خطة ترامب بشأن غزة رؤية تحليليّة نقدية

تُعدّ الأوضاع في غزة من أكثر ملفات الأمن الإقليمي حساسية وتعقيداً لما تحمله من أبعاد سياسية وإنسانية وأمنية متداخلة وفي هذا السياق جاءت التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في سبتمبر 2025، بشأن طرح خطة سلام تتعلق بقطاع غزة وسط ترويج إعلامي واسع باعتبارها خطة إنقاذ وإعادة إعمار للمنطقة، تحت مسمى غير رسمي هو خطة النقاط الـ21 .
وبصفتي باحثاً في القضايا الاستراتيجية وذا خلفية عسكرية طويلة فإنني أُبدي في هذا المقال ملاحظاتي على هذه الخطة من حيث التوقيت والطرح والبنية وأثرها المحتمل على الأمن القومي المصري والعربي قبل الدخول في تفاصيل التفاوض أو اعتماد أي من بنودها وأُقرر في هذا المقام ما يلي:
(١)- إن الخطة تحمل في ظاهرها جوانب إعادة الإعمار والتنمية لكنها في جوهرها محاولة لإعادة صياغة واقع غزة سياسياً وأمنياً خارج السياق الفلسطيني العربي المشروع.
(2)- تتجاهل الخطة بشكل فجّ الحق الفلسطيني في تقرير المصير، ولا تتعامل مع غزة باعتبارها جزءاً من دولة فلسطينية ذات سيادة بل ككيان قابل للإدارة والوصاية المؤقتة.
(3)- المقترحات المتعلقة بـ إدارة دولية ووجود قوات مراقبة أو حفظ سلام بقيادة أطراف غير محايدة تفتح الباب أمام تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السيادة تُدار بما يشبه الانتداب الجديد وعليه فإن أي تفاوض لاحق يجب أن يُبنى على ثوابت الأمن القومي المصري والعربي وألا يتم التعاطي مع الخطة بوصفها أمراً واقعاً بل باعتبارها مسودة سياسية ذات طابع انتخابي في المقام الأول تحتاج إلى قراءة دقيقة وتحليل إستراتيجي شامل.
تفاصيل الخطة المقترحة 21 نقطة تثير التساؤلات:
أعلن ترامب عبر فريقه ومستشاريه عن خطة تتضمن 21 بنداً رئيسياً تهدف حسب زعمه إلى تحقيق استقرار دائم في غزة، ومن أبرز هذه البنود:
1- وقف إطلاق نار شامل بضمانات أمريكية وإسرائيلية وعربية.
2- تفكيك كامل للقدرات العسكرية لحركة حماس وخاصة منظومات الصواريخ والأنفاق.
3- صفقة تبادل تشمل إطلاق الرهائن مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين.
4- انسحاب مرحلي للجيش الإسرائيلي من بعض مناطق القطاع، بعد التأكد من تحييد التهديد .
5- إقامة هيئة إدارة انتقالية دولية تتولى حكم غزة مؤقتاً برئاسة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير مع مشاركة فلسطينيين تكنوقراط وبإشراف مباشر من الولايات المتحدة.
6- وجود قوة حفظ سلام عربية أو دولية تعمل على تأمين القطاع وضبط حدوده.
7- منع عودة حماس للحكم أو للعمل السياسي مستقبلاً.
8- تنفيذ مشاريع بنية تحتية واقتصادية كبرى بتمويل خليجي ودولي.
9- رقابة مالية صارمة على أوجه الإنفاق في غزة.
10- رفض إقامة دولة فلسطينية في الوقت الحالي مع ترك الباب مفتوحاً لحل مستقبلي مشروط .
11- إشراف مباشر أمريكي إسرائيلي على المعابر والمعونات والمشروعات.
12- تمكين إسرائيل من الاحتفاظ بالتفوق الجوي والتكنولوجي الكامل فوق غزة.
13- رفض أي محاولة من إيران أو حزب الله للتدخل في غزة مستقبلاً.
14- تأمين المعابر المصرية والحدود الجنوبية بموجب اتفاق أمني ثلاثي محتمل.
15- وعد بتطوير غزة لتصبح منطقة استثمارية وسياحية وفق وصف ترامب ريفييرا الشرق الأوسط .
تحليل سياسي قانوني لمضمون الخطة:
رغم ما يُسوَّق للخطة على أنها مخرج إنساني للأزمة فإن التحليل الاستراتيجي يظهر ملاحظات جوهرية يجب الوقوف عندها:
أولاً- الغياب التام للتمثيل الفلسطيني السياسي في مراحل إعداد الخطة يشير إلى استبعاد متعمّد للقيادة الشرعية أو التمثيل الشعبي، مما يُضعف شرعيتها.
ثانيًا- فكرة إدارة أجنبية مؤقتة لغزة بقيادة شخصية دولية دون تفويض شعبي أو قرار من الأمم المتحدة يُذكّرنا بنماذج الانتداب والوصاية وهو مرفوض قانوناً وأخلاقياً وسياسياً .
ثالثاً- فرض شروط مثل تفكيك كامل لحركة حماس دون آلية حوار سياسي يُعني الدفع باتجاه حل أمني قسري يؤدي إلى انفجار محتمل لا إلى تسوية.
رابعاً- الخطة لا تذكر أي مرجعية قانونية دولية للصراع ولا تشير إلى قرارات مجلس الأمن أو اتفاقيات أوسلو وهو تجاهل متعمّد للشرعية الدولية.
خامساً- الإصرار على تأجيل الحديث عن الدولة الفلسطينية، ورفض حق العودة وتكريس الدور الإسرائيلي في الرقابة والسيطرة يجعل من الخطة وثيقة تصفية لا تسوية.
الموقف المصري والعربي ومحددات الأمن القومي:
إن أي تعامل مع هذه الخطة يجب أن يُبنى على ثوابت راسخة:
1. رفض أي شكل من أشكال التوطين أو تهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة سواء بشكل مباشر أو مؤقت .
2. عدم السماح بإقامة كيانات غير مستقرة أو تحت إدارة أجنبية على حدود مصر.
3. رفض مشاركة قوى غير محايدة في مراقبة حدود مصر مع غزة.
4. عدم القبول بأي انتهاك للسيادة الفلسطينية أو المساس بحق تقرير المصير.
5. ضمان عدم تحوّل غزة إلى قاعدة استخبارية عسكرية تحت إشراف دولي أو صهيوني مباشر .
في ضوء ما سبق فإن ما يُسمى خطة ترامب لغزة ليست خطة سلام بل مشروع فرض واقع جديد بقوة النفوذ السياسي والاقتصادي لا بقوة القانون أو الشرعية.
وإذا كانت بعض بنودها تُغري بالتنمية وإعادة الإعمار فإن جوهرها يحمل بذور تصفية القضية الفلسطينية من بوابة غزة مع استبعاد الشعب الفلسطيني من معادلة القرار.
ومن هنا فإن التحرك المصري والعربي يجب أن يظل حاسماً في:
(1)- رفض أي وصاية دولية على غزة.
(2)- التأكيد على الحل السياسي الشامل للقضية الفلسطينية.
(3)- وضع الأمن القومي المصري كأولوية لا تفاوض فيها.
والتاريخ يُعلّمنا أن أي حلول تُفرض خارج إرادة الشعوب تكون مؤقتة ومصيرها الفشل أما الحلول التي تُبنى على الحوار والسيادة والشرعية فهي وحدها التي تصمد