تهديدات تكتيكية: هل ينجو صندوق النقد الدولي من “ترامب”؟

على عكس الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت، الذي قال إن “السياسة الخارجية يجب أن تتحدث بهدوء وتحمل عصا كبيرة”،- تؤمن إدارة ترامب بالتحدث بصوت عالٍ والسماح لاستخدام عصاه الكبيرة لتحطيم الأشياء. وفي هذا الإطار، هناك عاصفة من الأنباء والتحليلات حول مدى التزام واشنطن بالمؤسسات المالية العالمية، حيث أدى غياب وزير الخزانة الأميركي “سكوت بيسنت” عن اجتماعات مجموعة العشرين إلى تأجيج المخاوف بشأن الانسحاب الأميركي المحتمل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفي هذا السياق، ذكرت وكالة رويترز أن احتمال انسحاب الولايات المتحدة من هذه المؤسسات يدق ناقوس الخطر في جميع أنحاء العالم.
يذكر أن كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي له أهمية كبيرة، رغم كل الانتقادات التي توجه لهما من قبل الدول المدينة واتهامهم إياهما بأن المؤسستين لا يعملان لصالح الإصلاحات الهيكلية في الاقتصادات الناشئة والفقيرة والنامية. فقد نشأ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أنقاض الحرب العالمية الثانية، وكان الهدف منهما هو استقرار الاقتصادات ومنع الصراعات في المستقبل. ويعمل صندوق النقد الدولي كمقرض الملاذ الأخير، حيث يوفر شرايين الحياة المالية الحاسمة للدول المتعثرة ــ سواء كانت اليونان أثناء أزمة الديون، أو الأرجنتين وسط حالات التخلف المتكررة عن السداد، أو حتى المملكة المتحدة في عام 1976. وفي الوقت نفسه، يمول البنك الدولي مشاريع البنية الأساسية الكبرى، من السكك الحديدية إلى الطاقة المتجددة، ويساعد البلدان على تطوير الأطر المالية. وتلعب المؤسستان دوراً فعالاً في تشكيل السياسة الاقتصادية وثقة المستثمرين في جميع أنحاء العالم.
تأسيسًا على ما سبق، نطرح سؤال هو: هل تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب من المؤسسات المالية الدولية؟، وهل من الممكن أن ينجح الصندوق في البقاء على قيد الحياة؟ على الرغم من كل العداء الذي توجهه حكومة ترامب نحو المنظمات المتعددة الأطراف بشكل عام والبنوك الإنمائية المتعددة الأطراف بشكل خاص.
مؤشرات إيجابية:
لا يزال صندوق النقد الدولي يلبي “حاجة جماعية” قوية في الاقتصاد العالمي، ولديه عدد قليل من المنافسين. وهو يؤدي العديد من الوظائف الحاسمة والمتفق عليها على نطاق واسع في الاقتصاد العالمي: مصدر تمويل طارئ عندما لا يقرض المقرضون الآخرون بسرعة؛ وانضباط جماعي على الحكومات الوطنية لتقليل احتمالات احتياجها إلى قروض طارئة وزيادة احتمالات سداد القروض؛ ومنسق إعادة هيكلة الديون الخارجية عند الضرورة.
وقد سبق وأن حاولت حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان “سحب التمويل” من صندوق النقد الدولي وخفض عدد موظفيه، لتتراجع عن مسارها عندما ضربت الأزمة المالية المكسيكية وأميركا اللاتينية على نطاق أوسع في عام 1982. والواقع أن الحاجة الوظيفية أصبحت أقوى اليوم لأن تفتت النظام العالمي وتسييس التمويل الدولي على نحو متزايد من جانب الولايات المتحدة وأوروبا والصين يزيد من ضعف كل الاقتصادات، باستثناء الاقتصادات الأكبر حجماً، في مواجهة الصدمات الاقتصادية الأجنبية وتراكم الديون غير القابلة للسداد.
كما أن صندوق النقد الدولي ليس له منافسون حقيقيون (في حين أن البنك الدولي لديه العديد منهم). ولم يتم استخدام البدائل مثل مبادرة شيانج ماي لأعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا وترتيب الاحتياطي الطارئ لتحالف مجموعة البريكس إلا قليلا، ولديها قواعد تربط الاقتراض باتفاقيات صندوق النقد الدولي.
ومن المؤشرات الإيجابية الأخرى أن مجلس محافظي صندوق النقد الدولي وافق في عام 2021 على تخصيص جديد لحقوق السحب الخاصة (أصل احتياطي دولي أنشأه الصندوق في عام 1969)، بما يعادل 650 مليار دولار أميركي، لتعزيز موارد الإقراض لدى صندوق النقد الدولي والسيولة العالمية بشكل عام. كما أن قبول مرفق المرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي، الذي أنشئ في عام 2023، هي أيضا علامة على استمرار أهميته.
ومع ذلك، في حين تعمل العوامل المذكورة أعلاه على تحسين آفاق صندوق النقد الدولي المستقبلية، فإن هذه الآفاق غائمة بسبب تركيز النفوذ في أيدي الولايات المتحدة والدول الأوروبية والتهميش المستمر لدول الجنوب العالمي، وخاصة الصين.
فلقد تم إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قبل ثمانية عقود عندما كانت أجزاء كبيرة من العالم غير الغربي لا تزال مستعمرات رسمية للدول الغربية، وكانت أجزاء أخرى مستعمرات غير رسمية. وليس من المستغرب أن تنشئ الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، قواعد تركز “النفوذ” (بما في ذلك حصة الأصوات والتمثيل في الهيئات الحاكمة) في أيديها.
ومن اللافت للنظر أن الدول الغربية (بالإضافة إلى اليابان)، التي تمثل اليوم نحو 17% من سكان العالم، لا تزال تتمتع بنفوذ منخفض في هذه المنظمات، تقريباً كما كان الحال في عام 1945. وكأن “التعددية القطبية” الناشئة أو “التعددية” في النظام العالمي لم تحدث بعد. وهذا مصدر للاستياء وفقدان الاهتمام من جانب الحكومات والمسؤولين في العديد من الأسواق الناشئة والبلدان النامية، وخاصة الكبيرة منها.
ويتفاقم هذا الأمر بسبب استخدام النفوذ الغربي لدفع البلدان النامية إلى فتح اقتصاداتها للتجارة الحرة والتمويل إلى حد ما، وتحرير مناطق كبيرة من النشاط الاقتصادي، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة والموارد الطبيعية، وبشكل أكثر عمومية، توسيع نطاق الأسواق وتقليص دور الدولة. ويقدم صندوق النقد الدولي هذه الشروط باعتبارها محايدة وتكنوقراطية، ولكن بعض البلدان النامية الكبرى تستاء من تهميشها في صياغة سياسة الصندوق وتتطلع إلى تطوير بدائل.
تغيرات أمريكية:
بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، فإن احتمالية إعلان الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة ترامب الانسحاب من المزيد من المؤسسات الدولية في الأشهر المقبلة، يعد أمرًا واردًا بقوة. ومن الجدير بالذكر أن مشروع 2025 – المخطط التفصيلي لولايته الثانية، الذي طورته مؤسسة هيريتيج المحافظة – يدعو الولايات المتحدة إلى الخروج من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
في الرابع من فبراير 2025، أمر ترامب بإجراء مراجعة شاملة لمدة 180 يومًا لجميع المنظمات الدولية التي تنتمي إليها الولايات المتحدة وتدعمها، فضلا عن “جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي تكون الولايات المتحدة طرفا فيها”. ويتماشى التوجيه مع أهداف مشروع 2025 (المكون من تسعمائة صفحة) الذي يرفض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باعتبارهما “وسطاء باهظي الثمن” “يعترضون” التمويل الأمريكي قبل أن يصل إلى مشاريع في الخارج. وإذا اتبع ترامب هذا الدليل، فإن خروج الولايات المتحدة سيكون وشيكًا.
ورغم أن قرب مقر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخزانة والكونجرس ليس من قبيل المصادفة. حيث حافظت الولايات المتحدة باستمرار على سيطرة مشددة على هذه المؤسسات، وصياغة سياساتها وقيادتها لتعزيز مصالحها الوطنية. لقد كانت الولايات المتحدة، هي التي تعين رئيس البنك الدولي، وتقر اختيار أوروبا لقيادة صندوق النقد الدولي، وتختار نائب المدير الإداري للصندوق. وتظل الولايات المتحدة الدولة العضو الوحيدة التي تتمتع بسلطة عرقلة القرارات الكبرى من جانب واحد، حيث يتطلب كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أغلبية 85%. ولكن من الواضح أن مؤلفي مشروع 2025 أساءوا فهم كيفية تمويل هذه المؤسسات وإدارتها. فمن خلال التخلي عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ستخسر الولايات المتحدة مصدراً رئيسياً للنفوذ العالمي والرافعة الاقتصادية. وفي الواقع، ستفقد الولايات المتحدة أدوات حيوية لدعم شركائها ــ وحجب التمويل عن أعدائها.
انعكاسات سلبية:
ليس من المستغرب أن تظهر الدراسات مراراً وتكراراً أن أنماط الإقراض في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تتوافق بشكل وثيق مع المصالح الوطنية الأميركية. تستخدم الولايات المتحدة صندوق النقد الدولي بانتظام باعتباره “المستجيب الأول” لحماية الاقتصاد الأميركي. ويدرك ترامب هذا. ففي ولايته الأولى، مكنه ذلك من تقديم برنامج لصندوق النقد الدولي بقيمة 57 مليار دولار أميركي لصديقه القديم، رئيس الأرجنتين آنذاك ماوريسيو ماكري، وهو الأكبر من نوعه في تاريخ الصندوق (يدفعه جميع أعضاء صندوق النقد الدولي). وعلى نحو مماثل، استخدمت الولايات المتحدة البنك الدولي لتعزيز التحالفات الأمنية والاقتصادية، ومعالجة التهديدات الإرهابية ودعم إعادة الإعمار بعد الحرب في بلدان مثل العراق وأفغانستان في أعقاب الغزوات التي قادتها الولايات المتحدة .
ويقدم البنك الدولي فرصًا مماثلة لاستخدام الموارد الأميركية. إن الذراع الرئيسي لمجموعة البنك الدولي، التي تضم أربع شركات تابعة أخرى، هو البنك الدولي للإنشاء والتعمير. ولا تدفع الولايات المتحدة تكاليف إدارة البنك، بل تدفعها الدول المقترضة الكبرى مثل الهند وتركيا وإندونيسيا والأرجنتين والفلبين. وتمول أقساط القروض التي تسددها هذه الدول، إلى جانب صافي دخل البنك الدولي للإنشاء والتعمير من السنوات السابقة، إلى حد كبير المقر الرئيسي للمنظمة ورواتب الموظفين وغير ذلك من النفقات التشغيلية (معظمها يتدفق مباشرة إلى اقتصاد واشنطن العاصمة).
وعلى النقيض من العديد من المؤسسات المتعددة الأطراف، لا يعتمد البنك الدولي للإنشاء والتعمير على التبرعات المباشرة من البلدان. بل إنه يجمع رأس المال من خلال إصدار السندات ثم يقرض العائدات للاقتصادات النامية والناشئة. وفي الواقع، يمول البنك الدولي للإنشاء والتعمير نفسه ــ بإصدار 52.4 مليار دولار أميركي في شكل سندات في عام 2024. ورغم أن سنداته مدعومة بضمانات من البلدان الأعضاء، فإن البنك الدولي للإنشاء والتعمير لم يستغل رأس ماله القابل للاستدعاء قط. وبالتالي، يقدم كل مساهم جزءاً صغيراً من حصته الملتزمة كـ”رأس مال مدفوع”. بالنسبة للولايات المتحدة، يبلغ هذا 3.7 مليار دولار أميركي – حوالي 19٪ من 20 مليار دولار أميركي من الإعانات التي قدمتها الحكومة الفيدرالية لشركة SpaceX التابعة لإيلون ماسك على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية .
وتساهم الولايات المتحدة في البنك الدولي بطرق أخرى. في عام 2018، على سبيل المثال، وافقت إدارة ترامب الأولى على زيادة رأس مال البنك الدولي للإنشاء والتعمير بمقدار 7.5 مليار دولار أميركي. لكن الولايات المتحدة تحصل على الكثير في المقابل. على سبيل المثال، مساهماتها في ذراع الإقراض الميسر للبنك الدولي، الرابطة الدولية للتنمية، طوعية ويتم إعادة التفاوض عليها كل ثلاث سنوات، مما يمنح الولايات المتحدة نفوذاً هائلاً على إقراض الرابطة. وبعبارة اخرى، فإن الانسحاب من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سيكون خطأ فادحا، حيث يحرم الولايات المتحدة من قدرتها على تشكيل قواعد النظام النقدي الدولي وملاحقة مصالحها الاستراتيجية. ومع ذلك، يبدو أن البعض على الأقل في إدارة ترامب مغرمين بذلك.
حتى لو لم تنسحب الولايات المتحدة من البنك الدولي وامتنعت بدلا من ذلك عن تمويله، فإن الدول الأعضاء التي تمثل 70٪ من إجمالي القوة التصويتية قد تعلق حقوقها في التصويت لفشلها في الوفاء بالتزاماتها المالية. ستفقد الولايات المتحدة بعد ذلك جميع الحقوق بموجب بنود اتفاقية البنك – باستثناء الحق في الانسحاب – مع استمرارها في الالتزام بالتزاماتها القائمة. إذا استمر التعليق لأكثر من عام، فستفقد الولايات المتحدة عضويتها تلقائيًا ما لم تصوت نفس الأغلبية لإعادة العضوية.
ولعل الأهم من ذلك أن التكلفة الفعلية لمشاركة الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أقل كثيرا مما يفترضه كثيرون. ففي كل عام، تقوم وزارة الخزانة بتقييم التأثير المالي لمساهمات البلاد في صندوق النقد الدولي. وفي السنة المالية 2023، أعلنت عن مكسب بلغ 407 ملايين دولار.
موقف ترامب:
تفرض التطورات السياسية في الولايات المتحدة تحديات إضافية. فمع نمو الاقتصاد العالمي، يتعين على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن يطلبا من الدول الأعضاء منحهما المزيد من رأس المال لتعزيز قاعدة أسهمهما. وقبل فترة طويلة من وصول ترامب إلى السلطة، قاوم الكونجرس الأميركي تسليم المزيد من “دولارات دافعي الضرائب” الأميركيين لهذه المنظمات المتعددة الأطراف وغيرها. واستغرق الأمر من وزارة الخزانة الأميركية خمس سنوات، من عام 2010 إلى عام 2015، لإقناع عدد كاف من ممثلي الكونجرس بالموافقة على زيادة الحصص التي تفاوضت عليها ووافقت عليها جميع الحكومات الأعضاء باستثناء الولايات المتحدة في عام 2010.
ما سبق يمثل معضلة رئيسية بالنسبة لصندوق النقد الدولي. فمن ناحية، يقاوم المجلس التشريعي الأميركي الموافقة على زيادة التمويل لصندوق النقد الدولي، حتى مع نمو الاقتصاد العالمي. ومن ناحية أخرى، تصر حكومة الولايات المتحدة على أنها يجب أن تكون المساهم الأكبر الوحيد والدولة الوحيدة التي تتمتع بحق النقض، وهو ما يضع حدا لرأس المال الممنوح من قِبَل الآخرين.
ويزداد الوضع تعقيدا مع عودة ترامب. لقد أعرب ترامب لفترة طويلة عن ازدرائه للتعاون المتعدد الأطراف وتفضيله للصفقات الثنائية، حيث تكون للولايات المتحدة اليد العليا في الغالب. كما كان رافضًا لأوروبا والتحالف الغربي بأكمله، في حين يبدو مستشاره الرئيسي، إيلون ماسك، معجبا بالهجوم على تغيير النظام في الديمقراطيات المتحالفة. ويتفق ترامب وأولئك الذين عينهم في المناصب العليا على أن العولمة والتجارة الحرة أضرت بالاقتصاد الأمريكي من خلال تحويل الصناعات الحيوية إلى الخارج وجعل الولايات المتحدة تدير عجزًا تجاريًا ضخمًا. يقولون إنه من الأهمية بمكان أن ترفع الولايات المتحدة التعريفات الجمركية لخفض الواردات، حتى من الحلفاء المقربين.
في النهاية، يمكن القول تتعارض النظرة العالمية القائمة على المواجهة والتصفية والربح والخسارة مع أجندة السياسة المؤيدة للعولمة والتجارة الحرة والمعادية للصناعة التي روج لها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نيابة عن سياسات الولايات المتحدة. وهنا نتساءل؟ هل من الممكن أن يكون هذا تهديدًا لكسب المزيد من النفوذ الأميركي؟ إذا انسحبت الولايات المتحدة، فإنها ستفقد بعض قدرتها على استخدام التعددية لتعزيز المصالح الثنائية على سبيل المثال، ديون الأرجنتين- والتي أعلن رئيسها مؤخرًا أنه سيلجأ إلى الصندوق مرة أخرى- لصندوق النقد الدولي أعلى بكثير من الحد القانوني بالفعل – 44 مليار دولار. ترامب وحلفاؤه حريصون على دعم حكومة خافيير ميلي في الأرجنتين، بما في ذلك المزيد من القروض. لكنهم سيجدون صعوبة في إقناع الكونجرس الأميركي بتمويل القروض الثنائية. سيكون من الأسهل جعل صندوق النقد الدولي يمنح الأرجنتين صفقة مواتية. لذا فإن التهديد الأميركي بالانسحاب من الصندوق قد يمنحها نفوذا مفيدا في هذا الصدد. ومن ثم تكون تهديدات ترامب تكتيكية وليست استراتيجية وهو أمر يعد غريب على شخصيته.
كما أن مشروع 2025 يتناقض مع نفسه. ففي حين يدعو إلى انسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإنه يدعو أيضا الولايات المتحدة إلى “فرض الإصلاحات والسياسات الجديدة” في كليهما. وعلى افتراض أن الولايات المتحدة لن تنسحب، فمن المرجح أن يحاول ترامب زيادة نفوذ الولايات المتحدة وخفض إقراض الصندوق (ما لم تتدخل أزمة مالية عالمية كبرى). من المعروف أن ترامب وماسك عازمان على إجراء تخفيضات جذرية في الإنفاق الحكومي الفيدرالي الأميركي، ومن المرجح أن يحاولا نفس الشيء مع صندوق النقد الدولي. وفي الوقت نفسه، أشارت الحكومة الصينية إلى أنها سعيدة بزيادة مساهمتها، شريطة تغيير قواعد صندوق النقد الدولي، بما في ذلك توزيع الحصص، لصالحها. وفي الواقع، تشير الصين إلى أنها ستزيد مساهماتها المالية في مقابل إصلاحات حوكمة جوهرية، ولكنها ستفقد الاهتمام بصندوق النقد الدولي بخلاف ذلك وتتركه يذبل في مواجهة انسحاب الولايات المتحدة. سعيا منها في بث الروح أكثر في المؤسسات المالية التي ترعاها الصين مثل بنك التنمية.