عاطف زايد يكتب: “زايد” وحرب أكتوبر.. من أبوظبي إلى الجبهة

زايد وحرب أكتوبر.. من أبوظبي إلى الجبهة
حين تحول النفط إلى سلاح أقوى من المدافع…
وشهادة الشرفاء الحمادي..
عُرف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وأول رئيس لها، برؤيته الاستراتيجية وقدرته على قراءة المواقف السياسية بوعي يتجاوز حدود بلاده الناشئة آنذاك. فقد شكّلت حرب أكتوبر 1973 محطة فارقة في بروز الدور الإماراتي، ليس عسكرياً فحسب، بل سياسياً واقتصادياً أيضاً، في دعم الموقف العربي أمام إسرائيل وحلفائها.
الدعم السياسي والمعنوي:
منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، أعلن الشيخ زايد وقوف الإمارات إلى جانب مصر وسوريا في معركتهما لتحرير الأرض. وقد اتسم خطابه السياسي بالوضوح، حين قال عبارته الشهيرة:
“النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي”،
وهي جملة اختزلت توجهه السياسي القائم على أن ثروات العرب يجب أن تكون أداة للدفاع عن قضاياهم المصيرية.
النفط كسلاح اقتصادي:
كان القرار الأبرز الذي اتخذه الشيخ زايد هو قطع إمدادات النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة وهولندا. وعلى الرغم من أن الإمارات كانت دولة فتية في ذلك الوقت (لم يمضِ على تأسيسها سوى عامين)، إلا أن مشاركتها في الحظر النفطي العربي عززت وحدة الموقف وأضفت وزناً سياسياً على القرار.
لقد برز هنا ذكاء الشيخ زايد في إدراك أن النفط ليس مجرد سلعة اقتصادية، بل ورقة ضغط دولية يمكن أن تغير موازين القوى، وهو ما ظهر جلياً في أزمة الطاقة العالمية التي أحدثها الحظر العربي.
واكد الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي كان يشغل منصب مدير ديوان الشيخ زايد في دولة الإمارات العربية فيقول
كنت شاهد عيان
على تلك اللحظة الفارقة في حياة الأمة العربية، حيث كنت أنا من قمت بإيصال المرحوم الشيخ زايد للتحدث مع الدكتور مانع العتيبة وزير البترول في ذلك الوقت، وأبلغه بإعلان قراره التاريخي أثناء اجتماع مؤتمر الأوبك وزراء البترول العرب في مؤتمرهم في الكويت، حيث اتخذوا قرارًا بوقف ضخ البترول بما نسبته خمسة في المائة، وعندما أبلغت المرحوم الشيخ زايد بالقرار طلب مني فورًا إيصاله بالتليفون لوزير البترول.
وحينها قال قولته المشهورة التي ستظل تتردد في التاريخ (إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي)، وشهادتي لله والتاريخ لتعرف الأجيال العربية كم حاول الخبثاء إخفاء تلك الحقيقة، وللتاريخ أشهد بأن المرحوم كان يمثل بحق ومصداقية نادرة إيمانًا تغلغل في العقل والقلب، ومواقف شجاعة تجاه الحقوق العربية وقيادة مخلصة لا تخاف غير الله وحده من يملك السماوات والأرض وهو القادر على كل شيء وهو السميع العليم.
الدعم المالي والعسكري:
لم يقتصر الدور الإماراتي على الموقف النفطي والسياسي، بل ساهمت الإمارات مادياً في دعم جبهتي القتال. تشير الوثائق إلى أن الشيخ زايد قدّم مساعدات مالية ضخمة لكل من مصر وسوريا لتمويل العمليات العسكرية وتعويض الخسائر، كما ساهمت القوات المسلحة الإماراتية بشكل رمزي في دعم المجهود الحربي، رغم حداثة تأسيسها.
البعد القومي في موقف الشيخ زايد:
عكس موقف الشيخ زايد خلال حرب أكتوبر فلسفته القائمة على الوحدة العربية والمصير المشترك. فقد كان يعتبر أن استقلال الإمارات وأمنها لا ينفصل عن استقلال وأمن الأمة العربية بأكملها. وقد أسهم هذا التوجه في تعزيز مكانته كقائد عربي يُنظر إليه باحترام، ليس فقط في الخليج، بل في العالم العربي قاطبة.
النتائج والتأثيرات:
ساهمت مواقف الشيخ زايد في:
ترسيخ شرعية القرار العربي باستخدام النفط كسلاح سياسي.
تعزيز صورة الإمارات كدولة داعمة للقضايا العربية منذ تأسيسها.
إثبات أن التضامن العربي يمكن أن يكون له صدى عالمي، إذ أجبرت أزمة الطاقة الغرب على مراجعة سياساته في المنطقة.
ولذلك..
يمكن القول إن حرب أكتوبر كانت لحظة كاشفة لمعدن الشيخ زايد ورؤيته. فرغم حداثة عهد الإمارات، فإنها لعبت دوراً يتجاوز حجمها الجغرافي والديمغرافي بفضل قيادتها. لقد أدرك الشيخ زايد أن القوة ليست بالسلاح فقط، بل بالاقتصاد والسياسة ووحدة الصف العربي، وهو ما جعل اسمه مقترناً دائماً بالمواقف المشرّفة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.