في أولى ورش المبادرة.. “رع” يؤكد على الاستمرارية وقياس التأثير في لقاءه بفريق عمل “تماسك”

كتابة/ محمد صابر- تصوير/ أحمد خالد

في إطار حرص وزارة الشباب والرياضة المصرية على تمكين الشباب ودعم مشاركتهم الفاعلة في صياغة المستقبل، وانطلاقًا من مبادرة “تماسك” التي أطلقتها الوزارة برعاية الأستاذ الدكتور “أشرف صبحي” وزير الشباب والرياضة، والهادفة إلى تعزيز الوعي الوطني وترسيخ القيم المجتمعية ومواجهة الشائعات، استضاف مركز رع للدراسات الاستراتيجية يوم الأربعاء 1 أكتوبر 2025 وفدًا من شباب برنامج “YLY المشاركين في المبادرة، وذلك في ورشة عمل حملت عنوان: “تعزيز التماسك المجتمعي من خلال الشباب” بحضور ومشاركة المدير الأكاديمي للمركز الدكتور “أبو الفضل الإسناوي” ومنسق عام مبادرة “تماسك” أ. شهاب جمال الدين وكبير باحثي المركز الدكتور “حسام البقيعي”، ومستشار المركز للسياسات العامة الدكتور “محمد أبو سريع” وعدد من خبراء وباحثي المركز، بالإضافة إلى وفد شبابي من مبادرة “تماسك” من طلبة الجامعات.

وقد شارك في اللقاء كبير مستشاري المركز اللواء “أحمد زغلول مهران” مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق متحدثًا رئيسيًا، والذي تناول في كلمته محاور جوهرية تتعلق بمفهوم التماسك المجتمعي وأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية، وذلك في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة المصرية.

وقد شهد اللقاء نقاشًا ثريًا جمع بين الطرح الفكري والخبرة العملية، حيث قدم اللواء “مهران” مجموعة من الرؤى الفكرية العميقة، تلاها حوار مفتوح بينه وبين الشباب المشاركين، وأثمر اللقاء مجموعة من الأفكار والتوصيات التي تعكس إدراكًا متناميًا لدى الأجيال الجديدة بأهمية تعزيز قيم التماسك والوحدة الوطنية كدعامة للاستقرار والتنمية.

الرؤية الفكرية للتماسك المجتمعي

افتتح اللقاء المدير الأكاديمي لمركز رع الدكتور “أبو الفضل الإسناوي”، مرحبًا بالحضور ومؤكدًا على أهمية التعاون بين مراكز الفكر وصنّاع القرار لتعزيز هذا المفهوم في أوساط الشباب. كما شارك الأستاذ “شهاب” منسق عام مبادرة “تماسك”، بعرض وافٍ حول أهداف المبادرة ورؤيتها في الوصول إلى أكبر شريحة شبابية عبر آليات العمل الميداني والشراكة مع مختلف المؤسسات الوطنية.

وأكد اللواء “أحمد زغلول مهران” أن الالتزام بالتماسك الوطني كان ولا يزال عاملًا حاسمًا في صمود الدولة المصرية، مستشهدًا بدروس تاريخية أبرزها التضامن العربي والإسلامي إبان حرب أكتوبر 1973، حيث لعبت دول عربية وإسلامية مثل الجزائر وإيران وباكستان أدوارًا داعمة ساهمت في تحقيق النصر. فلولا التماسك المجتمعي والولاء للوطن والإرادة الحقيقية والضمير لما انتصرت مصر على ثلاث (مانع مائي – ساتر ترابي – عدو لم ينهك).

كما أشار إلى أن هناك أربع دعائم للدولة يمكنها تقويتها، الحاكم والمسؤول والكاتب/الفنان ورجل الأعمال. مستشهدًا بمواقف تاريخية لبعض رجال الأعمال الوطنيين الذين ساهموا في البناء وتوفير الخدمات، كدور إيجابي ينبغي تعزيزه. وهذه الدعائم في الإتقان والضمير تبني الأمة، أما إذا اختلت سيُفضي ذلك إلى تقويض المجتمع.

وأكد كبير مستشاري المركز على ضرورة التمسك بالجذور ورفض وصف حضارة المصريين بالفراعنة، مؤكدًا أن المسمى الصحيح هو “قدماء المصريين”، أما هذه المسميات فهي خدمة لمصالح قوى معادية للجذور المصرية، وأن قدماء المصريين أصحاب حضارة قوية للغاية هم من اكتشفوا المحول الكهربائي، ولهم سبق علمي بنحو 5 آلاف عام عن الحضارات الأخرى المتقدمة.

وأوضح اللواء “مهران” أن استهداف المجتمع المصري عبر محاولات تفتيت الرموز والقدوات كان أحد أبرز أدوات الاختراق الثقافي والإعلامي وتفتيت التماسك المجتمعي في العقود الأخيرة. وأشار إلى أن التماسك المجتمعي يقوم على مثلث متكامل يشمل ما يلي:

(1) الولاء والانتماء: الذي يبدأ من الأسرة الصغيرة ويتدرج حتى الانتماء للوطن والأمة، مؤكدًا أن الهوية المصرية الممتدة من الحضارة القديمة وحتى الحاضر هي مصدر اعتزاز وفخر يجب استعادته.

(2) استدعاء القدوة الحسنة: باعتبارها النموذج العملي الذي يحافظ على القيم ويرسخ الالتزام الوطني، مقابل النماذج الإعلامية الزائفة التي تدمر وعي الأجيال. كما نبه إلى خطورة تقليل قيمة العلم والمعلم في المشهد الثقافي، مؤكِّدًا أن تقدير العلم يجب أن ينعكس حتى على سياسات الأجور والهيبة المهنية للمعلم.

(3) القناعة والرضا: كأساس للاستقرار النفسي والاجتماعي، يضمن مواجهة محاولات الإحباط والتشكيك، ويؤسس لحالة عامة من الرضا والبناء في المجتمع.

كما أشار إلى أن غياب التوازن بين عناصر هذا المثلث يفتح المجال أمام محاولات الاختراق، سواء عبر الدراما أو الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت في كثير من الأحيان أداة لنشر الشائعات وتقويض الثقة المجتمعية. وشدد على أن الإعلام الفاسد والسوشيال ميديا التي تروج لقدوات مشوهة تعمل على تفتيت النسق المجتمعي، وأن مواجهة ذلك تتطلب ترسيخ قدوات حقيقية، وتعزيز الرقابة المعرفية والتربية الإعلامية.

مداخلات ورؤى قوية

أدار الدكتور أبو الفضل الإسناوي واللواء “مهران” النقاش بين الشباب، في إطار فتح المجال للحوار وطرح التساؤلات، بتأكيد أهمية تحديد الجغرافيا التشغيلية للمبادرة، ووضع دعائم استمرارية وآليات لقياس الأثر والتقييم، وأن كل عمل اجتماعي يحتاج إلى “عقد” عمل واضح يربط الأهداف بالموارد وفرق التنفيذ.

ودعا “الإسناوي” إلى تشكيل فرق معلومات محلية تفهم شكوى المواطن وتقدم إجابات مدروسة بدلًا من التحرك العشوائي. ثم طُرحت مجموعة من الأسئلة النوعية حول القضايا الراهنة، وتناول النقاش النقاط التالية:

(1) الفجوة بين الريف والحضر: تساءلت الطالبة “ملك وليد” حول كيفية تقليص هذه الفجوة، وفي مع إجابته أكد اللواء “مهران” على أهمية الاستفادة من المبادرات المجتمعية مثل “وصل صوتك” و”اعرف بلدك”، وتكثيف برامج التمكين الميداني المشابهة، والتي تُمكن من تعزيز الروابط بين فئات المجتمع المختلفة عبر قنوات المشاركة والتواصل المباشر، لتمكين الريف من المشاركة العملية في مشاريع إنمائية تحسن جودة الحياة وتعزز الانتماء.

(2) الإنترنت والشائعات: طالبت الطالبة “مريم” بطرح حلول لمواجهة الآثار السلبية للإنترنت، ومن جانبه أوضح اللواء “مهران” ضرورة انتقاء المصادر الموثوقة والاعتماد على البيانات الرسمية، مستشهدًا بأزمة الشائعة التي طالت الأمن المركزي في وقت سابق، والتي كادت أن تؤدي إلى اضطراب واسع وتوسع التظاهرات.

(3) مخاطر مشاهير السوشيال ميديا: رأت الطالبة “دنيا حاتم” أن الحملات الفاسدة عبر “تيك توك” وأمثاله تشكل تهديدًا للقيم المجتمعية، فرد اللواء “مهران” بأن مواجهة هذه الظاهرة تأخرت، مؤكدًا أن الفساد الأخلاقي غالبًا ما يقود إلى انهيار منظومات القيم، وأن الدولة يجب أن تتعامل بحزم أكبر مع هذه النماذج.

كما أشار إلى أن المواجهة هنا تتطلب مزيجًا من إجراءات قانونية رادعة وسياقات توعوية أخلاقية، وأن التأخر في الإجراءات يسهِم في تفاقم الفساد الأخلاقي. وأكد أهمية سرعة استجابة الجهات الرسمية في فضح الشائعات وحماية مؤسسات الدولة، مشددًا على أن الجيش على وجه الخصوص عمود الدولة ولا يجوز المساس بمصداقيته.

(4) التماسك في ظل الأزمات الاقتصادية: تساءلت الطالبة “ردينة عاطف” عن ارتباط التماسك المجتمعي بالمشكلات الاقتصادية، فشدد اللواء “مهران” على أن الوعي الثقافي هو الأساس في حماية المجتمع، وأن الاقتصاد – رغم أهميته – ليس العامل المحدد بقدر ما هو وعي أبناء المجتمع بأولوياتهم ومسؤولياتهم تجاه الوطن. الوعي يصنع ترتيب الأولويات ويمكن من التعامل بموضوعية مع الضغوط الاقتصادية دون تفكك.

(5) تعزيز التماسك عبر الأسرة: وجهت إحدى الطالبات سؤال حول دور الأسرة، فأكد اللواء “مهران” أن مؤسسات الدولة تقوم بدور مهم لكنها تحتاج إلى دعم الأسرة منذ مرحلة التنشئة، مشيرًا إلى أن العمل التطوعي وبناء المسؤولية الذاتية هما الركيزة الحقيقية لتعزيز التماسك، ضاربًا مثالًا قويًا في ذلك، بمشاعر المسؤولية المجتمعية في إشراك الطلبة بتنظيف المدرسة ومشاعرهم تجاهها، وبناء روح العمل الجماعي والتطوعي في الطفل، وتعزيز ذلك ودعمه من خلال الأسرة. واستشهد بنماذج مدنية فعالة مثل “صناع حياة” كمجالات للتعلم والتطبيق العملي للقيم.

الشراكات والاستدامة وتعريف الأولويات

أشارت الباحثة “سارة أمين” مسئولة برنامج دراسات الخليج العربي، إلى أن محاولات التأثير عبر الإغراءات الاقتصادية لا تمحو الثقافة الوطنية بالضرورة، وتناولت تجارب إقليمية توضح أن الوعي الثقافي يصمد أحيانًا أمام الضغوط الاقتصادية. مستشهدة بتدهور التماسك المجتمعي في طهران على أثر التدهور الاقتصادي والخيانات داخل أروقة النظام، إلا أن حالة التماسك خلال حرب الـ 12 يومًا، كانت دليلًا على أن الوعي الثقافي يعيد ترتيب الأولويات وينمي التماسك والانتماء.

كما لفتت إلى أهمية استدامة المبادرات –وألا تقتصر على حملات موسمية- ودور شركات القطاع الخاص أو المسؤولية الاجتماعية لها، مع أمثلة تاريخية مثل مبادرات شركات الاتصالات مثل (أورانج/موبينيل سابقًا). ونبهت إلى الفرق بين عمل المتطوعين وحجم التزام بعض موظفي الجهاز الحكومي، داعية إلى تصميم آليات مشاركة واضحة.

ومن جهته قدم الدكتور “محمد أبو سريع” مستشار المركز للسياسات العامة، قراءة تنظيمية معتبرًا أن مبادرة “تماسك” تمتلك شروط النجاح لأنها بنيت بطريقة علمية وتشاركية، وتوقع أنها قد تُنتج ما لا يقل عن 10–15 مبادرة فرعية إذا نُفذت وفق أولويات محددة. وشدد على ضرورة تحديد الأولويات منذ البداية، وحصر المفردات والمصطلحات لتوحيد الخطاب.

كما لفت إلى إعجابه بمصطلح اللواء “مهران” حول “التفتّت المجتمعي” كواحد من المصطلحات التي وجب ضبطها. وفي شأن التقييم، أكد أن إدخال ثقافة التقييم والمساءلة عبر ورشة تقييم مبدئية ضروري للغاية، لأن غياب التقييم يعادل غياب المساءلة. مستشهدًا بنموذج “رجل الأعمال الفاسد” الذي نوقش كمثال معاكس يبرز فكرة المسؤولية المجتمعية للشركات والتي يجب تعزيزها بشكل مستمر.

وختامًا، أنهى اللواء “أحمد زغلول مهران” كلماته بالتأكيد على أن التماسك المجتمعي ليس شعارًا بل ممارسة عملية تتطلب تضافر جميع الجهود، مشددًا على أن مصر بما تملكه من طاقات شبابية قادرة على مواجهة التحديات الراهنة وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا. وأكد سيادته أن الدولة تولي الشباب عناية خاصة باعتبارهم الركيزة الأساسية لاستدامة التنمية وتعزيز الانتماء الوطني.

وفي النهاية، قام الدكتور “أبو الفضل الإسناوي” بتوجيه الشكر إلى وزارة الشباب والرياضة ومبادرة “تماسك” وإلى جميع الحضور، معلنًا ختام أعمال الورشة، مع الإعراب عن تطلع المركز إلى مزيد من التعاون المثمر في الفعاليات المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى