الإرادة والإدارة.. ركيزتان لتحقيق النجاح في بناء الأوطان وصناعة القرار

في عالمٍ ملئ بالتغيرات السياسية والاقتصادية والتحولات الجيوستراتيجية لم يعد النجاح سواء على مستوى الفرد أو الدولة وليد المصادفة بل نتيجة حتمية لتكامل عنصرين أساسيين *الإرادة والإدارة* *فالإرادة* هي الدافع الداخلي الذي يُشعل شرارة التحرك نحو الهدف بينما *الإدارة* هي الأداة المنهجية التي تُنظم وتُنفّذ لتحقيق هذا الهدف .

تتضاعف أهمية هذين العنصرين في دول مثل مصر التي تقع في قلب منطقة تتعرض لتقلبات سياسية وتحولات سكانية وتحديات أمنية وفرص اقتصادية ضخمة لذا فإن الفهم العميق لدور الإرادة والإدارة في توجيه القرار وتنفيذ المشروعات وصياغة الاتفاقيات والمعاهدات يعد ضرورة ملحة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر .

تعريف الإرادة والإدارة:

الإرادة هو جوهر الانطلاق نحو الأهداف. الإرادة، هي القوة النفسية والعقلية التي تدفع الفرد أو الجماعة أو الدولة إلى اتخاذ قرار والعمل على تنفيذه رغم المعوقات وإنها تتجلى في الصبر والإصرار والعزيمة وعدم الاستسلام.

مثال واقعي : الإرادة الوطنية المصرية تجلت بوضوح في ثورة 30 يونيو 2013 حيث عبّر الشعب عن إرادته في استعادة الدولة من حالة الفوضى .

الإدارة الوسيلة العملية لتحقيق الأهداف: الإدارة، هي العلم والفن الذي ينظم الموارد (البشرية والمالية والتقنية والطبيعية) لتحقيق أهداف محددة بكفاءة وفعالية تشمل الإدارة مجالات متعددة مثل :

 • الإدارة العامة

 • إدارة المشروعات

 • الإدارة الاستراتيجية

 • إدارة المخاطر

 • إدارة الأزمات

بدون إدارة جيدة تبقى الإرادة مجرد رغبة لا تجد طريقها للتنفيذ

التكامل بين الإرادة والإدارة في تحقيق النجاح:

١- العلاقة الجدلية بين المفهومين⁠

 • الإرادة دون إدارة:

تؤدي إلى قرارات عاطفية أو اندفاعية .

 • الإدارة دون إرادة:

تفتقد للحافز الداخلي والدافع نحو التغيير .

 • تكاملهما ينتج قرارات استراتيجية مدروسة، تُترجم إلى أفعال ناجحة ومشروعات مكتملة* .

٢- في سياق الدولة المصرية

مثال واقعى: مشروع قناة السويس الجديدة الذي لم يكن ليُنجز في أقل من عام إلا بتكامل الإرادة السياسية والشعبية مع الإدارة الهندسية والاقتصادية عالية الكفاءة .

الإرادة والإدارة في اتخاذ القرار وتنفيذ المشروعات والاتفاقيات:

١- على مستوى الدولة

أي مشروع قومي أو اتفاقية دولية يحتاج إلى:

 • إرادة سياسية لاتخاذ القرار .

 • إدارة مؤسسية لتنفيذه ضمن أطر قانونية وتشريعية .

٢- على مستوى الأفراد والمؤسسات

النجاح المهني أو الأكاديمي مرهون بإرادة شخصية قوية تُترجم إلى:

 • خطط عمل (إدارة وقت، موارد، أولويات) .

 • اتخاذ قرارات مسؤولة .

٣- في المعاهدات والاتفاقيات الدولية

الإرادة السياسية تُحدّد الدخول في الاتفاق أو المعاهدة لكن التنفيذ يتطلب:

 • أجهزة إدارية ودبلوماسية

 • أطر قانونية دولية ومحلية

 • متابعة ومراجعة مستمرة

البُعد القانوني •• التوازن بين الإرادة والاداره والالتزام القانوني:

أي قرار أو مشروع يجب أن يكون متسقاً مع:

 • الدستور المصري

 • القانون الدولي العام

 • المعاهدات والمواثيق الموقعة

وهنا تظهر أهمية الإدارة القانونية التي تراجع أي اتفاق أو مشروع قبل تنفيذه لتفادي المساءلة القانونية أو الإضرار بالسيادة الوطنية .

 ربط المفهومين بالواقع المصري الراهن:

٢- سياسياً

مصر تسعى لتثبيت استقرارها الداخلي ودورها الإقليمي من خلال:

 • إرادة سياسية واضحة في مكافحة الإرهاب والتطرف .

 • إدارة دبلوماسية نشطة في الملف الفلسطيني والإسرائيلي والسوداني والليبي .

٢- اقتصادياً

مبادرات مثل:

 • مبادرة حياة كريمة .

 • المشروع القومي لتطوير الريف المصري .

 • المشروعات القومية الكبرى (العاصمة الإدارية ومحور قناة السويس)

كلها تجسّد تكامل الإرادة مع إدارة مؤسسية تستهدف التنمية المستدامة .

٣- عسكرياً وأمنياً

 • إرادة الحفاظ على الأمن القومي تنعكس في التطوير المستمر للقوات المسلحة .

 • إدارة استراتيجية للملف الأمني خصوصاً في سيناء والحدود الغربية .

٤- ديموجرافياً

معالجة الانفجار السكاني تحتاج إلى:

 • إرادة مجتمعية لتغيير الثقافة الإنجابية .

 • إدارة تخطيط عمراني وصحي وتعليمي متكاملة.

٥- جيوسياسياً

مصر تُحافظ على توازن حساس بين:

 • الشراكات الدولية (أمريكا وروسيا والصين).

 • العلاقات الإقليمية (الخليج وإفريقيا وشرق البحر المتوسط).

وهو ما يتطلب:

 • إرادة سيادية مستقلة .

 • إدارة خارجية حكيمة ومدربة .

توجيه الشباب •• كيف تكون صاحب إرادة وصاحب إدارة؟

١- تعزيز الإرادة:

 • ضع أهدافاً واضحة .

 • تحمّل مسؤولية قراراتك .

 • لا تيأس من الفشل .

2. تعلّم الإدارة:

 • طوّر مهاراتك في إدارة الوقت والمشروعات والتخطيط .

 • استخدم أدوات الإدارة الحديثة (برمجيات – منهجيات).

 • مارس القيادة بحكمة ومرونة .

الإرادة والإدارة •• ركيزتان لتحقيق النجاح في بناء الأوطان وصناعة القرار

 ١- تعزيز ثقافة التخطيط والإدارة في المؤسسات التعليمية .

 ٢- إطلاق برامج توعوية شبابية تربط بين الإرادة الوطنية والممارسات الإدارية .

 ٣- إنشاء مراكز وطنية لدعم اتخاذ القرار تعتمد على بيانات وتحليل علمي .

 ٤- تشجيع البحث العلمي في مجالات الإدارة الاستراتيجية والسياسات العامة .

 ٥- ربط مشروعات الدولة ببرامج متابعة وتقييم دوري لتحقيق الشفافية والمساءلة.

توصيات:

حين تتحد الإرادة بالإدارة •• تُصنع الأوطان وتُصاغ الحضارات

في النهاية، لا يمكن لأي مشروع أو كيان أو قرار أن يرى النور أو يُكتب له النجاح دون توفر عنصرين أساسيين الإرادة الصلبة التي تدفع إلى التحرك والإدارة الواعية التي تضمن الوصول الآمن والناجح إلى الهدف المنشود فالإرادة تمنحنا القوة والإدارة تهدينا البوصلة وبدونهما معاً تصبح الطموحات مجرد أماني عابرة .

لقد أثبت الواقع المصري في السنوات الأخيرة أن امتلاك إرادة سياسية وطنية واضحة مدعومة بإدارة واعية واحترافية يمكن أن يحوّل التحديات إلى فرص وأن يجعل من الأزمات منصات انطلاق نحو التقدم وما نشهده من إنجازات في البنية التحتية والتنمية الريفية والتوازن الجيوسياسي والدبلوماسي ما هو إلا نتاج هذا التكامل المدروس بين الرغبة في التغيير والقدرة على تنظيم أدواته وتنفيذه .

وإذ نقف اليوم في مفترق طرق إقليمي ودولي بالغ الحساسية فإن المجتمع المصري وبخاصة شبابه مطالب بأن يكون جزءاً فاعلاً من هذا المسار لا متفرجاً عليه فبناء المستقبل لا يقتصر على صناع القرار بل يبدأ من كل شاب يمتلك إرادة للتغيير ويتعلم إدارة ذاته ومجتمعه ومحيطه .

إنها دعوة صريحة إلى أن نُرسّخ في وعينا الجمعي أن الإرادة هي البداية لكن الإدارة هي الضامن الوحيد للنجاح والاستدامة وأن الحفاظ على السيادة وتحقيق التنمية وبناء الجمهورية الجديدة لا يمكن أن يتم إلا بإرادات صلبة تقودها إدارات محترفة تُعلي مصلحة الوطن وتعمل ضمن إطار قانوني مؤسسي شفاف .

ولذلك فإن المرحلة القادمة تتطلب منا جميعاً (مؤسسات وشباباً ونخباً وصناع رأي ) أن نُحوّل هذا المفهوم من مجرد شعار إلى ممارسة يومية وأن نُرسّخ ثقافة الإرادة والإدارة كمنهج حياة ونهج دولة لأن من يمتلك إرادة التغيير ويُحسن إدارته هو وحده من يصنع التاريخ .

لواء أحمد زغلول

اللواء أحمد زغلول مهران، مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، وهو نائب رئيس حزب المؤتمر رئيس الهيئه العليا للحزب. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى