجال حماية هذه المنشآت والعلماء المتخصصين في المجال النووي. فضلًا عن أن هذا الهجوم أكدعلى فرضية الإنشكاف الأمني للمنشآت النووية وأنها لم تعد عصية علىالاستهداف، وأنها أصبحت هدف مباشر لتل أبيب وغيرها، وأن هذه النوعية من العمليات من الممكن أن تتكرر بشكل مستمر وبتداعيات أكبر، وأنه بات من المؤكد أن إسرائيل لديها خطة عمل تستهدف من خلالها المنشآت الإيرانية.
الرد الإيراني على التهديدات الإسرائيلية:
في أول رد فعل لطهران عن هذا الهجوم، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف يوم الاثنين 12 أبريل إن بلاده تحمل إسرائيل مسؤولية الحادث الذي وقع في منشأة نطنز النووية وإنها ستنتقم لذلك. كما وصفت السلطات الإيرانية الحادث بأنه “إرهاب نووي”، موضحة إنها تحتفظ لنفسها بالحق في اتخاذ إجراءات ضد الجناة. كما أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إن الحادث يمكن اعتباره “عملا ضد الإنسانية”. كما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني – رداً على الهجوم –عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم حتى 60%، وتركيب أجهزة طرد مركزية من الجيل السادس من نوع “آي آر 6”. ودعا روحاني واشنطن إلى العودة إلى اتفاق عام 2015 ورفع العقوبات وتطبيق القرار 2231″، موضحا أن “الهجوم كان مؤامرة لإضعاف مواقف إيران في مفاوضات فيينا”.
وفي السياق ذاته، أعلنت إسرائيل عن استهداف سفينة تجارية مملوكة لها تحمل اسم”هايبريون راي” قبالة ساحل الفجيرة الإمارتي في بحر العرب، موضحة أن إيران هي من وراء هذا الحادث. وعلى إثر ذلك أعلنت إسرائيل حالة التأهب القصوى لصد التهديدات الإيرانية، خشية وقوع هجمات أخري خاصة إطلاق صواريخ من سوريا أو من سفن أو مسيرات مفخخة”. والجدير بالذكر أن خيارات إيران للرد على استهداف منشأة نطنز تظل محدودة ولن تكون مؤثرة مقارنة بالضربة الكبيرة التي تلقتها إيران فيما يعرف بـ ” الصمت الاستراتيجي”، على الأقل في المستوي القريب، فهي لن تكون أكثر من مجرد حفظ ماء وجاء طهران، ويعزز من ذلك ضعف الردود الإيرانية على ضربات تلقتها سابقًا، ومنها اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وكذلك اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زادة العام الماضي.حتى ان استهداف السفينة الإسرائيلية ردًا على الهجوم هو مجردخيار تقليدي دأبت عليه طهران.
ويمكن تفسير ضعف الردود الإيرانية على العملية الإسرائيلية الأخيرة إلى أنها جاءت بالتزامن مع استئناف المفاوضات في فيينا من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، ورفع العقوبات. إذ تأميل إيران في الوصول إلى اتفاق ورفع العقوبات الاقتصادية في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها طهران بسبب العقوبات من ناحية وبسبب جائحة كورونا من ناحية أخري، وبالتالي فإنها قد تؤجل مسألة الرد من أجل عدم تعطيل مسار التفاوض في فيينا.
ملامح دبلوماسية بايدن مع طهران:
قبيل انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة أطلق جون بايدن وعود تكشف عن رغبته– في حالة انتخابه رئيسًا –إلى العودة للاتفاق النووي الإيراني الذي تم إبرامه بين إيران وبين (مجموعة بي 5 + 1) في عام 2015، والذي تم الانسحاب منه إبان فترة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامبفي مايو 2018، وهو ما دفع إيران إلى التراجع عن التزاماتها. وتعهد بتبني سياسة مغايرة عن تلك على اتخذها سلفه، والتي زادت من نفوذ إيران على حساب حلفاء واشنطن التقليديين.
ومنذ وصوله للسلطة أكد بايدن على تمسك واشنطن بالعقوبات المفروضة علي إيران وفي الوقت ذاته إفساح المجال للجهود الدبلوماسية للوصول إلى اتفاق شامل مع طهران يضم إلى جانب البرنامج النووي برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي. وقد عبر بايدن عن ذلك في كلمته أمام مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد في فبراير 2021، قائلاً إن “إدارته مستعدة لإعادة الانخراط في المفاوضاتمع مجلس الأمن الدولي بشأن برنامج طهران النووي”، كما أكد على ضرورة التعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في أنحاء الشرق الأوسط. كما اتخذت إدارة بايدن خطوتين رمزيتين بتخفيف القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك، وإبطال إجراء اتخذه ترامب وذلك عبر إقرارها رسمياً في مجلس الأمن بأن العقوبات الأممية التي رفعت بموجب الاتفاق لا تزال مرفوعة.
وبالتالي يمكن القول إن سياسة بايدن تجاه إيران تتسم بـ “الناعمة” خلافًا للسياسة التي تبناها سلفه والتي عرفت بـ “سياسة الضغط القصوى”، وتدرك إدارة بايدن جيدًا أهمية العودة للاتفاق النووي في كبح جماح إيران من صنع أسلحة نووية، وهو ما يمكن أن يحققه العودة للاتفاق مرة أخرى. ويعزز من هذا الطرح أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية أدي إلي زيادة العداء مع إيران، وهو ما دفع إلي الإبقاء على القوات الأمريكية في العراق. كما أدى إلى تعزيز الدعم للمتشددين في إيران، والذين يتوقون إلى دعم السياسات العدوانية تجاه واشنطن. كما أن بقاء واشنطن خارج الاتفاق النووي من شأنه تعزيز دعم طهران للميليشيات والعمل على ضرب استقرار المنطقة. فضلًا عن أنه يقطع الطريق أمام محادثات مستقبلية لمعالجة الأمور الحيوية.
تهديدات إسرائيل لإيران.. نجاح أم فشل لاستراتيجية طهران؟:
هدفت إسرائيل من وراء هجوم نطنز إلى إفشال المباحثات الجارية في فيينا بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي أو صياغة اتفاق جديد بين إيران ومجموعة (5+1)، بالإضافة إلى إرسال رسالة مفادها أن تل أبيب لن تسمح لطهران بأي حال بتجاوز “العتبة النووية” وامتلاك سلاح نووي. وفي أول رد فعل لها سارعت واشنطن إلى نفي ضلوعها في الهجوم الذي تم، حيث أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن “الولايات المتحدة ليست ضالعة بأي شكل فيما حصل، مضيفة “ليس لدينا ما نضيفه بشأن التكهنات حول الأسباب والتداعيات”. وهو ما يعكس أن هناك رغبة ملحة من جانب واشنطن للوصول إلى اتفاق مع إيران وتأكيد حسن نواياها تجاه ذلك.
وفيما يتعلق بتداعيات هذا الهجوم يمكن القول إن عرض سيناريوهين رئيسيين:
السيناريو الأول: استمرار المباحثات الجارية في فيينا، مع إتباع استراتيجية “التزام مقابل التزام”، وسعي كل طرف لتعزيز موقفه التفاوضي:
قد تسعي إيران للاستفادة من الهجوم الإسرائيلي لتتشدد أكثر وترفع من سقف مشروعها، وتحقق مكاسب أكثر دون الولوج في حرب شاملة، ولا سيما فيما يتعلق برفع العقوبات قبل الدخول في مفاوضات رسمية. كما أن هذا الهجوم من الممكن أن يسهل على إدارة بايدن تقديم التنازلات ورفع العقوبات بحجة خسارة إيران لقدراتها النووية، كما أنه سيمنح طهران حجة أخرى بخصوص وقف أنشطتها أو بالأحرى خروقاتها المستمرة فيما يخص رفع التخصيب، وبالتالي، يمكن الوصول للصيغة المعقولة للاتفاق النووي لكافة الأطراف. وهو السيناريو الأقرب وذلك لعدة أسباب أبرزها:
(*) وجود رغبة مشتركة بين إيران والقوي الدولية للوصول إلى اتفاق تسعي إيران بمقتضاه رفع العقوبات المفروضة عليها، وتسعي القوي الدولية من خلاله إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي، ووضع حد للتدخلات الإيرانية في المنطقة.
(*) اقتراب الانتخابات الرئاسية في إيرانفي يونيو القادم، مع تنامي فرص صعود تيار “المحافظين” وهو التيار الأكثر تشددًا في إيران، والأكثر معارضة لتقديم تنازلات أو محاولة التقارب مع الغرب، وفي حالة وصوله للسلطة تقل فرص إبرام اتفاق وهو ما تخشاه واشنطن.
(*) الخوف من تكرار هذا الهجوم على منشآت نووية أخري في إيران، خاصة في ظل تأكيدات إسرائيل المستمرة بمنع إيران من امتلاك سلاحًا نوويًا، وهو ما قد يدفع بطهران للرد سواء من خلال استهداف أهداف غربية في الخليج، أو تحريك أذرعها الإقليمية في المنطقة، مما قد يعنياستمرار الفوضى في الإقليم.
(*) أن هذا الهجوم وضع الإدارة الأمريكية موضع اتهام، خاصة وأنه حدث بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” لإسرائيل، مما يعني أن الهجوم تم بمباركة أمريكية، كما يحمل الهجوم رسالة تحدي لإدارة بايدن من قبل إسرائيل.
أما السيناريو الثاني: تقويض الجهود الدبلوماسية أو استمرار المفاوضات دون الوصول إلى اتفاق:
ويعزز من هذا الطرح أنه باستهداف منشأة نطنز خسرت طهران ورقة تفاوضية هامة في مواجهة الغرب، وهو ما قد يدفع إدارة بايدن والقوي الغربية للتشدد في مواجهة طهران وعدم تقديم أي تنازلات قبل الوصول إلى اتفاق رسمي، مع تمسك إيران في الوقت ذاته بشروطها. بالإضافة إلى أن إعلان إيران رفع نسبة التخصيب 60% وهو ما يعني أن إمكانيات طهران النووية تمكنها من الوصول إلى نسبة 90 % متى تشاء، فضلًا عن أن الفترة الزمنية الفاصلة بينها وبين إنتاج القنبلة النووية قد تقلصت، وهو ما دفع الدول الأوروبية الثلاثة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) لوصف الخطوة الإيرانية بـ”الخطرة لغاية”، واعتبرها البيت الأبيض “استفزازية”. غير أنه من الممكن أن التصريحات الإيران لا تعدو أن تكون مجرد استهلاك محلي كرد على الهجوم الأخير، ولرفع سقف مفاوضتها في فيينا للوصول إلي أكبر مكاسب.