حول ثقافة ناعمة.. خطة استراتيجية لإعادة بناء الوعي الوطني وتعزيز القوة الناعمة لمصر

تُعتبر الثقافة حجر الزاوية في بناء هوية أي أمة وهي تعكس تطلعاتها وتاريخها وأهدافها المستقبلية وفي مصر حيث تُعد الثقافة أحد الأعمدة الأساسية التي ساهمت في تشكيل الحضارة الإنسانية يأتي دورها الحيوي في تمكين المواطنين من المشاركة الفاعلة في صناعة مستقبلهم مع التحديات التي تشهدها المنطقة العربية وظهور العديد من الأفكار المتطرفة التي تهدد الأمن الاجتماعي والسياسي لذا من الضروري إطلاق مبادرات ثقافية وفنية تُعيد البناء الاجتماعي وتُرسخ من الهوية الوطنية المصرية.

مبادرة “ثقافة ناعمة من أجل مصر” التي يقودها مركز دعم الإبداع والابتكار والوعي المجتمعي، تمثل حجر الزاوية لهذا التحول الثقافي المنشود تسعى المبادرة إلى تقديم استراتيجية وطنية تدمج بين تعزيز الهوية الثقافية وتعظيم القوة الناعمة ما يسهم في محاربة الفكر المتطرف وتحقيق الاستقرار الوطني من خلال الأدوات الثقافية والفنية في هذا المقال سنستعرض المبادرة بكافة تفاصيلها بدءاً من أهدافها ورؤيتها وصولاً إلى آلية تنفيذها في المستقبل القريب.

أهمية الثقافة في النهوض بالوعي الوطني:

إن الثقافة، في جوهرها، هي وسيلة لتشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي عندما يتمتع المواطن بالوعي الثقافي الصحيح يصبح أكثر قدرة على التصدي للتهديدات التي قد تمس استقرار المجتمع في السياق المصرى حيث يرتبط الشعب بتاريخ عريق وثقافة غنية يُعد تعزيز الوعي الوطني من خلال الثقافة أداة أساسية لمواجهة الأفكار المتطرفة والتي تُهدد تماسك الأمة.
إن الثقافة تؤدي دوراً أساسياً في ترسيخ قيم المواطنة والتي تشمل الانتماء والاحترام المتبادل وتقبل الآخر وكلما كانت الثقافة التي يتم نشرها ثقافة تُعزز من هذه القيم كلما كانت الدولة قادرة على التأثير الإيجابي على مواطنيها من خلال التوجيه السليم والنقد البناء.

الثقافة كأداة لمكافحة الفكر المتطرف:

الفكر المتطرف يعد أحد أكبر التهديدات التي تواجه المجتمعات الحديثة وهو ينشأ عادة في بيئه تفتقر إلى الوعي الثقافي السليم وهنا يأتي دور الثقافة والفنون في محاربة هذا الفكر حيث يمكن أن تكون بمثابة “السلاح الناعم” الذي يعزز من القدرة على التفكير النقدي والتمييز بين الصواب والخطأ ومن خلال الإنتاج الثقافي والفني يمكن نشر قيم التسامح والتعايش والعدالة على سبيل المثال يمكن للسينما والمسرح والدراما أن تسهم في تقديم رسائل قوية تدعو إلى نبذ العنف والإرهاب كما أن الأدب والشعر يمكن أن يكون لهما دور محوري في إحياء الوعي الوطني وتعزيز الهوية الثقافية المصرية ما يُسهم في توجيه الأفراد نحو إعلاء مصلحة الوطن وتفهم تنوعه.

الرؤية:
تهدف مبادرة “ثقافة ناعمة من أجل مصر” إلى تطوير الثقافة الوطنية بشكل يتلاءم مع التحديات المعاصرة بما يضمن ترسيخ الهوية المصرية لدى الشباب وتعزيز قيم التسامح والانفتاح على الآخر تسعى المبادرة إلى جعل الثقافة والفنون أداة فعالة في تحقيق الاستقرار المجتمعي من خلال تحفيز الإبداع، وتنمية الوعي الثقافي، والتصدي للأفكار الهدامة.

الهدف:
1. تعزيز الوعي الوطني
من خلالنشر الثقافة الوطنية التي تعكس تاريخ البلاد وحضارتها العريقة وتعزز من انتماء المواطنين للوطن.
2. مكافحة الفكر المتطرف والشائعات :
باستخدام الأدوات الثقافية والفنية لمحاربة التطرف والشائعات وتعزيز قيم التسامح والمواطنة.
3. تعزيز الفنون المصرية:
بدعم الفنانين المحليين وتنمية قدراتهم في مجالات السينما، والمسرح، والموسيقى.
4. تحقيق التنمية المجتمعية:
بنشر الثقافة في مختلف شرائح المجتمع لتعزيز المبادئ الإنسانية المشتركة بما يسهم في تحسين الواقع الاجتماعي.

المستفيدون من المبادرة:
1. الشباب المصري:
حيث أنهم أكثر الفئات تعرضاً للتأثيرات الفكرية المتنوعة وسيكونون في قلب هذه المبادرة.
2. المؤسسات الثقافية والفنية:
مثل دار الأوبرا، الهيئة العامة لقصور الثقافة، وغيرها من الهيئات التي تساهم في تطوير الفنون في مصر.
3. المجتمع المدني:
يشمل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات والجمعيات الأهلية التي تساهم في نشر الوعي المجتمعي وتعزيز الحوار الوطني.
4. الجامعات وأكاديميات الفنون:
ستكون لهم مساهمة أساسية في تقديم ورش العمل وتنظيم الدورات الثقافية التي تتناول قضايا وطنية.

الجهات الداعمة والمساندة:
1. وزارة الثقافة المصرية:
الهيئة المسؤولة عن التنسيق وتنفيذ الفعاليات الثقافية والفنية على مستوى الدولة.
2. الهيئة العامة لقصور الثقافة: ستكون من أبرز الشركاء في تقديم ورش العمل والفعاليات الثقافية على مستوى المحافظات.
3. الهيئة الوطنية للإعلام:
من خلال دعم الإعلام الثقافي ونشر البرامج التي تسهم في نشر الوعي الوطني.
4. المؤسسات الأكاديمية:
مثل الجامعات المصرية وأكاديمية الفنون التي ستكون مسؤولة عن التعليم والتدريب في المجال الثقافي والفني.

خطة تنفيذ المبادرة:

المرحلة الأولى: التحضير والتخطيط:

1. دراسة الاحتياجات:
إجراء دراسة ميدانية لمعرفة احتياجات المجتمع الثقافية والفنية.
2. شراكات استراتيجية:
عقد شراكات مع جهات حكومية وخاصة لدعم المبادرة مالياً وفنياً.
3. تشكيل لجنة مسئوله عن تنفيذ المبادره :
تأسيس فريق عمل من الخبراء الثقافيين والفنيين لتنفيذ المبادرة.
4. إعداد خطة شاملة:
وضع خطة مفصلة تشمل الأهداف، البرامج والجدول الزمني والميزانية.

المرحلة الثانية: إطلاق الفعاليات الثقافية والفنية:

1. المهرجانات الثقافية والفنية: تنظيم مهرجانات ثقافية وفنية تبرز الإبداع المصري وتشجع على التفاعل المجتمعي.
2. المسابقات الفنية:
دعم الفنانين الشباب من خلال مسابقات في السينما والمسرح والموسيقى.
3. دعم الإنتاج الثقافي:
تمويل الأفلام والمسلسلات والبرامج الثقافية التي تركز على القضايا الاجتماعية.

المرحلة الثالثة: التوسع والتطوير:

1. التوسع الجغرافي:
توسيع نطاق الفعاليات لتشمل جميع أنحاء الجمهورية.
2. الشراكات الدولية:
التعاون مع المؤسسات الثقافية العالمية لتعزيز الصورة الثقافية المصرية على المستوى الدولي.
3. منصات رقمية:
تطوير منصات رقمية لعرض الأعمال الفنية والثقافية على نطاق واسع.

*المرحلة الرابعة: الاستدامة والتقييم المستمر*

1. إنشاء صندوق دعم دائم:
لدعم المشاريع الثقافية والفنية المستدامة.
2. التقييم المستمر:
مراجعة أداء المبادرة وفقاً لمؤشرات الأداء المحددة.
3. التوثيق الإعلامي:
نشر تقارير وتوثيقات إعلامية تبرز تأثير المبادرة على المجتمع.

المبادرة الثقافية في مجالات الفن والدراما والمسرح والسينما:

1. الدراما والسينما:
تشجيع الإنتاج السينمائي والدرامي الذي يعكس القضايا الاجتماعية ويسهم في تطوير الوعي الوطني.
2. المسرح والفنون الأدائية:
دعم العروض المسرحية التي تتناول قضايا مجتمعية وتساهم في تعزيز التفكير النقدي.
3. الموسيقى والغناء:
دعم الأغاني التي تروج للقيم الوطنية وتُعزز من الهوية الثقافية المصرية.
4. الشعر والأدب:
تنظيم مسابقات أدبية وتقديم الدعم للأدباء المصريين لكتابة أعمال تبرز الثقافة الوطنية.
فى النهاية، إن “مبادرة ثقافة ناعمة من أجل مصر” ليست مجرد مبادرة ثقافية بل هي رؤية استراتيجية تهدف إلى إحداث تحول حقيقي في المشهد الثقافي المصري هي دعوة مفتوحة لكل فئات المجتمع للانخراط في عملية تطوير الوعي الوطني والفني من خلال تسليط الضوء على أهمية الثقافة والفنون في بناء أمة قوية ومستقرة المبادرة تسعى إلى تعزيز الهوية المصرية وتوحيد الشعب حول قيمه الثقافية الأصيلة التي تمثل حصناً منيعاً ضد الأفكار المتطرفة التي تهدد النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية.

من خلال دعم الفنون والمبدعين وتشجيع الإنتاج الثقافي الرفيع نسعى إلى تحسين الصورة الثقافية لمصر على المستويين المحلي والدولي وتعزيز قوتها الناعمة التي تُمكنها من مواجهة التحديات الخارجية بسلام داخلي وقوة تماسك مجتمعي.

مبادرة ثقافة ناعمة من أجل مصر، هي أكثر من مجرد فكرة إنها مشروع استراتيجي طويل المدى يعكس طموحاً حقيقياً لإعادة بناء المجتمع المصري من خلال الثقافة والفنون فهي تستهدف توعية الشباب وتمكينهم من التعبير عن أنفسهم بطريقة بنّاءة في إطار من الاحترام والتسامح بعيداً عن الانغلاق والتطرف المبادرة تمثل ايضآ فرصة لإحياء وتطوير الفنون المصرية خاصة في مجالات السينما والمسرح والموسيقى التي تعد من أبرز أدوات التأثير في تشكيل الوعي المجتمعي.

إن الثقافة هي الحصن الذي يحمي المجتمع من الانزلاق في فخ الأفكار الضارة كما أنها تُمثل مرآة حقيقية تُعكس فيها تطلعات الأمة وآمالها من خلال “ثقافة ناعمة من أجل مصر” نأمل أن نزرع في عقول وقلوب المواطنين قيم التسامح والانفتاح والحرية الفكرية ما يعزز من نسيج المجتمع ويُساهم في تحقيق استقرار طويل الأمد في مصرنا الحبيبة.

هذه المبادرة ستعمل على توفير بيئة مثالية للإبداع الثقافي والفني من خلال التعاون بين جميع الأطراف ( الحكومة والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الثقافية والمجتمع المدني بهدف خلق أرضية مشتركة تدعم تطوير الفنون والوعي المجتمعي ومن خلال العمل الجماعي ستُثمر هذه المبادرة في تحقيق نهضة ثقافية حقيقية تُمكّن المجتمع المصري من مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية وتجعله أكثر استعداداً للانخراط في المسار الحضاري العالمي بكل ثقة.

مبادرة ثقافة ناعمة من أجل مصر، ليست مجرد برنامج ثقافي بل هي أداة لتحويل الثقافة والفنون إلى ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة إنه مشروع مستقبلي يحمل في طياته العديد من الفرص لتعزيز الانتماء الوطني وتوحيد الشعب المصرى حول أهداف مشتركة ويُسهم في بناء الجمهوريه الجديدة التي تفتخر بتاريخها وحضارتها وتعمل على تعزيز مكانتها على الساحة العالمية.

لن نتوقف عن العمل من أجل مصر المستقبل مصر الثقافة والإبداع والفن معاً سوف نُحقق هذا الحلم ونكتب فصلاً جديداً في تاريخ مصر الثقافي والفني حيث يُصبح الفن والثقافة بمثابة القوة الناعمة التي تُسهم في البناء المستدام للوطن والمواطن.

لواء أحمد زغلول

اللواء أحمد زغلول مهران، مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، وهو نائب رئيس حزب المؤتمر رئيس الهيئه العليا للحزب. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى